عدد الابيات : 152
طباعةأَأَبْكِي عَلَى رَسْمٍ بِسُوحِ الْغَمَائِرِ؟
وَفِي الْقَلْبِ نَارٌ مِنْ لَظَى الذِّكْرِ حَائِرِ؟
وَهَلْ تُرْجِعُ الْآهَاتُ مَا قَدْ تَبَعْثَرَتْ
مِنَ الْعَيْشِ فِي فَلَوَاتِ دَهْرٍ جَائِرِ؟
فَدَعْ عَنْكَ دَمْعَ الْعَيْنِ إِنَّ دُمُوعَهُ
تُضَيِّعُ وَجْدَ الْحُرِّ فِي كُلِّ سَافِرِ
وَقَدْ كُنْتُ لَا أَبْكِي الدِّيَارَ إِذَا انْقَضَتْ
وَلَكِنْ بَكَيْتُ الْحُسْنَ فِي وَجْهِ سُرَارِ
أَرِقْتُ لَهَا بِالسِّحْرِ لَيْلًا طَوِيلًا كَأَنَّهُ
ثُرَيَّا تَهَاوَتْ فِي عُيُونِ النَّوَاظِرِ
تُوَشِّي الْمَدَى وَجْهًا كَأَنَّ ضِيَاءَهُ
صَفَاءُ نُجُومٍ فِي بِسَاطِ الْأَزَاهِرِ
إِذَا أَقْبَلَتْ طَابَ الزَّمَانُ وَأَثْمَرَتْ
حُقُولُ الْمُنَى مِنْ قَبْلِ نَبْعِ الْمَشَاعِرِ
وَلَوْ أَنَّ شِعْرَ الْجَاهِلِيِّينَ قَدِ ارْتَوَى
بِمِثْلِكِ مَا قَالُوا بِمَيْسُونَ أَوْ دُرَرِ
عَرُوسُ الْمَدَى، بَهْوُ الْخَيَالِ وَحُلْمُنَا
وَرَيْحَانَةُ الْأَيَّامِ فِي كُلِّ سَاهِرِ
فَيَا سَارَةَ الْحُسْنِ الَّذِي لَا يُجَارِهُ
جَمَالٌ، وَعَقْلٌ، وَارْتِقَاءُ الْبَصَائِرِ
سَمَتْ فِي عُيُونِ الْحُسْنِ سَارَةُ وَارْتَقَى
بِهَا الْمَجْدُ مِنْ خُلُقٍ عَفِيفٍ مُبَصَّرِ
إِذَا قِيلَ هَذَا الطُّهْرُ صَاغَ مَلَامِحًا
تُرِينِي صَفَاءَ الرُّوحِ فِي طَيْفِ مَحْضَرِ
رَقِيقَةُ إِحْسَاسٍ كَأَنَّ حَنَانَهَا
نَدَى الْفَجْرِ فِي كَفِّ النَّسِيمِ الْمُعَطَّرِ
تُرَاوِدُهَا الْأَيَّامُ، تَبْقَى صَبُورَةً
وَفِي كُلِّ دَرْبٍ خَيْرُهَا غَيْرُ مُجْحَرِ
إِذَا مَا بَدَا وَجْهُ النَّقَاءِ تَبَسُّمًا
تَجَلَّى بِهَا فَجْرُ الْمَوَدَّةِ الْمُسَفَّرِ
وَتَسْرِي كَمَا يَسْرِي النَّسِيمُ عَلَى الْمَدَى
فَلَا تَنْثَنِي مَشْيَ الْهُوَيْنَى بِمُكَبَّرِ
وَتَزْهُو كَغُصْنِ الْبَانِ يَهْتَزُّ بَاسِمًا
إِذَا لَاحَ سِحْرُ الْقَدِّ فِي ظِلِّ مِغْفَرِ
وَلَوْ نُسِجَتْ أَخْلَاقُهَا فِي مَنَابِرِ
لَمَا ظَلَّ فِي النَّاسِ الشَّقِيُّ الْمُكَدَّرِ
هِيَ الطِّيبُ فِي كُلِّ الطِّبَاعِ وَنَبْعُهُ
