الديوان » صالح المنديل » غيلان والجنون

بودابيست ٢٠٢٢
غيلان له مع الوجود قضية

 

 غيلان نفسٌ تلتحف الشوارع

بلا مأوى يخفف من عناها 

لا يناجيها او  يناغمها سواها
::

انت مولود حطام
 من احدى بنات الدهر

هكذا للحادثات قضاها 

بدأت منذ الطفولة
 افكار الوجود تراوده

وليس من مجيب للسؤال

ما معنى الوجود

هل من دليل يدلني كي ارى معنى للوجود

و الخطيئة و العقاب و الموت 
و الحياة و الخلود

لا تبدو هذه النهاية امر  مؤكد 

 لتبرير البداية و الوجود  

كل هذا لا يبرر اطماع الرجال

و لا  اضغان بلا نهاية 

و احقاد بلا حدود

 ::

يقول للمعلم انا لا اعلم اي شيء

اعلم امرا واحدا هو اني لا اعرف شيء

قال المعلم جُن غيلان

ما لك و الفلاسفة يا مسكين

كانه واعٍ يغط في سبات

في عالم غريب 

يجري موازيا بلا تقاطع

 مع كل من كان قريب

ثم بدا غيلان ... غريب...غريب 
::::

رأى ايام الطفولة وميضا من سنا

زاهرا يوعد بالدفئ و بالمنى 

يستفيق و كل ما راى وهم و ابراج من خيال

طائراً كان بين يديه  و انطلق

لا هو عائد و لا غيلان ينسى الألم 

قال منيتني بما لست ارجوا منه الى الزوال

جاهد يا غيلان فالدنيا تعشق
 فتى راغب غير راهب

ثم يقول لم اكن راغبا ذي بدء
 كي اكون براهب

اصرَّ ان يحيى حياة راهبِ

 

تناديه امه و تغص بالدموع الذارفات

لهفي على الدنيا لو كنت اعرف 

لماذا يا غيلان طلقت الحياة 

كان يرى امه تضمحل كل عام 

كأن الأسى من عروقها او محيياها 

يمتص اكسير الحياة 

ثم ماتت دون و صية

دون ان تهيب غيلان قبلة او هدية

غيلان حاضر لكنه عنها بعيد 

كأنه يعود الى اجرام او او ثقوب
 في السماء 

اين ينتمي غيلان 

في كل مكان ليس على هذه الوطيئة

ماتت امه  و المنازل توارثها الواروثون
الا غيلان

فهو لا يعي ان يكون له حق بها

قد مضى حين على ذاك الطلاق 

او ربما حان اليوم ميعاد الفراق

فراق حبيب ثم موت قريب

ثم ماذا

غيلان غير مختار ينسى كل هذا

او يبتغي غيلان شىء ليس في الوجود

لمَ تسعى اذا كان ما تبغاه ليس في الوجود

الدنيا بما ليس لديها لن تجود
هناك امل خارج السجن الكبير
خلف خلف قضبان الحدود  

:: 

وجدته في درب ببغداد مرة

و بغداد فيها ساحة التحرير

مأوى اللاجئين

عليه ثياب من شدة العوز قصيرات

كأن اسفلت الشوارع جاد عليها بطلاء

يسد فيها الثغرات

يذود عن نفسه من سفه الصبيان

 و كلاب بأيادي عاريات 

ضاعت عليه تدابير الحياة

لا يكلم الناس و لا في الوجوه يبتسم

نسى منذ حين معنى الابتسامه

او لا يرى جدوى حتى بنطق الكلمات 

يرفض حتى التسول 

او كل ما من شأنه مد اكسير الحياة

ان لم يكن هناك سبيل للخلود

او لن يعطى مناه…

فلا  و كلا للحياة. 

:::

كأن غيلان حين رأيته رجل

 في ظلمات الجماجم موقوف  سجين

كل الام الجحيم و الحياة و الممات 

تأن في الظلمات

يجترها غيلان في كل حين

رأينه  يلتحف الاسسفلت شبه عار

في حر الهجير و شتاء قارص االبرد

 في عالم  مهين

او هكذا يدعي الساىل في عالمنا الرصين

سعيد غيلان  بدنيا يمتهن فيها الجنون

:::

هارب غيلان الى عالم حر بلا عناء

من يلتحف الطرقات بلا وقاء

لا حاجة له في اي حاجة

و لا أجر الدواء  او حتى و فرة الغذاء

لا يحفل غيلان بأحد في لقاء

لا يسأل و يأكل حين يأتيه العطاء

من ساكني العالم الدوني

ذوي جاه و مال و رخاء

من الحسان في الأندراسي يتبضعن

الحليّ من لوي ڤيتون على شواطيء النهر

:

اعطيته ثمن وجبة

قبلها و لا يكد يأبه بجوع او صدى

كأنه يهنأ بأن يصارع الردى

بدا الظلام يلتهم المدينة من اطرافها

و الثلوج دثار للشوارع في الظلام

غيلان يراهن البقاء و يصارع الردى 

كل ليلة حين ينام

 يلتحف الأسفلت و الثلوج و اطراف الردى

وحيدا كل ليلة ينام بأطراف الجسر  

جسر المدينة يحميه من المطر 

كأن غيلان بيومه الطويل

هو البقاء 

مقرون بالردى و المدينة و الجسر 

 

رأسه مصنع لكل اشكال الجنون

ان شئت هات كأسك و اغترف ثم استزيد 

لا يكترث  بأي شيء قاله زيد و عمر أو لبيد

شهاب مثل لمع النيازك لا يبالي

عن مساره ان يحيد

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن صالح المنديل

صالح المنديل

129

قصيدة

طبيب و شاعر منذ ١٩٨٢

المزيد عن صالح المنديل

أضف شرح او معلومة