مؤيَّد الراوي (1939–2015)
وُلد محمد مؤيَّد شكري محمود الراوي، المعروف باسم مؤيَّد الراوي، عام 1939 في مدينة الأنبار، وقضى شبابه في كركوك، حيث نشأ في بيئة ثقافية متعددة الأديان واللغات، إذ كان والده مسلمًا ووالدته مسيحية، مما أسهم في ترسيخ قيم التعددية والانفتاح لديه منذ الصغر. تعلّم العربية والكردية والتركمانية والإنجليزية في وقت مبكر من حياته.
تابع دراسته في دار المعلمين العالية، وعمل في التعليم، لكنه أُبعد إلى القرى الشمالية بسبب ميوله التحررية، واعتُقل عدة مرات، كان أبرزها بعد انقلاب عام 1963، حيث قضى عامين في السجن، ثم فُصل من عمله. انتقل بعد ذلك إلى بغداد، حيث شارك في الحياة الثقافية وعمل في الصحافة، وبرز كأحد رموز التجديد في الشعر العراقي الحديث، من خلال قصائده ومقالاته النقدية في الأدب والفن.
كان الراوي من المؤسسين البارزين لما عُرف بـ"جماعة كركوك الأدبية"، التي ضمّت أسماء لامعة مثل سركون بولص، وفاضل العزاوي، وأنور الغساني. وقد مثّلت هذه الجماعة صوتًا حداثيًا مغايرًا في الشعر العراقي، وأحدثت أثرًا واضحًا في المسيرة الأدبية العراقية خلال ستينيات القرن العشرين.
غادر العراق بعد انقلاب البعث الثاني، متجهًا إلى عمّان ثم بيروت، حيث مكث حتى عام 1980، قبل أن ينتقل إلى برلين ويستقر فيها مع زوجته وطفليه حتى وفاته. وقد شهد في منفاه سقوط الاشتراكية وجدار برلين، وهي تحولات تركت أثرها في تجربته الشعرية والفكرية.
رغم قلة نتاجه الشعري، فإن الراوي يُعد من أبرز شعراء جيله، حيث ترك ثلاث مجموعات شعرية فقط:
"احتمالات الوضوح" (1974) – صدرت في بيروت وشكّلت لحظة فارقة في مسار الشعر الحداثي العربي.
"ممالك" (2011) – صادرة عن دار الجمل، وجاءت نتاجًا لتجربة منفاه الطويل في ألمانيا.
"سرد المفرد" (2015) – نُشرت قبل وفاته بيومين، وتضم قصائد تعكس رؤيته الفلسفية الحادة للوجود واللغة والمعاناة.
تُرجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وظل بعيدًا عن الأضواء، مؤمنًا بأن الشعر الحقيقي يتجاوز الانتماءات الضيقة، ساعيًا إلى تحرير الذات من قيود الهوية الجماعية.
توفي مؤيَّد الراوي في برلين عام 2015، عن عمر ناهز 76 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.