عدد الابيات : 240
طباعةقِفَا نَبْكِ يَا صَاحِبْ، عَلَى رَبْعٍ خَوَى
وَصَارَ سَرَابًا فِي الدُّجَى مُتَمَوْهِلِ
عَلَى طَلَلٍ، كَالْمَوْتِ فِي عَيْنِ نَاظِرٍ
يُخَبِّرُ عَنْ سَارَةَ بِخَفْقِ الْمِنْدَلِ
بِمَذْحِجِ، أَوْ حَيْثُ الْبُيُوتُ كَأَنَّهَا
مَدَى الْحُبِّ فِي وَجَنَاتِ سَارَةَ يُقْبَلِ
فَلَا الرَّسْمُ يُخْفَى، لَا، وَلَا الدَّمْعُ يَنْثَنِي
إِذَا طَافَ بِالْأَطْلَالِ طَيْفٌ مُخَتَّلِ
تَرَى الرَّبْعَ قَدْ أَقْفَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ
يَفِيضُ بِوَجْدٍ كَالْجَحِيمِ الْمُشْعِلِ
وَفِي التُّرْبِ رِيحُ الطِّيبِ مِنْ كَفِّ عَاشِقٍ
تَهَادَى لَهَا ذِكْرَى، وَعَيْنٌ تُهَمْهِلِ
أَطُوفُ بِهَا، وَالرَّكْبُ فِي الْقَفْرِ نَازِلٌ
كَأَنِّي وَهْمٌ فِي السَّرَابِ الْمُنْزِلِ
كَأَنِّي غَدَاةَ الْحَيِّ لَمَّا تَحَمَّلُوا
نَزِيلُ الْمَدَى، أَوْ فَارِسٌ لَمْ يُرْحَلِ
وَقَفْتُ، وَصَحْبِي فِي الْمَطَايَا، كَأَنَّهُمْ
يُنَادُونَنِي: لَا تَكُ صَبًّا فَتَهْزَلِ
أَقُولُ: دَعُونِي، فَالْهَوَى فَوْقَ مَنْطِقِي
وَهَذِي الدِّيَارُ، بِهَا الشِّفَاءُ الْمُقْتَلِ
وَمَا النَّوْحُ إِلَّا فِي الْجَوَانِحِ دَائِمٌ
إِذَا مَا ذَكَرْتُ الْوَعْدَ بَيْنَ الْجَنْدَلِ
أَمُرُّ عَلَى الْأَطْلَالِ، أَمْسَحُ تُرْبَهَا
كَأَنِّي أُقَبِّلُ ثَغْرَ سَارَةَ فِي الطَّلَلِ
لَهَا فِي صُدُورِ الْحَيِّ ذِكْرَى مُطِيبَةٌ
كَأَنَّ الزَّمَانَ بِهَا يُرَتِّلُ مَنْزِلِي
أَلَا يَا خَيَالَ اللَّيْلِ، جُدْنِي بِصُورَةٍ
لَهَا، وَاْرْوِنِي وَجْهًا كَضَوْءِ الْمُشْعِلِ
هُنَا كَانَتِ الْأَنْغَامُ تُعْزَفُ ضَحْكَةً
وَهَذِي السُّكُونُ الْيَوْمَ صَوْتُ الْمُرْجَلِ
فَأَيْنَ الْكُحَيْلُ الطَّلْعُ؟ أَيْنَ جَدَائِلٌ
تُزَاحِمُ ظِلَّ النَّخْلِ فَوْقَ الْمُنْزِلِ؟
رَحَلَتْ، وَلَكِنْ لَا يَغِيبُ خَيَالُهَا
كَأَنِّي بِهَا مَا زِلْتُ أُرْخِي الْمِقْوَلِ
إِذَا نَادَى الْبَاكُونَ: مَنْ لِلرَّدَى، نَهَضَتْ
دُمُوعِي، كَأَنِّي وَالدُّمُوعُ بِمِرْجَلِ
تَفِيضُ، كَأَنِّي فِي الْقَصَائِدِ عَاشِقٌ
يُرِيقُ شُعُورَ الْقَلْبِ فَوْقَ الْمِنْدَلِ
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْوَجْدِ لِي مِنْ سَكِينَةٍ؟
وَهَلْ فِي رُكَامِ الشَّوْقِ ظِلٌّ لِأَرْحَلِ؟
رَكِبَتْ جِيَادَ الشَّوْقِ فِي دَرْبِ الْمُلَلِ
وَسَرَتْ رِيَاحِي فِي قِفَارِ الْمُقْفِلِ
أَبْكِي الدُّرُوبَ إِذَا مَرَرْتُ بِظِلِّهَا
وَأَحِنُّ لِلْمَاضِي كَصَوْتِ الْمِزْهَلِ
صَفَّقَتْ حُمَاةُ الْبِيدِ بِي، فَتَبِعْتُهَا
أَنْفَاسُ وَجْدِي فِي نَسِيمٍ مُجْمِلِ
يَا نَازِلًا فِي الْقَلْبِ مَا لَكَ مَنْزِلٌ
إِلَّا هَوَاكَ وَمُرُّ دَمْعٍ هَاطِلٍ مُنْهَلِ
هَلْ تَذْكُرِينَ غُصُونَ نَجْدٍ بَعْدَمَا
سَقَتِ الْغَمَامَةُ جَدْبَهَا بِالْمُنْهَلِ؟
كُنَّا نُغَنِّي وَالرُّبَى تَتَرَاقَصَتْ
حَتَّى ظَنَنْتُ الزَّهْرَ غَانِي الْمُقْبِلِ
وَاللَّيْلُ فِي بُرْدَيْهِ يَسْرِي صَامِتًا
كَالنَّايِ حِينَ يُقَطِّعُ الْمُتَهَلِّلِ
يَا سَارَةُ، هَلْ تَسْمَعِينَ بِأَنَّنِي
فِي كُلِّ دَرْبٍ سِرْتُ فِيهِ بِمُرْحِلِ؟
مُذْ ضَاعَ ظِلُّكِ، لَمْ أَذُقْ طَعْمَ الرُّؤَى
وَلَا اْسْتَرَاحَ الْقَلْبُ مِنْ تَرْحَالِ لَيْلِ
حَتَّى أَتَاكَ الْوَجْدُ يَسْتَقْصِي الْخُطَى
وَيَلُومُنِي لِمَ لَا أُقِيمُ وَأَمْكُلِ؟
سَارَةُ، وَفِيكِ الْحُبُّ قَدْ نَصَبَ الْمِثَالَ
أَنْتِ الْجَمَالُ وَمَا سِوَاكِ تَحَمَّلِ
كَالْبَدْرِ حِينَ يُطِلُّ فِي أُفْقِ الدُّجَى
فَتَغِيبُ كُلُّ كَوَاكِبٍ فِي الْمَحْفِلِ
شَفَتَاكِ مِنْ وَرْدِ الْخُزَامَى رَوْنَقٌ
وَعَلَى جَبِينِكِ آيَةُ سِحْرٍ لَمْ تُنْزَلِ
عَيْنَاكِ سِحْرٌ إِنْ رَمَقْتُ صَفَاءَهَا
ذَابَ الْجَلِيدُ بِدَمْعِ عَيْنِي الْمُذْهِلِ
قَدُّكِ الْمَيْسُونُ كَمِيلَادِ الْهَنَا
تَتَمَايَلِينَ كَمَرْمَرٍ سَامٍ مُتَعَدِّلِ
خِصْرَاكِ نَهْرُ الطِّيبِ يَجْرِي طَائِعًا
لَا يَسْتَقِيمُ لِوَلْهِ عَاشِقٍ مُتَعَجِّلِ
تَمْشِينَ فِي صَمْتِ الدُّهُورِ كَأَنَّمَا
الدَّهْرُ مَأْخُوذٌ بِعَيْنِ الْمُقْتَبِلِ
لَا يَعْرِفُ الْحُسْنُ الْمَقَايِيسَ الَّتِي
تَكْفِي لِشَرْحِ هَوَاكِ أَوْ تَتَشَكَّلِ
هَلْ يَسْتَوِي وَرْدٌ حَكَى عَنْ فِتْنَةٍ
مَعْ زَهْرِ عَيْنَيْكِ الْمُضِيءِ الْمُنْزَلِ؟
يَا سَارَةُ، أَنْتِ الَّتِي إِنْ مَرَّتِ بِدَارِي
هَامَ الْهَوَى مِنْ دُونِ قَصْدٍ أَوْ خَجَلِ
أُقِرُّ بِأَنِّي فِي هَوَاكِ نَدِيٌّ مُبَتَّلِ
وَأَنِّي فَتًى فِي صَرْحِ حُبِّكِ مُقْتَتَلِ
وَأَنَّكِ فَوْقَ الْحُسْنِ كَوْكَبُ مُهْجَتِي
وَأَنِّي بِدُونِ النَّوْرِ مِنْكِ عَلَى وَجَلِ
خُذِي مَا تَبَقَّى مِنْ رُفَاتِي وَاْنثُرِي
بَقَايَا هَوًى فِي كُلِّ سَهْلٍ وَمُنْحَدَلِ
أُحِبُّكِ لَا أُخْفِي، وَهَذِي دَمْعَتِي
تُجَاوِرُ قَلْبِي فِي الْحَنَايَا كَالْمُقَلِ
أُحِبُّكِ حَتَّى فِي السُّهَادِ أُرَتِّلُ
دُعَاءً بِأَنْ تَبْقَيْ لِقَلْبِي الْمُشْتَعِلِ
أُحِبُّكِ حَتَّى لَا أُجِيدُ صَبْرَ تَجَلُّدِي
وَأَشْهَقُ إِنْ نَادَاكِ طَيْفٌ فِي الظُّلَلِ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ قَسَمْتِ جُنُونَهُ
عَلَى الْعَاشِقِينَ لَسَاحَ كُلُّ مُبْتَلِي
وَمَا كَانَ عَقْلِي قَبْلَ حُبِّكِ صَاحِيًا
وَمَا زَالَ بَعْدَ الْعِشْقِ يَشْتَاقُ الْوَصَلِ
أُحِبُّكِ حَتَّى لَا أَرَى فِي سِوَاكُمُ
جَمَالًا يُنَادِي فِي الْحَنَايَا وَيَمْتَثِلِ
فَدَعِي الْهَوَى يَغْلِي بِدَمِّي إِنَّنِي
عَشِقْتُكِ صَرْفًا، وَالْمَحَبَّةُ فِي الْأَصِلِ
تَذَكَّرْتُ لَيْلًا فِيهِ شَعَّ جَمَالُكِ
كَنُورٍ تَسَامَى فَوْقَ أَهْدَابِ الطَّلَلِ
فَيَا فَجْرَ حُبِّي كَيْفَ أَشْرَقْتِ ضِيَاءً
وَكُنْتِ لَدَيَّ الظُّلْمَةَ الْعَمْيَاءَ قَبْلِ؟
أَتَيْتِ كَمَا يَأْتِي السَّحَابُ مُحَمَّلًا
بِوَعْدِ الْغَوَاثِ فِي الْجَدُوبِ الْمُقْفِلِ
فَبَانَ الْوَفَا مِنْ وَجْهِكِ الْمُسْتَبِينِ
كَبَدْرٍ تَهَيَّأَ لِلْمُنَى وَالْمُقْبِلِ
وَمَدَّ الزَّمَانُ يَدَ الْوِصَالِ فَقَبْتُهُ
وَجَفَّ الَّذِي بَيْنَ الْجُفُونِ الْمُثْقَلِ
فَخِلْتُكِ حُورًا فِي رُؤَايَ نَزَلْتِهِ
وَكُنْتُ كَأَنِّي فِي الْجِنَانِ الْأَوَّلِ
سَمِعْتُكِ تَهْمِسِينَ الشُّهْبَ فِي أُفُقِ
الرُّبَى فَخَرَّ فُؤَادِي سَاجِدًا لِلتَّأَمُّلِ
وَمِسْكُ اللِّقَاءِ اْنْسَابَ فِي كُلِّ خَاطِرٍ
كَأَنَّ الْهَوَى فِي عِطْرِهِ الْمُتَنَقِّلِ
فَأَيْقَنْتُ أَنِّي بَعْدَ عَيْنِكِ لَا أَرَى سِوَى
الْوَجْدِ طِيبًا فِي الْحَوَاسِّ وَالْمُقَلِ
فَلَيْتَ الزَّمَانَ يَعُودُ نَحْوَ لِقَائِنَا
فَأُنْشِدُ مَا طَابَ الْهَوَى فِي الْمُقْبِلِ
أَغْدُو كَسَيْفٍ ضَاعَ بَيْنَ الْمَنْزِلِ
وَتَشُقُّنِي الْأَشْوَاقُ شَقَّ الْمُنْصَلِ
مُنْذُ اْفْتَقَدْتُكِ وَالدُّجَى فِي نَاظِرِي
وَالضَّوْءُ مَا عَادَ الْجَمِيلُ الْمُقْبِلِ
كُلُّ الزُّهُورِ تَيَبَّسَتْ فِي غَيْهَبٍ
وَالْمَاءُ مَاتَ عَلَى ضِفَافِ الْجَدْوَلِ
أَبْكِي فَلَا تَسْلُو الْجُفُونُ وَدَمْعُهَا
يَنْهَالُ دَمْعًا كَالْجَحِيمِ الْمُشْتَعِلِ
يَا مَنْ تَرَكْتِ الْحُبَّ مُغَبَّرَ الْخُطَى
وَالصَّوْتَ مَرْعُوبَ الصَّدَى فِي الْمِرْجَلِ
كَمْ كُنْتِ لِي وَطَنًا، وَمَأْوَى عَاشِقٍ
وَالْيَوْمَ، حُبُّكِ صَارَ قَبْرًا مُقْفِلِ
لَوْ أَنَّ طَيْفَكِ مَرَّ بِي فِي سَاعَةٍ
لَأَعَدْتُ تَرْتِيبَ الزَّمَانِ الْمُخْتَلِ
لَكِنَّنِي وَحْدِي، وَحَوْلِي غُصَّةٌ
تَنْمُو عَلَى قَلْبِي كَسُمٍّ مُبْطِلِ
أُحَدِّقُ فِي الْأَيَّامِ وَهِيَ عَقَارِبٌ
تَنْهَشُ فُؤَادِي فِي مَسَارٍ أَطْوَلِ
فَغَدًا إِذَا غَابَتْ نُجُومُكِ كُلُّهَا
مَنْ يُرْجِعُ الْقَلْبَ الْجَرِيحَ الْمُعْتَلِ؟
أَمِنَ النَّسِيمِ دَعَاهُ نَحْوَكِ مُدَلِّلِ؟
قَدْ خَانَ عِشْقِي وَاْرْتَوَى مِنْ مِنْدَلِ
يَا سَارَةُ، إِنِّي أَغَارُ عَلَى الْهَوَى
حَتَّى مِنَ الضَّوْءِ الْخَفِيِّ الْمُنْزَلِ
قَدْ حَارَبَتْ عَيْنِي رُمُوشَ الْعَابِرِينَ
إِنْ لَاحَ ظِلُّكِ فِي خَيَالٍ مُرْتَجَلِ
كُلُّ الْعُيُونِ إِلَيْكِ تَمْضِي خُفْيَةً
وَأَنَا الَّذِي أُقْصِي الطُّيُوفَ لِأَرْحَلِ
مَا إِنْ يُقَالَ: هُنَا الْجَمَالُ، أَقُولُ: بَلْ
فِي سَارَةٍ جُمِعَ الْجَمَالُ الْأَكْمَلِ
يَا سَارِقَ النَّظَرَاتِ، إِنَّكَ مُذْنِبٌ
تَجَرَّأْتَ أَنْ تَنْظُرْ بِعَيْنِ الْمُذْبَلِ
يَا نَسْمَةً مَرَّتْ عَلَى ثَوْبِ الْهَوَى
وَيْلٌ لِمَنْ بِالْمَسِّ نَامَ الْمُبْتَلِي
سَارَةُ حَوْرَاءُ الْخَيَالِ، مُحَرَّمٌ
حَرْفُ الْغَرَامِ بِهَا عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
لِي وَحْدِيَ الْأَنْفَاسُ مِنْهَا، إِنَّنِي
أَغَارُ حَتَّى مِنْ خَيَالِ الْكُحْلِ
يَا أَهْلَ سَرْوَتِهَا، بِرَبِّي إِنَّنِي
مِنْكُمْ بَرَاءٌ إِنْ دَنَا مُتَسَلِّلِ!
مَا سَارَةُ إِلَّا كَوْكَبٌ فِي مَنْزِلِ
تَهْدِي الضِّيَاءَ إِلَى الزَّمَانِ الْأَجْمَلِ
تَتْلُو مِنَ الْأَخْلَاقِ نُورَ جَبِينِهَا
وَتَفِيضُ بِالْمَعْنَى الْعَمِيقِ الْأَجْزَلِ
حَسْنَاءُ، لَا بَلْ سَيِّدَةٌ مُتَوَّجَةٌ
قَدْ زَيَّنَ الرَّحْمَنُ تَاجَ الْمُفَضَّلِ
لَا تَنْثَنِي فِي خُطْوَةٍ إِنْ سَارَتِ الْـ
ـجَوْزَاءُ تُبْصِرُ خُطَاهَا وَتَسْأَلِ
رُشْدٌ، وَحِلْمٌ، وَالْعَفَافُ جَبِينُهَا
وَالصَّفْحُ طَبْعٌ لَا يُغَالَبُ بِالْعُدَلِ
وَإِذَا تَحَدَّثَتِ السَّكِينَةُ أُرْسِلَتْ
مِنْ لَحْنِهَا، فَكَأَنَّهَا مِنْ مَنْزِلِ
لُطْفٌ وَعِزٌّ، وَالْحَيَاءُ مَنَاجِمٌ
فَاضَتْ عَلَى الْأُنْثَى بِفَيْضٍ مُبْهِلِ
فِي مَجْلِسِ الْحُكَمَاءِ، سَارَةُ حُجَّةٌ
وَعَلَى الْقُلُوبِ دَلِيلُهَا لَمْ يُبْدَلِ
مَا كُنْتُ أَهْوَى غَيْرَ فِكْرٍ نَيِّرٍ
لَكِنَّنِي فِي سَارَةٍ لَمْ أَجْهَلِ
كَمْ مِنْ نِسَاءٍ مَرَّ طَيْفُ جَمَالِهَا
لَكِنْ سَرَى نُورُ الْكَمَالِ الْمُقْبِلِ
كَأَنِّي وَسَارَةَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ
نُلَامِسُ مِنْ أَفْرَاحِنَا مَا لَمْ يُقَلِ
غَدَوْنَا كَطَيْفَيْنِ عَلَى ضَوْءِ الْمُنَى
إِذَا اْبْتَسَمَتْ، هَلَّ الْفُرَاتُ الْمُنْسَكِلِ
وَكَانَتْ إِذَا هَمَسَتْ، تَنَاثَرَ عِطْرُهَا
كَأَنَّ وُرُودَ الشَّامِ نَاحَتْ بِالْجُمَلِ
وَيَوْمٌ لَنَا فِي ظِلِّ عَيْنَيْهَا دَنَا
كَأَنَّ بِهِ قَدْ شُفَّ نُورُ الْمُقْبِلِ
نُجُومُ الدُّجَى تَسْرِي إِلَى كَفِّ الْهَوَى
فَنَرْعَاكَ يَا وَقْتًا تَأَنَّقَ فِي الْأَزَلِ
إِذَا مَا غَفَتْ كَانَتْ جِنَانُكَ كُلُّهَا
تُغَنِّي بِقَلْبِي لَحْنَ طِفْلٍ مُرْسَلِ
وَتَنْهَارُ أَعْوَامٌ إِذَا مَرَّتْ بِنَا
كَأَنَّ الدَّقَائِقَ فِي هَوَاهَا تُبْتَلَى
وَصَوْتُ خُطَاهَا فِي الْغُرُوبِ مَلَائِكِيٌّ
يَرِنُّ بِأَقْصَى الْقَلْبِ رَنَّاتِ الْجَلَلِ
سَقَى اللَّهُ أَيَّامًا تَهَادَى حُسْنُهَا
بِلَا غَايَةٍ تُرْجَى، وَلَا وَعْدٍ خَجِلِ
فَهَلْ يَرْجِعُ الْمَاضِي؟ وَهَلْ نُبْعَثُ بِهِ؟
أَمِ اْنقَضَّ كَالْحُلْمِ الْمُبَلَّلِ بِالْأَمَلِ؟
أَيَا أَيُّهَا الزَّمَنُ النَّدِيُّ وَهَلْ تَرَى
سَتُرْجِعُ أَيَّامِيَ الْمُضِيَّةَ بِالْعَدَلِ؟
أَتَذْكُرُهَا؟ كَانَتْ تُطِلُّ بِوَجْهِهَا
فَأَحْيَا، كَأَنِّي قَدْ وُلِدْتُ مِنَ الْأَزَلِ
نُعَانِقُ وَجْهَ النُّورِ فِي نُزْهَاتِنَا
وَيُغْسَلُ مِنْ لَمَسَاتِهَا وَجَلُ الْخَجَلِ
إِذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ، طَارَ سُكُونُنَا
كَأَنَّ الشَّذَى أَلْقَى الْقُبُلَاتِ عَلَى الْجَبَلِ
وَكُنْتُ أُسَائِلُ خِصْرَهَا حِينَ اْنثَنَى
أَتَسْكُنُ فِيهِ الرِّيحُ أَمْ خَفَرُ الْمُقَلِ؟
قَضَيْنَا رُبًى مِنْ عُمْرِنَا فِي جَنَّةٍ
فَكُلُّ مَكَانٍ بَعْدَهَا قَفْرُ الْمَحَلِ
إِذَا مَالَتِ الْأَغْصَانُ تَسْكُرُ نَشْوَةً
كَأَنَّ عَلَيْهَا مِنْ نَدَاهَا قَطْرُ قَبَلِ
فَوَا عَجَبًا! أَيَّامُنَا فِي طَيْفِهَا
تُعِيدُ هَوَايَ، وَتَسْتَثِيرُ بِيَ الشَّلَلِ
أُحَاوِرُ ظِلَّ الذِّكْرَى، وَهِيَ تَنْثُرُنِي
كَأَنِّي حُرُوفٌ فِي كِتَابٍ مِنْ جَمَلِ
فَيَا دَهْرُ عُدْ، إِنَّ اللَّيَالِي بَعْدَهَا
تُسَاقِي فُؤَادِي مِنْ كُؤُوسِ الْأَسَى الْأَجَلِ
إِلَهِي، وَقَدْ ضَاعَتْ سُبُلْنَا كُلُّهَا
فَلَا تَجْعَلِ الْحُبَّ الْعَظِيمَ بِمَقْتَلِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ لِقَاءُ سَارَةٍ
فَفِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ طَهِّرْ مَنْزِلِي
أُحِبُّكَ يَا رَبَّاهُ، حُبًّا هَائِمًا
كَأَنِّي بِعَبْدٍ فِي الدُّجَى لَمْ يَغْتَسِلِ
وَقَدْ ضَجَّتِ الْأَرْوَاحُ مِنْ نَارِ النَّوَى
فَكُنْ يَا رَجَاءَ الْعَاشِقِينَ الْمُعْتَلِي
دُعَائِي لَهَا يُبْقِي عَلَى رُوحِي سَنَا
كَأَنَّ دُعَائِي صَارَ طَيْفًا أَنْجَلِي
فَهَبْنِي بَصِيصًا مِنْ لِقَائِكَ عَلَّهُ
يُضِيءُ ظَلَامِي فِي حَنِينٍ مُبْتَهِلِ
أَنَا الْعَاشِقُ الْمَسْجُونُ فِي كَهْفِ الرَّجَا
فَأَطْلِقْ يَدِي، أَوْ مُتُّ إِنْ لَمْ تُوصِلِ
إِلَى سَارَةٍ، إِنِّي رَفَعْتُ مُنَاجِيًا
بُكَاءَ اللَّيَالِي، فِي جِرَاحِ الْمُرْسَلِ
إِذَا لَمْ تَهَبْنِي وَصْلَكَ الْمُشْتَاقَ لِي
فَخُذْنِي لِدَرْبِ النُّورِ مِثْلَ الْمُعْتَزِلِ
لَعَلِّي أَرَاهَا فِي يَقِينِي خَالِدًا
فَمَا عَادَ لِي بِالدُّنْيَا رَفِيقٌ مُحْتَمَلِ
إِلَهِي، إِلَيْكَ الْقَلْبُ يَهْتِفُ مَائِلًا
بِحُبٍّ، كَأَنَّ الْحُبَّ وَحْيٌ مِنْ رُسُلِ
تَجَمَّلْ بِهَا قَلْبِي إِذَا عَزَّ اللِّقَا
فَأَنْتَ الْكَرِيمُ، الْمَرْجِعُ الْعَدْلُ الْمُجْلِ
فَإِنْ حَالَ بَيْنِي وَالْوِصَالِ قَضَاؤُكَ
فَاْجْعَلْ لَنَا جَنَّاتِ وَصْلٍ بِلَا عَطَلِ
وَإِنْ شَاءَتِ الْأَقْدَارُ أَنْ نَتَلَاقِيَا
فَلَا تَجْعَلِ التَّوْدِيعَ مِنْ خُطَبِ الْأَجَلِ
إِلَيْكَ دُعَائِي، وَالْجَوَى فِي نَاظِرِي
وَفِي كَبِدِي جَمْرٌ كَأَنَّ بِهِ الْعَسَلِ
لَقَدْ ذَابَ فُؤَادِي مِنَ الْحُزْنِ الَّذِي
يُنَاجِيكَ شَوْقًا فِي خُشُوعِ ذَوِي الْأَمَلِ
إِذَا عُدْتَ لِي بِسَارَةٍ، كُنْتُ نَاعِمًا
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَأَعْطِنِي صَبْرَ الْأُوَلِ
هِيَ الْفَرْدُ فِي كُلِّ النِّسَاءِ بِحُسْنِهَا
وَفِي خُلْقِهَا قُرْآنُ عِشْقٍ لَا يُمَلِ
تُغَنِّي بِغَيْرِ اللَّحْنِ مَا إِنْ سَمِعْتُهُ
سِوَى أَنَّهُ دَعْوَى الْمُحِبِّ إِلَى الْأَزَلِ
فَهَبْ لِي لِقَاءً يَا كَرِيمُ، فَإِنَّنِي
بِغَيْرِ رَجَاءِ الْوَصْلِ، أَحْيَا بِلَا مَثَلِ
إِذَا سَارَةُ نَادَتْ، تَفَتَّحَ زَهْرُنَا
كَأَنَّ نَدَاهَا فَوْقَ صَحْرَائِنَا هَطَلِ
يُغَنِّي صَدَاهَا فِي الْمَسَامِعِ رَوْعَةً
تُدَاوِي جِرَاحَ الْعَاشِقِ الْمُتَعَلِّلِ
كَأَنَّ الَّذِي يُتْلَى مِنَ اللَّفْظِ وَحْيُهَا
كَلَامٌ بِهِ رِقَّةُ الْمَزَامِيرِ فِي الطَّلَلِ
تُرَاوِغُ بِالْأَصْوَاتِ نَبْضَ مَشَاعِرٍ
فَتَبْعَثُ فِي أَعْمَاقِنَا سِحْرَ الْمُقَلِ
إِذَا قُلْتُ "مَا هَذَا؟" أَجَابَتْ هَمْسَهَا
فَذَابَتْ جُرُوحِي فِي حَنِينٍ مُبْهَلِ
تُغَنِّي، فَتُرْخِي الشَّمْسُ جَدَائِلَهَا
وَتَنْصِتُ أَطْيَافُ الشُّرُوقِ إِلَى الْجَمَلِ
هُوَ الصَّوْتُ، لَا بَلْ نَغْمَةُ الْخَلْقِ كُلِّهِ
إِذَا مَرَّتِ الْأَيَّامُ، ظَلَّتْ وَلَمْ تَزَلِ
كَأَنَّ بِهَا خَفْقَ الْغَمَامِ إِذَا هَمَى
وَسِلْسِلَةً مِنْ سِحْرِ يَاقُوتٍ صُقِلِ
تُغَنِّي، فَتَفْتَحُ فِي ضُلُوعِي نَرْجِسًا
وَتُوقِظُ أَحْلَامًا بِهَا لَمْ أَحْتَمِلِ
فَلَيْتَ الْأَمَانِي تُسْتَجَابُ بِصَوْتِهَا
إِذَا نَادَتِ الْأَشْوَاقُ بِي: سَارَةُ! قُبَلِ
كَأَنَّ صَدَى صَوْتِ الْحَبِيبَةِ نَازِلٌ
مِنَ الْوَحْيِ، لَا يُدْنِي سِوَاهُ إِلَى الْعَلِي
إِذَا هَمَسَتْ، كَانَتْ نُبُوءَةَ شَاعِرٍ
تَشَظَّى بِهَا قَلْبُ الْقَصِيدِ الْمُشْتَعِلِ
وَيَغْدُو صَدَاهَا لَحْنَ ضَوْءٍ غَامِرٍ
إِذَا لَامَسَ الْأَرْوَاحَ يَبْكِي وَيَجْتَلِي
وَفِي ضَحْكَتَيْنِ مِنْ رَنِينِ حَدِيثِهَا
يَنَامُ الزَّمَانُ، وَيَسْتَفِيقُ الْمُذْهِلِ
تُنَادِينِي الْأَطْيَارُ بِاسْمِ نَغِيمِهَا
فَأَسْقُطُ مِنْ شَوْقِي كَنَجْمٍ مُنْزَلِ
وَفِي سِحْرِ صَوْتِكِ يَا سُرُورِي وَمُهْجَتِي
نَقَاءُ الْغَمَامِ، وَمَدَى الْمُتَرَحِّلِ
كَأَنَّ الدُّجَى لَمَّا تَنَادَتْ حُرُوفُهَا
تَفَتَّحَ فِيهِ الْوَرْدُ مِنْ عِطْرِ الْخَجَلِ
وَسَارَةُ، إِذَا نَادَتْ بِلَيْلِ هَوَايَ، لِي
تَدَلَّتْ كَنَجْمَةٍ عَلَى جَفْنِ الْمُقَلِ
تُفِيقُ الطُّيُورُ وَتَسْتَعِيدُ مَوَاسِمًا
إِذَا مَا بَدَا هَمْسُ الْغَزَالَةِ يُرْتَجَلِ
فَكَيْفَ نَسِيتُ الصَّوْتَ؟ بَلْ كَيْفَ اْنطَوَى
وَنَبْضُ حَيَاتِي لَا يَجِيءُ سِوَى لَهُ؟
تَخُرُّ النُّجُومُ إِذَا تَلَفَّتَ مُقْلَتِي
وَتَهِيمُ أَرْوَاحٌ بِعَيْنٍ مُنْزَلِ
كَأَنَّ بِهَا سِرَّ النُّبُوءَةِ كَامِنًا
وَتُجِيدُ فِي فَكِّ الطَّلَاسِمِ أُوَلِي
تَضْحَكْ فَتَخْضَرُّ الْحَيَاةُ بِسُهْدِهَا
وَيَذُوبُ فِي لَيْلِ الْجُفُونِ الْأَرْمَلِ
وَيَفِيضُ دَمْعُ الْحُزْنِ سِرًّا خَاشِعًا
كَأَنَّهُ الْمُشْتَاقُ يُبْكِي مِزْمَلِ
وَتَفِيضُ بِالْأَسْرَارِ وَهِيَ كَأَنَّهَا
كَفُّ الْخُلُودِ وَنَبْعُ ضَوْءٍ مُقْفَلِ
هَلْ نَظْرَةٌ مِنْهَا تَبُوحُ بِلَذَّةٍ
أَمْ قَصِيدَةٌ تَهْتَزُّ فِي الْمُتَأَمِّلِ
تَبْكِي فَتَحْمِلُنِي الرُّعُودُ بِمُقْلَتِي
وَتَضْحَكُ الْأَزْهَارُ فِي الْمُتَنَهِّلِ
يَا سَائِلِي عَنْ حُسْنِ عَيْنٍ شَارِدَةٍ
هِيَ لَوْ نَظَرْتَ شَرِبْتَ مَاءَ الْمُقْتَلِ
وَاللَّيْلُ إِنْ نَظَرَتْ يُقَلِّدُ سِحْرَهَا
وَالْخَمْرُ مِنْ كُحْلِ الْجُفُونِ الْمُرْسَلِ
إِنِّي إِذَا مَا الْحُسْنُ غَنَّى فِي الدُّنَا
جِئْتُ اْسْتَحِقُّ بِكَوْنِهَا الْمُتَجَمِّلِ
أَنَا لَا أُجِيدُ السَّتْرَ عَنْ وَجْدٍ بَدَا
أَوْ أَخْبَأُ الْأَنْفَاسَ مِنْ قَلْبٍ بَلِي
أَنَا فِي الْعُيُونِ الْحُبُّ، فِي لُغَتِي دُعَا
فِي طُهْرِيَ الْمَهْزُومِ نَصْرُ الْمُمْتَحَنِ
إِنِّي إِذَا سَجَدَتْ يَدِي فِي نَدَمَةٍ
كَأَنَّمَا لِلَّهِ أَرْفَعُ مِقْوَلِي
فَالْعِشْقُ مِحْرَابٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ مَا
أَمَلُ الرُّوَاةِ وَنَخْوَةُ الْمُتَبَجِّلِ
يَا أَيُّهَا الْعُشَّاقُ هَذَا صَوْتُنَا
مَنْ كَانَ مِثْلِي لَا يُضَيِّعُ مَعْقِلِي
قَدْ كُنْتُ جَبَّارَ الْخُطَى فَإِذَا بِهَا
تَكْسُو حِذَائِيَ عَبْرَ دَمْعٍ مُذْهِلِ
مَا كَانَ يُنْكِرُنِي الزَّمَانُ وَإِنَّمَا
فِي حَضْرَةِ الْأَحْزَانِ يَخْجَلُ مُقْبِلِي
قَدْ شَقَّنِي الشَّوْقُ الْمُقَدَّسُ فَاْنثَنَى
قَلْبِي كَقِرْبَانٍ عَلَى الْمُتَبَتِّلِ
فَاْنْهَلْتُ أَنْزِفُ مِنْ فُصُولِ هَزِيمَتِي
نَارًا تُرَتِّلُ آيَةَ الْمُتَمَهِّلِ
سَارَةُ، أَنَا الْمَجْنُونُ إِنْ صَرَّحْتِ لِي
بِالْعِشْقِ أَضْحَى الْبَوْحُ صَوْمًا مُبْتَلِي
أَرْجُوكِ لَا تَجْعَلِي الدُّجَى فِي مَقْلَتِي
فَالْفَجْرُ مَيِّتٌ دُونَ لَمْسِ الْمُقْبِلِ
وَالنُّورُ إِنْ غِبْتِ اْخْتَبَأَ فِي سُحُبِهِ
وَالْعُمْرُ أَعْمَى فِي مَدَى الْمُتَسَفِّلِ
كُلُّ الْمَوَاسِمِ فِي فُصُولِي ذَابِلَةٌ
إِلَّا إِذَا ضَحِكَتْ مَلَامِحُ مُقْبِلِي
وَإِذَا اْرْتَوَيْتُ بِصَفْحَةٍ مِنْ وَجْهِهَا
سَالَتْ يَنَابِيعُ بِأَرْضِيَ مُقْبِلِ
لِي فِي الْغِيَابِ سُؤَالُ دَهْرٍ مُعْدَمٍ
مَتَى اللِّقَاءُ؟ أَذُوبُ شَوْقَ الْمُبْتَلِي
أَذْرَفْتُ دَمْعِي فِي فُصُولِ حَنِينِيَ الْـ
مَقْطُوعِ عَنْ مَاءِ الرُّؤَى وَالْمُنْزِلِ
وَأُعَانِقُ الْأَشْجَارَ مِثْلَ غَرِيبِهَا
أَرْجُو لَعَلَّ النَّسْمَةَ الْمُتَكَمِّلِ
يَا أَيُّهَا الزَّهْرُ اْعْتَذِرْ عَنْ عَطَشِكُمْ
فَالْحُبُّ عَادَ مُبَدِّدًا لِلْمَنْهَلِ
سَارَةُ، رَجَائِي لَيْسَ شِعْرًا عَابِرًا
بَلْ نَسْمَةٌ فِي قُبْلَةِ الْمُتَوَسِّلِ
إِنْ عُدْتِ فَالدُّنْيَا سَتَبْسِمُ وَرْدَةً
وَاللَّيْلُ يَشْهَقُ بِاسْمِهَا الْمُتَفَضِّلِ
أُقْسِمْتُ بِالْحُسْنِ الَّذِي لَا يَرْحَلُ
وَبِضِيَاءِ عَيْنَيْكِ الَّذِي لَا يَأْفَلُ
وَبِنَجْمَةٍ عُلِّقْتِ فِي آفَاقِنَا
كَالذِّكْرِ فِي صَدْرِ الْيَتِيمِ الْأَجْمَلِ
مَا زَالَ حُبُّكِ فِي دَمِي مُتَوَهِّجًا
كَالنَّارِ فِي لَيْلِ الدُّجَى لَا تَخْمَلُ
إِنِّي عَهِدْتُكِ فِي السُّكُونِ صَهِيلَتِي
وَمَدَى اْشْتِيَاقِي فِي السُّكُوتِ الْمُرْسَلِ
أَنْتِ الَّتِي رَسَمَتْ جُرُوحَ مَلَامِحِي
وَكَتَبْتِ وَجْدِي بِالدُّمُوعِ الْأُوَلِ
يَا مَنْ حَمَلْتِ الْقَلْبَ فَوْقَ جِرَاحِهِ
وَتَرَكْتِهِ يَمْشِي وَحِيدًا يَذْهَلُ
إِنِّي عَلَى حُبِّ الْمَدَى مُتَعَبِّدٌ
وَلِنَفْحِ طِيبِكِ فِي الظَّلَامِ أَبْتَهِلُ
لِي فِيكَ نَذْرُ الْعَاشِقِينَ، فَكُلَّمَا
ذَكَرُوا هَوَاكِ تَطَيَّرُوا وَتَجَمَّلُوا
سَارَةُ، بِقَسَمِ الْوَجْدِ قَدْ خَلَّدْتِنِي
فَأَنَا الْمُعَلَّقُ فِي الْجَمَالِ الْمُنْزَلِ
وَسَأَلْتَقِيكِ عَلَى ضِفَافِ تَوَجُّعِي
بِالْحُسْنِ أُقْسِمُ، وَالْهَوَى لَا يَجْهَلُ
إِنِّي صَرَخْتُ بِحُبِّكِ الْمُتَجَدِّلِ
وَبُنِيتُ صَرْحِي فَوْقَ حُزْنٍ مُوصِلِ
مَا عَادَ يَسْكُنُنِي خُفُوتُ حَنَاجِرِي
إِنِّي أُجَاهِرُ بِالْعُيُونِ وَأَرْتَجِلِ
وَأُقَارِعُ الصَّمْتَ الْكَثِيفَ بِدَمْعِنَا
كَأَنَّنِي صَوْتُ الْحَقِيقَةِ يَعْقِلُ
أَنَا لَا أُجِيدُ تَمَرُّسًا فِي سَتْرِنَا
فَالْعِشْقُ فِي زَمَنِي بَيَانٌ مُرْسَلُ
وَأُذِيعُهُ فَوْقَ الرُّؤُوسِ كَأَنَّنِي
أُؤَذِّنُ لِلْحُبِّ الْمُبَاحِ الْأَوَّلِ
سَارَةُ، دَعِينِي فِي هَوَاكِ مُجَاهِدًا
يَهْوَى اْنكِشَافَ الْقَلْبِ وَهُوَ مُكَبَّلُ
مَا عَادَ فِي صَدْرِي سِوَى نَفَسِ الصَّدَى
يَشْهَقْ بِهِ وَجَعِي وَيَنْبِضْ مُثْقَلِ
إِنِّي أُعْلِنُ أَنَّ حُبَّكِ ثَوْرَتِي
وَسَرَاحُ قَلْبِي فِي هَوَاكِ مُزَلْزَلُ
فَلْتَشْهَدِ الْأَيَّامُ أَنِّي عَاشِقٌ
لَا يَسْتَحِي، بَلْ فِي الْهَوَى يَتَجَمْهَلُ
وَسَأَبْقَى رَغْمَ الزَّمَانِ مُجَاهِرًا
أَنِّي لِسَارَةَ لَا أُكَذِّبُ أَوْ أُخِلْ
مَا غِبْتِ عَنِّي، بَلْ سَكَنْتِ جَوَانِحِي
وَهَمَسْتِ فِي كُلِّ الرُّؤَى وَالْمَشْغَلِ
أَنْتِ السَّمَاءُ إِذَا أَتَى سِحْرُ الدُّجَى
وَأَنَا الْغِيَابُ الْمُسْتَبِدُّ الْمُثْقَلِ
أَرَاكِ فِي زَهْرِ السَّتَائِرِ نَاعِسًا
وَأَرَاكِ فِي ظِلِّ الْخُطَى الْمُتَهَلِّلِ
فِي رَفَّةِ النَّسْمَةِ، وَفِي عِطْرِ الرُّبَى
وَفِي شُعَاعِ الضَّوْءِ حِينَ يُقَبِّلُ
حَتَّى إِذَا نَمْتُ اْحْتَضَنْتُ خَيَالَكِ
وَصَحَوْتُ فِيهِ كَالْعِطَاشِ الْمُنْهَلِ
أَلَمَحْتُ صَوْتَكِ فِي صَدَى أَلْحَانِنَا؟
أَمْ ذَاكَ ظِلُّكِ فَوْقَ طَيْفٍ مُرْسَلِ؟
فِي كُلِّ شَيْءٍ أَنْتِ – مَا أَغْرَبَ الْهَوَى!
يَسْكُنْ غِيَابَكِ، ثُمَّ لَا يَتَحَوَّلُ
وَالضَّوْءُ يَشْبَهُ فِي اْنكِسَارِكِ صَوْتَنَا
حِينَ اْرْتَجَفْنَا فِي الْغَرَامِ الْأَوَّلِ
سَارَةُ، غِبْتِ وَلَكِنَّنِي فِي وَجْهِكِ
أَلْقَى الْحُضُورَ بِكُلِّ سِرٍّ مُقْبِلِ
فَأَنَا الَّذِي إِنْ طَالَ ظِلُّكِ لَمْ أَغِبْ
بَلْ صِرْتُ أَنْتِ بِكُلِّ مَا لَا يُحْتَمَلُ
أَمْشِي إِلَى الطُّرُقَاتِ خَلْفَ تَخَيُّلٍ
فِيهَا اْرْتَسَمْتُ هَوَاكِ بَيْنَ الْجَدْوَلِ
كَمْ ضَحْكَةٍ كَانَتْ تُعَانِقُ دَرْبَنَا
وَتَذُوبُ فِي أَفْيَاءِ ذَاكَ الْمَنْزِلِ
هَذِي الْجِدَارُ تَنَامُ فِيهَا قِصَّتِي
وَبُكَاؤُنَا فَوْقَ الْغُرُوبِ الْمَائِلِ
فَكَأَنَّهَا لَبِسَتْ ثِيَابَ طُفُولَتِي
وَتَرَنَّحَتْ شَوْقًا كَقَلْبِ الْأَرْمَلِ
صَوْتُ الْخُطَى مَا زَالَ يَحْكِي عَنْ هَوَانَا
وَيَعُودُ لِي دِفْئًا كَنَفْسِ الْمُرْسَلِ
شُرُفُ النَّوَافِذِ تَسْتَعِيدُ حَدِيثَنَا
وَالرِّيحُ تَلْثِمُ وَرْدَهَا الْمُتَسَائِلِ
يَا لَيْتَنِي حَجَرٌ بِبَابِكَ سَاكِنٌ
يَرْنُو إِلَيْكِ بِلَهْفَةِ الْمُتَعَلِّلِ
أَمْ هَلْ يَعُودُ الدَّرْبُ يَحْمِلُ عِطْرَنَا؟
أَمْ هَلْ تَعُودِينَ الْوِصَالَ الْأَوَّلِ؟
مَا بَيْنَ جَفْنِكِ وَالْحَنِينِ قَصِيدَةٌ
تُتْلَى عَلَى جَفْنِ الْغِيَابِ الْمُخْمَلِي
إِنَّ الْمَكَانَ عَلَى فِرَاقِكِ بَاكِيًا
فِي كُلِّ رُكْنٍ لَوْعَةُ الْمُتَسَائِلِ
تَبْقَى مَلَامِحُكِ الْجَمِيلَةُ فِي دَمِي
أَبْهَى مِنَ الْبَدْرِ الشَّرِيفِ الْأَكْمَلِ
لَا تَنْطَمِسُ رَغْمَ اللَّيَالِي صُورَةٌ
فِي الْقَلْبِ مَحْفُورَةٌ كَنَقْشِ الْجَدْوَلِ
يَا لَوْحَةً مِنْ طُهْرِ وَرْدِ الْبَرْقِ فِي
أَحْدَاقِ طِفْلٍ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ
وَجْهٌ يُضِيءُ بِعَيْنِ رُوحِي دَائِمًا
يَبْقَى كَمِحْرَابٍ لِشَوْقِي الْمُشْتَعِلِ
أَذَكَرْتِ كَيْفَ صَنَعْتِ ثَوْبَ طُفُولَتِي؟
بِيَدَيْكِ كَانَ الْبُرْءُ لِلْمُتَعَلِّلِ
وَغَزَلْتِ مِنْ صَبْرِ النَّقَاءِ عَبَاءَةً
تَحْمِي فُؤَادِي مِنْ صَقِيعِ الْمَجْهَلِ
مَا كَانَ ظِلُّكِ فِي الْمَدَى إِلَّا نَدًى
يَنْسَابُ لِي سِرًّا كَطَيْفٍ مُرْسَلِ
أَهْوَاكِ حَتَّى فِي خَيَالَاتِ الْمُنَى
وَأَرَاكِ فِي مِرْآةِ قَلْبِي الْأَفْضَلِ
فَإِذَا تَكَلَّمَ بِي السُّكُونُ، رَأَيْتُنِي
أَدْنُو إِلَيْكِ بِصَمْتِ طِفْلٍ مُذْهِلِ
ذَاكَ الْجَمَالُ عَصِيُّ وَصْفِ الْحَاقِدِينَ
مُخَلَّدٌ، لَا يَذْبُلُ الْمُتَأَمِّلِ
يَا رَبَّ هَذَا الْحُبِّ قَدْ زَادَ الْعَنَا
فَاْرْفُقْ بِهِ قَلْبًا نَحِيلَ الْمِرْحَلِ
وَاْجْعَلْ لِسَارَةَ فِي فُؤَادِي سَلْوَةً
تُزْهِي كَقِنْدِيلٍ عَلَى الْمُتَبَتِّلِ
هَبْ لِلْعُشَّاقِ السَّلَامَ فَإِنَّهُمْ
سُفَرَاءُ صِدْقٍ فِي الزَّمَانِ الْمُخْجَلِ
وَاْرْزُقْ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ تَرَاحُمًا
يُبْقِي الدُّمُوعَ عَلَى الْمَدَى فِي مِحْمَلِ
إِنِّي دَعَوْتُكَ وَالْحَنِينُ كَأَنَّهُ
نَارُ الْمَدَى فِي الْقَلْبِ لَمْ تَتَبَدَّلِ
وَاْجْعَلْ فُؤَادِي مَنْزِلًا لِعَطَائِهَا
فَالرُّوحُ تَشْتَاقُ الْغِيَابَ الْمُذْهِلِ
وَسَقَيْتُ دَمْعِي كُلَّ نَخْلَةِ وَصْلِهَا
لِيَرَى بِهَا الزَّمَنُ الْحَزِينُ الْأَجْمَلِ
وَاْسْقِ الزَّمَانَ بِنُورِهَا، فَلَعَلَّهُ
يَمْضِي بِهَا دَهْرًا عَلَى الْمُتَأَنِّي
وَاْجْعَلْ خِتَامَ الشِّعْرِ مِسْكًا بِاسْمِهَا
يَا رَبَّ حُبِّي فِي الدُّعَاءِ الْأَجْزَلِ
سَارَةُ دُعَائِي أَنْ تَكُونِي طَلْعَةً
تَبْقَى لَنَا فِي الْقَلْبِ دُونَ تَحَوُّلِ
148
قصيدة