الديوان » العصر العثماني » ابن معتوق » لله قوم بأكناف الحمى نزلوا

عدد الابيات : 81

طباعة

للّهِ قومٌ بأكنافِ الحِمى نزَلوا

همُ الأحبّةُ إن صدّوا وإن وصَلوا

ودَرَّ درُّهُمُ من جيرةٍ معهم

لم يبرحِ القلبُ إن ساروا وإنْ نزَلوا

جعلْتُهُم لي وُلاةً واِرتَضَيْتُ بما

يقضون في الحُبِّ إن جاروا وإن عدَلوا

همُ همُ سادتي رقّوا قسَوا عطَفوا

جفَوْا وفَوْا خلّفوني أنجَزوا مطَلوا

ودّوا فلو هجَروا زاروا صفَوْا كدَروا

قد حسّنَ الحُبُّ عندي كلّما فعَلوا

رَعْياً لماضي زَمانٍ فُزْتُ فيه بهم

وحبّذا بالحِمى أيّامُنا الأُوَلُ

عصْرٌ كأنّ الليالي فيهِ بيضُ دُمىً

لُعْسُ الشِّفاهِ وأوقاتَ اللّقا قُبَلُ

إذا الرّواةُ روَوْا عنهُ لنا خبَراً

كأنّهم نقلونا بالّذي نقَلوا

كم في القِبابِ لديهم من محجّبةً

في الحُسنِ والعزِّ منها يُضرَبُ المثَلُ

بِكرٌ هي الشّمسُ في إشراقِ بهجَتِها

لو لم يُجِنَّ سَناها فرعُها الجَثِلُ

ودُميةُ القصر لولا سِمْطُ منطقِها

وظبيةُ القَفْرِ لولا الحَليُ والعطَلُ

سيّان بيضُ ثناياها إذا ضحِكَتْ

ومَبسَمُ البرْقِ لولا النّظمُ والرّتَلُ

يبدو الصّباحُ فيَستَحيي إذا سفرَتْ

عنِ المُحيّا فيعلو وجهَهُ الخَجَلُ

تختالُ في السّعي سُكراً وهْيَ صاحيةٌ

فتنقُضُ الصّبرَ منها وهْيَ تنتَقِلُ

تغزو القلوبَ بلَحظَيْها ومُقلَتها

لولا النُّعاسُ لقُلْنا جفنُها خلَلُ

أفديهِم من سَراةٍ في جواشِنِهم

وفي البراقعِ منهُم تلتَظي شُعَلُ

فُرسانُ طَعْنٍ وضرْبٍ غيرَ أنّهُمُ

أمضى سِلاحِهم القاماتُ والمُقَلُ

شُوسٌ على الشّوسِ بالبيضِ الرِّقاقِ سطَوا

وبالجُفونِ على أهلِ الهَوى حمَلوا

في غِمد كلِّ هزَبْرٍ من ضَراغِمهم

وعَينِ كلِّ مَهاةٍ كامنٌ أجَلُ

لم أدْرِ من قَبلِ ألقى سُودَ أعيُنِهم

أنّ المنيّةَ من أسمائِها الكَحَلُ

كلّا ولا خِلْتُ لولا حَليُ خُرَّدِهم

أنّ الدّنانيرَ ممّا يُثمِرُ الأسَلُ

بالبيضِ قد كلّلوا أقمارَهُم وعلى

شُموسِهم بالدّياجي تُضرَبُ الكُلَلُ

صباحُهُم من وُجوهِ البيضِ منفَلِقٌ

ولَيلُهُم من قُرونِ العِينِ مُنسدِلُ

صانوا من الدُّرِّ ما حازَتْ مباسِمُهُم

وما حوَوا منه في راحاتِهم بذَلوا

سُودُ الذّوائِبِ والأحداقِ تحسَبُهم

تعمّموا بسوادِ الليلِ واِكتَحَلوا

يَروقُ في أُسْدِهم نَظمُ القَريضِ وفي

غِزلانِهم يَحسُنُ التّشبيبُ والغزَلُ

تُمْسي القُلوبُ ضُيوفاً في منازلِهم

ولا لهُنّ سِوى نيْرانِهم نُزُلُ

همُ الأكارمُ إلّا أنّهم عرَبٌ

عندَ الكرائمِ منهُم يحسُنُ البُخُلُ

أمَا وَلُدْنٍ تثنّتْ في مناطقِهم

تحت الحَديدِ وقُضْبٍ فوقَها حُلَلُ

وبِيضِ حبّاتِ دُرٍّ بعضها لفَظوا

وبعضهُنّ لأعناقِ الدُّمى جعَلوا

لولا عُيونٌ وقاماتٌ بنا فتكَتْ

لم نَخْشَ من وقْعِ ما سَلّوا وما قتَلوا

لا أطْلَعَ اللَّهُ فجراً في مَفارقِهم

ولا اِنجَلى ليلُها عنهُم ولا أفَلوا

ولا صحَتْ من سُلافِ الدَّلِّ أعيُنُهم

ولا سَرى في سِواها منهُمُ الكَسَلُ

لولا هَواهُم لما أبلى الضّنى جسَدي

ولا شجَتْني رُسومُ الدّارِ والطّلَلُ

ولا تفرّقَ قلبي بالرّسومِ كما

تفرّقتْ من عَليٍّ في الوَرى الخَوَلُ

المُوسَويُّ الّذي مِشكاةُ نِسبتِه

أرحامُها بشِهابِ الطّورِ تتّصِلُ

كريمُ نَفْسٍ تُزانُ المَكرُماتُ به

ومنهُ تنشأُ بالدُّنيا وتنتقِلُ

طَوْدٌ لوَ اِنّ سَرَنْدِيباً تبدّلُه

لساكِني الحَوْزِ بالرّاهونِ ما قَبِلوا

ولو إلى أرضه يهوي الهِلالُ دُجىً

لم ترضَهُ أنّه من نَعلِها بدَلُ

قِرنٌ يَميلُ إلى نَحوِ الظُّبا شغَفاً

كأنّهُنّ لديهِ أعيُنٌ نُجُلُ

يغشى العِدا مثلَ ماضيهِ وعاملُه

يهتزُّ بِشراً ويَثني عِطفَهُ الجذَلُ

في طرْفِ هِنديّه من ضَربه رَمَدٌ

وفي عَواليهِ من خَمْرِ الطُّلا ثمَلُ

له سُيوفٌ إذا ما النّصرُ أضحكَها

تَبكي الرِّقابُ وتَنعى نفسَها الظُّلَلُ

جِراحُها وعُيونُ الصّبِّ واحدةٌ

لا تِلْكَ تَرْقا ولا هاتِيكَ تَندَمِلُ

بيضُ الجوانبِ كالأنهارِ من لبَنٍ

تظنّها بالوَفا يَجري بها العسَلُ

حَليفُ بأسٍ إذا اِشتدّتْ حميّتُه

لولا نَدى راحتَيْهِ كادَ يشتعِلُ

يغزو العدوَّ على بُعْدٍ فيُدرِكُه

كالنّجمِ يَسري إليه والدُّجى جمَلُ

يكادُ كلُّ مكانٍ حلَّ ساحتَهُ

يَقفوهُ شَوقاً إليهِ حينَ يرتَحِلُ

تَلقى مراقِدَ نُورٍ في مَواطِئِه

كأنّه بأديمِ الشّمسِ مُنتَعِلُ

لا يُطْمعُ الخصمَ فيه لِينُ جانبِه

فقد تَلينُ الأفاعي والقَنا الذُّبُلُ

ولا يغُرُّ العِدا ما فيهِ من كرَمٍ

فمُحْدِثُ الصّاعِقاتِ العارضُ الهَطِلُ

يمدُّ نحو العُلا والمَكْرُماتِ يَداً

خُطوطُها للمَنايا والمُنى سبُلُ

يدٌ إلى كلِّ مِصْرٍ من أنامِلِها

تَسري الأيادي وفيها ينزِلُ الأملُ

كأنّ خاتَمَهُ يومَ النّوالِ بها

قوسُ السّحابِ الغَوادي حينَ ينهَمِلُ

حازَ الكَمالَ صبيّاً منذُ مولدِه

وقام بالفَضْلِ طِفلاً قبلَ ينفصِلُ

نفْسٌ من القُدْسِ في ذاتٍ مجرّدةٍ

بالعُرْفِ جازَ عليها يصدُقُ الرّجُلُ

ما لاحَ فوقَ سريرٍ مثلَهُ قمرٌ

ولا تمطّى جواداً قبلَهُ جَبَلُ

ولا تنسّكَ زُهْداً غيرَهُ أسَدٌ

ولا تديّن في دينِ الظّبا بَطَلُ

هل عانقَ الشّمسَ إلّا سيفَهُ فلَقٌ

واِستغرَقَ البحرَ إلّا دِرعهُ وشَلُ

باهَتْ مناقبهُ الدُّنيا به فعَلا

قدْراً على سائِر الأيّام واِستفَلوا

حكَوهُ خَلْقاً وما حازوا خلائِقَهُ

والناسُ كالوحْشِ منها الليثُ والوَعلُ

أنّى يحاوِلُ فيه مدّعٍ صفةً

وهل يُحصِّلُ طِيبَ النّرجسِ البصلُ

ما كلُّ ذي كرَمٍ تحوي مكارمُه

والدّرُّ في كلِّ بحرٍ ليسَ يحتَمِلُ

لديه أغلى لِباسِ المرءِ أخشنُه

وأحسَنُ الخزِّ والدّيباجِ مُبتذَلُ

لو باللّباسِ بدونِ البأسِ مفتخَرٌ

فاقَ البُزاةَ بحُسْنِ الملْبسِ الحَجَلُ

يا اِبْنَ الأُسودِ الألى يوماً إذا حملَتْ

بالأفْقِ يُشفِقُ منها الثَّوْرُ والجمَلُ

زانَتْ بأبنائِكَ الدُّنيا وفيكَ ولو

لم يُولَدوا لم تَجِدْ كُفْؤاً لها الدّوَلُ

أنتم شُموسُ ضُحاها بل وأنجُمُها

لَيلاً وأوقاتُها الأسْحارُ والأُصُلُ

عنكم ومنكم رُواةُ المجدِ قد أخذوا

عِلمَ المَعالي ولولاكم به جهِلوا

يدرونَ أنّكُم حقّاً أئِمّتُهُم

ويعلَمون يَقيناً أنّكُم قُبُلُ

إذا العَياءُ كَساكُم فضْلَ ملْبَسِه

فأيُّ فخرٍ عليكُم ليسَ يشتمِلُ

أدواكُمُ لسَقيمِ المجدِ عافيةٌ

لكنّهُنّ لأبحارِ الثّنا عِلَلُ

كأنّما خُلِطَتْ بالطّينِ طينَتُكُم

فنَبْتُها ليس إلّا الوردُ والنّفَلُ

مولايَ ذا الصّومُ أبقى أجرَهُ ومضى

لديكَ والفِطْرُ والإقْبالُ مُقتَبَلُ

واِسعَد بعودةِ عيدٍ عاد فيه لَنا

فيكَ السّرورُ وزال الهمّ والوجَلُ

عيدٌ تشرّفَ يا اِبْنَ الطّاهرينَ بكُم

لِذا به ملّةُ الإسلامِ تحتفِلُ

فاقَ الزّمانَ كما فُقْتَ الملوكَ فَما

كِلاكُما سيّدٌ في قومِه جلَلُ

واِسْتَجْلِ طلعةَ فِطْرٍ فوقَ غُرّتِه

هِلالُ سَعْدٍ سَناهُ منكَ مُنتَحِلُ

شيخاً تأتّاكَ كالعُرْجونِ مُنحنياً

وأنت كالرّمحِ رَطْبُ العودِ مُعتدِلُ

رآكَ بعدَ النّوى ليلاً فعادلَهُ

عُمرُ الشّبيبةِ غضّاً وهْوَ مُكتَحِلُ

ولا برِحْتَ مُطاعَ الأمرِ مقتدِراً

يجري القضاءُ بما تَقْضي ويمتثِلُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن معتوق

avatar

ابن معتوق حساب موثق

العصر العثماني

poet-abn-matouk@

154

قصيدة

2

الاقتباسات

67

متابعين

شهاب الدين بن معتوق الموسوي الحويزي. شاعر بليغ، من أهل البصرة. فلج في أواخر حياته، وكان له ابن اسمه معتوق جمع أكثر شعره (في ديوان شهاب الدين -ط).

المزيد عن ابن معتوق

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة