عدد الابيات : 28
سَقَانِي الزَّمَانُ كَأْسَهُ بِالَّتِي هِيَ
فَمَا الذَّنْبُ إِنْ خَانَتْ يَمِينِي يَدُهْ؟
سَعَيْتُ إِلَى الْوُدِّ الَّذِي كُنْتُ أَرْتَجِي
فَمَا ازْدَادَ إِلَّا صَدُّهُ وَصُدُودُهْ
رَمَيْتُ بِحُبِّي فِي رُبَى الدَّهْرِ طَائِرًا
فَعَادَ إِلَيَّ الْحُبُّ كَلًّا وُرُودُهْ
حَسِبْتُ الْهَوَى بَحْرًا فَخُضْتُ عُبَابَهُ
فَغَاضَتْ عُيُونُ الْمَاءِ وَحَبَسَ رَّدُهْ
يُذَلِّلُ صَعْبَ الرَّأْيِ حَتَّى كَأَنَّهُ
يَرَى الْعَزْمَ بُرْدًا وَالْجَنَانَ رَقُودُهْ
يُقَلِّبُ أَمْرَ الْقَلْبِ حَتَّى يُضِلَّهُ
فَيُصْبِحُ يَخْشَى الرُّشْدَ وَالْهَوْنَ جُهْدُهْ
وَأَعْجَبُ مَا فِي الْعَاشِقِ الْحُرِّ أَنَّهُ
يَرَى الْغَدْرَ حُبًّا وَالْمَكَارِمَ زُهْدُهْ
يَفِرُّ مِنَ السَّلْوَى وَهْيَ رَاحَةُ نَفْسِهِ
وَيَأْوِي إِلَى الْحُزْنِ الَّذِي هُوَ فَقْدُهْ
وَإِنَّ الْهَوَى حُكْمٌ يَسُودُ بِجَوْرِهِ
فَكَيْفَ يَرُدُّ الظُّلْمَ مَنْ هُوَ عَبْدُهْ؟
يَسُوقُ إِلَى الْعُشَّاقِ جَيْشَ مَصَائِبٍ
فَإِنْ هَامَ ذُو عَقْلٍ فَقَدْ شَابَ خَدُّهْ
وَكَمْ أَدَّبَتْنِي وَقْعَةُ الْحُبِّ فِي الصِّبَا
فَأَبْصَرْتُ مَا كُنْتُ أَجْهَلُ وَعْدُهْ
أُرِيدُ كَرِيمًا صَادِقًا فِي مَوَدَّتِي
وَلَكِنَّمَا الدُّنْيَا يَكُونُ وَعِيدُهْ
فَمَا النَّاسُ إِلَّا ظِلُّ وَقْتٍ مُتَقَلِّبٍ
إِذَا اسْتَبْدَلُوا وُدًّا تَبَدَّلَ عَهْدُهْ
وَأَبْعَدُ مَفْقُودٍ شَبَابٌ تَصَرَّمَتْ
بِهِ أَيْدِي اللَّيَالِي حِينَ أَظْلَمَ وَقْدُهْ
وَمَنْ لِيَ بِالْخِلِّ الَّذِي أَسْتَجِيرُهُ
إِذَا النَّائِبَاتُ اسْتَأْسَدَتْ وَاشْتَدُّهْ؟
صَحِبْتُ زَمَانِي طُولَ عُمْرِي فَمَا أَرَى
سِوَى غَدْرِ خِلٍّ أَوْ جَفَاءٍ يُعِدُّهْ
وَمَا كُلُّ مَنْ يَبْدُو وَفِيًّا بِقَوْلِهِ
يُرَاعِي إِذَا مَا غَابَ عَنْهُ رَقِيبُهُ
وَأَعْظَمُ بَلْوَى الْفَتْيِ أَنْ يَفْقِدَ الرِّفَا
وَيَبْقَى بِلَا نَصْرٍ وَلَا مَنْ يُعِدُّهْ
وَمَنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الزَّمَانُ فَمَا لَهُ
سِوَى صَبْرِهِ وَاللَّهُ يُحْسِنُ رُشْدُهْ
وَمَا أَنَا بِالْمَغْلُوبِ دُونَ مَرَامِنَا
وَلَكِنَّهُ قَدْ يُخْذِلُ الْحُرَّ جُهْدُهْ
فَإِنْ كَانَ مَا أَهْوَى صَعِيبًا مَنَالُهُ
فَحَسْبِيَ أَنْ أَبْقَى وَإِنْ غَابَ وُدُّهْ
أَبَى الدَّهْرُ إِلَّا أَنْ يَسُودَ دَنِيُّهُ
وَيُقْبِلَ وَغْدٌ بِالرِّيَاسَةِ سَيْدُهْ
وَنَامَتْ أُسُودُ الْعِزِّ عَنْ أَخْذِ حَقِّهَا
وَكَمْ قَدْ تَدَاعَتْ لِلتَّمَرُّدِ سُرْدُهْ
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ مَنْ يَصْدَعُ الْقَضَا
فَسَوْفَ يُرَى وَقْدُ الْمَذَلَّةِ وَقْدُهْ
وَمَنْ ذَلَّ خَوْفَ الْمَوْتِ كَانَتْ حَيَاتُهُ
كَمَيْتٍ وَلَكِنْ لَا يُقَامُ بِلَحْدِهْ
أَعِيشُ عَلَى وَقْعِ الْحَقَائِقِ وَالْعُلَا
وَأَحْمِي حُمَى الْعِزِّ وَ هُوَ سَعْدُهْ
وَلَسْتُ أُطِيقُ الذُّلَّ وَالْحَقُّ سَيْفُهُ
يُجَلْجِلُ فِي السَّاحِ إِذَا لَانَ جُنْدُهْ
فَحَسْبِيَ فَخْرًا أَنَّنِي فِي مَقَامِهِ
مُعَانِقُ مِهْمَازِ الْكَرَامَةِ جُنْدُهْ
148
قصيدة