الديوان » سوريا » بدوي الجبل » غربة الروح

عدد الابيات : 105

طباعة

أترعي الكأس أدمعا و رحيقا

حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا

سلم الجمر لي و عاش بقلبي

أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا

يا شامي يا قبلة الله للدنيا

و يا راحها المصفّى العتيقا

أترع الكأس من هواك لتروى

كبدي من هواك لا لتذوقا

مزّقيها تغمرك طيبا و نورا

لا تملّي الطيوب و التمزيقا

لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا

و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا

لملم الفجر ذكرياتي فما لملم

إلاّ أقاحيا و شقيقا

كبريائي فوق النجوم و لولاها

لما كنت بالنجوم خليقا

جلّ شعري – أقيه الرّوح من كلّ

هوان – و الشعر كالعرض يوقى

ما شكوت العدو كبرا و لكنّي

شكوت المبرّأ الموثوقا

و أخا لي سقيته الودّ صرفا

فسقاني من ودّه الممذوقا

طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف

للمجد غير حبّي طريقا

و كنوزي – و ليس تحرسها الجنّ

تنادي المحروم و المرزوقا

لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني

و أفدي بمقلتي الصديقا

لا أريد الإنسان إلاّ رحيما

باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا

لي قبور كنزت فيها شبابي

و صبوحي على المنى و الغبوقا

يا قبور اللدات : كل شقيق

حاضن في الثرى أخاه الشقيقا

وسعت هذه القبور فؤادي

كيف تشكو – و هي في السماوات – ضيقا

كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق

و قلبي على ثراها أريقا

مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف

و تحنو فلا يموت غريقا

ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ

و يلقى التدليل و التشويقا

شامة الفتح نام ( فارسك) النجد

و حقّ الوفاء أن يستفيقا

سبقته أحبابه للمنايا

فرحمت المجلّى المسبوقا

و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن

فارق الأهل و اللدات (العقيقا )

أنا كالطّير ألف صحراء لفّته

مهيض الجناح شلوا مزيقا

مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل

أعنى به و لا تعويقا

غربتي قد سئمت غربة روحي

و مللت التّغريب و التّشريقا

غربتي غربتي على النّأي و القرب

أراني إلى دجاها مسوقا

حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت

فما اجتزت سهمها المرشقا

(فارس) المجد لم تزغرد

عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا

و له الطّرفة المليحة تغني

عن نقاش و تسكت المنطيقا

و بيان تخاله الوشي و الأطيا

ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا

فيه عمق البحار تزخر بالدرّ

و فيه متارف الموسيقا

و ضمير يكاد يسرف في الحسّ

فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا

عالم يسكب العذوبة في العلم

فتستاف عنبرا مسحوقا

يا لنسر تقحّم الشمس حتّى

ملّ عزّ الشموس و النحليقا

حقّ عبئين من سنين و مجد

أن يكفّا من شأوه و يعوقا

يهرم النسر فالطريق عثار

ذكريات الصبا زحمن الطريقا

عبّ منها النسر الحبيس فردّته

لدنيا الشموس حرّا طليقا

غمرت قلبه حنينا و أشواقا

و يمناه لؤلؤا و عقيقا

عالم الذكريات نمنمه الخالق

حتّى يدلّل المخلوقا

هو من أريحيّة الله ماشئنا

رحيقا صفوا و مسكا فتيتا

حال بيني و بين لقياك دهر

سامني عبئه فكنت المطيقا

أنزلتني على فروق رزاياه

فحيّا عطر السماء (فروقا)

