الديوان » العصر العثماني » ابن معتوق » تصاحى وهو مخمور الجنان

عدد الابيات : 73

طباعة

تَصاحى وهو مخمورُ الجَنانِ

وهل يصحو فتىً يهوى الغَواني

وأوْرى وجْدَهُ فشكا وورّى

عنِ الأحداقِ في نُوَبِ الزّمانِ

وهل في النّائِباتِ السّودِ شيءٌ

أشدُّ عليه من حدَقِ الحِسانِ

وهل كذوائِبِ الفتيانِ منها

عليهِ تطاولَتْ ظُلَمُ اِمْتِحانِ

تديّن في الهَوى العُذْريِّ حتّى

رأى عِزَّ المحبّةِ بالهَوانِ

أشَدُّ من الأسودِ إذا لَقيها

وفيه عنِ المَهى فرقُ الجَنانِ

فليسَ يفرُّ إلّا عن قِتالٍ

به القاماتُ من عُدَدِ الطِعانِ

إلامَ يرومُ سترَ الحبِّ فيه

فتكشفُ عنه عَثْرات اللِّسانِ

يُشبّبُ بالحُوَيزةِ وهو صبٌّ

تغزُّلُه بغِزلانِ اللِّقانِ

ويسفَحُ دمعَهُ بالسّفحِ شَوقاً

ويلمعُ مضحكُ البَرقِ اليَمانِ

ويطوي السّرَّ منه وكيفَ يَخفى

وفي عينيهِ عُنوانُ العَلانِ

لقد شُغِفَتْ حُشاشتُهُ بنجدٍ

فهامَ بها وحنّ إلى المَجاني

رأى حِفظَ العُهودِ لساكِنيها

وضيّع قلبَهُ بين المَغاني

رهينُ قُوىً على خدّيه تجري

سوابِقُ دمعِه جرْيَ الرِّهانِ

يمرّ على حَصى الوادي فيبكي

فينتثِرُ العقيقُ على الجُمانِ

وتنفحُهُ الصّبا فيميلُ سُكْراً

كأنّ بريحِها راح الدّنانِ

فهل من مُسعِدٍ لفتىً تفانى

فأدْرَكهُ الوجودُ من التّفاني

عليه قضى البِعادُ فعاد حيّاً

لأجلِ عذابِه فيما يُعاني

إذا قبضَ الإياسُ الرُّوحَ منه

به نفخَ الرّجا روحَ التّداني

تُشَبُّ بقَلبه النيرانُ لكنْ

يُشمُّ منَ الحِمى نفَسُ الجنانِ

سقى اللّه الحِمى غيثاً كدمعي

تَسيلُ به البِطاحُ بأُرجُوانِ

ولا برِحَتْ تُجيبُ به اِرتياحاً

قَماري الدّوحِ أقمارَ القِيانِ

حِمىً فيه البُنودُ تُمَدُّ منها

على البيضاءِ أجنحةُ الأماني

ومُرتَبعاً به الضِرغامُ يَبني

كِناسَ الظَبي في غابِ اللِّدانِ

تلوحُ عليهِ نارٌ من حديدٍ

وأخرى للضّيوفِ على الرّعانِ

فكم تزهو به جنّاتُ حُسْنٍ

وكم تجري عليهِ عُيونُ عانِ

بأجفُنِ بيضِه حُمرُ المَنايا

وتحتَ قِبابه بيضُ الأماني

محلّاً في الملاعِب منه تبدو

كواعبُ كالكواكبِ في قِرانِ

حِسانٌ كالشُموعِ تَرى عليها

ذوائِبَها كأعمدةِ الدُخانِ

تماثيلٌ تضلُّكَ لو تَراها

عذرْتَ العاكفين على المداني

بروحي غادةٌ منهنّ تبدو

إلى قلبي وتنأى عن مَكاني

يمثّلها الخيالُ خيال طَرفي

فأُبصرُها وتُحجَبُ عن عِياني

تقُدُّ البيضَ في جَفْنٍ نَحيفٍ

وتَفري السّابغاتِ بغصنِ بانِ

إذا نبذَتْ إلى سمعي كلاماً

حسِبْتُ لسانَها نبّاذَ حانِ

ثناياها كدُرِّ ثَنا عليٍّ

مرتّلةً مرتّبةَ المَعاني

ومُقلتُها وعزمتُهُ سَواءٌ

كِلا السّيفينِ نصلٌ هُندواني

هَواهُ إلى المديحِ كما دعَتْني

كذا التشبيبُ فيها قد دَعاني

حليفُ المَكرُمات أبو حُسينٍ

عزيزُ الجارِ ذو المالِ المُهانِ

أخو هِمَمٍ إذا اِنبعثَتْ فأدنى

مواضيها على هامِ الزّمانِ