إِذَا جَفَّ نَبْعُ الْحُسْنِ فِي الْجَوِّ أَزْهَرِ
فَكَمْ مِنْ جَمِيلٍ لَا يُضَاهَى بَهَاؤُهُ
تَجَلَّى بِهَا، وَالْفَضْلُ فِي الْحُسْنِ أَبْهَرِ
أُحَدِّثُ قَلْبِي عَنْ هَوَاهَا، وَأَكْتَفِي
بِصَوْتٍ خَفِيٍّ فِي الْحَشَا لَيْسَ يُظْهَرِ
وَأَبْكِي إِذَا نَامَ الْوَرَى فِي سُكُونِهِمْ
وَأَسْهَرُ مَا بَيْنَ التَّنَهُّدِ وَالسُّهَرِ
إِذَا مَرَّ طَيْفُ الْحُسْنِ قُلْتُ لَعَلَّنِي
أَرَاهَا، وَفِي رُوحِي اشْتِيَاقٌ مُسَهَّرِ
تُرَاوِدُنِي الذِّكْرَى كَأَنِّي عَاشِقٌ
تَوَسَّدَ ظِلَّ الْوَهْمِ فِي قَلْبِ مُبْهَرِ
أَهِيمُ بِهَا شَوْقًا، وَأَسْرِي بِصَمْتِي
كَأَنِّي نَسِيمٌ ضَلَّ دَرْبَ الْمَعْنِصِرِ
أُحِبُّكِ يَا سَارَةُ، الْحُبُّ أَعْظَمُ
مِنَ الشَّرْحِ، لَا يُرْوَى بِقَوْلِ الْمُفَسَّرِ
رَأَيْتُكِ فِي نَوْمِي، فَجُنَّ جَنَانُهُ
وَغَابَ عَنِ الْإِدْرَاكِ وَجْهُ الْمُسَيَّرِ
كَأَنَّكِ نُورٌ فِي عُيُونِ مَنِ اهْتَدَى
يُبَشِّرُهُ صُبْحٌ بِعِطْرِ الْمُبَشِّرِ
وَمَا سَكَنَتْ رُوحِي لِغَيْرِكِ لَحْظَةً
كَأَنَّكِ مِفْتَاحُ السُّرُورِ الْمُؤَثِّرِ
أُدَاعِبُ فِي ذِهْنِي خَيَالَكِ دَائِمًا
وَأَشْدُو بِهِ لَحْنًا كَصَوْتِ الْمُزَنْجِرِ
فَيَا زَهْرَةَ الْأَشْوَاقِ فِي كُلِّ خَلْوَةٍ
أَرَاكِ جَمَالًا فِي خَيَالِ الْمُصَوَّرِ
تَدَلَّيْتِ فِي سَمْعِي كَنَغْمَةِ عَاشِقٍ
تَلَذُّ لَهُ الْآهَاتُ فِي اللَّحْنِ الْأَبْهَرِ
إِذَا مَا نَظَرْتِ الطَّرْفَ، عَادَ كَيَانِي
كَأَنِّي عَلَى جَمْرِ التَّلَهُّفِ مُضْمَرِ
وَفِيكِ نَسِيتُ الْأَرْضَ وَالنَّاسَ كُلَّهُمْ
كَأَنِّي وُجِدْتُ بِعَالَمٍ غَيْرُ مُحْضَرِ
تُنَاجِينِي الْأَيَّامُ بِاسْمِكِ كُلَّمَا
رَأَيْتُ سَحَابًا فِي السَّمَاءِ الْمُنَوَّرِ
وَهَلْ يُطْفِئُ الظَّمْآنَ غَيْرُ حَنَانِكِ؟
وَهَلْ فِي الْهَوَى غَيْرُ اللِّقَا الْمُتَيَسِّرِ؟
شَرِبْتُ هَوَاكِ الصِّرْفَ حَتَّى كَأَنَّهُ
دَمٌ قَدْ جَرَى فِي مُهْجَتِي الْمُتَكَسِّرِ
وَأَقْسَمْتُ لَا أَنْسَى هَوَاكِ، وَإِنْ مَضَتْ
عَلَيَّ سِنِينَ مِنْ جَفَاءٍ مُؤَخَّرِ
فَأَنْتِ الَّتِي لِلْحُسْنِ مَعْنًى وَمُبْتَدَى
وَأَنْتِ اخْتِتَامُ الْعِشْقِ فِي كُلِّ أَسْفَرِ
إِذَا قِيلَ: مَنْ يَهْوَاكِ؟ قُلْتُ: أَنَا الَّذِي
تُرِينِي اللَّيَالِي فِيهِ سِرَّ الْمُؤَخِّرِ
تُحِبِّينَ صِدْقَ الْقَوْلِ لَا الزَّيْفَ وَالْمُرَا
وَتَكْرَهْنَ فِي الْأَقْوَالِ زَيْفَ الْمُعَذِّرِ
وَتَمْشِينَ فِي دَرْبِ الْحَقِيقَةِ وَاقِفَةً
كَأَنَّكِ فِي لَيْلِ الدُّجَى نُورُ مُنْذِرِ
تَحَمَّلْتِ آلَامَ الْحَيَاةِ بِصَبْرِهَا
كَأَنَّكِ بَحْرٌ فِي السُّكُوتِ الْمُؤَزِّرِ
عَفْوِيَّةٌ تَمْضِي وَتَفْتَحُ صَدْرَهَا
لِمَنْ كَانَ صَافِيَ النَّوَايَا، مُبَشِّرِ
وَتَحْكِينَ بِالصِّدْقِ الْمُبِينِ، كَأَنَّمَا
عَلَى فَمِكِ الْحَقُّ الْمُبِينُ الْمُسَطَّرِ
وَتُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَاحَةَ قَلْبِنَا
هِيَ الْفِطْرَةُ الْبَيْضَاءُ مِنْ غَيْرِ مُغْيِرِ
وَفِي خُطُوَاتِ الطُّهْرِ تَمْضِينَ بَاسِمَةً
كَطِفْلٍ بَرِيءِ السِّرِّ فِي ظِلِّ مَخْمَرِ
وَفِيكِ اتِّزَانُ الْأُمِّ إِنْ جَدَّ أَمْرُنَا
تُدَبِّرِينَ الدَّرْبَ مِنْ غَيْرِ مُقَصِّرِ
وَحِينَ تَبُوحِينَ الْحَدِيثَ، فَإِنَّمَا
كَأَنَّكِ فِي قَدْرِ الْكَلَامِ الْمُخَصَّرِ
وَحِينَ تُنَادِيكِ الْعُقُولُ لِحِكْمَةٍ
تُجِيبِينَ بِالرَّأْيِ الرَّصِينِ الْمُحَقَّرِ
وَفِيكِ حِوَارٌ كَالنَّسِيمِ إِذَا سَرَى
تُلِينِينَ مَا بَيْنَ الْجُمُوحِ الْمُكَبَّرِ
وَلَا تَأْمُرِينَ الْقَلْبَ يَوْمًا بِأَمْرِهِ
وَلَكِنَّكِ تَدْعِينَهُ بِالتَّدَبُّرِ
تَمُدِّينَ جِسْرًا مِنْ حَنَانٍ وَمِنْ هُدًى
إِلَى كُلِّ مَنْ قَدْ ضَلَّ دَرْبَ الْمُعَبَّرِ
تُحِبِّينَ أَنْ يُفْهَمَ الْقَلْبُ قَبْلَمَا
يُقَاسَ بِمَا يَبْدُو كَسَطْحٍ مُدَبَّرِ
وَإِنْ حَدَّثُوكِ عَنْ صِرَاعٍ وَفِتْنَةٍ
سَكَتِّ، وَكَانَ الصَّمْتُ فِيكِ الْمُعَبِّرِ
وَمَا قُلْتِ إِلَّا مَا يَلِيقُ بِجَوْهَرٍ
كَأَنَّكِ دُرٌّ فِي ضَمِيرِ الْمُفَكِّرِ
وَفِيكِ خُصُوصُ الْأُمِّ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
تُنَادِينَ: هَلْ مِنْ تَائِهٍ أَوْ مُحَيَّرِ؟
كَأَنَّ الْحَيَاةَ اسْتَوْدَعَتْكِ خَزِينَةً
تُفِيضِينَهَا فِي الطِّيبِ دَرْبًا وَمَسْفَرِ
وَفِي حَضْرَةِ التَّفَاهُمِ أَنْتِ سَيِّدَةٌ
تُرِيكِ الْمَدَى فِكْرًا نَقِيًّا مُنَوَّرِ
فَلَا قَسْوَةٌ فِيكِ، وَلَا صَوْتُ غَاضِبٍ
وَلَكِنَّكِ حُكْمٌ بَهِيٌّ مُقَدَّرِ
تُحِبِّينَ أَنْغَامَ الْغَرَامِ بِصَمْتِهَا
كَأَنَّكِ فِي حُلْمٍ غَرِيبٍ مُصَوَّرِ
وَلَكِنَّكِ، وَالْحُبُّ فِي الْأَرْضِ نَادِرٌ
تَرَيْنَ سِوَاهُ كَخُرَافَاتِ مُفَسَّرِ
تَحِنِّينَ لِلتَّسَامُحِ الْعَذْبِ دَائِمًا
كَأَنَّكِ نَبْعٌ فِي الْمَدَى غَيْرُ مُكَدَّرِ
تُبْغِضْنَ حِقْدَ الْقَلْبِ إِنْ جَاءَ طَامِعًا
وَتَهْوَيْنَ صَفْوَ النَّفْسِ إِنْ كَانَ مُبْصَرِ
وَمَا الْكَذِبُ إِلَّا عَدُوُّكِ فِي الدُّنْيَا
فَإِنْ غَدَرُوا، كُنْتِ عَنْهُمْ مُحَذَّرِ
وَلَا تَحْتَمِلِينَ الْخِدَاعَ وَلَوْ مَرَّةً
كَأَنَّكِ شَمْسٌ فِي نَهَارٍ مُسَطَّرِ
تُحِبِّينَ مَنْ طَابَتْ خَوَاطِرُ قُرْبِهِ
وَتَهْوَيْنَ صِدْقًا مِنْ حَبِيبٍ مُقَرَّرِ
وَكَمْ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْحَشَا لَكِ مَنْزِلٌ
كَأَنَّ فُؤَادَكِ مُقَسَّمٌ بِالْمُخَدَّرِ
وَتَحَفَّظْتِ عَهْدَ الْمَوَدَّةِ صَادِقًا
فَلَا تَنْسَيْنَ الْوَفِيَّ الْمُؤَيَّرِ
إِذَا ذَكَرُوكِ الْأَصْدِقَاءُ بِحَنْظَلٍ
ذَكَرْتِ لَهُمْ عِطْرَ الْوَفَاءِ الْمُعَبَّرِ
أَيَا نَارَ شَوْقٍ فِيكِ، أَيْنَ هُدُوؤُكِ؟
وَأَنْتِ إِذَا هَبَّتْ نَسِيمًا مُخَدِّرِ
وَفِيكِ تَضَادٌّ مِنْ جَمَالٍ وَصَخَبٍ
كَأَنَّكِ بَرْقٌ فِي سَمَاءِ الْمُعَنَّقِرِ
فَأَنْتِ نُسِيمٌ، ثُمَّ أَنْتِ عَوَاصِفٌ
وَفِيكِ جُنُونٌ فِي صَوَابٍ مُسَخَّرِ
مَحْظُوظَةٌ فِي الدَّرْبِ، تَأْتِينَ دَائِمًا
بِمَا يُدْهِشُ الْأَرْوَاحَ سَعْيًا مُدَبَّرِ
تُرَافِقُكِ الْأَرْوَاحُ، تَحْنُو بِقُرْبِهَا
كَأَنَّ مَلَاكًا فِي الْخُطَى كَانَ مُسَفَّرِ
رَأَيْتُكِ بَيْنَ الْحُلْمِ وَالْوَاقِعِ الَّذِي
يُلَامِسُ فِي عَيْنَيْكِ سِرَّ الْمُدَثَّرِ
تُحَاكِينَ مِنْ عَالَمٍ مَا رَأَيْنَاهُ
وَلَكِنَّهُ فِيكِ يَقِينٌ مُصَوَّرِ
حَنُونٌ، إِذَا مَا جَفَّ نَبْعُ الْمَشَاعِرِ
فَأَنْتِ لَهُ نَبْعُ النَّدَى الْمُخَمَّرِ
قَلْبُكِ مُرْهَفٌ، لَا يُجَارِيهِ نَابِشٌ
كَأَنَّكِ فَيْضُ الْعَطْفِ بَيْنَ الْمُبَهَّرِ
إِذَا بَاحَ شَخْصٌ بِسِرِّهِ فِي لِقَائِكِ
سَمِعْتِ بِصَمْتِ الرُّوحِ قَوْلَ الْمُعَبِّرِ
تُحِبِّينَ مَنْ كَانَ بِالْحُبِّ نَاطِقًا
وَيَكْرَهُكِ الْجَاحِدُ الْكَاذِبُ الْمُغَرِ
تَرَيْنَ الْبَعِيدَ قَرِيبَ حِسِّكِ دَائِمًا
وَتَعَرَّفْتِ وَجْهَ الْغَدْرِ مِنْ غَيْرِ مُخَدَّرِ
تَرَقَّى شُعُورُكِ فَوْقَ مَدِّ خَيَالِنَا
فَكُنْتِ جَمَالَ الْحُلْمِ فِي الْحَيِّ مُخَدَرِ
كَأَنَّكِ حِسٌّ لَا يُرَى فِي كَلَامِنَا
وَلَكِنَّهُ يَبْقَى حُضُورًا مُعَنَّرِ
رَأَيْتُكِ فِي نَوْمِي، مَلَاكًا يُرَافِقِي
فَهَلْ كُنْتِ وَهْمًا؟ أَمْ طُيُوفَ الْمُؤَشِّرِ؟
أَحِنُّ إِلَيْكِ الْآنَ شَوْقَ مُتَيَّمٍ
يَطُوفُ بِقَلْبٍ مُسْتَفِيضٍ مُجَهَّرِ
وَفِيكِ تَسَامَتْ رِقَّةٌ مَا بَعْدَهَا
كَأَنَّكِ قِيثَارٌ بِلَحْنٍ مُنَوَّرِ
إِذَا بَسَمَتْ عَيْنَاكِ، جُنَّ خَيَالُنَا
وَقِيلَ: أَتَتْنَا بِالْبَشَائِرِ مُقَدَّرِ
تَقُولِينَ: "أَنَا الْحُلْمُ إِنْ طَافَ هَادِئًا
وَإِنْ صَحَتْ الْأَرْوَاحُ كُنْتُ الْمُجَهَّرِ"
فَسَارَةُ، فِي وَصْفِ الْحَيَاةِ، حِكَايَةٌ
تَفِيضُ، وَلَا تُرْوَى بِقَوْلِ الْمُفَكِّرِ
سَقَى اللَّهُ أَيَّامَ الْوِصَالِ وَلَيْلَهَا
إِذَا لَاحَ طَيْفُكِ فِي دُرُوبِ الْخَوَاطِرِ
وَكَانَتْ لَنَا فِي الْحُبِّ رَايَاتُ هُدْيَةٍ
تُضِيءُ الدُّجَى مَا بَيْنَ صَمْتِ الْمَنَاظِرِ
فَيَا مَنْ غَدَتْ لِلرُّوحِ فَجْرًا مُؤْنِسًا
تَمُرُّ كَغَيْمٍ مُذْهَبِ اللَّوْنِ عَاطِرِ
تَمَنَّيْتُ أَنْ تَبْقَى الْمَوَدَّةُ بَيْنَنَا
كَمَاءٍ جَرَى فِي ظِلِّ نَخْلٍ مُثْمِرِ
فَإِنْ غِبْتِ، اشْتَاقَتْ عُيُونٌ لِبَهْجَةٍ
وَأَنَّتْ قُلُوبٌ فِي انْتِظَارِ الْمُبَشِّرِ
وَمَا زِلْتُ أَرْجُو أَنْ تَعُودِي كَأَنَّنَا
غَرِيبَانِ عَادَا مِنْ فُرَاقٍ مُحَذَّرِ
فَلِلْحُبِّ فِي قَلْبِي مَقَامٌ شَامِخٌ
كَمَا شَامِخٌ فِي الْأَرْضِ تَاجُ الْمَبَاهِرِ
وَمَا الشِّعْرُ إِلَّا بَعْضُ وَجْدِي وَحُرْقَتِي
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الْجَمَالَ الْمُبْهَرِ
فَإِنْ ضَاعَ صَوْتِي فِي صَدَى الذِّكْرَيَاتِ
فَفِيكِ بَقَاءُ الشِّعْرِ، نَبْعُ الْمَشَاعِرِ
خِتَامُ الْهَوَى مِسْكٌ، وَسَارَةُ عِطْرُهُ
إِذَا مَا افْتَرَقْنَا، عُدْتُ طِفْلَ الْمَحَاجِرِ
لَهَا حِكْمَةُ الْأَزْمَانِ فِي صَمْتِ عَقْلِهَا
كَأَنَّ الْعُقُولَ انْحَازَتِ الْمُسْتَبْصَرِ
تَحُلُّ بِنُورِ الطِّيبِ حَيْثُ مَرَرْتِهِ
فَتُزْهِرُ أَرْوَاحُ الْوَرَى بِالْمُؤَثِّرِ
تُمَيِّزُ مَا لَا يُسْتَبَانُ لِعَاقِلٍ
كَأَنَّ الذَّكَاءَ انْسَابَ فِيهَا الْمُقَدَّرِ
إِذَا نَطَقَتْ، صِيغَ الْكَلَامُ كَأَنَّهُ
سُلَافُ الدُّرَارِي فِي خِطَابٍ مُنَظَّرِ
وَفِي قَلْبِهَا بِيضُ السَّمَاءِ تَجَلَّتْ
بِلَا حِقْدِ دَهْرٍ أَوْ غُبَارٍ مُخَدَّرِ
تُسَامِحُ مَنْ آذَى، وَتَمْنَحُ رَحْمَةً
كَأَنَّ بِهَا سِرَّ الْوُجُودِ الْمُجَهَّرِ
إِذَا اشْتَدَّ دَهْرٌ، كَانَتِ الْحِلْمَ وَالرِّضَا
وَإِنْ خَانَ وُدٌّ، ظَلَّ صَدْرُ الْمُعَذَّرِ
تُحِبُّ الْوُضُوحَ الصَّادِقَ الْعَذْبَ مَنْطِقًا
وَتَرْنُو لِأُفُقٍ بِالْحِوَارِ الْمُفَكَّرِ
وَفِي كُلِّ فِعْلٍ تُرَى أَلْفُ مَنْقَبٍ
كَأَنَّ بِهَا رُوحَ النُّهَى الْمُتَطَهِّرِ
فَهَذِي الَّتِي بِالْحُبِّ تُحْيَا وَتُزْهِرُ
وَفِي صَمْتِهَا فِكْرُ الزَّمَانِ الْمُفَسَّرِ
تُرَاقِبُنَا الْأَيَّامُ مِنْ خَلْفِ ظِلِّهَا
فَلَا نَعْلَمُ الْمَجْهُولَ هَلْ كَانَ مُنْذَرِ
تَمُرُّ كَمَا يَجْرِي السَّرَابُ بِأَرْضِنَا
وَنَحْسَبُهُ نَهْرَ النَّدَى الْمُتَحَضِّرِ
وَنَحْنُ إِذَا أَوْغَلْنَا بِدَرْبِ تَمَنِّي
نُعَانِقُ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الْمُسَفَّرِ
كَأَنَّ الزَّمَانَ الْخَادِعَ اللَّيِنَ طَبْعُهُ
يُرَبِّي لَنَا الْحُلْمَ الْجَمِيلَ الْمُصَغَّرِ
أَيَا سَارَةُ، الْمَاضِي تَنَاثَرَ حَوْلَنَا
وَصَوْتُ الْهَوَى يُنْبِي الْحَنِينَ الْمُهَنْدَرِ
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ فِي مَسَاءٍ خَفِيَّةً
أَضَاءَ اللَّيَالِي كَالْبُدُورِ الْمُنَوَّرِ
تَذَكَّرْتُ كَيْفَ ارْتَوَى فِيكِ خَاطِرِي
وَكَيْفَ نَمَتْ رُوحِي بِظِلِّكِ الْمُبَدَّرِ
وَكَيْفَ ارْتَقَى حَرْفِي إِذَا مَا ذَكَرْتُكِ
كَأَنَّكِ فَجْرٌ فِي الْقَصِيدِ الْمُقَدَّرِ
أَيَا زَهْرَةً فِي مَوْطِنِ الْقَلْبِ أَشْرَقَتْ
وَقَلَبْتِ أَيَّامِي سُرُورًا مُفَجَّرِ
سَكَنْتِ بِأَعْمَاقِي، وَصَارَتْ مَشَاعِرِي
تُنَادِيكِ شَوْقًا مِنْ زَمَانٍ مُؤَطَّرِ
تَمُرُّ السُّنُونُ، وَلَكِنَّ الْهَوَى بَقِي
كَأَنَّهُ فِي فَجْرِ عَيْنَيْكِ مُعَمَّرِ
إِذَا مَا انْتَهَى الْقَوْلُ، فَالْوُدُّ مُبْتَدَا
وَفِيكِ ارْتَجَى الْحَرْفُ الْبَيَانَ الْمُسَخَّرِ
عَجِبْتُ لِقَلْبِي كَيْفَ يُخْفِي جُنُونَهُ
وَفِيكِ جَمُوحٌ كَالْخَيَالِ الْمُؤَزَّرِ
تَذَكَّرْتُ أَوَّلَ نَظْرَةٍ كَيْفَ بَعْثَرَتْ
سِنِينَ غُمُوضِي كَالنَّقَاءِ الْمُسَفَّرِ
فَأَقْسَمْتُ أَنِّي لَنْ أُفَرِّطَ بِالْمُنَى
وَلَوْ كَانَ دَرْبِي بِالْعَوَائِقِ مُحَجَّرِ
وَهَا أَنَا، بَعْدَ الْحَرْفِ وَالْبَوْحِ وَالنَّدَى
أُقَبِّلُ هَذَا الْحُبَّ شُكْرًا مُعَبَّرِ
فَمَا كُلُّ مَنْ يَهْوَى يُلَاقِي حَبِيبَةً
تُضِيءُ لَهُ الدَّرْبَ الطَّوِيلَ الْمُدَخَّرِ
وَلَكِنَّنِي، فِي رَحْمَةِ الْحُبِّ صَادَفْتُ
نَعِيمَ التَّمَنِّي فِي احْتِضَانِ الْمُفَكَّرِ
إِذَا جَاءَ لَيْلٌ لَا نَرَاكِ بِهِ، مَضَى
حَزِينًا كَأَنَّهُ غَرِيبٌ مُخَيَّرِ
وَحِينَ تُفِيضِينَ السَّلَامَ بِعِطْرِكِ
تَفِيضُ الْمَدَى بِالدِّفْءِ فَجْرًا مُخَدِّرِ
أَيَا زَهْرَةَ الْأَحْلَامِ، لَوْ طَالَ بُعْدُنَا
فَإِنِّي أَرَاكِ بِبُعْدِي الْمُجَهَّرِ
وَإِنْ زَالَ عَنْ عَيْنَيْكِ نُورُ تَأَمُّلِي
رَأَيْتُكِ فِي عُمْقِ الضَّمِيرِ الْمُنَوَّرِ
أَرَاكِ، كَأَنَّ الْقَلْبَ ظِلُّكِ خَافِقٌ
بِأَنْفَاسِ عِشْقٍ فِي الزَّمَانِ الْمُهَنْهَرِ
كَأَنَّكِ أُغْنِيَةٌ قَدِيمَةُ نَغْمِهَا
يُعَانِقُ فِي قَلْبِي حُضُورَ الْمُكَوَّرِ
وَفِيكِ الْتِبَاسُ الْحُلْمِ بِالْوَاقِعِ الَّذِي
يُعَبِّرُ عَنِّي بِالشُّعُورِ الْمُنَهَّرِ
إِذَا خُيِّرَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِ مُهْجَةٍ
فَأَنْتِ اخْتِيَارِي فِي الدَّلِيلِ الْمُبَهَّرِ
وَفِيكِ صَدَى الزَّهْرِ الْجَمِيلِ إِذَا نَدَتْ
رَحِيقًا يُغَنِّي كَالسَّحَابِ الْمُهَنَّرِ
سَلَامٌ عَلَى مَنْ كَانَ لِلْحُبِّ مَوْطِنًا
وَمَنْ فِي خَيَالِ الْقَلْبِ يَسْقِي الْمُعَطَّرِ
وَإِنْ كَانَ هَذَا الشِّعْرُ آخِرَ نُطْقِنَا
فَفِيكِ بِدَايَاتُ الْهَوَى الْمُسَفَّرِ
وَإِنْ مَرَّ يَوْمٌ دُونَ ذِكْرَاكِ فِي الْحَشَا
فَذَاكَ زَمَانٌ فِي الْجِرَاحِ الْمُفَرَّرِ
فَوَدَاعًا، حُرُوفُ الْعِشْقِ، إِنْ كَانَ لَابُدَّ
فَخُذْنِي إِلَيْهَا بِالشُّعُورِ الْمُعَبَّرِ
هُنَا تَنْتَهِي الْأَبْيَاتُ لَكِنَّهَا ابْتَدَا
لِحُبٍّ سَيَبْقَى فِي الْمَدَى الْمُتَبَصَّرِ
كَتَبْتُكِ عِشْقًا لَا يُقَيَّدُ بِالْحُلَى
وَلَا بِالْمُنَى، بَلْ بِالْوُجُودِ الْمُؤَزَّرِ
فَيَا سَارَةُ، الشِّعْرُ ارْتَقَى بِكِ فَانْثَنَى
يُحَيِّيكِ مِنْ أَعْمَاقِ نَبْضِي الْمُسَطَّرِ
تَرَكْتِ عَلَى الْأَوْزَانِ سِحْرَكِ خَالِدًا
كَأَنَّكِ فَيْضٌ فِي الْقَصِيدِ الْمُفَجَّرِ
إِذَا مَا سُئِلْتِ: "مَنْ تَغَنَّى بِوَصْفِهَا؟"
فَقُولِي: "هُوَ الْعَاشِقُ الْقَدِيمُ الْمُقَدَّرِ"
فَلَا الدَّهْرُ يُنْسِي، لَا، وَلَا الْوَقْتُ يُطْفِئُ
حَرِيقَ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ إِنْ لَمْ يُبَخَّرِ
وَإِنْ جَاءَ وَقْتٌ لِلسُّكُونِ، فَخَاطِرِي
سَيَبْقَى يُنَادِيكِ بِصَمْتٍ مُسَهَّرِ
تُرَانِي كَتَبْتُكِ أَمْ كَتَبْتِ مَشَاعِرِي؟
فَلَا فَرْقَ بَيْنِي وَالْهَوَى الْمُتَبَخِّرِ
سَلَامٌ عَلَى عَيْنَيْكِ، إِنْ مَرَّ خَاطِرِي
وَإِنْ عَادَ حَرْفِي مِنْ حَنِينٍ مُنَوَّرِ
فَهَذَا خِتَامُ الشِّعْرِ، فِيهِ خُلَاصَةٌ
مِنَ الْحُبِّ، وَالْحِكَمِ الْقَدِيمِ الْمُقَّررِ
130
قصيدة