عدد الابيات : 32
طباعةأَمَنَّتْ لَكَ الدُّنيَا دَوَامًا يُبَتِّلُ
وَنَاسَتكَ مَوتٌ لَا مَحَالَةَ مُقبِلُ
وَزَجَّتكَ دُنيَا المُغرَيَاتِ لِمَسلَكٍ
تَبَدَّتْ بِهِ الأَحلَامُ شَيءً يُنَوَّلُ
فَتَاهَت بِكَ الآمَالُ فِي دَائِراتِهَا
وَقَلَّت مَعَ الجَولَاتِ فِيهَا مَرَاحِلُ
حَسِبتَ المُنَى عُمرًا يُضَافُ لِحَالمٍ
وَمَا أَنتَ إِلَّا بَعضُ آنٍ فَتَرحَلُ
وَلَا زِلتَ رَهَن الآنِ تَرجُو سَرَابَهَا
وَمِن قَبلِكَ المَاضُونَ مَنُّوا فَوُلوِلُوا
عَلَى ضِفَّتَيهَا كُلُّ عِزٍّ فَنَى كَمَا
فَنى مَع كُلَيبٍ مُلكُهُ وَالمُهَلهِلُ
عَلَى جُرفِ هَارٍ أَسَّسَ الوَهمُ آنَهُمْ
بِأَرضٍ إِذَا كَادُوا قَرَارًا ،تَزَلزَلُوا
عَلَى حَدِّ ضَبطٍ لِلحَيَاوَاتِ وُقِّتَت
حَضَارَاتُ نَاسٍ بَعدَ آنٍ تُبَدَّلُ
مِدَادٌ مِنَ الأَقوَامِ تُردَى تَتَابُعًا
إِلَى جَوفِ أَرضٍ سَمَّكَتهَا الهَيَاكِلُ
وَمَازِلتَ جَلدًا لِلأَمَانِي تَظُنُّهَا
حُظُوظًا إِذَا بُلِّغتَهَا قَامَ مَائِلُ
وَفِي وَصلِهَا اللَّذَاتُ لَمَّى تَحَصَّلُوا
تَغَشَّتكَ بَينَ السَّعدِ فِيهِمْ قَلَاقِلُ
عَلَى قِمَّةِ الإِنجَازِ تَلقَى "لِمَاذَا"
تَرَا كُلَّ شَيءٍ فَيكَ يَذوَى وَيَنحُلُ
وَقَد جَاوَبَتكَ المُمرِضَاتُ بِعَودِهَا
إذَا طَالَ عُمرٌ زَانَهَا فِيكَ مَنزِلُ
تُجَارِي عَلَى عِلَّاتِهَا فِيكَ غَايَةٌ
تَؤُزَّ المَنَايَا فَألَهَا حَينَ تَغفَلُ
وَمِن أَوَّلِ اللَّحظَاتِ طِفلًا بَدَأتَهَا
جَرَا فِيكَ نَقصٌ بِالخَلَايَا وَذُبَّلُ
فَعُمرُ الخَلَايَا حِينَهَا قَد تَوقَّتَتْ
بِهَا قِسمَةُ التَّجدِيدِ حَتَّى تُكَبَّلُ
تُصِرُّ عَلَى إِنعَاشِهِا فِيكَ وَصفَةٌ
وَفِي وَجهِكَ اضمِحلَالُ عُمرٍ يُمَحِّلُ
زُرِعتَ عَلَى أَرضٍ بِهَا حُكمُ دَورَةٍ
فَمَع نُضجِ حبٍّ يَنحَنِي فِيهِ سُنبُل
وَلَو بَرعَمَتكَ فِي مَتَينٍ بِغُصنِهِ
سَيَأتِيكَ يَومٌ مِن خَرِيفٍ تُهَلَّلُ
وَلَستَ وَحِيدًا للفَنَى حَتمُ أَمرِهِ
فَكَينُونَةُ الدُّنيَا سَتَفنَى وَتَرحَلُ
وَتَبقَى مَعَ الأَيَّامِ تَسعَى لَغَايَةٍ
إِلَى أَن تَبَدَّتْ غُولَ مَوتٍ يُجَلِّلُ
كَرَبتَ الخُطَا قَهرًا إِلَى أَرضِ حَتفِهَا
وَمَاكُنتَ تَدرِي أَيّ أَرضٍ سُتُخزَلُ
تَدَانَت بِكَ السَّاعَاتُ فِي كُلِّ لَحظَةٍ
إِلَى يَومِ دَفنٍ بَعدَهُ تَفنَى وَتُجهَلُ
وَتَبقَى حَبِيسَ القَبرِ مَاشَاءَ خَالِقٌ
إِلَى يَومِ رُعبٍ كُلُّنَا فِيهِ نُسأَلُ
لِيَومٍ تَبَزُّ الأَرضُ أَجدَاثَ جَوفِهَا
وَتُستَجمَعُ الأَموَاتُ مِنهَا وَتَمثُلُ
بِأَرضٍ تَلَاشَت مِن دُهُورٍ قُبُورُهَا
وَمُحَّتْ بِهَا قَبرًا وَمَن كَانَ مُنزَلُ
لِيَومٍ يَفَكُّ الرَّحمُ حَملًا مَعَجَّلًا
وَإِن مُرضِعًا عَن طِفلِهَا فِيهِ تَذهَلُ
ترَا النَّاسَ فِي عَرصَاتِهِ بَينَ رَاهِبٍ
وَبَينَ ذَهُولٍ جِفنُهُ لَا يُسَرْبِلُ
كَأَنَّ الأُنَاسَ مِن ذُهُولٍ تَرَاهُمُ
سُكَارَى وَمَاهُم مِن سُلَافٍ تَثَمَّلُوا
وَلَكِن بَدَت أَيَّامُ حَقٍّ وَرُعبُهَا
تَشِيبُ بِهِ الوِلدَانُ مِن مَا يُهَوِّلُ
فَتَلكَ اللَّتِي مَاكُنتَ تَرجُو ،بَقِيَّةٌ
وَكُلُّ اللَّذِي أَظنَاكَ قَد آلَ زَائِلُ
وَكُلُّ اللَّذِي أَعطَتكَ دُنيًا تَرَكتَهُمْ
17
قصيدة