الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » القصيدة – سحر اللقاء بالحبيبة سارة

عدد الابيات : 216

طباعة

أهْفُو إلَيكِ كأنَّ وعدَكِ نجمةٌ

قدْ كنتُ أرْقُبُها بلَيْلِ عِبادِهِ

وسَرَى اللقاءُ إلى الفؤادِ كأنَّهُ

وردٌ تَنفَّسَ منْ جِراحِ سُهادِهِ

قدْ كنتُ أرْجو أنْ أراكِ، ولمْ يَزَلْ

شوقِي يَضُمُّكِ في ضَميرِ مِدادِهِ

ثلاثونَ عامًا والحُرُوفُ عِناقُنا

وسُهادُ رُوحي في انتِظارِ مَيادِهِ

ما كنتُ أعلَمُ أنَّ ضَحكَتَكِ التي

تُهدي الربيعَ إلى فُصولِ جَمادِهِ

تُحيي الزمانَ، وتَمنَحُ الليلَ الذي

أضنانَا، إشراقَ الضياءِ، ورَشادِهِ

تَمضي السنونُ، وصوتُها في مُهْجَتي

كالرعدِ يَسرِقُ خافِقي منْ بُعادِهِ

ولقاؤنا شمسٌ تخلَّقَ ضوؤها

منْ نبضِ حلمٍ عاشَ في ميعادِهِ

وسَرَى الأريجُ على يديكِ كأنَّهُ

نُسِجَ الجمالُ بِخافِقي واتّحادِهِ

هَمسُ الخيالِ تَدَفّقَتْ أنفاسُهُ

في وجنتيكِ فأنْشَدَ استشهادِهِ

قِدّيسةٌ مرّتْ على أوجاعنا

فَمَشَى الشفاءُ بِخُطوها وانْقِيادِهِ

لا تسألي كيفَ احتملنا بعضَنا

دَهْرًا، ونارُ الشوقِ في أوتادِهِ

كنتِ البعيدَ، وكنتُ أرسمُ وجهَكِ

حتى اكتسَى بالحلمِ كلُّ جِهادِهِ

ومتى بَدَوتِ، تَبَدَّدَتْ كلُّ الرُّؤى

وتَهَشَّمَتْ أُسطورَةُ الإبعادِهِ

ومضيتِ نحوي، والزمانُ مُسافرٌ

سكْرانَ منْ وقعِ الخطى واستِفادِهِ

فَجَعَلْتُ عمري مُهْجةً لمَدى المدى

وجَعَلْتُ صدري موطنًا لامتِدادِهِ

ما عادَ في الدنيا سِواكِ بَشاشةٌ

تَروي ظمأ الروحِ منْ إمْدادِهِ

إنّي أراكِ، فأسْتَعيدُ طُفولتي

وأُعيدُ دفءَ الأرضِ بعدَ بُرادِهِ

وإذا تَنفَّستِ الحياةَ بِقُرْبيَ

أزهى النسيمُ بأُنسهِ وأمّْجَادِهِ

أنتِ البدايةُ للوجودِ، ونبضُهُ

والعطرُ مَذْخُورٌ بأوّلِ زادِهِ

أتْبَعْتِكِ الأحلامُ منْ أسرارِها

ومضى الأنينُ بِفرحةٍ في قِيادِهِ

وسكنتِ في قلبي كأنّكِ آيةٌ

كُتِبَتْ على لُجَجِ النداءِ سُهادِهِ

يا وردةً ما انبثّتِ إلّا فَجْأةً

لتُفَجِّري لُغتي بِكلِّ اتّقادِهِ

سارةُ، وفي عينيكِ تسكنُ أمّتي

ويُضيءُ مجدي منْ لهيبِ اتّحادِهِ

لا لمْ يكنْ هذا اللقاءُ كغيرهِ

بلْ كانَ عمرًا نازلًا في وِدادِهِ

بلْ كانَ عرشًا منْ خيالٍ ماثلٍ

فوقَ الغمامِ، بَريقُهُ في سُؤادِهِ

قدْ جئتِ، فانفتحَ الزمانُ على رُؤًى

لمْ تعرِفِ الأرواحُ بعضَ رَشادِهِ

وجَعَلْتِ أيّامي خيوطًا منْ ضُحى

فيها تُضيءُ غُيومُها بِسعادِهِ

وجَعَلْتِ أحزاني قصائدَ بهجةٍ

تَتلو الفرحَ في نشوةِ إنشادِهِ

إنّي انتظرتُكِ والفصولُ دموعُها

حتى التقينا... فانتهى إنفادِهِ

تَمضي السنُونُ، وصوتُها في مُهْجَتي

كالرعدِ يَسرِقُ خافِقي بصَمتِ هَدادِهِ

ولَطالما رَسَمَ الخيالُ ملامحًا

لِرُؤىً نُقِشْنَ على جبينِ توادِهِ

حتى التقينا، فاهْتزَّ قلبي مثلما

ترتَجُّ في ليلِ المدى أوتادِهِ

وتَجمّعتْ كلُّ الجراحِ لتغتسلْ

بيديكِ، وانهمرتْ علينا رُفادِهِ

سارةُ، وهل بعدَ اللقاءِ حقيقةٌ

أو ظلُّ نفسٍ ذابَ في إنشادِهِ؟

نبضُ القصيدةِ في هواكِ تأجّجتْ

أبياتُها من لحنِ نارِ إبْعَادِهِ

سحرُ العيونِ إذا رمقتِ، فإنّهُ

يُشعلُ فجرَ الروحِ من إعتقادِهِ

جاءتْ كأنّ الليلَ في أعماقِهِ

ألَقٌ تَجلّى حين فاضَ سوادِهِ

قد كنتُ في صمتِ الزمانِ مُعلَّقًا

كالموجِ ينتظرُ اشتعالَ زنادِهِ

حلمٌ من الأيّامِ طالَ احتباسُهُ

وسَرَى بلقياكِ السرورُ لِجادِهِ

ما بينَ جفنيكِ الغمامُ تمرّدتْ

وتفتّحتْ للضوءِ كلُّ رَمادِهِ

وسَرَتْ على خدّي نسائمُ لم تكنْ

إلا الحنينَ إذا سكنتِ فؤادِهِ

وبدا لقاؤكِ كالحياةِ بأسرها

تنسابُ في نفسي وتغسلُ زادِهِ

يا زهرةً شقّتْ خيالَ طفولتي

ومشتْ على عشبِ المدى بميلادِهِ

ما عادَ في الدنيا سواكِ قصيدتي

أو همسةٌ في ليلتي لأجْوَادِهِ

ضمّيتُكِ، فامتدَّ الزمانُ قصيدةً

تُهدي الجنونَ شذاهُ في إنشادِهِ

ما بينَ عَينَيكِ التَقَتْ أُمسياتُنا

وتَبَرَّأَتْ أيّامُنا من جَمّْرِ رُقادِهِ

لكِ في الحُضورِ عبيرُ ألفِ أُسطورةٍ

قُدَّ القَداسةِ من نقاءِ اعتقادِهِ

أنتِ الرُّؤى، أنتِ ارتِجافُ قصيدتي

وندى الحقيقةِ في شغافِ مُرادِهِ

ما أروعَ اللحظاتِ حينَ تَدَفّقَتْ

في القلبِ ألحانُ المدى وإيْقَادِهِ

فأنا الذي عَبَرَ المُحيطَ محبّةً

ورَسَا على شطِّ الحنينِ بِزادِهِ

فتفتّحتْ كلُّ الجراحِ بِأدمُعي

حتى غدا وجعي سرورًا لِرَشْادِهِ

وغدوتُ أضحكُ والدموعُ شُهودُنا

ما بينَ وجدِ اللقاءِ وانبعاثِ اجتهادِهِ

فتمرّدَ العمرُ الكئيبُ، وتاهَ في

بُستانِ حبٍّ ناضجٍ في اتّحادِهِ

إنّي رَأيتُكِ فاستقامَ وجودُنا

وانهَارَ سدُّ الصمتِ في امتدادِهِ

هذا اللقاءُ هو البدايةُ والهُدى

وهو النهايةُ، إنْ طغى بإجْتِهادِهِ 

كم حلمتُ بِصوتِكِ المُنْسابِ في

كَفَّيَّ، أقرأهُ كنصٍّ عَزَّ بِشَهادِهِ

وسكنتُ فيهِ دَهشةً من عِطرهِ

واقتاتَ وجداني على إتْقَادِهِ

وتعلّقتْ رُوحي بعينكِ مثلما

يتعلّقُ العُصفورُ في انبعاثِ رِفادِهِ

فتَهامَسَتْ أزمانُنا مُتعانقًا

حرفي بحرفكِ، والشذى في مِدادِهِ

لكِ كلُّ تفصيلِ القصيدةِ طلقةٌ

تهزُّ أوتارَ الحياةِ بِإفْتِقَادِهِ

ماذا أقولُ، وفي لقائكِ تنجلي

ألفُ الدهورِ، وألفُ سرٍّ بِعِمادِهِ؟

قد جئتِ لي... فتفتّحَ المعنى الذي

ما طالما خبّأتُهُ في اتّحادِهِ

الآنَ أُدركُ كيفَ تُبصرُ مُقلةٌ

أوجاعَها وتُضيءُ رغمَ سوادِهِ

الآنَ أفهمُ كيفَ يبكي عاشقٌ

من فرحةٍ تنمو بِفَيْضِ اجتهادِهِ

يا سارةُ... سحرُ اللقاءِ رسالةٌ

كُتبتْ حروفَ الخلدِ في ميعادِهِ

ما عدتُ أذكرُ من جراحٍ تناثرتْ

في الدربِ، مذْ صارتْ يداكِ بِمِدادِهِ

نُسجَتْ رُؤاكِ على ارتباكِ عُيونيَ

فأضاءَ وجهُ الحبّ في إعدادِهِ

لكِ في تردُّدِ خطوكِ المُختالِ ما

يكفي لنبضِ الأرضِ في استشهادِهِ

ولَهْفَتي كُتِبَتْ بِريحِ تفاؤلٍ

ومشتْ إلى حلمي بِصدقِ اعتمادِهِ

وجمالُ صوتِكِ إنْ دنا، ترقّى بهِ

قلبي كأنّ اللحنَ سرُّ جهادِهِ

في حضرتِكِ... لا شيءَ يُشبهُ وقفةً

أبكي بها، وأضُمُّ صمتَ عِنادِهِ

إنّي عَشِقتُكِ قبلَ أنْ تتشكّلي

شعرًا، وكانَ الدفءَ قبلَ وِلادِهِ

وإذا وصفتُكِ، لا قصيدي يَستوي

ولا يدي تعرفُ اختتامَ عِمادِهِ

سارةُ، جمالُكِ ليسَ يُدركُهُ فَمي

لكنْ يَشعُّ النطقُ من أضدادِهِ

والدهشةُ الكبرى إذا لمحتْكِ لي

تبكي جلالَ النورِ عندَ اتّقادِهِ

حتى النجومُ إذا حضرتِ تراجعتْ

وخشَتْ بريقَكِ في خفوتِ ازديادِهِ

أنتِ البدايةُ للقصيدةِ، والنّدى

والشوقُ حينَ يفيضُ فوقَ سُهادِهِ

في مُقلتيكِ الليلُ يشربُ عُمرَهُ

ويذوبُ من وجدٍ على انقيادِهِ

لا تسأليني عن جنونِ عبارتي

فالعقلُ ضاعَ، وذابَ في إمدادِهِ

سارةُ، واسمُكِ في دمي مرسومُهُ

كالوشمِ في قلبِ الحنينِ وزادِهِ

لا شيءَ بعدكِ يَستحقُّ تَلَهُّفي

أو يَسكنُ الإحساسَ في ميعادِهِ

أنتِ القصيدةُ حينَ تولدُ فَجْأةً

من همسةٍ، أو من نداءِ بِعادِهِ

عيناكِ... والشوقُ المُقدَّسُ بيننا

عرشٌ تهاوى الكونُ فوقَ رُقادِهِ

لا فرقَ بينَ الأرضِ حينَ تُطلّينَ

والحلمِ إنْ صدقَ الغرامُ بِوِسادِهِ

ولقاؤنا... سرُّ الحياةِ كأنّهُ

أمرٌ تنزّلَ من سماءِ رشادِهِ

تَمْضِي اللُّحونُ، ولا تَميلُ قَصيدَتي

ما دُمتِ تَسكُنُ بينَ نُطقِ إنشادِهِ

وسَرَى دعاؤكِ في دَمي، فاهتَزّتِ

أوتارُ قلبي وانثَنَى بإبتَعَادِهِ

من أينَ جئتِ؟ ومن تُرابِ أيِّ أرضٍ

خُلقتْ ملامحُكِ بِكلِّ سَدادِهِ؟

كيفَ التقى حرفي بِحرفكِ وانجلتْ

أقمارُ عمري في نشيدِ اتّحادِهِ؟

وكأنّني طفلٌ على كتفِ السَّما

يشدو بلحنِ الدهشةِ في إعدادِهِ

يا سارةُ، النبضُ الذي خبّأتُهُ

فاضَ اشتياقًا حينَ لامسَ زادِهِ

فاغتسلتْ أوجاعي بقطرِ لقائكِ

وتطهّرتْ آلامُ قلبي بِرُفادِهِ

ومضيتُ أنظرُ للوجودِ كأنّهُ

عادَ البدايةَ بعدما أفنادِهِ

وبكِ اكتملتُ، وكنتُ بعضَ ملامحٍ

ضاعتْ، فعادتْ من عبيرِ اتّقادِهِ

لو قيلَ: ما المعنى؟ أجبتُ بلحظةٍ

ضمّتْ يديكِ، ففاضَ سرُّ وِدادِهِ

يا منبعَ الإحساسِ، كم قد ذابَ في

كَفَّيْكِ نبضي وانجلتْ لأوْتَّادِهِ

قد كانَ عمري كالهجيرِ، فلمْ يزَلْ

مذ جئتِ، يُزهرُ في رؤى أبعادِهِ

قد آنَ للمعنى الذي في داخلي

أنْ يستريحَ، فقد وجدتُ مِهادِهِ

إنّي عشقتُكِ قبلَ أنْ أتخلّقَ

لغةً، وكانَ الحرفُ بعضَ مُرادِهِ

يا فتنةَ الأنفاسِ في شفتيكِ ما

أسكرتِ صَبّي من عُذوبِ رُقادِهِ

ما كانَ قلبي يستريحُ لدمعةٍ

إلّا إذا مرّتْ بعينِ اتّحادِهِ

وسكنتِ فيهِ، فصرتِ أنتِ جميعَهُ

فرحًا، وجرحًا، وارتعاشَ سَدادِهِ

في حضرتِكِ، كلُّ الجمالِ تعرّفَ

أنّ الهوى أسمى مقامِ رَشادِهِ

أنتِ الحقيقةُ في الزحامِ، كأنّما

كلُّ الحكاياتِ انطفَتْ بإسنادِهِ

لا تسأليني عن غرامي، إنّهُ

طفلٌ بنى أحلامَهُ من وُدَّادِهِ

ضمّيتُكِ، فانفجرتْ سنينُ تَلَهُّفي

وتهدّمتْ أسوارُ صبري بِحِدَادِهِ

وسَرَى لقاؤكِ في دمي فاهتزَّ بي

كلُّ الوجودِ، كأنّهُ في مِهادِهِ

ما كانَ هذا الحلمُ إلّا دعوةً

من نجمتي، فسمعتُ فجرَ مُنَادِهِ

وحدكِ، إذا مرَّ النسيمُ بقربِنا

يُفشي السرائرَ في خُطى ميلادِهِ

في ناظريكِ وجدتُ كلَّ مَعابدي

وسجدتُ للأنفاسِ في إنشادِهِ

ماذا أقولُ، وقد توهّجَ موعدي؟

هل أكتفي بالشكرِ أم بِأوتادِهِ؟

يا سارةُ... يا كوكبًا قد نَوّرتِني

فأضاءَ ظلّي، واشتعلتُ بِأمجادِهِ

أنا لا أُريدُ سوى يديكِ، فإنّني

خُلقتُ منهما، وذُبتُ في إنفادِهِ

لا تسألي إنْ كانَ عمري قبلَكِ

فهو السرابُ... وكانَ خواءَ رَمادِهِ

ولقاؤنا... أقصى المعاني كلّها

وختامُ هذا الشعرِ، نبضُ رَشادِهِ

ما ضَرَّنا أنَّا انتظرنا دَهْرَنَا

إن كان يكفينا احتفالُ ازدِيادِهِ

قَدْ جِئْتِ، فانْسَكَبَ الزَّمانُ قَصِيدَةً

وسَمِعْتُ قَلبي يَعْتَلي أمجادِهِ

لَكِ في ابتسامَتِكِ ارتباكُ طفولةٍ

تُهدي الدُّنا لُغْزَ الرُّؤى وانْشِدادِهِ

ما أجملَ اللَّحظاتِ حينَ تَرَنَّحَتْ

في صَدْرِكِ الذِّكرى، وذابَ عِنادِهِ

سارةُ، ونبضُكِ في يديَّ، فهل تَرَيْ

كيفَ انْجَلَى وَجْدي، وهدأَ انْقِيادِهِ؟

كلُّ الجهاتِ إذا رَسَمْتُكِ سَكَّنَتْ

رِيحَ التَّبَعْثُرِ في ملامحِ سُهادِهِ

يا مَن أتيتِ كأنَّ فيكِ رسائلًا

حملتْ دعاءَ العاشقِ في إمدادِهِ

ما عُدتُ أملكُ غيرَ صوتكِ موطنًا

تسري إليَّ مَواجِعًا بإرادِهِ

وسمعتُ في خَفْقِ الخُطى ما لم يَقُلْ

نَبْضٌ، ولا فجرٌ تنفَّسَ رُقادِهِ

أنتِ التي خَجِلَ الربيعُ لحُسْنِها

وسَقَى الجمالُ حدائقًا في رُفادِهِ

لَكِ في انحناءةِ حاجِبَيْكِ قصيدةٌ

كُتِبتْ خفايا الحبِّ في أبعادِهِ

ما بينَ طرْفِكِ والحديثِ، تكسَّرتْ

أقفالُ صدري، وانْزوى بقيادِهِ

كم مرَّةً حاولتُ وصفكِ، فانْثَنَى

قلمي، كأنَّ البوحَ أَخْلَدَ زادِهِ

وكلَّما لامستُ هَمْسَكِ، عانقتْ

روحي سماءً ذابَ فيها اجتهادِهِ

أنتِ النهايةُ، لا سؤالَ بَعدَها

والكونُ أَولَدَ من نداكِ مِهادِهِ

فامكُثي... فالشِّعرُ دونَكِ خاسرٌ

ويُتيهُ نفسي إن نَأى عن رُشادِهِ

سارةُ، وما هذا الوجودُ بغيرِكِ

إلا رمادٌ ضاعَ في أبعادِهِ

يكفي لقاؤكِ كي أكونَ مُكتملًا

وأعيدَ تاريخَ الهوى بسعادِهِ

يكفي حديثُكِ كي أعودَ إلى الصِّبا

وأهيمَ في الدنيا بصفوِ لإنشادِهِ

لكِ يا مَلاكي ما يشاءُ تَأَلُّقي

فالحبُّ أنتِ... وكلُّ نبضٍ جادِهِ

كم ذا انتظرتُكِ والليالي شاهدٌ

أنِّي حفظتُ الحُلمَ في إنشادِهِ

حتّى التقينا، فانْجَلَتْ كلُّ الدُّجَى

وتناثرتْ أسرارُهُ في بِعادِهِ

أنتِ البدايةُ في القصيدةِ والمُنى

والنبضُ إن ضجَّتْ رُؤىً بِسُهادِهِ

فتنَفَّسي... فالكونُ يَحيا من صدى

نَفَسٍ تَسَكَّبَ في طريقِ انْقِيادِهِ

والضَّوْءُ يَسري من يديكِ كأنَّهُ

من صدرِ نجمٍ قد تجلَّى بوَقَّادِهِ

إن قيلَ: كيفَ الحبُّ؟ قلتُ: ملامحٌ

مَرَّتْ، فعانَقَها الدُّجَى في سُهادِهِ

يا من سكنتِ الرُّوحَ قبلَ قصائدي

وغزوتِني بحنانِكِ وامتدادِهِ

كم مرَّةٍ قُتلتُ فيكِ، فعدتُ بي

طفلًا يُزَيِّنُ دمعَهُ بعِنادِهِ

أنا ما حَلِمتُ بلقمَةٍ في غَيْمَتي

إلا وكنتِ لذَّةَ حُبٍ لمِرْصادِهِ

يا سارةُ، الأحلامُ إن فاضتْ دَنَتْ

وإذا دنا طيفُكِ... طالَ جِهادِهِ

لا تسألي عن عُمُرِيَ المذبوحِ في

صمتِ السِّنينِ، وسرِّها في وِسادِهِ

أنا فيكِ، لا أمسٌ يُقَيِّدُ مهجتي

ولا غدٌ يُرجى بغيرِ رشادِهِ

ضَمَّيتُ ظلَّكِ قبلَ أن تأتي المدى

وغفوتُ أحملُ صوتكِ في أوتادِهِ

وكلَّما هَمَسَتْ يداكِ بكفِّيَ

قامتْ صلاةُ الحُبِّ فوقَ عِبادِهِ

قد جئتِ لا كالنُّورِ، بل أنتِ النُّهَى

والفجرُ، إن نادى اشتعالَ سُهادِهِ

لَكِ في الخيالِ يقينُ نجمٍ غارقٍ

بالضَّوْءِ، يفتحُ حلمَهُ بِعِنادِهِ

سارةُ، ويا سرَّ الحياةِ بضحكةٍ

حيَّتْ فؤادي بعدما مَرَّ مِنْ رُقادِهِ

وتسلَّلتْ مثلَ الحنينِ، فَرَّاعَني

أنِّي أراكِ، وكلُّ وهمي فادِهِ

يا أنتِ، لا شيءٌ يوازي لحظةً

سكنتْ يديكِ، وأزهرتْ بأبعادِهِ

فغدوتُ بيتًا في يديكِ معلَّقًا

يُتلى، ويُنسى العالمُ في ميلادِهِ

لَكِ في عيوني ما يفوقُ تأمُّلي

والشَّوْقُ لو يُنسى، تبقينَ زادِهِ

وأنا الذي للكونِ كنتُ مُعانِقًا

لكنَّني سجدتُّ عندَ اعتقادِهِ

وإذا بكتْ عيناكِ ضَجَّ بُكاؤها

فجميعُ ليلِ الأرضِ ماتَ بِرُقادِهِ

إنِّي أحبُّكِ لا خيالًا عابرًا

بل من يقينِ القلبِ في إمدادِهِ

في ضحكتكِ طُهرُ الممالكِ كلِّها

وحضارةٌ سجدتْ لصوتِ رشادِهِ

لا وصفَ يُسعفُني، ولا لغةٌ تَفِي

ما في يديكِ من البهاءِ ونادِهِ

فيكِ اكتملتُ، وكنتُ نصفَ قصيدةٍ

تاهتْ، فعادتْ تنسجُ لاشتدادِهِ

لولاكِ ما نُطِقَ القصيدُ، فإنّني

منكِ ابتدأتُ، وختمتُ إنشادِهِ

سارةُ، ويا نبعَ اللقاءِ، تعلَّقي

في كلِّ بيتٍ شعلةً من سُهادِهِ

قد قالَ قلبي — والعيونُ شُهودُهُ —

إنَّ اللقاءَ خُلودُ كلِّ عِقادِهِ

سارةُ، وهل بعدَ التَّمادي موعدٌ

يُنسى بهِ وجدي، ويُمحى اتقادِهِ؟

ما كانَ لُقياكِ الخجولُ تكرُّمًا

بل كانَ وَعْدَ اللهِ في ميعادِهِ

فيكِ اكتملتْ كلُّ القصائدِ فانتهتْ

أقلامُ عِشقٍ عندَ خطِّ اتِّحادِهِ

وإذا نظرتُ إلى يديكِ، تفتَّحتْ

أزهارُ قلبي وانثنتْ بأوتادِهِ

لَكِ في الدلالِ وقارُ نورٍ خاشعٍ

يُهدي الجمالَ لمن يبوحُ برُشادِهِ

ولقاؤنا لغةُ الملائكةِ التي

كتبتْ دعاءَ العاشقينَ بوِسادِهِ

أنتِ التَّراتيلُ التي ما أَنشَدَتْ

إلا وذابَ الكونُ من إنشادِهِ

سارةُ، وما هذا الوجودُ بغيرِنا

إلا غُبارًا ضلَّ في أبعادِهِ

تمضي الليالي والحنينُ يُطاردُ

نَبضي، ويكتبُ هِجرتي بجهادِهِ

لكنَّكِ الآنَ الحقيقةُ كلُّها

وسكونُ روحي في انتهاءِ عِنادِهِ

قد كنتُ أرجو ظلَّكِ الباكي، ولم

أحلمْ بفيضِ النورِ فوقَ امتدادِهِ

فإذا بكِ الطُّوفانُ، بل أنتِ الذي

تبكي السَّما لجمالهِ وازديادِهِ

كلُّ الحروفِ أمامَ عينيكِ انتحتْ

وسجدتْ شوقًا عندَ طرْفِ مدادِهِ

هذا لقاكِ، وهذهِ أنفاسيَ

تحيا كطفلٍ عادَ بعدَ بعادِهِ

سارةُ، وفيكِ تدفَّقتْ أيَّامُنا

كالعيدِ، نغمرهُ بعطرِ انقيادِهِ

إنِّي كتبتُكِ قبلَ أن ألقاكِ في

شعري، وأوقدتُ الحياةَ بزادِهِ

وسقيتُ أيامي حديثَكِ، فانثنتْ

شمسُ السرورِ تعانقُ استشهادِهِ

يا أنتِ، إنِّي كلَّما ناديتُني

لمحتُ وجهَكِ في خفايا مُنادِهِ

سكنتْ رؤاكِ بكلِّ نبضِ قصائدي

فاستسلمَ الشعرُ الحزينُ لِوِسادِهِ

وسَرَى على صوتِ الدُّموعِ، فأنبتتْ

روحي ورودَ الصبرِ فوقَ رمادِهِ

لا تسأليني عن حنيني، إنَّهُ

بحرٌ غريقٌ... ضاعَ في إمدادِهِ

في حضرةِ اللُّقيا تشيخُ ملامحي

وتعودُ طفلًا حالمًا في مِهادِهِ

هذا لقاكِ، وهذهِ أشواقيَ

تُلقي السلامَ على سكونِ رُقادِهِ

أنتِ التي، إن غابَ صوتُكِ، أُغلقتْ

أبوابُ قلبي وانهدمتُ بِسُهادِهِ

كم ذا نسجتُكِ من خيالاتٍ، ولم

أدرِ الجمالَ سوى بدفءِ اعتقادِهِ

فيكِ احتشدتُ، فكلُّ شيءٍ غيرُكِ

بقيَ الرَّمادَ، وذابَ في إخمادِهِ

لو أنَّ لي في الأرضِ غيركِ موطنًا

ما كانَ لي فيهِ القرارُ بِوِدادِهِ

لكنَّكِ الوطنُ الذي مهما جفوتُ

أرجو الرجوعَ إليهِ رغمَ عِنادِهِ

سارةُ، هواكِ كأنَّهُ دينٌ جرى

في الرُّوحِ، فاغتسلتْ بهِ في سُهادِهِ

ولقاؤنا ختمُ القصائدِ، وانتهى

فيكِ الكلامُ، وذابَ نفسُ مدادِهِ

كم ذا ارتجفتُ إذا رأيتُكِ مرَّةً

كأنَّ عمري كلَّهُ في ازديادِهِ

سارةُ، وهل لكِ في الزَّمانِ شبيهةٌ؟

ما كنتِ إلا آيةً من وِدادِهِ

فيكِ التقاءُ الرُّوحِ قبلَ جسومِنا

والحبُّ حيٌّ قبلَ نطقِ اعتمادِهِ

كم مرَّةٍ متُّ اشتياقًا، فاستوى

قلبي كأنَّ الموتَ بعضُ رشادِهِ

أنتِ النشيدُ، ومنكِ لحنُ قصيدتي

وبكِ ارتقى حرفي وذاقَ انقيادِهِ

ما كنتُ أعلمُ أنَّ شمسَكِ وحدها

تكفي لتُبعثَ روحُ صدقٍ بجمادِهِ

يا من لقيتُكِ بعدَ عمرٍ موجعٍ

أُنسيتُ حزني عندَ دفءِ اتِّحادِهِ

أنتِ الجوابُ لكلِّ صمتٍ داخلي

والمستقرُّ لِشَتَّتي وازديادِهِ

قد كانَ قلبي قبلَ رؤياكِ انطفى

واليومَ أشرقَ من جمالِ اتِّقادِهِ

حتّى دعائي صارَ يعرفُ وجهةً

فمضى إليكِ وسالَ فوقَ سِجادِهِ

هذا لقاؤكِ، لا يشابههُ سوى

ما خالطَ الأرواحَ عندَ استشهادِهِ

سارةُ، ويا معنى الحقيقةِ كلِّها

من غيرِكِ القلبُ استراحَ بِرُقادِهِ؟

ولأنَّ فيكِ النورَ صُغتُ مشاعري

وكتبتُ عمري في ملامحِ زادِهِ

كم ذا كتبتُكِ في الليالي حسرةً

حتّى أتى فجري وماتَ سوادِهِ

وإذا تنفَّستِ ابتسامَكِ لحظةً

رقصتْ زهورُ الأرضِ في ميلادِهِ

يا سارةُ، اللُّقيا اختصارُ وجودِنا

والكونُ إن غبنا يحنُّ لِبادِهِ

إنِّي أحبُّكِ لا كقولٍ عابرٍ

بل من صميمِ الرُّوحِ، عمقِ رشادِهِ

ولأجلِ عينيكِ استراحَ توجُّعي

وارتدَّ قلبي بعدما مَرَّ مِنْ جهادِهِ

لا فرقَ عندي بينَ موتٍ وانطفاءٍ

ما دمتِ أنتِ النورَ فوقَ رمادِهِ

ولقاؤنا... هذا الختامُ، فإنَّهُ

ما عادَ بعدَكِ حلمُ قلبٍ يُرادِهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

186

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة