غدارةٌ مخلصة، غدرُها فيه وفاءٌ لحبّها؛ أكبروا فيها هذا الغدر، فعزائي، أنها عادت... إلى حبّها. ما جدوى غدرٍ لا يُتقن الألم؟ إذا كانت الأقدار قد وعدت، والروح ملبوسةٌ بحنقٍ دفين، ثمّ جاء الغدرُ ليسير على خطواتٍ من ندم، فلا يهدأ، ولا يقرّ على الجراح. الغدرُ... هل هو سوى معركةٍ بين الرغباتِ والواقع؟ أم أنه صوتُ العقلِ حين يعترض على طيبةٍ تغرق في أنغام الغواية؟ في كلّ خطوةٍ نحو الجُرح، يكتب الماضي خطابًا من الحزن، لكنه حزنٌ لا يلبث أن يطوي صفحاتِ الخيانة، وينبض من جديدٍ في صدر المحب... لأجل الحب. لكن، ما الحبّ إذا وُلد في متاهات من الزيف والخداع؟ أليس الحبّ الذي يُنجب الغدر هو ذاته الذي يُخفي في طياته ذروةً من الوفاء؟ فما يكون الوفاءُ إذا خالطته أنيابُ الخيانة؟ هل هو طريقٌ مسدود، أم هو السبيل لنلمح الضوء وسط هذا الظلام؟ وحين تكتمل لحظة الفهم، تأتي الإجابة على هيئة صمتٍ طويل... فالوفاء ليس في قهر الخيانة، بل في تعلّم العيش معها، وفي إدراك أن الغدر جزءٌ من الرحلة إلى المعنى. قد يعود القلب إلى موطنه، إلى حبٍّ أضاعته الرياح، لكن... هل يعود كما كان؟ أم يجد في ذاته عذرًا ليتقبل ذلك الوجه المعتم؟ هل تكون العودة هي الخيانة ذاتها؟ أم أن الغدر يكشف عن صدقٍ دفين قلّما نُفصح عنه في أوراق الحياة؟ في كلّ غدرٍ يسكنُ وفاء، وفي كلّ وعدٍ يقبعُ سراب. ذلك هو المسارُ الذي نسلكه بين مفارق الوجود، عندما نختار أن نحب... حتى إذا كان الجرح أكبر من الشفاء. ثمّ يأتي السؤال: هل الخيانة هي الطريق إلى الحريّة؟ أم أن في كلّ خيانةٍ رغبةً في التحرر من القيود التي تُقيّد قلوبنا إلى جدارٍ من المجهول؟ ألم نبحث يومًا عن إجابةٍ في قلبٍ لا يعرف الأمان؟ وهكذا، تحاول الحياة أن تُعلّمنا... لكن أين تتوقّف دروسها؟ هل نعود فنبحث عن الحب؟ أم نمضي في دربٍ محفوفٍ بالغدر؟ ثمّ نهمس أخيرًا: الغدرُ... حلاوةٌ في مرارتها، وهو الفضاءُ الذي يُجسّد كلّ ما نرفضه من شجاعة.