الديوان » سوريا » بهيجة مصري إدلبي » رسالة المعري إلى أبنائه

سبعون ?أعيش وحيدا
أتماهى في جسد الأرض
تأخذني الوحدة
تدخلني عتمة مطلعها
أوقظ من غفلتها الروح
رهينا بين محابسها
تخرج من بئر خطيئتها
وتباكرني بندامتها
تجهر بالرائحة الأولى
ترعف بالسر المنفي إلى رحلتها
***
سبعون أمرُّ على جدران الوقتْ
أوقف ما يتآكل منِّا
ما يتناثر في الأصقاع
أنذر بنداءات الموتْ
أوقف كل مرارات العفن
المتسربِ من أحشاء الأرض
***
سبعون عرفت بأن نذير الدمع  هباءْ
وأن الطير يغني بدون غناء ْ
وأن الرحلة تعبر في برزخ بهجتها
حين تغادرها الأضواءْ
***
سبعون
وصوتي يوصي : يا كل الأحفادْ
لا شيء سيبقى من غربتنا
لا شيء سيبقى في عزلتنا
غير الشجر الطالع من لوح حقيقتنا
***
سبعون أنادي وعلى موتي
تنزف غيمات الصمت غباراً
كم أوقفت نزيف النسل
كي نتخاطر في نشوتنا
كم أوقفت نزيف النسل
كي نهرب يوما من دمنا
كم أوقفت نزيف النسل
قلت : الوقت يتاخم خلف حدود الوقت
قلت : أبي ناداني نحو الموتْ
أرسلني وأنا في جلباب الطين
قال : تماسك
فتماسكتْ
أنا ابن الجاني لم أجن على أحد أبداً
قلت : كفاني ما لا قيتْ
***
سبعون أوضَّئ نمل الحزن
أصلي في هيكل نسياني
كي نخرج يوما ونصلي
أسبح في ذاكرة الجهل
وأفتح نافذة السرِ
القهر تنامى في صدري
حيَّرني الواحد في أمري
فاخترت طريقا تعرفها مرآة الصبر
***
سبعون
أطالع بين مسامات الأجسادْ
كي تنضح يوماً بالمعرفة
أطفئ مصباح الأعيادْ
أوقف نزف الضوء
الساكن في عيني
وأزرع خلف مساحات الألواح
نبوءات الدهر
***
لا شجر يطلع أو ماءْ
أفتح ليلي ...
غادره منذ زمان كل الندماءْ
أصحو على أوردة الحرمانِ
المتكاثف فوق مدينتنا
أصحو على دمع مرارتنا
يحمل موت الرمل
يقتل في دمنا الصحراءْ
فيموت صهيل الخيلْ
يتقصف شجر النخل قرب عظامي
ويجف الماءْ
أصحو على صوت الأجسادْ
عالقة
تسقط من نتن فضائحها
فتخرُّ بلاد فوق بلادْ
ويموت نداء خلف نداءْ
ويمرُّ الصخر وحيداً لا يعرفه صداه
وخفافيش الليل
تخطف كل الأبصار
***
لا يسكن شيء في شيء
ما عدت أرى فوق الأشياء
سوى أكداس غبارْ
لا ينبت شيء من شيء
العابث نحن
تحار بنا كف الأقدارْ
***
هل تسقط كل المدن ؟
هل تسقط أسوار مدينتنا ؟
قد تسقط يوماً لتطهر كل أصابعنا
المحشوة بغبار البردْ
أنسل من بين عظامي ذاكرة المدْ
وأخنق كل الصرخات المحشوة
في عنق الموتْ
***
سأعود وقد جفت أوراقي
أصعد مقبرة الوعدِ
ودمي لا يعرفه دمي
نادتني صرخات الأرض
فتساقطت على حلمي
حاولت كثيرا كي أنبئ باسم الأشياء
فانتحرت
ـ حين تجاوزني السر ـ  الأسماء
أخرجت الليل إلى ذاكرتي
فتجاوزني إلى حلمي
وتجاوزت النشوة كي أدخل في ندمي
***
لم أعلم من قبل بأن بياض العين
يخفي كل سواد الكون
وبأن الذاكرة الأولى
ستغادر حمرتها يوماً
وتنادم أصداء الحزنْ
قلت سأغسل عن موتي آلام الذكرى
كي أغرق في كهف النسيان
وأخرج من تاريخ العشب
لأحقن صحراء الأحزان
أحرق آخر نبت
آخر عشب منكسر
في زاوية الروح
وأولم لحم الذاكرة
لا شيء يعيد إليَّ اللون الأخضر
لا شيء يعود إذا ما العمر تكسر
***
القادم  من نسيان اللون
الهارب من صحو الأيام
ينبئني بالصدأ المتكاثف
حول مساحات الأحلام
ينبئني أن الرحلة سوف تمر
وأن الحزن سيمسي أكبر
***
لا ينفع شيء حين تغادرنا الأسرارْ
ويتاخم خلف حدود العمر
حصار فوق حصارْ
لا شيء سينفع
إن فقدت أضلعنا النارْ
إن صار السادة آلهة
والحرب تدك الأسوارْ
لا شيء سيرجع
سيموت المطر النازل في الأغوارْ
وتصير الأرض  بما تحمله محض غبارْ
ويموت نهار خلف نهار
خلف نهار   خلف نهار

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بهيجة مصري إدلبي

avatar

بهيجة مصري إدلبي حساب موثق

سوريا

poet-bahija-msri-idlibi@

53

قصيدة

101

متابعين

د.بهيجة مصري ادلبي شاعرة وناقدة وروائية, من مواليد حلب -1965 م، تقيم في الإمارات العربية المتحدة،حاصلة على دكتوراه في فلسفة الإدارة، وبكالوريوس في اللغة العربية من "جامعة حلب" في سورية، ودبلوم ...

المزيد عن بهيجة مصري إدلبي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة