الديوان » لبنان » سوزان عليوان » كوكب في حفرة الغولف

(نصّ فالت في الفضاء)

هذه الليالي آلةٌ كاتبةٌ
.تحفرُ حروفَها بعنفٍ في روحي
.بقسوةِ مطارقَ على مرآةٍ وأظفار
.بانتظامِ المطرِ الساخطِ على طريقِ مدرستي
.ألِف باء
.أبدأُ من حيثُ ينتهي الكوكبُ المكسور
من هبَّةِ الوباءِ حتّى هباءِ الغاباتْ
من قلبِ المتاهةِ المضاءةِ بعيونِ الكنغر والكُوَالا
من بين أطلالِ الأندلس وهيروشيما وبيروت
ومدينةٍ مائيّةٍ
تفيضُ عن عيني
.بجسورِ لوحةٍ بلا عنوان
من رفوفِ المكتبةِ الكفيفةِ
من حَوْمِ عصافير فِرْدان فوقَ تلّةٍ من التعاسة
من بابٍ يستجيبُ لمفتاحِ بيانو
من الحقائبِ التي تجفلُ من سرابِ السفر
بحدسِ أحصنةٍ
.بسكونِ سكاكينَ أتمَّتْ مهامَّها
من الأساطيرِ المحنّطةِ بالحبرِ والدم
من خلاءِ الكأسِ والبئرِ وعلبةِ الرسائل
من شرفتي الممسوسةِ بصراخِ طفلةٍ عُصابيّةٍ وضحكِ مسلّحِين
.مهما رفعتُ سقفي وسماءَ الموسيقى
،ألف باء
أبي في مكالمةِ الفجرِ
،في مفازةِ الأمل
أصداءُ أغنيتي الأولى في صالةِ الجلوسِ
وأصدقائيَ الذينَ كلّما أحصيْتُهُمْ
سقطَ خاتمٌ في فَسْحَةِ الفقدِ
.دونَ أن تنقصَ من صفحةِ النوتاتِ نجمة
،ألف باء
أبتسمُ مثلَ فأسٍ للرسالتيْنِ اللتيْنِ تأخّرَتا ألفَ سنةٍ ضوئيّةٍ
لحانةٍ في الريحِ تحتمي بلافتةٍ من النِيُون
ليدِ كافكا التي تطمئنُ كلَّ طفلةٍ
.على مصيرِ دميتِها المفقودة
لقفّازاتٍ لم تتشبّث بأحد
لأشواقٍ بنسمةٍ تتلاشى
لضغائنَ في طيِّ كرتونةٍ خفيفةٍ
لضحكاتيَ المعتّقةِ في جرحِ زجاجة
لحضنٍ أخيرٍ عندَ مدخلِ موقفِ السيّاراتِ
.المرصوفِ بمنصّةٍ ناصعةٍ من أصائصِ الأزهار
،ألف باء
:أبني بيتًا من الكلماتِ وأسكنُهُ
سياجٌ مدجّجٌ بالدرّاجاتِ المنسيّةِ
صندوقُ ذكرياتٍ مديدُ الصدى
خوذةُ رائدِ فضاءٍ
خاليةٌ من الأرانبِ البيضاء
.ممحاةٌ مبقّعةٌ بالأخطاءِ المخجلة
قلمانِ لكتابةِ نفسي ونفيِها
.ساعاتٌ تائهةٌ في أصفارِ النسيان
قناعٌ بمنقادِ طائرٍ
سطرانِ من رسالةِ انتحار
منبّهُ شخصٍ ميّتٍ
يصدحُ وحيدًا
.مكبّرُ صوتٍ لإيقاظِ الحنين
،ألف باء
أبجديّةٌ على وتد
وأحرفٌ أولى من أرقِ أشجارِ الكستناءِ
على نبضِ السائرينَ الهُوَيْنا
.على نهجِ النهرِ الناجي من وهمِ الوصول
الأبجديّةُ الأولى أبحرَتْ من دمعةٍ كهذه
،أرجوانيّةٍ جارحة
وأشباحُ الرابعِ من آب
مترجِمونَ مجهولونَ
.يحملونَ في أعناقِهِمْ مفاتيحَ المواقف
الحلمُ والموتُ ومغارةُ الغربةِ وغرفةُ المستشفى الصفراءُ
وهالةُ الشجرةِ المهيبةِ التي تخبّىءُ الشمسَ في سوادِ يأسِها
والهليكوبتر التي حطّت
والهليكوبتر التي طارت
وسونيا وهداياها الوَلْهَى فوقَ الطاولة
والسيّدُ مارك، الملاكُ الواقفُ على قلبِهِ الحصيفِ خلفَ منضدةِ المصبغةِ، ليغسلَ من الغيمِ قُمصاني
وتلكَ الغريبةُ التي وهبَتْني نصفَ مظلّتِها في مهبِّ العاصفة
.في ارتجالٍ غامضٍ هيّأَني لنهايةِ العالمِ المديدة
مَنِ الذي فتحَ علبةَ العدم؟
الحياةُ سلّةٌ فارغةٌ في سوبرماركت
.والخلودُ لندبةٍ على جبينِ تمثال
لسْنا أبطالًا لتلوينِ كتبِ الأطفالِ
ومدينتُنا هذه التي فتّتَتْها غيمةُ غزلِ بناتٍ
اختلطَتْ ألوانُها السامّةُ برُعافِ الغروبِ
لا تسعُ سوى مصطبةً في زاروبٍ
لفيروز وكومةِ أيتامِها
للسمراواتِ اللواتي توسَّدْنَ أسفلتَ إفلاسِنا
للرجلِ الذي انحنى بقامةِ قصيدةٍ
.ليخرجَ من صندوقِ القمامةِ بشطرِ برتقالة
.ما عادَ بوسعِ ناطحاتِ السحابِ أن تعلوَ أكثر
،أكتافُنا مُنْهَكَةٌ من مكابرةِ الأعلامِ والمكانس
ولسْنا طيورَ فينيقٍ كي ننهضَ من نثارِ الزجاجِ
.نحنُ الذينَ بهشاشةِ ما تهشّمَ مع نوافذِنا
مهدورةٌ أحضانُنا بعبثِ الفزّاعاتِ والطواحين
ٍذرّاتٌ وذكرياتٌ وخردواتُ خريف
ونجاتُنا نسمةٌ أخفّ من أنفاسِنا
.تلهو وحيدةً في ملعبِ الخيال
.كم هي هزيمتُنا هذه الشوارع
حزينةٌ حزنَ الأمّهاتِ الشاحباتِ خلفَ درابزين الشرفات
حزنَ المنازلِ المفتّتةِ مع خبزِ العصافير
حزنَ الشاحناتِ المثقلةِ بالنفطِ والقمحِ على طُرقاتٍ جبليّةٍ
حزنَ الوجوهِ الواجفةِ في حافلةِ البؤس
حزنَ الخرائطِ الناقصة
حزنَ الثلّاجاتِ الخاوية
حزنَ أكوامِ الزبالة في المفارق
حزنَ الزينةِ في ساحةٍ بلا عشّاق
حزنَ الذئبِ الذائبِ في بئرِ نظرتي
.حزنَ أكوانِ الحزن
أقطعُها بحسرةِ كلِّ حطّابٍ
.على نفسِه
بكمامةٍ تلجمُ التنهيدةَ والكلام
بنظّارةٍ قاتمةٍ لا تُظْهِرُ إلّا الظلال
بكنزةِ الكريسماس الأكبر من مقاسي بسعةِ المغفرة
أمشي مع المشرّدينَ في المجاز
مع أقزامِ العيدِ على أطرافِ الأصابع
مع سيّاراتِ الإسعافِ الصاخبةِ
وشاحنةٍ شاردةٍ لتوصيلِ الهدايا
مع واجهاتِ المتاجرِ المسدلةِ على مانوكانات عاريةٍ
.مع كلبٍ ضالٍّ ينبحُ في وجهِ الجميع
أحملُ حياةَ الآخرينَ كسلحفاةٍ على قارعةِ مطارٍ
.مع أنّني لم أحلم بأكثر من رحلتي
،ألف باء
.أبوكاليبس حالكُ الحبكةِ والكواليس
:الكوابيسُ كلُّها في دفقةٍ عاتيةٍ نحوي
النزيفُ والغيبوبةُ والمكالمةُ الكريهةُ
.وسلوةُ الأعداءِ على ضوءِ سيجارة
:الأشباحُ بكاملِ أشيائنا
،المنزلُ الغابرُ بطعمِ الغيمِ في ممرّاتِهِ الطويلةِ
موكيت الحمّامِ المبتلُّ بدموعي
.حينَ كنتُ أخجلُ من دموعي
ماكينةُ القهوةِ الواقفةُ كأمٍّ على أرقِها
كافيتيريا الأشقياء
الدربُ الملفوفةُ في فيلم الماضي
.وأقفالُ السنواتِ العجاف
ثمّ الذينَ يتذكّرونني فجأةً
.من أعماقِ أقبيةٍ مردومةٍ في دموعي
ِثمّ المجاعاتُ في جرودِ الجبال
والمدافئُ الخامدةُ عندَ سفحِ البراكين
وأكياسُ السكّرِ المكدّسةُ كمتاريس
والثورةُ الحافيةُ فوقَ رمادِ المولوتوف
والثلوجُ المتراكمةُ في سطرِ دومينو
.يتساقطُ بأطفالِ الثلج
،ألف باء
.أبنيةٌ ذائبةٌ كما الشموع
.قمرٌ نافذٌ وظلامُ نوافذ
.عالمٌ من القَناني والقلوبِ المحطّمة
.أنجو لأحظى بصندوقِ حياتيَ الأسود
أواربُ نفسي على شجوِ عصافير
أصافحُ العاصفةَ بخفَّيِّ حُنَيْن
أحيا بملامحِ يومٍ وحيدٍ
ثمّ أغفو ككتابٍ
على الكنبةِ المقابلةِ لنبتةِ الغاردينيا الصامدة
على أملِ أن تزهرَ الأرقامُ والرسائل
على يقينٍ بأنّني آكلُ وأشربُ مع شبحِ برشت
وبأنّ الحياةَ لوحةٌ على حائطٍ
.رغمَ أنفِ كونديرا الكبير
،ألف باء
.أبرِّئُ الغمامةَ من بداهةِ الغرق
.أبالغُ في وصفِ الألمِ كشجرةِ توت
أزيّنُ عزلتي بزرقةِ قبرٍ على بحرٍ
وأعيدُ رسمَ السنواتِ المأسوفِ عليها
.بألوانِ الباسُتيل الفاحمة
كيفَ يفرغُ معبدّ من المعنى والشموع؟
وماذا عن دروبِ العدلِ التي لا نسلكُها؟
هل تصبحُ أنهارًا؟
أم أنّها تسقطُ بدويِّ كوكبٍ في حفرةِ الغولف؟
فقمةُ تتشمّسُ بنشوةِ ملكةِ جمالٍ على شيزلونغ
وعولٌ تشجّرُ الأسواقَ المقفلةَ بأقمارِ قرونِها
طائراتٌ على الأرضِ تتأمّلُ الطيور
قطاراتٌ تمدُّ سيقانَها على عشبِ القضبان
أمواجٌ تنقّي أكمامَها من أكياسِ البلاستك
.حدائقُ وأراجيحُ تتنفّسُ الصعداء
لكنّ البيوتَ علبُ سردين مغلقةٌ عن الفضاءِ
.والمصائرُ بخفّةِ فراشاتٍ سوداء
،كأنّما روحي ردهةٌ تطولُ بالأنين
مشرحةٌ تغْشاها الغيومُ
،لتغطّيَ فوضى الجباهِ الهامدةِ فوقَ الجليد
دارُ مُسِنّينَ مكتظّةٌ بالموتى الجالسينَ في أماكنِهِمْ
في انتظارِ ملاكٍ يرفعُ الأرواحَ
.وكأنّها صحونُ حساءٍ فارغة
،ألف باء
أبكي لأنّ القدرَ قنّاصٌ أعمى
لأنّ الترياقَ قطرةٌ من القدحِ المسمومِ
لأنَّ المرأةَ التي ضحكت لي بشساعةِ الثلجِ
.تبكي كغديرٍ بينَ الجدران
لأنّ الأغاني تهدمُ هياكلَ السهوِ بأجنحةٍ ومعاول
لأنّ الغفرانَ علبةُ مناديل نافدة
.ولأنّني نهرتُ كلبًا مهرولًِا نحوي، لأنّني أحيانًا أخاف
لأنّ الندمَ شاهقٌ كنافذةِ نبيذٍ
لأنّ الناسَ ينكسرونَ أسوةً بالأواني
لأنّ الحواسَّ تخطئُ وتورّطُنا
ولأنّ خُطى أرنبِ الطفولةِ توقّفَتْ فجأةً
.بسببِ بطّاريّةٍ مُطْفَأَةٍ، في منتصفِ طريق
،ألف باء
أبدّدُ وَحشتي بمنادمةِ سحابة
بلعبِ الفليبر في مستودعٍ من دموعي
بالشرودِ الزاهدِ في خطِّ أفقٍ يغصُّ ناحيةَ الصوامع
بقصِّ ولصقِ محطّاتٍ غافيةٍ من شغفي
.بالأوشحةِ المقلّمةِ وكراريسِ الأوبرا والرحلاتِ البرّيّة
بترتيبِ الكراكيبِ المتراكمةِ بأعماري
بالتسكّعِ ببيجامتي في سُباتِ المتاحف
بجواربَ عاليةٍ مطرّزةٍ بالبطِّ الأصفر الفاقع
.بطمأنينةِ من تتفتّحُ لوطئهِ الكواكب
بقطعِ شارعِ الغسقِ
بإطاراتِ الشموسِ المشتعلة
بإطعامِ قطّةٍ منبوذةٍ من روايةٍ لموراكامي
بالأغاني التي طوَتْها أشواطُ الشهرةِ
.بالعلاقاتِ العليلةِ الشافية
،ألف باء
أباعدُ بينَ موتي وميلادي
:كي أجعلَ من الفراقِ شيئًا أليفًا
قمرٌ قريبٌ كمُلْصَقٍ على شبّاكي
أوراقٌ تُطْوَى مع صفحةِ النهرِ في طائراتٍ ومراكب
أبياتٌ من مفارقَ قديمةٍ وقادمةٍ
قطعُ ليغو زائدةٌ عن حصونِ أحلامي
قصصٌ متراصّةٌ بحسرةِ حطبٍ على رصيفٍٍ
منديلُ رأسٍ ربطتُهُ حولَ معصمي لئلّا يطيّرَني الوقت
غرفةُ يعشّشُ في أخشابِها اليأسُ
يأسٌ يدبّسُني كدفترٍ بدموعي
منفضةٌ مجنّحةٌ بأعقابِ العلاقاتْ
كوبُ كابُتشينو بضحكةِ الكْريمة والكراميل
دولابُ هواءٍ يدورُ بأدواري في العائلة
ماردٌ معدنيٌّ يصعدُ على أكتافِ أمنياتي
أبوابٌ واسعةٌ على ضيقِ العبارة
وأخرى لا تُحْصَى في فندقِ وحدتي
محلُّ حلويّاتٍ مقفلٌ على الفرح
حبّتا دُرّاقٍ تتفتّحانِ في حضني
أكواريوم يتأرجحُ كلمبةٍ محترقةٍ من السقفِ
سمكةٌ من الخزفِ الأزرق متروكةٌ لمصيرِها تحتَ المطر
بنتٌ تصحو على الحربِ بنصفِ نظرةٍ كقرصانٍ
مقهًى غارقٌ في أكوابِ شايٍ غامقة
تخطيطٌ بالطبشورِ لهيبةِ ملاكٍ على شارعِ الفُوبُور
.طاولةٌ مُشْمِسَةٌ على مدارِ الساعةِ السعيدة
أهذا صيفُ باريس الزائف؟
أم أنّهُ خريفُ طوكيو الأوّلُ والأخير؟
.أفكّرُ في دمعةِ سلفادور دالي
.الحبُّ دمعةُ سلفادور دالي
الحبُّ وحيدُ قَرْنٍ وحيدٌ
.قتلَهُ وحشُ القرنِ الواحدِ والعشرين
وماذا عن أولئكَ الذينَ هُمْ في هامشِ الدربِ والتراب؟
ماذا عن شمسِ حميد الشاعري الشافية؟
أيّتُها النهاياتْ
أما من مفرٍّ من صورِ الجراحِ على هاتفي؟
.عبثًا أحاولُ محاورةَ الألم
في أعماقي أغنّي
،وكأنّي أشدُّ الحيتانِ وحدة
عبرَ قلبي يمرُّ الغرباءُ
.دونَ أن يكتملَ قلبي
.ألف باء
.أبترُ الأوزارَ الزائدةَ عن عناقي لنفسي
.أستيقظُ على رقعةٍ أخيرةٍ من الرمل
المطرُ المباغتُ يشيرُ إلى شمسِ الظهيرةِ
وقدماي حافيتان
.قاربٌ مشطورٌ في زرقةِ الزبد
أفركُ نظرتي من ملحِ الرحلةِ
من الصورِ التي أبحرتُ بعيدًا كأبجديّةٍ كي أمحوها
من دمعةٍ عنيدةٍ
.عالقةٍ بالأهداب
بثقلِ أشرعةٍ إثرَ عاصفة
.أفردُ ظهري وظلالي
.في إصبعي أثرُ جرحٍ صغير
أيعقلُ أنّني حملتُ فأسًا في حياتي؟
.أجنحةٌ مُلِحَّةٌ، راياتٌ تكفكفُ الرياح
.بمفردي أخطو في بياضِ الأرض
2021

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن سوزان عليوان

avatar

سوزان عليوان حساب موثق

لبنان

poet-suzanne-alaywan@

106

قصيدة

115

متابعين

سوزان عليوان شاعرة لبنانية، ورسامّة، ولدت في عام 1974 في بيروت، من أب لبناني وأم عراقية الأصل. بسبب الحرب في وطنها، قضت سنوات الطفولة والمراهقة بين الأندلس وباريس والقاهرة. تخرجت ...

المزيد عن سوزان عليوان

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة