الديوان » احمد علي سليمان عبد الرحيم » زلزال تركيا المدمر!

عدد الابيات : 83

طباعة

خطفَ الزلزالُ وَعْيَ الناظرينْ

وسَبا في مشهد الهدم العيونْ

واستمى عن أي وصفٍ أو رُؤىً

ليت شِعري وتحدّى الواصفين

غالَ في التدمير ألبابَ الورى

واعتلى متنَ الحَكايا والظنون

حصدَ العُمرانَ حَصداً ماحِقاً

بحقوق الناس أمسى يستهين

جندلَ الأرضَ ، وأفنى أهلها

مثلما تُفني البلايا والمَنون

باطنُ الأرض غدا ظهراً لها

رغم أن البدء بالريح السفون

والصروح من قوى الهول هوتْ

ما دهاكِ اليوم يا هذي الحصون؟

مثلُ أوراق لأشجار هوتْ

مَشهدٌ يذهب بالعقل الرزين

وإذا الأبراجُ ذرٌ في الهوا

مَنظرٌ يُفضِي لمسّات الجُنون

وإذا الأرضُ ترابٌ أو ثرىً

وظهورٌ – للضواحي كالبُطون

والبناياتُ تهاوتْ فوقها

وضحايا كل مَبنىً بالمِئين

بعضُها ضمتْهُ أنقاضُ الردى

مسلماً نفساً وروحاً للفتون

قطعتْ أوصالهم في لحظة

وغدت أجسامُهم مثلَ العَجين

مِزقاً في كل وادٍ جُندلتْ

ودمُ الأشلاء يُبكي المسعفين

وسْط أحجار تردّتْ من عَل

ويحَ برج رائع المبنى مكين

أصبح البرجُ حُطاماً يُزدرى

وإذا الأدوارُ تذرَى كالطحين

وإذا السكانُ باتوا تحته

وإذا الحالُ سُكونٌ في سُكون

ودهى البعضَ حِصارٌ مُحكمٌ

فيه سادَ الخوفُ مِن بعد الدجون

والجراحاتُ غزتْ بعضَ الورى

والدما سالت كما الغيثِ الهتون

أيها الزلزالُ ما أقساك ، إذ

روّعتْ شَجواك قوماً آمنين

أطفأوا الأنوارَ حتى ينعموا

في البيوتات برؤيا النائمين

فإذا بالموت يُدلي دلوه

مُمْسكاً بالحبل في البئر الشطون

أيها الزلزالُ لم ترحمْ فتىً

نام في المهد ، ويصحو بعد حين

أو صبياً حوله ألعابُه

وبقايا الأكل في بعض الصحون

أو رضيعاً أمُه قد فارقتْ

ولهذا فقدَ الكف الحنون

أو مُسناً ضاعفتْ أمراضُه

شَرَ آلام توالتْ مِن سنين

أو عجوزاً عاينتْ وقت الدوا

لسِقام – كم تعانيهِ زمين

أو يتامى عائل تحت الثرى

ولهم ذو القوة الرب المتين

أو أيامى أمّلوا تزويجهم

طامعين في بناتٍ أو بنين

أو فقيدٍ غابَ عن أحبابه

بات فرداً دونهم يا للظعين

فإذا الزلزالُ يُنهي عيشهم

مُحْدِثاً ما لا يُرَجّى أن يكون

وإذا العمران يُضنيه الفنا

والخرابُ عن شِمال واليمين

وارتأه الناسُ في (مَلطيةٍ)

في بناياتٍ أقيمتْ من قرون

وكذا في (مَرعش) عَمّ الأسى

وأصابت أهلها شتى الحُزون

إن (أنطاكية) باتت فنا

غالها الزلزالُ ، فاهتاجَ الأنين

وكذا في (شانلي أورفا) مأتمٌ

وألوفُ الناس ماتوا عن يقين

واسألوا (هاتايَ) عن مأساتها

وهْي تبكي الدورَ دُكّتْ والحُصون

وكذا في (غازي عَنتاب) شقا

إذ تهاوى كلُ بُنيان حَصين

واسألوا في (قهرمان) مَن نجا

إذ بدا الزلزالُ مُسْودَ الجَبين

يَحصدُ الأرواح لم يُبق سوى

أثرَ التهديم فوق الميتين

والمُذيعون بكَوْا أخبارَهم

ورثا الموتى بها الدمعُ السخين

حسرة تُبكي ، وأحوالٌ تشي

أن دنيانا تُغطيها الشجون

ومذيعاتُ الدنا لكْنَ البكا

عندما شاهدن قرحن الجفون

مسلماتٍ كُن ، أو مِن غيرنا

في ديار العُرب ، أو هندٍ وصين

عِشْن ما يَعرضْنه مِن مَشهدٍ

يخلعُ القلبَ ، ويغتالُ العيون

ما تحملن البلايا تجتني

مُهجة الإنسان إذ يغدو الدفين

أو تبيدُ الطفل في جوف الثرى

أو تبيدُ الأم قسراً والجنين

لقطاتٌ بثها التلفاز ، لم

يَحتملْ إيلامَها القلبُ الطعين

لم تكنْ في البر – كلا وحده

بل طغتْ في البحر إذ غِيضَ السفين

لقطاتٌ لا تُسلي خاطراً

بل تُزيد الغمّ في نفس الشجين

وتسونامي لم يُخلفْ شاطئاً

غيرَ مَغمور بأحجار وطِين

وطغى الماءُ على الدرب ، وقد

قلعَ الأشجارَ ، واجتثَ الغصون

أغرقَ الشطآنَ أخفى حُسنَها

لم يكن فيما دهاها بالضنين

وفئامُ الناس أوهتْ عزمَهم

حيرة تجتالُ تفكيرَ الفطِين

ورُكامُ الثلج يُهدي بَردَه

كل فردٍ شدة البرد رَهين

أيها الناسُ استعينوا بالذي

خلقَ الإنسان مِن ماء مَهين

سيُعين اللهُ مَن يعنو له

هل سوى المولى على قهر يُعين؟

وازعُ الإيمان كم نسمو به

كيف يحيا المرءُ مِغواراً بدون؟

قد يهونُ العيشُ حتى إن زها

لكن الدينُ علينا لا يهون

تذهبُ الدنيا ، وتأتي غضة

لكن الأخرى لها أرجى الحنين

لا يَهدُ اليأسُ إلا خائراً

هل يصدُ اليأسَ عبدٌ مُستكين؟

ما تساوى العبدُ يسمو بالهُدى

بغوي خائر العزم خؤون

إن فرقاً بين ليل والضحى

وفروقاً بين زقوم وتين

إيه يا بلقانُ هذي عِبرة

كم بها جاءت أحاديثُ الأمين

مع مولانا إذن فلنصطلحْ

ولنجدّ السيرَ في الدرب المبين

يُرسلُ الرحمنُ كم ذكرى لنا

كل ذكرى تصطفي بعضَ الشؤون

ذلك الزلزالُ من آياته

بين كافٍ جاب أصقاعاً ونون

فاقبلوا مني التعازي حِسبة

إننا لله يوماً راجعون

لا تسبوا أيها الناسُ القضا

لا أراكم في البلايا قانطين

واحمدوا المولى على مقدوره

يؤتكم عزماً وبأساً لا يلين

لا تقولوا: لعنة الزلزال ، لا

لا تقولوا: حَلّ زلزالٌ لعين

قِيلَ: حتماً أن ترى العينُ الذي

كَتبتْ أقدارُنا فوق الجبين

ليست الأحذار تُنجي مِن قضا

وقضاءُ الله عدلٌ مستبين

ولرب الناس في ذا حكمة

كُنهها يخفى على القوم العَمين

لكمُ هذا العزا مِن شاعر

ذاب وجداً مِن تصاريف الفتون

للألى ماتوا تكلفتُ الدعا

رحمَ الله الضحايا المؤمنين

والألى عاشوا ألا فليصبروا

ربنا الرحمن مولى الصابرين

ولمرضانا الشفا من ربنا

يا إله الناس خففْ كل هُون

رب جنبنا الذي أودى بهم

بك عُذنا اليوم مِن رَيب المَنون

ربنا رحماك يا مولى بنا

ثم عامِلنا بإحسان ولين

لك في الأرض عبيدٌ غيرنا

ويقيناً ما لنا غيرُ المتين

إن دهتْنا محنُ الدنيا هنا

نحن بالمولى عليها نستعين

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

احمد علي سليمان عبد الرحيم

1855

قصيدة

احمد علي سليمان عبد الرحيم ولد سنة 1963 في بورسعيد لاسانس اداب لغة انجليزية يقوم بتدريس اللغة الانجليزيه لجيمع المراحل هاوي للشعر العربي من 40 سنة له دواوين 24

المزيد عن احمد علي سليمان عبد الرحيم

أضف شرح او معلومة