عدد الابيات : 185
طباعةأَقْفَرَ الدَّرْبُ بَعْدَ سَارَةَ جَفْنًا
فَتَهَاوَى الْهَوَى، وَسَالَتْ دِمَاءُ
قَدْ وَعَدَتْنِي فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ وَلَّتْ
لَيْتَ شِعْرِي مَتَى تَفِي النِّسَاءُ
أَيْنَ عَيْنَاكِ؟ مَا لَهُنَّ سُكُونٌ
حِينَ دَارَتْ عَلَى الْجَوَانِحِ دَاءُ
كُلَّمَا مَرَّ طَيْفُكِ اشْتَعَلَ الْجَمْرُ
وَعَاثَ الْفُؤَادُ فِيهِ الْبَلَاءُ
قُلْتُ وَالصَّبْرُ عَنْكِ بَاتَ سَرَابًا
وَالْمُنَى كَالسَّرَابِ، فَهِيَ هَبَاءُ
أَتَرَانِي أَبْكِي الرُّبَى وَاللَّيَالِي
أَمْ تُرى كُلُّ مَا بَكَيْتُ رَجَاءُ؟
يَا دِيَارَ الْهَوَى عَلَيْنَا سَلَامٌ
قَدْ سَكَنْتِ الْجِرَاحَ وَالْأَصْدَاءُ
مَرَّتِ الرِّيحُ مِنْ شِعَابِكِ شَوْقًا
فَاسْتَفَاقَ الْحَنِينُ وَهْوَ عَزَاءُ
كَمْ سَقَيْنَاكِ مِنْ دُمُوعٍ حِزَانَى
فَإِذَا فِي ثَرَاكِ نَبَتَ الْعَنَاءُ
أَنْتِ يَا سَارَةَ الْمَدَى وَالْمُدَى لِي
وَاللَّيَالِي بِذِكْرِكِ الْبَيْضَاءُ
حِينَ تُرْمَى الْقُلُوبُ مِنْ غَدْرِ دَهْرٍ
أَنْتِ كَالْحِصْنِ حِينَ يَعْوِي الْعِدَاءُ
كُنْتِ نُورَ الْحَيَاةِ ثُمَّ غَدَوْنَا
نَتَّقِي بِالْحَنِينِ مَا لَا يُضَاءُ
هَلْ تُعِيدِينَ لِي الزَّمَانَ الْمُفَدَّى؟
ذَاكَ عَهْدٌ عَلَيْنَا لَا يُفَاءُ
كُنْتِ كَالشَّمْسِ لَا تُغِيبُ وَلَكِنْ
خَانَنِي مِنْ غِيَابِكِ الْإِيحَاءُ
كُلَّمَا خِلْتُ أَنَّ عَهْدَكِ بَاقٍ
جَاءَنِي مِنْ خُطَاكِ مَا لَا يُرَاءُ
حَجَبَتْكِ الدُّجَى عَنِ الْعَيْنِ حُزْنًا
وَأَنَا فِي ظَلَامِهِ مُسْتَضَاءُ
أَيْنَ عَهْدُ الْحُقُولِ؟ أَيْنَ نُجُومِي؟
أَيْنَ دِفْءٌ كُنْتُ فِيهِ أُسَاءُ؟
قَدْ سَئِمْنَا الْحَيَاةَ بَعْدَ نِزَالٍ
ذَابَتِ الرُّوحُ، وَالنَّوَى إِعْيَاءُ
سَارَةُ، وَالْمُحِبُّ فِيكِ صَرِيعٌ
هَلْ يُجْدِيكِ فِي الْغَرَامِ رِثَاءُ؟
إِنْ تَكُنِ اللَّيَالِي عَنِّي جَفَاءً
فَلِقَلْبِي عَلَى الْجَوَى إِغْضَاءُ
قَدْ خَبَتْ نَارُهَا، وَخَفَّ سَنَاهَا
فَغَدَوْنَا نُسَائِلُ الْأَضْوَاءُ
أَيْنَ تِلْكَ الْوُعُودُ؟ أَيْنَ نِدَاءٌ
كَانَ فِي اللَّيْلِ لِلْهَوَى أَنْوَاءُ؟
أَيْنَ سَارَةُ؟ أَمَا تَرَاهَا بِقَلْبِي؟
ذَاكَ جُرْحٌ بِهِ الْجِرَاحُ تُضَاءُ
فِي يَدَيْهَا الْمَسَاءُ يَمْضِي جَمِيلًا
وَبِصَدْرِ الْوُجُودِ فِيهَا رَخَاءُ
سَارَةٌ، لَوْ تَرَيْنَ مَا قَدْ تَرَكْتِ
فِي فُؤَادِي، فَثَمَّ فِيهِ قَضَاءُ
يَا لِعَيْنٍ عَشِقْتُ فِيهَا اخْتِلَاجِي
ثُمَّ نَاءَتْ، فَبَانَ بِي الْإِعْيَاءُ
كُلُّ حَرْفٍ نَطَقْتِهِ لِي فِدَاءٌ
كُلُّ وَعْدٍ مَرَرْتِ فِيهِ لِوَاءُ
هَلْ نَسِيتِ اللَّيَالِيَ الطِّوَالَ؟
وَالرُّبَى؟ وَالنَّخِيلَ؟ وَالْمَاءُ؟
قَدْ شَرِبْنَا الْهَوَى بِكَأْسٍ تَهَادَى
فِيهِ سِرُّ الْحَيَاةِ وَالْأَنْوَاءُ
ثُمَّ لَمَّا انْطَوَتْ يَدَاكِ كَغَيْمٍ
عَادَ صَيْفِي، وَأَمْطَرَتْنِي السَّمَاءُ
أُبْصِرُ الدَّمْعَ كُلَّ حِينٍ بِخَدِّي
وَتَوَارَى عَنِّي الرَّجَاءُ حَيَاءُ
كَيْفَ لِي أَنْ أَرَاكِ حِينَ تَغِيبِينَ؟
هَلْ يُرَى فِي الْغِيَابِ أَبْنَاءُ؟
أَيْنَ عَهْدُ الْقُبَلِ اللُّدْنِ؟ أَيْنَ
مَوْطِنُ الْهَمْسِ؟ وَالْحُرُوفُ نِدَاءُ؟
قَدْ سَكَنَّا الْقَصِيدَةَ الْمُسْتَحِيلَة
وَبَنَيْنَا الْهَوَى فَمَا فِيهِ فَنَاءُ
أَنْتِ وَالشِّعْرُ فِي دَمِي تَوْأَمَانِ
وَإِذَا غِبْتِ مَاتَ بِي الْإِلْقَاءُ
صِرْتِ أُسْطُورَةً عَلَى كُلِّ حَرْفٍ
فَإِذَا جِئْتِ، أَزْهَرَتْ صَحْرَاءُ
كُنْتِ لُغَتِي، فَكَيْفَ أَنْطِقُ بَعْدَكِ؟
إِنَّ فِي الصَّمْتِ حِكْمَةٌ وَبُكَاءُ
قُلْتِ: كُنْ، فَاسْتَجَبْتُ عِشْقًا وَنَارًا
ثُمَّ مُتُّ، فَهَلْ يَكُونُ فِدَاءُ؟
مَا شَهِدْتُ الْجَمَالَ إِلَّا بِعَيْنَيْكِ
وَهَوَاكِ الشَّهِيُّ فِيهِ شَقَاءُ
كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ يَسْأَلُ: أَيْنَكِ؟
وَبِكُلِّ الْكَيَانِ فِيكَ رَجَاءُ
يَا ابْنَةَ الرُّوحِ ، إِنَّنِي مُسْتَهَامٌ
لَيْسَ لِي بَعْدَ نَأْيِكِ اسْتِشْفَاءُ
أَيْنَ تَمْضِي؟ وَدَرْبُ قَلْبِي إِلَيْكِ
سِفْرُهُ الشَّوْقُ، وَالْمُنَى أَفْيَاءُ
كُلُّ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ لَا يُنْشَدُ اسْمُكِ
هُوَ بَيْتٌ بِلَا سُقُوفٍ خَوَاءُ
هَلْ رَأَيْتِ الْحَيَاةَ مِنْ دُونِ هَمْسٍ؟
هِيَ مَوْتٌ، وَفِي الْغِيَابِ فَنَاءُ
قَدْ أَطَعْنَا الْهَوَى فَمَا عَادَ يُجْدِي
أَنْ نُوَارِي الْجَوَى، وَذَاكَ عَنَاءُ
سَارَةُ، أَنْتِ لَوْعَةُ الْقَلْبِ لَمَّا
تَتَوَارَى، وَلَا يُجِيدُ الدَّوَاءُ
يَا رُبَى سِلْقِينَ، إِنْ سَارَةَ مَرَّتْ
عَطَّرَتْكِ الْمَدَى، وَغَابَ الشَّقَاءُ
حِينَ جَاءَتْ، تَبَسَّمَتْ كُلُّ أَرْضٍ
وَأُقِيمَتْ عَلَى الْمَدَى الْعِيَدَاءُ
لَمْ تَكُنْ مِثْلَنَا، فَإِنَّكِ مِنْ سِحْرٍ
سِرُّهُ مِنْ نَعِيمِهِ الْإِيحَاءُ
كُلُّ شَيْءٍ إِذَا ارْتَوَى مِنْ رُؤَاهَا
عَادَ حُبًّا، وَصَارَ فِيهِ عَطَاءُ
هِيَ كَالْفَجْرِ حِينَ يُهْدِي ظِلَالًا
ثُمَّ يُلْقِي عَلَى الْمَدَى الْإِصْغَاءُ
قُلْتُ: سَارَةُ ، فَقَالَ كُلُّ فُؤَادِي
لَبَّيْكِ ، فَالْهَوَى لَكِ إِنْبَاءُ
هَلْ تَذْكُرِينَ اللَّيَالِي الْبِيضَ لَمَّا
كَانَ فِيهَا لِعِشْقِنَا إِسْرَاءُ؟
كُنْتِ نُورَ الدُّجَى، وَكُنْتُ الظِّلَالَ
وَاكْتَمَلْنَا، وَكَانَ ذَاكَ بَهَاءُ
ثُمَّ مَرَّتْ سُحُبُ الْوَدَاعِ عَلَيْنَا
فَاسْتَحَالَ اللِّقَاءُ فِيكِ عَزَاءُ
كُلُّ دَرْبٍ مَشَيْتِهِ فِيهِ عِطْرٌ
يَكْتُبُ الشَّوْقَ فِيهِ وَالْإِيحَاءُ
سَارَةُ ، يَا نِدَاءَ رُوحِي وَقَلْبِي
يَا طُيُوفَ الْهَوَى، وَيَا الْأَسْمَاءُ
لَيْسَ يُبْقِي الْهَوَى لِمَنْ ذَاقَ
طَعْمًا غَيْرَ نَارٍ تُهِيمُهَا الْأَنْوَاءُ
فَإِذَا مَا ذَكَرْتُ وَجْهَكِ، أَضْحَى
فِي ضُلُوعِي اشْتِعَالُهَا وَلَهَاءُ
يَا ابْنَةَ النُّورِ، لَا تَغِيبِي، فَإِنِّي
فِيكِ أَمْضِي، وَبِكِ يُضِيءُ الرَّجَاءُ
يَا سُرَارَة ، وَسَارَةُ الْغِيدِ عِنْدِي
كِفَرَاشِ الرُّوحِ حِينَ هَبَّ الْهَوَاءُ
قَدْ سَكَنْتِ الْفُؤَادَ لَيْلًا وَنَهَارًا
وَاحْتَوَى الْبُعْدُ بَعْدَكِ الْأَرْجَاءُ
كُنْتِ فِي الْقَلْبِ رَوْضَةً مِنْ أَمَانٍ
ثُمَّ غَابَتْ فَلَاحَهَا الْأَفْيَاءُ
كُلُّ شَيْءٍ إِذَا ذَكَرْتُكِ يَسْرِي
فِيهِ شَوْقٌ وَنَشْوَةٌ وَحَيَاءُ
يَا صَبَاحًا أَطَلَّ فِي زَمَنِ الْقَحْـ
ـطِ فَصَارَتْ بِطَلْعَتِهِ الْأَنْحَاءُ
لَيْتَ شِعْرِي أَمَا رَأَيْتِ حُرُوفِي
حِينَ نَادَتْكِ وَالْهَوَى أَصْدَاءُ
قَدْ سَقَاهَا الْحَنِينُ خَمْرَةَ وَجْدٍ
فَانْثَنَتْ كَالْخَمَائِلِ الْغَنَّاءُ
كُنْتُ أَمْسَحُ عَنْ جُفُونِيَ دَمْعًا
فَبَكَتْهُ الْعُيُونُ ثُمَّ السَّمَاءُ
رُبَّ وِجْدَانِنَا تَوَارَى بِأُفْقٍ
فِيهِ تُرْوَى الْمَوَاجِعُ الْعَذْرَاءُ
قَدْ خَلَتْ مِنْ سُرَاكِ دَارٌ وَعَهْدِي
أَنْ يُفِيضَ الْمَكَانُ مِنْهُ الْوَفَاءُ
كُلُّ يَوْمٍ عَلَى الْمَدَى لَكِ طَيْفٌ
فِي فُؤَادِي تُشَيِّعُهُ الْأَنْحَاءُ
هَاهُنَا فِي رُبُوعِ “سِلْقِينَ” نَبْضِي
كُلُّ مَا مَسَّهَا الْحَنِينُ دُعَاءُ
يَا رُبَى “الْكَوْثَرِ” اسْتَعِيدِي سَنَاهَا
إِنَّ فِيهَا لِقَلْبِيَ الْأَصْدَاءُ
كُنْتِ نُورًا عَلَى الطَّرِيقِ فَغَابَتْ
فَاحْتَوَى اللَّيْلَ بَعْدَكِ الْظَلْمَّاءُ
يَا ابْنَةَ السُّعْدِ هَلْ تُعِيدِينَ عَهْدِي؟
أَمْ تُرى لِلرَّجَاءِ فِيكِ عَزَاءُ؟
إِنَّ فِي خَافِقِي فَلَاةً وَوَجْدًا
كُلَّمَا حَنَّ نَاحَتِ الْبَيْدَاءُ
مَا شَفَى الْحُبَّ مَا تَرْوِيهِ رُوحِي
مِنْ شُجُونٍ وَمَا تَجُودُ الدِّمَاءُ
قَدْ وَعَدْتِ الْوِصَالَ يَوْمًا وَصَدَّقَتْ
كُلُّ مَا خَطَّهُ لَنَا الْإِيحَاءُ
أَيْنَ وَعْدُ الْمَآقِي؟ أَيْنَ نَذْرُ الْهَوَى؟
أَيْنَ مَاضٍ بِهِ يُحَطُّ الْعَنَاءُ؟
سَارَةُ… لَا السُّهَادُ طَابَ وَلَا لَيْـ
ـلُ أَنِينِي لَهُ بِهِ ضِيَاءُ
كَمْ شَرِبْنَا الْهَوَى نَدِيًّا وَغَنَّـ
ـيْنَا لَهُ فَانْسَجَى لَنَا الْإِصْغَاءُ
كُلَّمَا نَامَتِ اللَّيَالِي صَحَوْنَا
نَبْضُنَا فِي الْهَوَى لَهُ إِيقَاءُ
يَا حَبِيبًا بِغَيْرِ وَصْلٍ أَعِيشُ
أَيْنَ أَنْتِ؟ وَهَلْ هُنَاكَ لِقَاءُ؟
هَلْ تَعُودِينَ فِي الدُّجَى؟ هَلْ تَـنَـا
مِينَ، وَالْأَرْضُ فِي دُجَاهَا رِثَاءُ؟
آهِ يَا سَارَةَ الْمَعَانِي وَأَهْـ
ـلًا بِجُرْحِي، فَإِنَّ فِيهِ الشِّفَاءُ
لَا أُبَالِي بِمَنْ جَفَانِي وَصَدَّا
أَنْتِ عَيْنِي، وَهَلْ تُطَالُ الْعَمْيَاءُ؟
أَنْتِ أُنْسِي، وَأَنْتِ سِرِّي، وَشِعْرِي
أَنْتِ بَيْنَ الْوَرِيدِ وَالْإِيمَاءُ
كُلُّ حَرْفٍ إِذَا نَطَقْتُكِ فِيهِ
يَنْحَنِي، ثُمَّ يَنْثَنِي اسْتِحْيَاءُ
وَإِذَا مَا تَغَنَّى الطَّيْرُ بِاسْمٍ
فَهُوَ “سَارَةْ”… لَهُ بِهَا إِغْوَاءُ
كُنْتِ فِي الْقَلْبِ وَمْضَةً، وَبَرِيقًا
ثُمَّ غَابَ الضِّيَاءُ فَالْبَيْدَاءُ
هَلْ تَذَكَّرْتِ حِينَ كُنَّا نُسَامِرْ
قَلْبَ لَيْلٍ، كَأَنَّهُ السَّمْرَاءُ؟
هَلْ تَذَكَّرْتِ يَا رُوَاءَ الْمَعَانِي
كَيْفَ تَهْمُو خُطَانَا وَالْعُشْبُ مَاءُ؟
يَا نَسِيمًا مِنَ الزَّمَانِ الْمُوَلَّى
فِيهِ نَبْضٌ وَفِيهِ سِحْرٌ خَفَاءُ
أَنْتِ سِرِّي، وَفِيكِ دِينِي وَيَقْـ
ـنِي، وَقَلْبِي الْمُسْتَغِيثُ الدُّعَاءُ
لَا تَلُومُوا فَتَى الْمَحَبَّةِ إِنْ هَا
مَ، فَفِي الْحُبِّ يُسْتَبَاحُ الْبُكَاءُ
كَمْ حَنِينِي إِلَيْكِ شَقَّ ضُلُوعِي
فَتَنَادَتْ بِهِ الْجِرَاحُ الْعِزَاءُ
كَمْ كَتَبْتُ اسْمَكِ الْجَلِيلَ عَلَى وَجْـ
ـهِي، فَمَحْوُ الْجَمَالِ فِيهِ بَلَاءُ
إِنْ تُرِيدِي فَكُلُّ عُمْرِي فِدَاءٌ
لَكِ، وَالرُّوحُ لِلْغَرَامِ وفَاءُ
لَا تُطِيلِي السُّكُوتَ إِنْ كُنْتِ تَدْرِيـ
ـنَ أَنِّي بِغُرْبَتِي لَا أُسَاءُ
أَنْتِ خَمْرُ الْقَصِيدِ… أَنْتِ اخْتِتَامٌ
فِيهِ سُكْرٌ، وَفِيهِ طَيْفٌ… هَنَاءُ
يَا دُمُوعِي، هَطَلْتِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ
كَيْفَ جِئْتِ؟ وَهَلْ لِقَلْبِيَ نَجْوَاءُ؟
فِي فُؤَادِي لَظًى يَذُوبُ إحْتِّرَاقاً
كُلَّمَا غَابَ وَجْهُهَا عَنْ مَأْوَاءُ
سَارَةُ الْيَوْمَ تَسْكُنُ الْبُعْدَ صَمْتًا
وَغَدِي دُونَ وَصْلِهَا بَاتَ أَشْدَّاءُ
أَيْنَ عَيْنَاكِ؟ لَا يُرَى الدَّرْبُ بَعْدَك
كُلُّ نَجْمٍ انْطَفَى، وَكُلُّ ضِيَاءُ
صِرْتُ أَحْيَا عَلَى الرَّمَادِ، وَأَبْنِي
مِنْ بَقَايَا الْحَنِينِ صَرْحَ رَجَاءُ
كُلَّمَا قُلْتُ: قَدْ نَسِيتُ، تَبَكَّى
قَلْبِيَ الْعَاشِقُ الْمُشْتَهَى الْوَلْهَاءُ
أَيُّ ظُلْمٍ إِذَا تَبَاعَدَ ظِلُّكْ
عَنْ فَتًى بَيْنَ ضِلْعِهِ الصَّحْرَاءُ؟
كَيْفَ أَحْيَا؟ وَفِي يَدَيْهِ اشْتِيَاقِي
كَلَهِيبٍ، وَفِي الْعُرُوقِ بُكَاءُ
قُلْتُ: عُودِي، فَفِيكِ عُمْرُ أَمَانِي
وَبِغَيْرِكِ فَإِنَّ عُمْرِي شِتَاءُ
آهِ يَا مَوْطِنَ الرُّؤَى، وَاللَّيَالِي
كَيْفَ يُجْفَى الْهَوَى؟ وَكَيْفَ الْجَفَاءُ؟
مَنْ يُدَاوِي غَرِيبَ شَوْقٍ جَرِيحٍ
كُلُّ دَمْعٍ لَهُ، وَكُلُّ دُعَاءُ؟
مَنْ يُعِيدُ التِّيهِ صَدْرًا حَنُونًا
مَنْ يُذِيبُ الْمَدَى؟ وَمَنْ ذَا الْوَفَاءُ؟
هَلْ تَجُودِينَ لَحْظَةً مِنْ عِنَاقٍ
بَعْدَ مَوْتِ الْهَوَى، وَبَعْدَ الْعَنَاءُ؟
أَنْتِ لِلنَّفْسِ لَحْنُهَا، لَا تَغِيبِي
كُلُّ وَقْتٍ بِدُونِكِ اسْتِثْنَاءُ
عَلِّمِي الدَّرْبَ كَيْفَ أَنْسَى خُطَاكِ
كَيْفَ يُنْسَى النَّسِيمُ؟ كَيْفَ النَّقَاءُ؟
كُلُّ شِعْرِي طَوَاهُ حُزْنُ بُعَادٍ
كُلُّ قَوْلِي رِثَاءُ مِنْ بَعْدِ رِثَاءُ
يَا حَبِيبَةْ، دَعِي غُيُومَكِ تُمْطِرْ
وَاسْقِ قَلْبِي، فَفِي ظَمَاهُ رَجَاءُ
سَوْفَ أَبْقَى وَإِنْ جُفِيتُكِ نَهْرًا
مَا يَزَالُ النَّدَى إِلَيْهِ ابْتِدَاءُ
لَيْتَ لِي فِي الدُّجَى لِقَاءً قَصِيرًا
رُبَّ حُلْمٍ بِهِ يَطُولُ الْبَقَاءُ
إِنْ رَحَلْتِ، فَفِي الْحُرُوفِ مَقَامٌ
لَكِ… وَالشِّعْرُ دُونَكِ لَا يُرْتَجَاءُ
قُمْ، فَإِنَّا بِنَارِ حَرْفِكَ نَحْيَا
وَالْقَوَافِي مَمَالِكٌ وَوَلَاءُ
كُلُّ بَيْتٍ إِذَا نَطَقْتَ ارْتَقَى فَوْقَ
النُّجُومِ، وَفَاحَ فِيهِ بَهَاءُ
أَنْتَ فِي الشِّعْرِ فَارِسٌ مِنْ طِرَازٍ
مَا لَهُ فِي الْقَبَائِلِ أَنْدَاءُ
كُلُّ مَنْ قَالَ فِي الْهَوَى خَافِتًا
قُلْتَ أَنْتَ الْقَصِيدَ فِيهِ عَلَاءُ
تَرْتَقِي بِالسَّحَابِ بَيْنَ مَعَانِيـ
ـكَ، فَالْعَلْيَاءُ مِنْكَ فِي إِعْلَاءُ
كُلُّ شَطْرٍ مِنْكَ شُهُبٌ تُرَاهَا
كُلُّ حَرْفٍ يُضِيءُ فِيهِ السَّمَاءُ
إِنْ تَغَنَّى الْوَرَى فَصَوْتُكَ أَعْلَى
يَا أَمِيرَ الْبَيَانِ، يَا مَنْ تُرَاءُ
نَحْنُ قَوْمٌ إِذَا نَطَقْنَا سُيُوفًا
رَعَدَتْ فِي الْحُرُوفِ وَهِيَ مُضَاءُ
وَالْقَرِيضُ الَّذِي تَلُوحُ بِهِ أَنْتَ
لَهُ فِي الدَّوَاوِينِ كُلُّ ابْتِدَاءُ
أَنْتَ تَكْتُبُ فَتَرْتَجِفُ الْقَصَائِدْ
فِي يَدَيْكَ الْجَلَالُ وَالْفُحْشَاءُ
تَحْتَ عَيْنَيْكَ تَنْحَنِي كُلُّ فُصْحَى
وَتَرَى فِيكَ لِلْبَيَانِ انْحِنَاءُ
يَا مَلِيكَ الْحُرُوفِ، أَنْتَ إِمَامِي
فِي الْقَوَافِي، وَمَجْدُنَا وَالْإِبَاءُ
نَحْنُ قَوْمٌ شِعَارُنَا الشِّعْرُ، وَالسِّجْـ
ـلُّ يَشْهَدُ، وَالْأَيَّامُ وَالْأَسْمَاءُ
كُلُّ فَحْلٍ إِذَا رَأَى فِيكَ مَجْدًا
أَطْرَقَ الرَّأْسَ، فَالْحَقِيقَةُ شَاءُ
فَاقْفِزِ الْيَوْمَ فَوْقَ خَيْلِ الْمَعَانِي
وَاخْطُبِ الشِّعْرَ، إِنَّهُ الْإِصْغَاءُ
وَاعْلِنِ الْيَوْمَ فِي الدَّوَاوِينِ نَصْرًا
كُلُّ شِبْرٍ مِنَ الْقَوَافِي لِوَاءُ
أَنْتَ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الْبَوَادِي
وَسُيُوفُ الْبَيَانِ فِيكَ رَخَاءُ
إِنْ سُئِلْتَ عَنِ الْعُلَى، قُلْ: أَنَا مَنْ
أَسْكَنَ الْمَجْدَ بَيْنَنَا وَاسْتِوَاءُ
سَارَةُ اسْمٌ كَتَبْتُهُ فَأَزْهَرْ
كُلُّ حَرْفٍ بِهِ غَدَا الْأَنْقَاءُ
يَا أَمِيرَ الْقَصِيدِ، هَذَا عُلَاكَ
فَاقْبِضِ الْعَرْشَ، وَارْتَفِعْ… إِنَّكَ الشَّاءُ
نَحْنُ قَوْمٌ إِذَا انْتَخَانَا الزَّمَانُ
قَامَ فِينَا الْحُسَامُ وَالْإِبَاءُ
لَا نُبَاهِي الْوَرَى بِكَثْرَةِ مَالٍ
بَلْ بِقَوْلٍ تُزَيِّنُهُ الْكِبْرِيَاءُ
نَحْمِلُ الْمَجْدَ فِي السُّيُوفِ وَنَمْشِي
وَوَرَاءَ الْخُطَى تَمُوتُ الْعِدَاءُ
لَا نُهَادِنْ، وَلَا نُذِلُّ جَبِينًا
وَعَلَى رَاحَتَيْنَا الْعِزَّ تُراءُ
كُلُّ مَنْ رَامَ ذُلَّنَا عَادَ صِفْرًا
وَارْتَقَى فَوْقَ هَامِهِ الْخُيَلَاءُ
نَحْنُ أَبْنَاءُ نَارِ فَارِسَ لَمَّا
فَاضَ مِنْ حِقْدِهَا الزَّمَانُ سَخَاءُ
نَبْتَغِي الْمَجْدَ لَا نُسَاوِمُ فِيهِ
مَا تُنَالُ الْقِمَمُ إِلَّا الْبَلَاءُ
يَا رِجَالَاتِنَا، وَمَجْدَ اللَّيَالِي
أَنْتُمُ فِي اللُّيُوثِ نِعْمَ السِّمَاءُ
كُلُّ بَيْتٍ مِنَّا حِصْنُ فَخَارٍ
وَبِهِ الْمَجْدُ يُغْرَسُ وَالْحَيَاءُ
وَإِذَا الشِّعْرُ جَاءَ طَوْعَ بَنَانٍ
فَلَهُ نَحْنُ أَسْيَادُ الرَّجَاءِ
لِي حَبِيبٌ إِذَا تَبَسَّمَ فَجْرًا
أَزْهَرَ اللَّيْلُ وَابْتَهَتْ أَنْجُمَاءُ
سَارَةُ، يَا نَسْمَةَ الرُّوحِ، إِنِّي
كُلَّ يَوْمٍ أُغَنِّيهَا غِنَاءُ
فِي خُطَاهَا الرَّبِيعُ يُسْقِطُ وَرْدًا
وَعَلَى خَدِّهَا يُقِيمُ الْهَنَاءُ
كَمْ تَمَنَّيْتُهَا صَبَاحًا دَفِيئًا
تَحْتَ ظِلِّ الرِّضَا، وَفِيهِ الْبَهَاءُ
كَيْفَ تُنْسَى؟ وَهَلْ تُنْسَى نُجُومٌ
عِنْدَهَا اللَّيْلُ يَسْحَرُهُ الضِّيَاءُ؟
كُلُّ رَمْشٍ لَهَا قَصِيدُ غَرَامٍ
وَحَنَانٌ يُعَانِقُ الْأَنْدَاءُ
مَا رَأَتْ مِثْلَهَا الْقُلُوبُ وَفَاءً
لَا وَلَا أَبْصَرَتْ لَهَا الْأَهْوَاءُ
إِنْ تَكُنْ فِي الدُّجَى هَجِيرَ أَمَانِي
فَدَعِينِي بِهَا أَطُوفُ السَّمَاءُ
يَا مَنَتْهَا الْأَرْوَاحُ طُهْرًا وَعِطْرًا
مَا عَلَى غَيْرِهَا أَتَى الْإِغْوَاءُ
هِيَ كَالْأُمْنِيَاتِ… فِي كُلِّ عَيْنٍ
تَرْفُ فِيهَا الْحَيَاةُ وَالرَّجَاءُ
قُلْ لِذَاكَ الَّذِي تَطَاوَلَ زَيْفًا
وَتَنَاسَى بِأَنَّهُ فِي فَنَاءُ
قَدْ غَوَى ظَنُّهُ بِأَنَّ صُعُودًا
يُبْتَنَى فَوْقَ عَثْرَةِ النُّبَلَاءِ
كُلُّ مَا قَالَهُ هَبَاءٌ، وَحَرْفٌ
مِنْ غُبَارِ الدُّنَى، عَلَيْهِ هَبَاءُ
إِنَّمَا نَحْنُ مِنْ سُلَالَةِ فَخْرٍ
مَا تَهَابَتْ يَوْمًا بِنَا الْبَأْسَاءُ
كُلَّمَا ظَنَّ أَنَّنَا قَدْ هَوَيْنَا
قَامَ فِينَا النُّجُودُ وَالصُّلَدَاءُ
يَا ابْنَ مَنْ لَا يُقِيمُ ظِلَّ مَقَامٍ
أَنْتَ فِينَا الْهَبَاءُ وَاللَّأْوَاءُ
إِنْ هَجَوْتَ الْمَدَى، فَهَذِي قَوَافِيـ
ـنَا تُجِيدُ الْهِجَاءَ وَالْفُصَحَاءُ
لَيْسَ يُغْنِيكَ قَوْلُ سُوءٍ، فَدَعْهُ
فَالَّذِي فِي يَدَيْكَ هُوَ الْفَنَاءُ
نَحْنُ فِي الْأَرْضِ مِنْ كِرَامِ مُلُوكٍ
وَأَبُوكُمْ فِي الْهَزْلِ أَوْ رُعَدَاءُ
مَنْ يُعَنِّفْنَا فِي الْمَدَى سَيْفُ قَوْلٍ
نُشْعِلُ الْأَرْضَ نَارَهَا وَالسَّمَاءُ
قَدْ كَتَبْنَا مِنَ الْمَعَانِي سُطُورًا
هِيَ نَارٌ عَلَى الزَّمَانِ ضِيَاءُ
مِنْ رُبَا الْمَجْدِ جِئْنَا، وَصَدَحْنَا
فَاهْتَزَّتْ لَنَا الرُّبَى وَالصَّفَاءُ
لَيْسَ يُرْوَى مِنَ الْفَخَارِ حَدِيثٌ
مَا لَمَسَتْهُ الْقَوَافِي وَالعَلْقَّاءُ
نَحْنُ قَوْمٌ إِذَا مَشَيْنَا تُغَنِّي
فِي خُطَانَا الْمَدَائِنُ وَالصَّحْرَاءُ
كُلُّ بَيْتٍ سُيُوفُنَا فِيهِ تَجْرِي
كُلُّ حَرْفٍ لَنَا بِهِ جُنْدَاءُ
نَكْتُبُ الْعِزَّ لَا نُزَيِّفُ مَعْنًى
فَالْقَصِيدُ الْعَظِيمُ لَا يُرَاءُ
شِعْرُنَا مَا سَقَاهُ إِلَّا اعْتِزَازٌ
وَجِرَاحٌ بِهَا بَكَى الْأَوْفِيَاءُ
سَوْفَ تَبْقَى الْقَصَائِدُ الْبِيضُ صَرْحًا
مَا دَنَا مِنْ شُمُوخِهَا الْأَعْدَاءُ
قُلْ لِمَنْ رَامَ أَنْ يُطْفِئَ وَهْجًا
وَلَدَتْهُ الْيَرَاعُ وَالْأَنْبِيَاءُ
إِنَّمَا الشِّعْرُ رَايَةُ الْمَجْدِ الْعُظْمَى
وَبِهِ تُورَثُ الْحَيَاةُ الْإِبَاءُ
مَنْ سَقَى بِالْمُعَلَّقَاتِ الصَّحَارَى
عَادَ فِي يَدِهِ الْغَمَامُ الْوِسَاءُ
هَا أَنَا الْيَوْمَ سَيِّدُ الشِّعْرِ أَمْضِي
وَبِهِ قَدْ سُقِيتُ الْعَلْيَاءُ
أَنْتَ يَا شِعْرُ مَوْطِنِي وَسُلَاحِي
وَجَنَاحِي، وَرُوحُهُ الْأَنْحَاءُ
يَا بَنِي الشِّعْرِ، إِنْ أَضَعْتُمْ طَرِيقِي
فَابْحَثُوا فِي دَمِي تَجِدُوا الْأَسْمَاءُ
وَلْتُعَلَّقْ عَلَى الْجَبِينِ قَصِيدِي
وَلْتُرْوَى… فَإِنَّهَا مُعَلَّقَـتِـــي الْعُـظَـمَـاءُ
186
قصيدة