الديوان » مصر » علي محمود طه » يوم الملتقى

عدد الابيات : 64

طباعة

هذي سماؤُكِ أنغامٌ وأضواءُ

غَنَّاكِ «داودُ»، أم حيَّاكِ «سيناءُ»

أم النبيُّون قد أزجَتْ سفائِنَهم

موعودةٌ، من ليالي النيل قمراءُ

أم طالعتكِ من السِّحر القديم رُؤًى

يشدو بهنَّ الثرى، والريحُ، والماءُ

أم جاء «طيبةَ» من أربابها نبأٌ

أم أنَّ كهَّانها بالوحي قد جاءوا

أم سارَ «عمرو» بنور الفتح فائتلقتْ

بهِ زبرجدةٌ في الشطِّ خضراءُ

ماجتْ خمائلُ بالبشرى وأوديةٌ

فهنَّ فاكهةٌ تَنْدَى وصهباءُ

يا مصرُ، ذلكَ يوم الملتقَى، وعلى

صبَاحِهِ قَدِمَ الرُّسْلُ الأجلَّاءُ

أسْرَتْ إليك بهم روحٌ وعاطفةٌ

وكم إليكِ بسرِّ الروحِ إسراءُ

دعا، فلَّبوهُ، صوتٌ من عروبتهم

كما يُلبِّي هُتافَ الأمِّ أبناءُ

لا بل أهابَ بهم يومٌ صنائعهُ

من أمرها الناسُ أمواتٌ وأحياءُ

إنْ لم تَصُنْ فيه أيديهم تُراثَهمو

فقد تَبَدَّدَ، والأيامُ أنواءُ

طاحتْ بناصيةِ الضعفَى، وسخَّرَهَا

كما يشاء الأشدَّاءُ الألبَّاءُ

أحرارُ دهرٍ همُ المستيقظون لها

ومن غفوا فهمو الموتى الأرقَّاءُ

بَنِي العروبةِ، دارَ الدهرُ واختلفتْ

عليكمو غِيَرٌ شَتَّى وأرزاءُ

مضى بضائقتيها الأمسُ، وانفسحتْ

أمام أعينكم للمجد أجواءُ

اليوم شِيدوا كما شادتْ أبوَّتُكُم

شرقًا دعائمُهُ كالطَّودِ شَمَّاءُ

دستورُهُ وَحدةٌ مُثلى، وشرعتُهُ

بالحق ناطقةٌ، بالحبِّ سَمْحَاءُ

لكم بحاضركم من دهركم نُهَزٌ

فيها لغابركم بعثٌ وإحياءُ

شُدُّوا على العروة الوثقى سواعِدكم

لا يَصْدَعَنَّكُمُو بالخُلف مشَّاءُ

لم تنأ بغدادُ عن مصر، ولا بَعُدَتْ

لبنانُ، والمسجدُ الأقصى، وشهباءُ

أيُّ التخوم تناءَتْ بين أربعها

لها من الروح تقريبٌ وإدناءُ

أرضٌ عليها جرى تاريخنا، وجرى

دَمٌ به كَتَبَ التاريخَ آباءُ

مباركٌ غرسُهُ، منه بأندلسٍ

والقادسيَّةِ، واليَرْمُوكِ أجناءُ

خوالدُ النَفْحِ لم يَذْهَبْ بِنَضْرَتِهَا

حَرٌّ، وقَرٌّ، وإِصْبَاحٌ، وَإِمْسَاءُ

إيهٍ بني الشرقِ! فالأبصارُ شاخصةٌ

لما تُعِدُّونَ، والآذان إصغاءُ

يستطلعُ الشرقُ ما يجري به غَدُهُ

يا شرقُ إنَّ غدًا هدمٌ وإنشاءُ

بصيحة السِّلم لا يَأْخُذْكَ إغراءُ

فَلِلْمَطَامِعِ إغراءٌ وإغواءُ

تَفَتَّحَتْ صُحُفُ الأيامِ وانبعثتْ

أقلامُها، وَصَغَتْ كُتُبٌ وأَنْبَاءُ

وَطَأْطَأَتْ أُمَمٌ مَقْهُورَةٌ، وَرَنَا

أنصارُ حَقٍّ على الجَلَّي أودَّاءُ

مَسَّتْهُمُ الحربُ مَسَّ المُرْمَضِين بها

فما تَشَكَّوْا، ولا شكُّوا، ولا راءوا

في عالم الغد ماذَا قد أُعِدَّ لهم

وما تَرَى أُمَمٌ في الحرب غلباءُ

خَطَّتْ مواثيقَ للإنسان واشترعتْ

بناءَ دنيا لها الإحسانُ بنَّاءُ

إني أخاف عليها أن تضيِّعَهَا

يدٌ مُبَرَّأةٌ للسِّلْمِ، بيضاءُ

في ساعةٍ من خُمارِ النَّصْرِ سامرُها،

لِمَا جرى من عهودِ الأمسِ، نَسَّاءُ

فَقُدْ شِرَاعَكَ لا تُسْلِمْ أَزِمَّتَهُ

لغير كَفِّكَ إنَّ الريحَ هوجاءُ

يا شرقُ، مجدُكَ إِنْ لم تُرْسِ صخرَتَهُ

يداكَ أنتَ، فقد أَخْلَتْهُ أهواءُ

يا شرقُ، حقُّكَ إنْ لم تَحْمِ حوزَتَهُ

صدورُ قومِكَ، لم تُنْقِذْهُ آراءُ

والكونُ ملحمةٌ كبرى جوانِبُها

دمٌ، ونارٌ، وإعصارٌ، وظلماءُ

أكان عندكَ هذا الموتُ يصنعُهُ

بكفِّهِ آدمُ العاصي، وحوَّاءُ

من ذات أجنحةٍ يخشى مسابحَها

غولٌ، ونسرٌ، وتِنِّينٌ، وعنقاءُ

شَأَتْ خطاها بساطَ الريح وانطلقت

والأرضُ من هولها سوداءُ حمراءُ

تعلو وتنقضُّ وَشْكَ اللَّمْحِ صاعقةً

يكاد منها يُصيب النجمَ إعماءُ

وزاحفاتٍ من الفولاذ قد هُصِرَتْ

من ثقلهنَّ لصدر الأرضِ أحناءُ

إنْ صَعَّدتْ، فالجبالُ الشمُّ هاويةٌ

أو عربدتْ، فالصخورُ الصمُّ أشلاءُ

لم يَخْلُ من شَرِّهَا ماءٌ ويابسةٌ

أو تَنْجُ من غدرها غابٌ وصحراءُ

يا شرقُ، يومُكَ لا تُخْطِئْ سوانحَهُ

فليس تُغْفَرُ بعد اليوم أخطاءُ

في عهد «فاروقَ» طاب الملتقى، وعلى

جَنَّاتِهِ لَقِيَ القربَ الأحبَّاءُ

حَمَى العروبةَ أعراقًا، ومدَّ لها

خِصبًا لها فيه إنباتٌ وإزكاءُ

وباركَتْها سماءٌ من مآثِرِهِ

فهيا لكلِّ صنيعٍ منه لَأْلَاءُ

عباقرُ الشَّرق هم آباؤُهُ، وهمو

ملوكُهُ الصِّيدُ، والشمُّ الأعزَّاءُ

يا عُصبةَ «الوحدة الكبرى» وعصْمَتَهَا

هذي طوالعكم جلواءُ غرَّاءُ

ودِدْتُ لو شِدْتُ بالأسماء شاديةً

بها ربوعٌ حبيباتٌ وأرجاءُ

وما أُسمِّي فتًى شتَّى مناقبُهُ

إنَّ المنَاقِبَ للفتيانِ أسماءُ

المصطفى وحواريُّوهُ إن ذُكرُوا

فالشرقُ مَنْبَهَةٌ، والغربُ أصداءُ

وكلكم عن حمى أوطانه بطلٌ

مستقتلٌ قرشيُّ الروحِ فَدَّاءُ

باللهِ إن جئتم الوادي وناسمكم

ثَراهُ، فهو أزاهيرٌ وأنداءُ

وطاف بالذكريات الأمسُ واسْتَبَقَتْ

بالدمع عينٌ، وبالأشواقِ حَوْبَاءُ

فاقضوا حقوقَ إخاءِ تستجير به

أُختٌ لكم في صراعِ الدهرِ عزلاءُ

طعامُها من فُتاتِ العيشِ مَسْغَبَةٌ

ورِيُّهَا منهُ إيلامٌ وإشْقاءُ

أحَلَّهَا ذَهَبُ الشَّاري، وحرَّمَهَا

عصرٌ به حُرِّرَ القومُ الأذلَّاءُ

حَرْبَانِ أثخنتاها أدمعًا ودمًا

تنزو بها مهجةٌ كَلْمَى وأحشاءُ

هذي «فلسطينُ» أو هذي روايتُها

ماذا تقولون إنْ لم يُحْسَمِ الدَّاءُ؟

تَطَلَّعَتْ لكم وَلْهَى أليس لها

على يديكم من العِلَّاتِ إبْرَاءُ؟

حملتمُ العهدَ فيها عن أبوَّتكم

إنَّ البنينَ لحملِ العهدِ أكفاءُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي محمود طه

avatar

علي محمود طه حساب موثق

مصر

poet-ali-mahmoud-taha@

103

قصيدة

466

متابعين

شاعر مصري ينتمي إلى المدرسة الرومانسية،ولد علي محمود طه المهندس عام 1901م بمدينة المنصورة، وقضى معظم شبابه فيها. تعلم في الكُتاب وحفظ بعضا من سور القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ...

المزيد عن علي محمود طه

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة