الديوان » الأردن » عاطف الفراية » جدارية يوتيربي

1 فصل: التيه
مُتأجِّجٌ..هذي بدايةُ قصتي .. مُتأجِّجٌ هذي نهايتها معاً .. هو ذا عُـوائي مثلُ ذئبٍ في براري الكونِ فانتبهي لنزفي يا جِرارَ نبيذها الكونيِّ لستُ أطالُ موتاً يشتريني أو تطالُ يدايَ صفحَ قصيدتي أو صفحَ ربّتها وها إني الذي يغتالني قلبي وتهجرني ضلوعي .. ينثني ضلعي على قدحي المراوغِ فيه سمٌ لم تضعه سوى يدي..هو ذا دليلي في متاهاتي التي ما جرّني غيري إليها .. بعضُ هذا
الرملِ كثبانُ القصيدةِ حين تذروها رياحي .. بعض هذي الريحِ صفرةُ ماءِ أنهاري التي قد كنتُ فاتِحَها فخانتني مجاديفي .. وبعضُ النهرِ هذا دمعيَ المفقودُ .. بعضٌ من دمي خمري .. وبعضٌ من فمي جمري .. وها بعضي يصبّ النارَ في بعضِ الفراغِ لتكتوي كلُّ السّــــــــــــــــلالـــمِ ترفعُ النيرانَ نحو الغيمِ تمطرني بها .. هذي السّـــــــــــــــلالــــــِمُ كنت أرفعها بشِعري حين أصعد للحبيبة ها هناك .. وها أنا وحدي على قهرِ الحقيقةِ أحتـــسي ذنبي نبيذاً .. والسّــــــــلالمُ تقتفي أثر الحكاية في فمي كي تدرك المعنى أخيّبُ ظنَّها فتعود تبحثُ كلما عادت تقيأْتُ القــصيدَ فسـال مـــن جوفي اللهيبُ.
هذا دليلي في رثاء قصيدتي لا أشتهيه غوايةً .. بل إنه الموتُ الجنونُ البكرُ يجترُّ البِذارَ إلى الحريق قُبيل نبتِ الزرع فيه .. ولا رثاءُ حبيبتي قَدَرٌ بدربِ الثاكلاتِ قصائدي .. بل إنها تنأى فيجتـرُّ العويلُ ربابةً صدري وينهمرُ الرثاءُ على شبابيكِ القصائدِ .. فاحتفلْ بالتيه يا صدراً يصادِرُ صوتَهُ .. ولتحتفلْ بالصمت يا دمعاً صراخُ الكائنات أنينُهُ .. لا صوتَ يُغريني لأرثي ربةً .. لكنها تأبى عليَّ الدمعَ .. مِنْ هذي الصلاةِ تناولتْ روحُ الجنائز صمتَها والآسَ .. مَنْ لي غيرُ آلهةِ الغيابِ تؤمُّني إمّا أردتُ صلاة موتي ؟ من يُسرِّحُ رغبتي في العيشِ ؟ والآن ابتدأتُ مفاتِحَ الهذيانِ .. من أهذي على كتفيه إن جاء النحيبُ .؟
وحدي أجرُّ قصيدتي للنار .. وحدي أبتغيها جمرةً .. وحدي سأشربها مع الصلوات .. ها إني أقول لها
أحبك هكذا سوداءَ يا هذي القصيدةُ مثلَ ظبيٍ في أتونِ النارِ .. يا هذي الخرافةُ حين يشتاق اللهيب إليك يغدو فوق صحرائي سراباً مثلَ مرآةٍ ليأتيَ صوتُكِ المجروحُ في وجهي .. فتــحترقين يا حـمقاءُ يا هذي القصيدةُ تعرجينَ إلى سَــقَرْ.
وسـتشـربيـنَ النهرَ ممـزوجا بذنـبي .. ثـم تنهـمرين نهراً من شَـرَرْ.
من ذا سيقرأُ ؟ من سيطربهُ العواءُ هنا ..؟ وهل أحتاجُ يا هذي القصيدةُ قارئاً يعـوي معي في التيهِ ..؟ هل أحتاج وَرداً كي أقدمَهُ إلى رملٍ يجفِّفُ نهرَ دمعٍ لم يزلْ مستعصياً في الكهفِ ..؟ هل أحتاج تصفيقا توزعه الأكفُّ على القصيدةِ كي تذرَّ رمادها في الكونِ ؟ هل أروي الحكاية للجبال لكي تزولَ ..؟ وهل سأرويها لبحرٍ كي يجفَّ ..؟ وهل سأرويها لبنلوبّي* لتحزنَ ..؟ هل أنا وغدٌ كما كانت تُسمّيني طويلاً في دعابتها الحميمةِ ..؟ هل أنا حقاً خراااااااااااااافة عشقها ال كانت تناديني إذا أسمعتُها شعرا وتطربُ .. هل أنا وغــدٌ كأوديسيوسَ* كي أُبكي التي منحتْ لصحرائي ربيعاً أحرقته يدي ..؟ وهل ظلت حبيبتيَ الوحيــــــــدةُ مثل ربّات الكلام على الطريق تراقب الجمهورَ إن فـرّوا من الإلقاءِ في أمسيّتي والنارُ تلفح وجههم بقصيدتي .؟ وحدي إذن..وحدي سألثُمُ نارَها..وحدي سأحرقني بها..وحدي سألقيها إليّ .. وها أنا .. وحدي تجرّعتُ الزفيرَ زفيرَها الناريَّ .. ها
وحدي أضيعُ أقومُ أنهضُ من فراشِ الموتِ .. لا (صوتِكْ يناديني)* ولا (ساري واصوتْلَكْ)* ولا الموتُ اشتهاني باكراً ليريح قافيتي وترتاح المرايا .. وحدها المرآةُ تحترفُ التشفّي باحتراقي وحدها المرآة تقتلني بوجهي كل صبحٍ .. وحدها .. وحدي ألمُّ زجاجها .. وجعاً تشقَّقت المرايا في القصيد وكلما فارَ العويلُ تناثرتْ .. وحدي أَلُمُّ شتاتها .. وحدي بها وأنا القتيل القاتلُ.
وحدي كما أجـّجْتُ ناري أكتوي وحدي بها .. فأنا القتيل القاتلُ.
وحدي أهيمُ..أذوبُ .. أحترفُ التَّصَحُّرَ في البحار وفي جبال الله إنّي ذئبُها المطعونُ يعوي نزفَه الأبديَّ..وحدي في انتظار الرّتقِ..رتقا يا إلهي في شبابيك السماء يجبُّ عني نارها .. رتقاً لقلبي يوقفُ النّـزفَ الرجيمَ وأبتغي رتقاً لرأسي ها أنا وحدي جننتُ أنا الجنون العاقلُ.
*****
2 المعراج:
هي ذي بدايةُ قصتي مُـذْ كان لون التّمرِ أبيضَ .. دارت الدنيا فصار التمرُ أصفرَ .. صارَ لونُ التمر أحمرَ .. صار لون التمرِ أسودَ .. كانَ يا ما كنتُ ..يا ما كان.. كان
البرتقالُ بلون يوتيربي شهياً مثلَ خمر الله ..
كان الشّعرُ شعري ..
كانت الأوراق قافيتي التي تعلو على شجرٍ تطاول في السماءِ ..
وكان أن كانت حبيبتِيَ الوحــيـــــــــــــــــــــدةُ في أراجيح السماء
وكنت أهذي باسمها مُــــــذْ كـــانَ
خـــوخُ الله قافيةً عـــلى دربي ..
تناثرَ كــلُّ خـــوخِ الله في دربي .. تناثر والغزالاتُ اشرأبّتْ ..
كل أعناقِ الغزالاتِ اشرأبّت نحو قافيتي وأعــنابي .. وما أحببت غــيرَ غــزالةٍ كانت تدلّتْ من أراجيح السماءِ .. وكنتُ طفلاً.. كــنتُ
صياداً .. وكــنتُ أحيّرُ الرعيانَ في المعنى ..
وصقراً كنتُ.. كنتُ أُحيّرُ الأدغال في لوني ..
غزالاً كنتُ .. كنت أحيّرُ الغزلان في صوتي ..
حصانا جامحا قد كنتُ كانتْ تشتهيني العادياتُ جميعُها ..
هذا صهيلي كان يُشـعـلُ كلَّ ناياتِ الرعاةِ ..
وكنتُ تيّارا
من اللاوعيِ
يرسم وجهها في
الكون ..
كنتُ إذن ..
وكانتْ .. إنْ
ت
د
لّ
تْ
من أراجيح السماء تحيّر الدنيا بمعناها وصوت الناي أبيضُ ..
كان صوتي في السماء مؤرجحا::
هللا نزلتِ إلى ســــــلالــمِ غيمتي كيما أرتّلَ للجبال مديحَكِ الزهريَّ ..
هذا الليلُ أبيضُ مثلُ صوت الناي ..
هذي غيمةُ الفيروزِ مثلُـكِ
مثل دفءِ الكائنات
وأنت رؤيا هذه الأوراقِ... تنحسرُ المسافة عن عيوني ... فاهبطي
من أزرقِ الأكوانِ كيما أقتفي أثـرَ البنفسجِ فيكِ .. هذا الرّعد بعضٌ من تراتيلي إليك وهذه
الوديانُ أجراها هواؤكِ في ظنون الماء ..
أفراسي على ورقٍ من النّارنجِ والأنهار حِبرُكِ .. لو نزلتِ .. أطوف ما بين الجدائل سبعَ مراتٍ ..
وأسعى بين كلِّ قصيدةٍ وقصيدةٍ سبعاً ..
أُحلّقُ تحت جلدِكِ مثلَ صقرٍ كي أمرَّ على
الدفوفِ ..عـــلى الكمنجات التي
خبأتِها .. وأصيح
بالنايات يا ناياتها .. ها إن
أفراسي على ورقٍ من النّارنجِ يا ناياتها .. يا
كونُ يا هذَيانُ يا ناياتها ..
يا ورد يا ماء استفق ..
يا بحرُ يا ناياتها ..
يا برُّ يا زرع استفق .. يا
حلمُ يا غزلانُ يا غاباتُ يا أشجارُ يا ناياتها .. يا
رملُ يا جمرُ استفق ..
يا ليل يا ناياتها .. يا
أمرُ يا خمرُ استفق ..
يا نهرُ يا أسماك يا ناياتها .. يا
كلَّ وجْدي ..
يا ظباءُ استيقظي...
لو أنها نزلتْ .. لكنتُ صبغتُ هذا السُّـــــلّمَ الكونيّ وجْداً .. كنت وزّعتُ الدفوفَ على أكفِّ الساحراتِ وكنت وزّعتُ الكمنجاتِ التي غادرتِها في كل أغصان النخيل ليبدأ العزفُ السماويُّ ابتهالا للقصيدة .. كلُّ أفراسي على ورقٍ من الحناءِ والأنهارُ حبرُكِ .. كلُّ أسماء الخليقة أنت يا
ناياتِها .. يا ربّةً غابتْ وطالَ
غيابها .. يا ربّةً مُذْ غبتِ .. راحَ
الخلقُ يرتبكون في لون السديمِ .. وضاعَ أبنوسٌ من الغابات يزحف للشواطئِ .. ضاعت الأفلاك عن أفلاكها .. ضاع الفَراشُ على كفوفِ اللون وارتبكت قناديلٌ تهيئُ عتْمها لجناحهِ المكسورِ .. ضاعَ الصقرُ عن شهر التكاثر.. راحت الأسماكُ تلحق ظلها في الشمس .. والأقمارُ تبحث في النوافذِ عن بقايا عاشقينَ... وخيـــــــــبةٌ شبقُ
الغيوم إلى الترابِ ..
كخيــــــــــبة المعنى على السَّجَّادةِ الحمراءِ من عبدٍ توضأ بالسرابِ ..
وخيـــــــــــــبةٌ بحثُ السماء لوجهها عن زرقةٍ في البحرِ حينَ تراه أبيضَ ..
خيــــــــــــبةٌ شبقُ الظنون إلى الحقيقةِ في مساماتِ الخليقةِ ..
خيــــــــــــــبةٌ شبقُ النوارس وهي تبحث عن دفوفِ الرقصِ في بحرٍ يعيش الخيـــــــــــبة الكبرى ويبحث عن سفائنَ غادرته إلى الرمالِ ..
وخـــــــــيبةٌ شبق الأصابعِ للكمنجاتِ التي أوتارُها عصبُ الخيولِ .. وكل ما
يجري على ريش الحكاية خيـــــــبةٌ ..وأنـا ولـــــــــيدُ الــــرّمزِ
في المعنى على وتري تجوسُ الخيـــــــبةُ الكبرى إذا ما اشتقتُ للقول الفريدِ ..
وخيــــــــــبةٌ ألا أراني في جناح الوجد أكتب قصتي للعابرين ليقرأوا وجعَ الحكاية حين غبتِ ..
فأنتِ مفتاحُ الحكايةِ أنت مفتاحُ البدايةِ أنت مفتاحُ النهايةِ أنت مفتاحي على هجْسِ الظنون الفاتنات .. وها أنا في شاطئٍ للتائهين وصحتُ بالربّانِ يا هذي الســــفينة أقلعي في الرمل إن
الرمل مرساتي الشريدةُ دون بوصلةٍ وضاع دليلها .. يا رمل هذا تيهيَ المبثوثُ في
المعنى وفي وهجِ الدلالة .. في محطات الفراغ على جِرارِ الكون فارغةٌ جرارُ الكون .. يا معنى أناشدك الإلهَ .. أأنت معنىً أم
فراغُ الربّةِ المشتاقُ للمعنى ؟ وهل أنتَ الذي ألهمتَني خمراً وموسيقى تؤجّلُ فصل موتي حين لا تأتي جرارُ نبيذِها ؟
يا موتُ ها إني على وترٍ من المعنى وأوراقي على ريحٍ من البخّور والنارنج والحناء .. يا معنى ترجّلْ من أراجيح السماءِ ........ ويا بعيــــــــــــــــــــدةُ لو نزلتِ لكنتُ أوْصَفَ خلقِ ربِّ الكون للمعنى فها إني وصفتكِ ..
أنتِ يوتيرْبي*
التي .. في الكبرياءِ وتشربين الكبرياءْ.
بل أنت كاليوبي* التي في كل ملحمةٍ لها عرشٌ وقائدة الملاحم والجيوش.. بكل شِعرٍ منذ هوميروسَ* يحضرُ طيفُها ولها يشدُّ اللحنُ في كل القصيدِ رحالهُ ولأجلها خلق الغناءْ.
أو أنت أوراتو* التي اختبأتْ على مرِّ الزمان بكلِّ ما يهذي به صبٌّ "كقيسٍ" ..كلُّ قيسٍ أنت ليلاهُ التي لم يستفقْ إلا على أطيافها صبحاً.. وإن غادرْتِهِ صبحا فأنت نجومُه وهلالُهُ وسماؤُهُ وظِلالُهُ عند المساء.
أنت الثلاثةُ كلُّهُنَّ.. دفوفُهُنَّ وصوتُهنّْ وهمسهنَّ
ووحْيُهُنَّ إذا هوى الشعراءْ.
أنــتِ التي في المــــاءِ روحُ المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءْ.
أنـــتِ التي فـي الوردِ ريحُ الوردِ والألوانُ والأسماءْ.
أنتِ التي قامت على وردِ البدايةِ في الغيومِ لتستحمَّ بها الجبال .. فينحني نــــهرٌ .. ويتبعها الفراش إلى قناديل السماءْ.
أنتِ التي في الليل أهداها الإلهُ غوايةَ الأشياءِ .. لم يتركْ لباقي الخلقِ غيرَك والهواءْ.
أنتِ التي في الأرض تشكيلٌ .. مساحةُ صدرها كلُّ السهولِ وهذه الغابات فستانٌ لقامتها ونهداها هضابُ الأرض كلِّ الأرضِ .. والأرضُ التي تـطـئـيـنَـها تغدو سـماءْ.
أنتِ التي بجديلةٍ منها يشدُّ الله أنجمهُ إلى رحم الفضاءْ.
أنتِ التي إن تبتسمْ ..
تكسو فساتينُ الخَضارِ محيطَ خِصْرِ الأرضِ .. ترتعشُ الجبالُ صبابةً .. وتطولُ موسيقى الخيولِ بليلةِ الحنّاءْ.
أنتِ التي إن تبتــئـسْ
يغفو الجمال على أكفّ جهنمٍ دهرا وتستبقُ الخليقة ذاتها نحو الفناء.
هذا غنائي فيكِ .. ها إني وصفتكِ مثلما لم يدركِ الشعراءُ مــن قبلي ولا مـا سـوف يدرك أيّهمْ من بعـد موتــي هكذا .. إني رأيتك هكذا لم يدرك الشعراء ما أدركتُ تباً للقصيد وتبّ أنف الشعر منذ الخلق إن الشعر دونك يستوي فيه البهاءُ مع الهراءْ.
(لم تتم، لا تتم، لن تتم)

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عاطف الفراية

avatar

عاطف الفراية حساب موثق

الأردن

poet-atif-al-faraya@

70

قصيدة

38

متابعين

عاطف علي الفرّاية شاعر وكاتب مسرحي، من مواليد الكرك- الأردن 1964م،حصل على بكالوريوس لغة عربيّة من جامعة بيروت العربيّة عام1992م. له عدة اصدارت منها: حنجرة غير مستعارة: ديوان شعر 1993 منشورات ...

المزيد عن عاطف الفراية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة