الديوان » عمر تامر الكاشف » أنشودة الندى

عيناكِ يا ندى نَدى

و زهرتانِ بلديّتانِ

و كلمةٌ قد صاغها الله بوجهٍ

مُبحرٍ غرقانِ

في الأنجُمِ المنثورَهْ

كطفلةٍ مسحورَهْ

تيَّمَها الليلُ و فيها تيَّمتني

كالندى قد تيّمَ المطرْ

و الصبحُ يشدو للقمرْ

نمْ يا صغيري و اسدلِ الهُدُبْ

نمْ ، إنّني دومًا لكَ أمٌّ و أبْ

عيناكِ كم أنَّهما مثل الشتاءْ

و يُشعراني أنني في حاجةٍ

إلى الشتاءْ

إلى البكاءْ

إلى الندى

عيناكِ تخمِدُ الجراحَ باللهبْ

و قلبيَ الغرقانِ رِعشةُ الغصونِ بالندى

عيناكِ يا واحدتي دنيا من

الأحلامِ فيها أغتربْ

عيناكِ غيمتانِ تمطرانِ حزنًا لامعًا

و حبّتا عنبْ

و أنهرٌ تفرغُ حزنها بقلبي كالشُّهبْ

و منجمٌ يبكي النحاسَ و الذهبْ

كأنّكِ الخنساءُ تبكي حُبّها

و وجهُكِ الفضيُّ كالعراقْ

مُطَهَّرٌ و رائعٌ

فيهِ من الصفاءِ رقة المطرْ

و حُسنُكِ الرفرافُ كالبُراقْ

فالأرضُ من دونِ الندى

ما كانَ شيءٌ ها هُنا حيًّا و ما كان الشجرْ

و الوردُ من دونِ الندى

ما كان وردًا و أنا

دون ندى والله ما كنتُ أنا

مشيتِ يا ساحبةً قلبي وراها

باكيًا في لهفِ الوداعْ

فتشتُ عنكِ إنّما فرّقنا الضياعْ

ندى

ندى

ندى

ما هذه الحياةُ من دون الندى ؟

وهْوَ الذي به تجمّل القمرْ

وهْو الذي أعطى الهلال شكلَهْ

و شقّهُ كما يشُقُّ في السنابل المطرْ

وهْو الذي قد ألبس البلادَ فستانَ القدرْ

***

عامٌ و كُلّ عامْ

يموتُ فينا عاشقٌ

قد ماتَ قيسٌ عاشقًا ليلى

و الفقرا يقتلهمْ داءُ الغرامْ

غرامهمْ بالماءِ بالطعامِ بالأحلامْ

و الغصن يذوي عاشًقا

هيمانَ في حُبّ الندى

و قلبيَ الذابلُ غصنٌ لا ثمارَ فيهِ

و لا ندى يرويهِ

و لا حماماتٌ تغنّي الصمتَ في مماتِهْ

قد ذبل الغصنُ و ما قد ذبل

الغرامُ في رُفاتِهْ

هذا القتيلُ في الندى

و هذه البلادُ تذوي بالطوى

كم عاشقٍ قتلهُ رغيفُ خبزٍ و انكوى

كم عاشقٍ قتلهُ قدحُ ماءٍ و انكوى

كم عاشقٍ قتلهُ وطنُهُ حتى انكوى

كم عاشقٍ قد ماتَ يا ليلى

ما كانَ يومًا الهوى سهلَا

كم عاشقٍ قد مات بعد قيسِ ؟

أستغفرُ الندى إذا كان سؤالي قاتلًا

و إنّما كم هو كالعَيْشِ يُذلّ نفسي

فهل ألاقي للهوى الجوابا

فالعيشُ يا ليلى غدا خرابا

إنّ خرابنا هو الإنسانْ

أستغفرُ الندى إذا

أثرتُ من شكايتي النيرانْ

و إنّما حرفتنا الأحزانْ

لا يُتقنُ العُرْبُ سوى الموتُ ، سوى الأحزانْ

***

رُحماكَ أيّها الندى

أشواقيَ الثمارْ

فاجنِ الغرامَ أوَّلًا

ثُمَّ الدموعَ و الشذى

و القمحَ و السلامَ و الأقمارْ

و اجنِ الوطنْ

خيامُنا الحربُ و داؤنا الحَزَنْ

***

كم حلوةٍ أنتِ بهذا الحفلِ

لكُلّ صبٍّ قمرٌ

و أنتِ عندي يا حياتي قمري

و مغربي و ليلي

ما نزلتْ عينيَّ عن عينيكِ

كالشمعِ ينظرانِ

يحترقانِ في فؤادي حُرقةَ الأشجانِ

ما أجملَ السهرَ في عينيكِ !

كأنَّني بنظرةٍ صافحتها

و نامَ قلبي طيلةَ المحفلِ في يديكِ

قد صفّقتْ لكِ الضلوعُ مثلما

تُصفّقُ النجومْ

حين يتمّ البدرُ حُسنهُ و حينَ يضحكُ الندى

ضحكتُكِ الكُرُومْ

و غير ضحكتكِ لا أرومْ

ندى

ندى

ندى

عيونه كحيلةٌ بالليل و الأحلامِ و الأمومهْ

تفيضُ رقّةً و تيهًا و بلادًا و جوى

و أدمعًا رحيمهْ

كليلةِ القدرِ بدتْ عيناكْ

يا واهبَ الحُسْنَ إلى هذا الندى

هَبْني لقاهُ مرّةً أخرى

فإنّي والهٌ يهواكْ

كأنّني يعقوبُ

في حُبّها أذوبْ

تذوبُ عينايَ بدونِها فيا

صديقتي شوقًا أحبيني

فلا سواكِ في فؤاديَ اسمُهُ مكتوبُ

***

و للنّدى فضلٌ على الربيعْ

ففيهِ إكسيرُ الحياهْ

و فيهِ يُبحرُ الهلالُ في مساهْ

عنّي بعيدٌ إنّما يسكُنُ في الضلوعْ

و يسكُنُ الغروبْ

و تلتظي جوانحُ الدروبْ

برقةِ الندى

و يلتظي قلبي الكئيبْ

برِقّةِ الندى

و تلتظي الشموسُ في مَشْرِقها الشحيبْ

برِقَّةِ النّدى

و تلتظي روحي بنظرةِ النَّدى

و يشربُ السحابُ نظرةَ الندى

فتسقطُ الأمطارْ

و يشربُ المُملّقونَ نعمةَ الأقدارْ

لا تشكروا السُّحبَ بلِ اشكروا الندى

***

عيناكِ رغوةٌ من الأمطارِ و السحابِ

هُما قصيدتي....هُما كتابي

فصّلتُ من دمْعِهما ثيابي

عيناكِ يا غمامةَ العُنّابِ

و رمشُكِ المنسابُ كالأمواجِ في جفونِكْ

يُغرقني....يُغرقني أكثرَ في حنينِكْ

و ينثرُ الكُحلَ سنابلًا على الحقول و الغصونْ

و يطرحُ الثمار للبطونْ

لا تشكروا الغيثَ بلِ اشكرُوا الندى

***

و حينَ يعرونا النظرْ

تمطرُ أحزاني و لا يضُمُّها إلا الندى

ما أجمل الندى و ما أحنَّهُ

ففيهِ ما يُعوّضُ الأطفالَ عن ألعابهم

و فيهِ ما يُعوّضُ اليتيمَ في بشاشةٍ عن أبويْهْ

كأنّهم ملئ المكانِ ما زالوا لديْهْ

كأنّهم ملئ الدُّنا و مُقلتيْهْ

***

عيناكِ لا تحرمني

فكُلّما حدّقتُ فيها حدّقَتْ

كأنّها الأشجارُ كلّما قطفتُ الشوقَ منها أورَقَتْ

ما العُمْرُ من دون الندى ؟

فهو الذي يُضيءُ ليلتي غرامًا و شذى

و هو الغنا و نشوةُ الأحلامْ

وهْوَ الذي يوهبُنا الحياةْ

ففي الندى حنانُ كُل الأمّهاتْ

و في الندى الصباح يزهو و الغداةْ

لا تشكروا إلا الندى

فهو الذي يسْبحُ في شجوني

و هو الذي يسكنُ في عيوني

***

كل الحياةِ...كُلها ندى

أهواكِ لا...لا تسألي

عيناكِ يا قلبي إجابتي فلا

غيرهما هنا و لا غير الندى

فالأرضُ كُلّ الأرضِ يا نديّتي ندى

و قلبي كُلَّهُ بالحب يا ندى...ندى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمر تامر الكاشف

عمر تامر الكاشف

77

قصيدة

شاعر من مجافظة الغربية على مشارف العشرين له ديوانان تم مناقشتهما و إقامة حفل توقيع لكل منهما و هما من الفصحى الأول ديوان قال لي الفيروز و هو قصائد نثرية و الثاني ديوان سوداء اليمامة و هو قصائ

المزيد عن عمر تامر الكاشف

أضف شرح او معلومة