الديوان » علي كرامتي » قمر المتاه

قمر المتاه
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
قمرا يُثرثر بالسّنا
ويوزّع الشّمعَ المضيءَ على النّجوم
قمر يزور الشّمسَ في عُقْر النّهار و ينتحرْ
حبّا لتغيير المسار
لا موتَ يفتح في الخلود لنا دروبا كي نَمُرْ
وقف النّهار بنا على عتبات ثانية من الزّمن المجوّفْ
فوقفْتُ مذهولا و مشدوها بوجداني النّهار
الآن أين أبعثر الوقت المكوّم في دمي
الآن أين أمرُّ كي ألقاك ..
كي يرتدّ ماء ذلك الوقت الحجرْ
الآن كيف أعيد ظلّك للسّياج..
وكيف أُوغِر بَتْلَةَ العمر انتصارا..
الآن كيف أذبّ عن قلبي المآسي..
كيف أنهاه عن التّوق المؤبّد للقمر
الآن كيف أفرّ من جُدُر الفراغ إليك ..
كي ألج الوجود و أستمر
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
ورقا ورقْ
سيلا من الأحزان يسقط في دمي
ينساب في صدري ..
كما يتساقط الورق الخريفيّ العليل
وحدي كعصفور مهاجر
وحدي كعصفور تعطّب حلمه
فهوى من الأفق المجصّص بالأماني
وتلقّفتْهُ شرفة مهجورة بيد الذّهول
الآن صارت كلّ ضاحية من الأفق امتدادا للذهول
صارت حدودا للرحيل
لا شيء يحمي من سحاب أو رياح أو ثلوج..
غير أفْقٍ قد تعرّى مثل مولود جديد
صار الفضاء ملاءة من وحشة
والأفق سجن ما له حرس و لا قُضُب حديد
السّجن فيك و ليس في الأفق المديد
السّجن كان جناحك المكسور، كان رجاءك المعطوب
يا أيّها الطّير الّذي قد مات داخله الوجودُ
يا أيّها الحلم المعطّبُ في دمي
إنّي السّجين لديك و لست في قلبي السّجين
ما كان أيْسَرَ أن أغيّر مستقرّي
ما كان أيْسَرَ أن أرمّم ما تكسّر حولي
لكن محال أن أرمّم ما تكسّر داخلي
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
نهرا من الآلام يعرج في دمي
قمر يزور الشّمس في عقر النّهار و ينتشر
ضوء مع الأضواء في قلبي ..
فأصعد سلّم الأفق المجصّص بالسّفر
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
دفْقا من النيران تلثم وجنتي
للنّار خطو في دروب دمي
للنّار فيّ بقيّة من حمرة و حرارة
للنّار نور فيّ من ريق الشّموس
من ذكريات البدر عن ماضي النّهار
إنّي أنا النيران و الأنوار و الأنسام..
والماء المبطّن بالتراب
أهفو إلى أصل البدايات الّتي كنْتُ
وقفَتْ بي الخطوات في عودي وحيدا
في ركن مرآة قديمهْ
مرآة هذا العمر وهي تقيء ماضيها على دربي
تَهْمي عليّ الذّكريات شظيّة تلو الشّظيّهْ
شَجَّتْ سماءَ الحاضر المسكون بالوقت القديم
كتُبٌ تكدّس فوقها زمن هرِمْ
زمن تلفّع بالغبار و بالجليد
يتنفّس الأنسام من رئة الهواء الرّطْب
زمن تورّم وقته، مُسِختْ به الأشياء
الماء يأسن في السّواقي و الجرار
بُحَّتْ نواقيس الكنيسة كلُّها
الدّود ينخر، في رِتاج الأمس، مأدبة اللّغهْ
كيف الدّخول إلى يد الماضي..
وإسفلت السّنين على الطّريق غِراء
رتّبتُ أيّامي على رفّ الزّمان
كان النّهار غلاف عمري
والنّجم حرف في دفاتر خافقي
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
زمنا لخيبتنا، لنكبتنا
بين البداية و النّهاية ألف متّسع..
لينسكب الزّمان على مناكبنا ..
ويُوسعنا امتدادا في متاهات الوجود
بين البداية و النّهاية ألف متّسع..
لينتجع الغرام شفاهنا
ويذوبَ في طَعْم القُبَلْ
وإذا البداية صورة أخرى..
لقدّاس النّهاية لم يُقَلْ
غام الوجود بنا و غام ..
فأين تمطرنا الحياة و أين يجرفنا الممات
ونحن في دوّامة الأيّام غصن في المطر
قمر يعلّقنا على سُجُف الفضاء و ينكسرْ
ألما يجدّد نعشه في دمي
كان النّهار بداية للشّمس،
وهي تشكّل الدّنيا ضياء
أو ممرّا للفرار من النّهار إلى النّهار
لِمَ لَمْ أكن وحدي غداة أفاق في قلبي..
رجال من زمان أبي الفداء..
وحين حاصرني جنود الاحتلال
لِمَ كنت وحدي حين حاصرني المطر
فنبتُّ تحت شجيرة السّرو العتيقة حبّة من فطر
أَ وَ كَانَ يُمْكن أن أكون سوى أنا
أبدا هي الأمطار ماء و الغمائم ماء
والثّلج ماء و الطّحالب و الضّباب
وكلّ ما خلق الإله و ما سيخلق ماء
ماء...
ماء...
ماء هي النّيران تركض في دمي
ماء هو القمر العليّ..
يسيّج الأفق المعمّم بالضياء
ماء هي الكلمات تخرج من فمي
وأنا، أنا ماء، أنت ماء
فابدإ الطّوفان
تنّور أمسك يفضح الخصيان
تحت ردائك المفتوق
كثبان صحراء العزيزة تبصق الغُلْف الّذين تخافهم
وتَعُدّهُم حرما لوجهك حين تغدو أو تروح
سبحان من خلَق التّراب أبيّا
وبني التّراب نعاما
قمر يعلّقنا على بوّابة الأقصى و يمضي
يا قدس فاشهد أنّنا الآتون
من خلف المساءات الّتي تتوارى
عن عين هذي الأرض
تحت وسادة القلب الملطّخ بالوطن
يا قدس
يا صرخة الماء المكبّل بالضفاف
يا أنّة الأوراق يمضغها الخريف
يا قدس، يا شجرا من السّرو العتيق
يلوكه المنشار، يا جُدُرا من الأمس العريق هَوَتْ ..
بمطرقة الزمن
بالأمس فاجأنا الغزاة و نحن مازلنا ..
نعدّ خريطة لمدافن الأحباب ..
في رفح و حيفا و الجليل
أثواب ذاك العيد ما عادت معلّقة على المسمار
أين الثّوب و المسمار .؟
بل أين الجدار و أين الدّار .؟
لا دار و لا وطن
:هو ذا الوطن.
قال ابن عمّي
وأشار نحو حقيبة في كفّ زوجته..
وأجهش بالرحيل إلى المحال..
وغاب في لمح الحياة
الآن أدركنا بأنّ الأرض كلّ الأرض..
قد صارت لنا وطنا..
وأن الثوب فوق ظهورنا صار السّكن
يا قدس فاشهدْ..
حينما يبكي الرّجالُ على الرّجال
تهوي الكواكب من سماها
والغيم يكظم ماءه
والكُتْب تبصُق ما اعتراها من جنون المفردات
ترغو الجبال و تُغْمِدُ
تحت التراب رؤوسها
يتحجّر الماء المسافر في الغصون
وتَنْطفِي الأنوار في عين القمرْ
قمر يعلّقنا على بوّابة الأقصى و يمضي
خفقا بوجداني فألثم وجهك المرسوم في كبدي
يا قِبلة يمّمتها و نذرت روحي فدية لقيامها
في البدء كنت و بعدك المدن
أنت ابتداء الدين فوق الأرض..
كم خانوا و كم كذبوا
لو ينطق العصفور قال ..
وقلّما فهِمَ الطّغاةُ ملامح العربيّ
وملاحم العربيّ
عرب هم القتلى
عرب هم الأسرى و لا موتي سوى العربِ
قالوا نموتُ، نموتُ كي يحيا الوطن
لكنّنا مُتْنَا و مُتْنَا ثمّ كمْ مُتنا و لم يَحْيَ الوطن
فمتى متى يحيا الوطن!؟؟

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي كرامتي

علي كرامتي

6

قصيدة

شاعر تونسي من مواليد 1 شباط ( فبراير) 1972 حاصل على الأستاذية في اللغة و الآداب العربية من جامعة تونس الأولى ( معهد بورقيبة للغات الحية ) سنة 1995 يعمل مدرسا للغة العربية من

المزيد عن علي كرامتي

أضف شرح او معلومة