ضاق لبنان بي و كان رحيبا

و تنزّى حقدا و كان رفيقا

ما للبنان رحت أسقيه حبّي

و سقاني مرارة و عقوقا

أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري

و طوّقت جيده تطويقا

و زرعت النّجوم في ليل لبنان

فرفّ الدّجى نديّا و ريقا

دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا

و قدّا مهفهفا ممشوقا

و جمالا غالى بزينته الله

و ثنّى و ثلّث التدقيقا

و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ

للعيون السّلاف و التّحديقا

جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف

فأغنى جفنا و كحلّ موقا

قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا

و أردناه شامخا مرموقا

و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا

كشفت لي اليقين و التلفيقا

إن عتبنا على الكنانة إدلالا

فقد يعتب الصّديق الصّديقا

و هبتنا فرعونها و وهبناها

على العسر يوسف الصدّيقا

كيف يشري العبيد كافور

بالمال و كافور كان عبدا رقيقا

أرز لبنان لن يكون لكافور

متاعا و للأرقّاء سوقا

يا قبور في الشام ربّ قبور

أنزلتها النوى مكانا سحيقا

موحشات : إلاّ عزيفا من الجـ

ـنّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا

هائمات كالنور طارت صبابا

تي إليها فما استطعن اللحوقا

غرّبتنا العلى قبورا و أحياء

و عاثت بشملنا تفريقا

و اغتراب القبور من حيل المـ

ـوت ليخفى كنوزه و العلوقا

تسمع الرّيح حين تصغي حنينا

من فؤادي على الثرى و شهيقا

ما لقومي غال الحمام فريقا

منهم و العقوق غال فريقا

ظلم الكنز أهله فتمنّى

أن يكون المبدّد المسروقا

فارقوني معطّرين من الفتح

و خلّوا لي الأسى و الشهيقا

أظمأتني وجوههم حين غابت

فأردت الذكرى سلافا و ريقا

عهدها بالخلوق عهد قديم

ألفت غرّة المجلّى الخلوقا

يا لدات الفتوح ، نسقي منايانا

و يسقينا الهوى ترنيقا

بيننا صحبة الاّباء و عزّ

أمويّ يطاول العيّوقا

و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا

رعودا هدّارة و بروقا

و المروءات كالغرائر في الرّيف

ملاح لا تعرف التزويقا

و عقود من السنين نظمناها

سجونا و كبرياء و ضيقا

نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق

نرجّ الشعوب حتّى تفيقا

فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ

و من غمرة الظلام البريقا

نقحم الغامض الأشمّ من المجد

و نأبى الممهّد المطروقا

نحن عطر السجون عطر المنايا

نحمل الجرح مطمئنا عميقا

نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا

غروبا منوّرا و شروقا

نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان

دنيا تزيّنت لتروقا

ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ

و لا خمرها و لا الراووقا

نحن عشق للغوطتين براه الله

حتّى يؤلّه المعشوقا

نحن في الكأس نغمة ، نحن في النـ

ـغمة صهباء : صفّقت تصفيقا

خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان

طابت بردا و طابت حريقا

يعرف الحقّ قيمة الجوهر

الفرد و يغلى جديده و العتيقا

يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم

و إن كان اخطأ التوفيقا

يا رئيسي من أربعين زحمناها

إباء مرّا و بأسا حنيقا

أنت نشّأتني على الصبر و العزّ

كما تلاهف الحسام الذليقا

مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا

يفي هواه عريقا

و هموم كأنّهن الأمانيّ جمـ

ـالا و نشوة و سموقا

مترفات ترعرعت في فؤادينا

و طابت شمائلا و عروقا

يرد الخطب منك قلبا سريّا

و بيانا عفّا و وجها طليقا

من يعلّ النديّ بعدك بالشهـ

ـد المصفّى و من يسدّ الفتوقا

هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء

و الريق لا يبلّ الحلوقا

أنكرتك الحياة بالشيب و السقـ

ـم فهيّء للفارك التطليقا

حمل الموت من لداتك شوقا

يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا

و كتابا من الهوى نمّوقه

فأجادوا البيان و التنميقا

و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك

حتّى يرضى و حتّى تليقا

غيّب القبر منك شمّاء مجد

وعرة تزحم النجوم سحوقا

يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن

و يستقبل المشوق المشوقا

حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا

كالضحى باهر السنى مرموقا

و أبا أسعد سقته دموعي

و سليمان ( و النّديم ) الصّدوقا

و اسق (قدري) و (عادلا) و (جميلا)

من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا

و اشك حزني (لمظهر) و (نجيب)

راع دهر أخاكما فأفيقا

لي حقوق على القبور الغوالي

و يوفّى قبر الكريم الحقوقا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بدوي الجبل

avatar

بدوي الجبل حساب موثق

سوريا

poet-badawi-al-Jabal@

60

قصيدة

226

متابعين

شاعر وكاتب وسياسي سوري يُعدُّ علماً من أعلام الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين وإلى جانب شعره الذي أثرى الأدب العربي كان بدوي الجبل من أبرز المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي وضد ...

المزيد عن بدوي الجبل

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة