الديوان » مصطفى الركابي » همس لها في الريح

و كم مزَّقتُ أشعاري
فأرجِعُ مثلَ جثمانٍ تطوفُ بهِ الخطى 
كسفينةٍ محطومةٍ ضلَّت بلا صاري
و أذكرُ حينَ كنَّا بضعَ أطفالٍ 
نهيمُ من السُّهولِ إلى التِّلالِ، برائةٌ كتوهُّجِ النَّارِ
و أرجع حاملاً قلمي، كطفلٍ يحملُ الطَّبشورَ
لا أختٌ لهُ تأويهِ، يرسمُ في انتظارِ
كمغتربٍ يذوقُ البردَ كأساً بعد كأسٍ في احتضارِ
و همسٌ في جفونِ اللَّيلِ، بحَّ بهِ "صدىً هاري":
"و ترجعُ في انكسارِ !!
تجرُّ خُطاكَ، لا ألقٌ يذوبُ على شِفاكَ و لا "هوىً عاري"
أترجعُ في بهوتٍ، في رُجوعٍ، تائهَ الدَّارِ
أترجعُ في زقاقِ الحيِّ تنثرُ وجدكَ الرَّفرافَ أغنيةً
كقيثارٍ بلا نغمٍ .. و أوتارِ"
و كم مزَّقتُ أشعاري ...
ألا أُختاهُ كيف أعودُ من سَفَرِي
فحشرجةٌ من الظُّلماتِ تبخسُني
و تدفعُ قلبيَ الذَّبلانَ قُرباناً إلى القَدَرِ
"أترجعُ مرَّةً أخرى 
تلوذُ اللَّيلَ، لا سمَرٌ، و دخَّانٌ تزاحمَ في مدى النَّظَرِ
أترجعُ مثلَ نجمٍ زارهُ الغَبَشُ ؟
فكانَ على لهيبِ الشَّمسِ ينتَعِشُ
و لحدٌ في السَّماءِ الجونِ يفتَرِشُ 
أترجعُ في خطاكَ الذَّاوياتِ،
سفينةً محطومةً ضلَّت بلا صاري"
فلم يبكِ الفؤادُ سوى:
"و كم مزَّقتُ أشعاري ..."
ألا أختاهِ إن الشِّعرَ بحرٌ باتَ يُغرِقُني
و ما من ساحلٍ ترسو عليهِ خرائبُ السُّفُنِ
و صوتٌ منكِ يا أختاهُ يُدليني
على بيتي، أكانَ هوَ السَّرابُ و سُكرَةُ الوَسَنِ ؟
ألا أختاهُ، لم ترأف بيَ الدِّنيا فعينيني
و مدي لي القُلوعَ و إرفعي المرسى
عسى أنسى
سُعارَ أسايَ، ما أنساهُ،
مثلَ سفينةٍ قَطَعَت ظلامَ اللَّيلِ، لم أَنَمِ
فرحتُ أغوصُ في الظَّلماءِ أصرعُ رهبةَ العَدَمِ
ألا أختاهُ إنَّ الشِّعرَ بعضُ الذَّنبِ و العارِ ..
......... لَكَمْ مزَّقتُ أشعاري .......
و أسمعُ همسةَ في الرِّيحِ، هل هو صوتُ أختي لو تناديني !
فأرفعُ حسرةً: "أختاهُ إن لم أبكِ، هذا الظلُّ يبكيني
و ينثرُ كلَّ بيتٍ كنتُ أكتُبُهُ
على الظُّلماتِ سِفراً و اغتراباً كان يرثيني
مددتُ يديَّ، أجهشُ في البكاءِ على دواويني
و دمعٌ قد تقطَّرَ فوقَ أوراقي
فأُنبِتَتِ الدُّروبُ بها، و كلَّلها ظلامٌ في (الدَّرابينِ)
فلا ثمرٌ لهذا الطِّفلِ، أغصانٌ بلا ورقٍ
و لا ألقٌ على عيني
أيعرفُ كلُّ من قرأوا دواويني ...
بأنَّ الشِّعرَ عندي صوتُ مقبرةٍ
يذيعُ على جفوني التَّيهَ، أرجعُ في هوانِ!
مثلَ سفينةٍ محطومةٍ ضلَّت بلا صاري
و كم يا من رَشَفتُم مُرَّ ديواني .....
..... و كم مزَّقتُ أشعاري ..... 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مصطفى الركابي

مصطفى الركابي

67

قصيدة

إسمي مصطفى محسن الركابي، طالب للطب العام في جامعة الكوفة. عمري عشرون عاماً. بدأت الكتابة منذ ستة أعوام، و أصدرت ديواني النثري الأول في الشهر الرابع من هذا العام. وِلِدتُّ في عائلة متخمة بالش

المزيد عن مصطفى الركابي

أضف شرح او معلومة