وأخبارٍ سرَتْ فبكلِّ أرضٍ

لها عبقٌ يضرُّ بكلِّ شانِ

وأمثالٍ تلذُّ بكلِّ سمعٍ

كأنّ بضرْبِها ضرْبَ المثاني

وأخلاقٍ كروضِ المُزنِ تحكي

مباسِمُها ثُغورَ الأُقحُوانِ

خِصالٌ كاللآلي نافسَتْها

عليه قلائِدُ البيضِ الحَصانِ

شِهابُ وغىً يهزُّ سريَّ نصلٍ

وليثُ سُرىً يَصولُ بأُفعوانِ

يرى وضحَ النّصولِ فُصولَ شَيبٍ

فيخضِبُها بأحمرَ كالدِّهانِ

تبنّاهُ السّحابُ فكان أحرى

بذي الدّعوى عليه النَّيّرانِ

وواخاهُ الحُسامُ فكان منهُ

بمرتبةِ القناةِ منَ السِّنانِ

وحلّتْ منه منزلةَ المَعالي

فأضحَتْ كالخواتِمِ في البَنانِ

وحلّى المجدَ في دُرَرِ السّجايا

فأمْسى وهو كالأفُقِ المُزانِ

كَسا تُرْكَ النّجومِ مُسوحَ نقْعٍ

وروميَّ النّهارِ بطَيْلَسانِ

وأنبتَ في فؤادِ الصُّبحِ رَوعاً

فها كافورُه كالزّعْفَرانِ

كأنّ بُنودَهُ حجّابُ كِسْرى

على كلٍّ قميصٌ خُسْرَواني

وحُمرُ ظُباهُ للمرّيخ رهْطٌ

فكلٌّ عندَميُّ اللّونِ قانِ

توهّمَ أن تَميدَ الأرضُ فيه

فوقّرَها براسيةِ الجَنانِ

وأيقنَ أنّ بذْلَ المالِ يُبقي

له بُقْيا فخلّدَه بِفانِ

لقد غلِطَ الزّمانُ فجادَ فيه

وأعْقَمَ بعدَه فرْجُ الأوانِ

فلو حملَتْ من القمرِ الثُريّا

لما كادَتْ تَجيءُ له بثانِ

تورّث كلَّ فخرٍ من أبيه

وكلَّ تُقىً وفضلٍ واِمتنانِ

كأنّهُما صلاةُ الفجرِ هذا

لذا شَفْعٌ أو السّبعُ المَثاني

عَلا مِقدارُه فحكى عليّاً

فشاركَهُ بتسميةٍ وشانِ

هُما نجمانِ بينهُما اِشتراكٌ

لوِ اِقترَنا لقُلنا الفرقَدانِ

فكم من نهرِ سابورٍ تأتّى

له نصرٌ كيومِ النّهروانِ

وكم في التّابعين لآلِ حَربٍ

له من فتكةٍ بِكرٍ عَوانِ

وأشرفُ ما لهُ في الدّهر يومٌ

قضى يومَ الصّفوفِ بشهرَكانِ

ألا يا اِبْنَ الأيمّةِ من قُريشٍ

هُداةِ الخَلقِ من إنسٍ وجانِ

لقد أشبهتُهُم خَلقاً وخُلقاً

وحُكماً بالقضايا والبيانِ

ووافَيْتَ الزّمانَ وكان شيخاً

فعادَ سوادُ مفرِقِه الهِجانِ

عرَجْتَ إلى المعالي فوقَ طرفٍ

فجارَيْتَ البُراقَ على حِصانِ

كأنّك في اليد البيضاءِ موسى

ورُمحُكَ كالعَصا في زِيّ جانِ

سِنانُكَ عن لِسانِ الموتِ أضحى

لدى الهيجاءِ أفصحَ تَرْجُمانِ

وسيفُكَ لم يزلْ إمّا سِواراً

لملحَمةٍ وإمّا طوقَ جانِ

فدُمْ حتّى يعودَ إليك أمسٌ

وعِشْ حتّى يؤوبَ القارِظانِ

ومتّعكَ الإلهُ بعيدِ فِطْرٍ

وخصّكَ بالتّحيةِ والتّهاني

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن معتوق

avatar

ابن معتوق حساب موثق

العصر العثماني

poet-abn-matouk@

154

قصيدة

2

الاقتباسات

67

متابعين

شهاب الدين بن معتوق الموسوي الحويزي. شاعر بليغ، من أهل البصرة. فلج في أواخر حياته، وكان له ابن اسمه معتوق جمع أكثر شعره (في ديوان شهاب الدين -ط).

المزيد عن ابن معتوق

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة