الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » أصول الضاد طيبة الأروم

عدد الابيات : 53

طباعة

أصُولُ الضَّادِ طَيِّبَةُ الأُرُومِ

تَفَرَّعُ كُلَّ تَفْريعٍ مَرُومِ

تَرَى فِي رَوْضِهَا مَا تشْتهِيهِ

مُنَاكَ مِنَ البَوَاسِقِ وَالنُّجُومِ

وَتَلْقَى مِنْ طَرِيفِ الوَشْيِ فِيهَا

أفَانِينَ الأزَاهِرِ وَالوُشُومِ

فَدَعْ مَا يَدَّعيهِ كُلُّ خَصْمٍ

خَفِيِّ الكَيْدِ أَوْ فَدْمٍ غَشُومِ

وَسَلْ عَمَّا جَنَى مِنْهَا لِجِيلٍ

فَجِيلٍ كُلُّ مُطَّلِعٍ عَلِيمِ

أَمَا فِي عَصْرِنَا هَذَا فُحُولٌ

أعَادُوا رَوْعَةَ العَصْرِ العَظِيمِ

وَآتَوْهَا مَفَاخِرَ أَثَّلُوهَا

تَزِيدُ مَفَاخِرَ الإرْثِ الكَريمِ

تَبَوَّأَ هَيْكَلٌ بِالحَقِّ فِيهِمْ

يُجَشِّمُهُ الثِّقَالُ مِنَ الهُمُومِ

فَمَا يُغْنِيهِ مِنْ حُسْنٍ طِلاءٌ

وَمَا يَبْغِيهِ إلاّ فِي الصَّمِيمِ

إذَا لَمْ تَبْتَدِعْ فِكْراً جَمِيلاً

تُصَوِّرُهُ بِأُسْلُوبٍ وَسِيمِ

فَمَا يُغْنِي عَلَى التَّكْرَارِ قَوْلٌ

وَإنْ هُوَ غَيْرُ تَرْدِيدٍ عَقِيمِ

وَهَلْ فِي الرَّسْمِ أَوْ فِي النَّقْشِ تُجْدِي

إعادَاتُ النُّقُوشِ أَوِ الرُّسُومِ

أمَا تُوحِي الصُّرُوحُ عَلَتْ وَرَاعَت

كَإيحاءِ الأَثَافِي وَالرسُومِ

أمَا فِي البَرْقِ مَعْنىً غَيْرُ وَمْضٍ

بِلاَ أثَرٍ يُلَعْلِعُ فِي الغُيُومِ

أمَا فِي النُّورِ أَوْ فِي النَّارِ إلاَّ

ذُبَالٌ أَوْ ضِرَامٌ فِي هَشِيمِ

أتَى هَذَا الزَّمَانُ بِأَلْفِ الوْنٍ

جَدِيدٍ فِي الفُنُونِ وَفِي العُلُومِ

كُنُوزٌ لِلأَدِيبِ بِهَا ثَرَاءٌ

فَلَيْسَ بِقائِمٍ عُذْرُ العَدِيمِ

فَإِنْ يَنْعَوْا عَلَى الفُصْحَى قُصُوراً

فَقَدْ يَقَعُ المَلاَمُ مِنَ المُلِيمِ

أَمِنْهَا العَجْزُ أمْ مِنَّا وَمَاذا

عَلَى المَخْدُومِ مِنْ عَجْزِ الخَدِيمِ

لَهَا وَادٍ هُوَ الدُّنْيَا جَمِيعاً

وَنُقْصِرُهَا عَلَى وَادِي الصَّريمِ

تَتَبَّعْ هَيْكَلاً فِيمَا نَحَاهُ

بِخُطَّتِهِ مِنَ النَّحْوِ القَويمِ

وَأَعْدِدْ وَاجْتَهِدْ واخْلُقْ وَنَسِّقْ

بِتَقْديرٍ مِنَ الذَّوْقِ السَّلِيمِ

فَمَا الإِنِشَاءُ إنْشَاءٌ إذَا مَا

بِهِ انْطَبَقَ الرَّسِيمِ على الرسيم

تَرَسُّلُ هَيْكَلٍ مَاءٌ مُصَفَّى

حَبَتْهُ بِسِرِّهَا بِنْتُ الكُرُومِ

أَحَبُّ إلَيْكَ مِنْ كَأْسِ الحُمَيَّا

عَلَى شَوْقٍ وَمِنْ أُنْسِ النَّدِيمِ

تَرَى فِيهِ ذَكَاءً عَبْقَرِيّاً

وَدَِّقةَ فِطْنَةٍ وَصَفَاءَ خِيمِ

وَتَسْمَعُ لِلسَّلاسَةِ فِيهِ جَرْساً

كَغُنَّةِ صَوتِهِ السَّلِسِ الرَّخِيمِ

بَيَانٌ مَا تَشَاء ُتُصِيبُ فِيهِ

سُرُورَ مُسَاهِمٍ وَأَسَى قَسِيمِ

تَزُورُ بِهِ دِياراً لَمْ تَزُرْهَا

مُلِمّاً بِالمَقَامِ وَبِالمُقيمِ

فَتَشْهَدُهَا وَتَعْرِفُ سَاكِنِيها

كَأَنَّكَ فِي الدِّيارِ مِنَ الصَّميمِ

وَتَسْتَدْنِي الجِنَانَ مُنوَّراتٍ

تَفُوحُ بِهِنَّ أعْرَافُ النَّعِيمِ

يُلَطِّفُهَا وَبِالتَّلْطِيفِ تَزْكُو

فَتَفْضُل كلُ طِيبٍ فِي الشَّمِيمِ

وَتَفْتَقِدُ الأسَى مَنْ كُلِّ قَلْبٍ

بِحَيْثُ قَرَارَةُ الجُرْحِ الألِيمِ

فَحِسُّكَ حِسُّهُ لَكِنَّ بُرْءاً

كُلُومُكَ وَهْيَ مِنْ تِلْكَ الكُلُومِ

وَتَنْظُرُ فِي السَّرَائِرِ وَالطَّوَايَا

مُمَحَّصَةَ الحَميدِ مِنَ الذَّمِيمِ

فَلاَ يَخْفَى عَلَيْكَ أَدَقُّ شَيْءٍ

يَجُولُ بِخَاطِر العانِي الكَظِيمِ

وَتَرْعَى مَا النُّفُوسُ بِهِ تَنَاجَى

بِأَخْفَتَ مِنْ مُنَاجَاةِ النَّسِيمِ

وَقَدْ تَلْقَى مُنَاكَ مُصَوَّرَاتٍ

وَلَمْ يَخْطُرْنَ فِي ظَنِّ الحَمِيمِ

هُوَ الوَصْفُ العَجِيبُ وَلَيسَ تَلقَى

لَهُ وَجْهاً سِوَى الوَجْهِ القَسِيمِ

تَفَنَّنَ هَيْكَلٌ فِيهِ فَأَبْدَى

لَطِيفَ الحِسِّ فِي أجْلَى الرُّسُومِ

يُطِيلُ فَفِي الإطَالَةِ مِنْهُ سِرٌّ

يُديلُ الشَّوْقَ مِنْ سَأَمِ السَّئُومِ

فَإِنْ يُوجِزْ فَفِي الإِيجازَ رَجْعٌ

شَهِيٌّ مَا تَرَدَّدَ فِي الحُلُومِ

فَأمَّا البَحْثُ يَنْضُو الرَّأْيَ فِيهِ

وَيَنْهَضُ مِنْهُ بِالعِبْءِ الجَسيْمِ

وَيَسْتَوْفِي بِهِ مَا قَدَّمَتْهُ

نُهَى البُلَغَاءِ مِنْ عَرَبِ وَرُومِ

وَيَبْذُلُ جَاهِداً فِيهِ قُواهُ

لإِصْلاحٍ خَصِيصٍ أَوْ عَمِيمِ

فَمِضْمَارٌ مَضَى فِيهِ حُسَيْنٌ

مَضَاءَ المَقْدِمِ الدَّرِبِ العَزُومِ

وَجَارَى السَّابِقِينَ بِهِ فَجَلَّى

وَبَزَّ المُعَلِمِّينَ مِنَ القُزُومِ

كِتَابُ مُحَمَّد فِيهِ افتِنَانٌ

أفَاضَ مِنَ الحَديثِ عَلَى القَدِيمِ

وَحَلَّى بِاليَتيمِ سُمُوطَ دُرٍّ

تُسَلْسِلُ سِيرَةَ الفَرْدِ اليَتِيمِ

إذَا مَا الوَحْيُ عَادَ بِهِ جَدِيداً

وَلَمْ يَكُ بِالهَجِينِ وَلاَ السَّقِيمِ

فَذَلِكَ أنَّ أنْوَاراً تَجَلَّتْ

بِهِ مِنْ مَهْبِطِ اللهِ الحَكيمِ

لآياتِ الحِجَى وَالقَلبِ فِيهِ

رَوَائِعُ تَسْتَبِي لُبَّ الحَلِيمِ

هُوَ الشِّعْرُ الطَّلِيقُ مِنَ القَوَافِي

ومفْخَرَةُ النَّثِيرِ عَلَى النَّظِيمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1076

قصيدة

713

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة