غريبٌ هو الليلْ!!
يراود عن نفسه الشعراءَ
ويُغريهمُ
فيَهِيمون في كل وادٍ سحيقٍ
ويرتكبون مع الكلمات صنوف الخطايا
فيأتون
من كلِّ فجٍّ عميق
ويُلقون أقلامهم للحروف
نبيذاً ليُغووا به مفردات الطريقْ
غريبٌ هو الشعرْ!!
بلا خجلٍ
يبوح بأسراره للمساءْ
ويُفصحُ عمّا جَنَتْه يداهْ
وعن قُبُلاتٍ توزّعها لجميع الجميلات
في غفلةٍ من كناياته شفتاهْ
ويُتقنُ فنّ الهروبِ
إذا خاف أن يتورط في البحر والقافيهْ
فينسابُ دون قيودٍ
وتخفي استعارتُه أصلَ معناهْ
غريبٌ هو الصّبحْ!!
يخافُ الشتاءْ
فيخشى اجتماع الغيوم على كتفَيْه
ويكتُمُ ما كان في الأمس
من ذكرياتٍ
ليُشرقَ كلّ نهارٍ بَهيّاً
كخدّ الصبايا
ويُخفي دموعَ المساءاتْ
كأنْ لم يكن بين أحلامه والوسائدِ
من وشوشاتْ
يقول لعصفورةٍ في الجوار
اهرَبي قبل أن تَفتحَ الشمسُ شُبّاكَها للنهارِ
وترسلَ أنوارها في هدوءٍ
لتكتبَ سطراً جديداً
يُضاف إلى صفْحة الأمنيَاتْ
غريبٌ هو الشوقْ!!
يباغتُ في لحظة النوم ذاكرةَ الغرباءْ
ويجلس منتظراً أن يُعيدوا حساباتِهمْ
(من جديد)
فيرجع طفلاً
يعيد إليهم براءتهم
وحين يقُضّ عليهم جُنوب الحنين
يغادر من قبل أن يضع النوم أوزاره
ويراقب كيف سيهوي بهم
في قرارة جُبٍّ بعيدْ
غريبٌ هو الحبّ!!
يُغريك أن تتسلق أسواره
في الهزيع الأخير من العمرْ
فيُلقيك من شاهقِ الوهمِ
من قبل أن تبلغ النشوةَ المرتجاةَ
وتصرخُ.. وتصرخُ..
مثل غريقٍ
رأى وهو يلفِظُ آخر أنفاسه
ويصارعُ أخيلةَ الموتِ
طوقَ النجاةْ
غريبٌ هو العمرُ!!
يعلم أنّك ألقيتَ آخرَ رمحٍ
وعُدتَ تجُرُّ كِنانتك الخائبهْ
وتُرسلُ عبر الفضاء قصائد وَجدٍ
تبرّرُ حُجّتَك الواهيهْ
وحين يعود المساء
تُلملم أحلامَك المشتهاةْ
وتزرعها في أصائصك الباليَهْ
لعلّ النجومَ تطوفُ بمَخدَعِها
في اشتهاءْ
فتنبُتُ في رحِم الأمنِيَاتِ
قصائدُ شوقٍ
بحجمِ الشقاءْ...
غريبٌ أنا!!
والغريبُ
بأنّي وقد أرهقتني الدروبْ
فما زلتُ تسكنني نجمةٌ
كنتُ يوماً
فضضتُ بكارتَها
في الجنوبْ...
وأنّ الديارَ التي خلّفتْني وحيداً
تعُودُ إليَّ...
وللشيْبِ في مَفْرِقِي
ألفُ سِفرٍ
أرتِّلها كلما أرّقَتْنِي
رياحُ الحنينِ
قصيداً
يغازلُ وجهَ الجنوبْ
184
قصيدة