عدد الابيات : 51
يَا سَائِلِي عَنْ دُرُوبِ الْحَرْفِ فِي أَلَمِ
هَذِي قَوَافِيَّ مِثْلُ السَّيْفِ فِي الْحُسُمِ
جَاءَتْكَ كَالسَّيْلِ لَا تُبْقِي عَلَى شَرَفٍ
إِلَّا أَضَاءَتْ مَعَالِمَهُ عَلَى الْقِمَمِ
إِنِّي نَفَثْتُ بِهَا رُوحَ الْبَيَانِ عَلَى
صَدْرِ الزَّمَانِ، وَأَلْقَيْتُ الْحُرُوفَ دَمِي
مَا كَانَ شِعْرِي لِجَاهٍ أَوْ لِمَكْرُمَةٍ
بَلْ كَانَ لِلْحَقِّ وَالتِّبْيَانِ وَالنَّهَمِ
فَامْضِ مَعِي فِي شِعَابِي، وَاتْرُكِ الْعَذَلَا
إِنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُغْنَى بِلَا أَلَمِ
يُخْفِي الْبَيَانَ إِذَا مَا قَالَهُ فَهِمُ
مَا كُلُّ نَاطِقِ حَقٍّ نَابَهُ الْكَلِمُ
وَسِرُّ قَوْلٍ بَلِيغٍ دُونَ مَنْطِقِهِ
أَهْدَى مِنَ اللَّفْظِ إِنْ جَارَتْ بِهِ النِّعَمُ
وَكَمْ قَصِيدٍ غَوَى مَا فِيهِ مَوْعِظَةٌ
فَرَاحَ يُرْمَى كَأَنَّ الْحَرْفَ فِي سَقَمِ
وَخَيْرُ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي صَعِدَتْ
بِهِ الْحَكِيمَاتُ تَمْضِي فَوْقَ كُلِّ هِمَمِ
وَلَا يَزَالُ كَرِيمُ النَّفْسِ ذَا أَثَرٍ
مَا دَامَ يُنْفِقُ مِنْ حُبٍّ بِلَا نَدَمِ
وَيَخْسَأُ النَّاسِكُ الْمَغْرُورُ مُعْتَزِلًا
ذَوِي الرَّحَامِ، وَقَدْ أَقْسَى عَلَى الرَّحِمِ
مَنْ عَاشَ بِالْأَمَلِ الْمَحْمُودِ تُنْقِذُهُ
يَدُ الْحَيَاةِ، وَإِنْ طَالَتْ بِهِ الظُّلَمُ
وَكَمْ تَعِسْ فِي الْهَوَى إِنْ كَانَ ذَا أَلَمٍ
يَهْوَى النَّحِيبَ، كَأَنْ بِالْيَأْسِ قَدْ حُلِمِ
وَصَاحِبُ الْعُسْرِ إِنْ آوَاكَ مُبْتَسِمًا
أَبَرُّ مِنْ أَلْفِ خِلٍّ عِنْدَ مُزْدَحِمِ
وَمَنْ تَنَاءَى إِذَا ضَاقَ الزَّمَانُ بِنَا
فَلَيْسَ يُجْزَى سِوَى بِالْهَجْرِ وَالنَّدَمِ
وَمَا أَوْجَعَ الْجِرَاحَ الْخَافِقَاتِ إِذَا
سَرَتْ بِنَارِ الْأَسَى، لَا تُطْفِئُ الْحِمَمِ
وَكَمْ جُرِحْنَا جِرَاحًا فِي جُسُومِنَا
تُبْرَى سَرِيعًا، وَجُرْحُ الْقَلْبِ لَمْ يُلَمِ
وَإِنْ صَبَرْنَا، فَصَبْرُ الْمَرْءِ يُعْقِبُهُ
رِضًى وَشُكْرٌ وَتَسْلِيمٌ لِمُنْتَقِمِ
كَمْ مِنْ فَقِيرٍ رَوَى قَبْرًا بِرُوحِهِ
وَكَمْ غَنِيٍّ عَلَى الْأَرَائِكِ احْتَدَمِ
وَمَا الْخُبْزُ الْيَابِسُ الصَّافِي بِأَكُفِّنَا
إِلَّا أَلَذُّ مِنَ السُّكَّرِ مَعَ السَّقَمِ
فَرَبَّ قَوْلٍ تَرَاهُ الْعَذْبَ فِي فَمِنَا
وَهُوَ الدَّسِيسُ، وَفِيهِ السُّمُّ لَمْ يُجَمِ
كَمْ مِنْ جَبَانٍ غَدَا بِالسَّيْفِ مُنْتَصِرًا
وَكَمْ شَرِيفٍ جُرِّمَ ظُلْمًا وَلَمْ يُتَّهَمِ
وَرَبَّ وَضِيعٍ رُفِعَ بِالزُّورِ مَنْزِلَتُهُ
وَرَبَّ حُرٍّ أُهِينَ الذِّكْرُ وَالْحُسَمِ
مَنْ عَامَلَ النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ مَلَكَهُمُ
إِذْ لَا تُطِيقُ نُفُوسُ النَّاسِ ذَا لُؤْمِ
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَيْنُ الْجَمْعِ تُنْكِرُهُ
مِنْ هَامَةِ الرَّأْسِ حَتَّى أَسْفَلِ الْقَدَمِ
وَمَا ارْتَقَى الْعَدْلُ إِلَّا حِينَ يَنْشُدُهُ
حُرٌّ أَبَى الظُّلْمَ وَانْقَادَ إِلَى الْحَكَمِ
وَكَمْ تَعَوَّدَ مَظْلُومٌ عَلَى أَذًى
فَغَابَ صَوْتُ احْتِكَامٍ مِنْهُ لِلْأُمَمِ
كَأَنَّ طَالِبَ حَقٍّ مِنْ ظُلُومِهِمُ
غَرِيقُ نَجْدٍ يُنَادِي عَابِرَ الْقِمَمِ
وَمَنْ طَغَى فِي أَرَاضِي النَّاسِ يُنْكِرُهُ
حَتَّى التُّرَابُ، وَيَأْبَاهُ مَنِ انْتَقَمِ
وَالْمَجْدُ لَا يُمْنَحُ الْكَسْلَى وَلَا عَبَثًا
بَلْ يَرْتَقِيهِ شُجَاعُ النَّفْسِ مُغْتَنِمِ
فَكَمْ غَرِيبٍ تَخَطَّى الْعَجْزَ مُنْدَفِعًا
حَتَّى تَسَامَى وَصَارَ النَّجْمَ فِي الظُّلَمِ
وَمَنْ تَخَلَّى عَنِ الْآمَالِ نَادِبُهُ
يَمْضِي كَظِلٍّ بِلَا رُوحٍ وَلَا قَدَمِ
وَمَا يَضِيعُ فَتًى لِلَّهِ سَائِلُهُ
فَاللَّهُ يَسْمَعُ حَتَّى لَوْ غَفَا الْقَلَمِ
دَعِ الْبَشَرَ، فَكَمْ فِيهِمْ بِلَا شَرَفٍ
يَهْوَى الرِّيَاءَ، وَيُرْضِي كُلَّ مَنْ نَمِ
وَمَنْ تَوَكَّلَ لَمْ تَخْرَبْ مَسَاعِيهِ
وَإِنْ تَعَثَّرَ فِي دَرْبِ الْهَوَى الْقَدَمِ
وَمَنْ غَوَى خَلْفَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ سَفِهَ
كَأَنَّهُ النَّجْمُ فِي لَيْلٍ بِلَا عَلَمِ
وَمَنْ يَصُنْ نَفْسَهُ تَبْقَ الْكَرَامَةُ لَهُ
مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ مِيزَانٌ مِنَ الْقِيَمِ
وَمَنْ يُهَنْ يَسْهُلِ الْهَوْنُ الْمُضَاعَفُ فِي
كُلِّ الْعُيُونِ، وَيُرْمَى دُونَ مَا تُهَمِ
وَمَا الْجَمَالُ بِزَيْنِ الْوَجْهِ إِنْ خُلُقَتْ
نَفْسٌ تَفِيضُ بِأَخْلَاقٍ مِنَ الْكَرَمِ
وَكَمْ جَمِيلِ الْمُحَيَّا فِي جَوَانِحِهِ
قَلْبٌ حَقِيرٌ كَأَفْعَى نَابُهَا الْعَدَمِ
وَمَنْ تَرَفَّعَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ عَظُمَتْ
خُطُوَاتُهُ، وَغَدَا بِالْحُرْمَةِ الْعَلَمِ
وَلَا يَزَالُ قَلِيلُ الْمَالِ مُعْتَبَرًا
مَا دَامَ فِي خُلُقِهِ أَسْمَى مِنَ القَسَّمِ
وَكُلُّ حُرٍّ كَرِيمٍ لَا يَذِلُّ إِذَا سَمَّا
أَبْقَى جَلَالَ التُّقَى تَاجًا عَلَى الْهِمَمِ
وَإِنْ تَخَلَّى الْوَرَى عَنْكَ اسْتَمْسِكِ
بِاللَّهِ، فَهُوَ الرَّجَاءُ السَّاكِنُ الدَّعَمِ
تَاللَّهِ مَا رِفْعَةُ الْإِنْسَانِ فِي نَسَبٍ
بَلْ فِي اتِّبَاعِ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعِلَمِ
هَذِي حُرُوفِي عَلَى أَقْدَارِهَا وَقَفَتْ
فَاضَتْ بَيَانًا عَلَى لَفْظٍ مِنَ الْعَصَمِ
مَا قُلْتُ إِلَّا صَدَى عَقْلٍ وَتَجْرِبَةٍ
وَمَا نَظَمْتُ سِوَى مِنْ مَعْدِنِ الْحِكَمِ
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي بَقَاءَ الْمَجْدِ فَاتَّخِذِ
مِنْ صِدْقِ فِعْلِكَ دَرْبًا غَيْرَ ذِي نَدَمِ
وَاسْتَمْسِكِ الْحَقَّ، لَا تَرْضَ الْمَذَلَّةَ إِنْ
خَانَ الْوَرَى، فَالْهُدَى يَكْفِيكَ فِي الظُّلَمِ
وَفِي الْخِتَامِ سَلَامٌ مِثْلُ أَنْفَاسِنَا مِنْ
مُهْجَةِ الْفُصْحَى فِي أَرْوَى مِنَ الْغَمَمِ
63
قصيدة