الديوان » مظهر عاصف » ينقُصني وطنٌ

السّادسةُ صباحًا
يَنقُصُنِي وطنٌ لا يأكلُ إنْ جاعَ أساريرَ البُسطاءْ
لا يَمضُغُ أكبادَ الفقراءْ
لا يَشربُ دمعَ العتَّالينْ
لا يَشربُ عرَقَ الخبّازينْ
لا يَهربُ مِن قسوتِهِ الطِّينْ
لا يَرفعُ في وجهِ الطِّفلِ العابثِ كرتًا أحمرْ
لا يَنصِبُ فخًّا للعشَّاقْ
يَنقُصُنِي وَطَنٌ لا يتعاظمُ مثلَ الغولِ أوِ العَنقاءْ
لا يَخرجُ في عَتمِ اللّيلِ ليبحثَ عَنْ عاهرةٍ تزني
الغُربةُ يا وطني عِندَ مُواءِ النَّخلِ
بلا أرضٍ يسكنُها تزني
الغُربَةُ يا وطني لا تعرِفُ في هذا الزَّمنِ سريرَ الأمِّ
النّاسُ هنا مِنْ أشقى النّاسْ
يَتناوبُ فيهم وَسواسٌ بعدَ الوَسواسْ
لا أنتَ لديهمْ
لا أنتَ الموجودُ ولا الغائبْ
لا أنتَ الصَّادقُ كي يرجوهُ ولا الكاذِبْ
لا أنتَ الرّاحلُ إنْ رحلوا
لا أنتَ الجالسُ إنْ جلسوا
وتَحُسُّ ولا نُدرِكُ شيئًا مِن مِنكَ
ومِن ذاكَ الإحساسْ
المَركَبُ يا وطني نِصفُ شِراعٍ
والنِّصفُ الآخرُ أطلالٌ في عمقِ البحرْ
أينَ اليابسةُ؟
فصحرائِي
صحراءُ القومِ ال تسكنُنَا تشتاقُ البرْ
الموجُ الطَّيبُ يا وطني
قدَ غادرَ مِن يدِنَا
تدري؟!
وغزَتْ مركَبنَا مُذْ غادرَ أمواجُ الشَّرْ
يَنقُصُني وطنٌ يجلسُ في المَقهى قُربي
يستمعُ معي لشريطِ الأخبارِ الكاذبْ
يحتمِلُ غبائي حينَ أحلِّلُ آراءَ سياستِنا الحَمقاءْ
يحتمِلُ النُّكتَةَ حينَ تَعُضُّ تواريخَ الزُّعمَاءْ
لا أخشى أن يكتبَ تقريرًا عنّي
أن يبعَثَ زوَّارَ الفجرِ إلى بيتي
أن يجمعَ ذاكرَتي... جسدِي
أن يجمعَ آلامي منهُ
فلا نغدو إلّا أشياءْ
أحتاجُ لوطنٍ يُمسكُ بيديَّ لأجتازَ الشّارعَ
يُعطِيني مَصروفي اليومي
لا يَصرُخُ إن بللتُ ثِيابي أو يغضبْ
لا يرفَعُ سبَّابتَهُ إن أهملتُ دروسي
لا أبحثُ في قلبي أين يكونْ!
لا أبحثُ في لغتي كيفَ يكونْ!
لا أشعرُ فيهِ بأنّي القاتلُ والمقتولْ
لا أرحلُ عنهُ... ولا يرحلُ إن شاءَ بدوني
لا أرحلُ عنهُ لكي أهربَ مِن هذِي اللّغةِ المَقهورةْ
من هذي الألسِنِ حينَ تسيرُ بِعرْجَتِها
نحوَ الكَلِماتِ المَبتورَةْ
فأترجِمُ وحدي للأشجارِ أنينَ الأغصانِ المكسورةْ
وأفسِّرُ وحدي للنّيرانِ نشيجَ الأوراقِ المهجُورةْ
وأكوِّرُ واواتِ العطفِ
لتبدو نهدًا عربيًّا
وأحثُّ السّينَ على وجعي
كي تَجعلَ منّي بعدَ الضَّعفِ عصيًّا
ووحدِي مَن يحملُ فاصلةً
ووحدِي مَنْ يَعتمرُ الهمزةَ قُبَّعةً
ووحدي مَنْ يَطلبُ في المقهى كأسَ بلاغةْ
فِنجانَ بديعٍ وبيانٍ
كي أُصبِحَ بعدَ الهذيان اليوميِّ مُجرَّدَ حالةْ.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة