عدد الابيات : 300
طباعةفِي غَفْلَةِ العُمْرِ المُضِيِّ تَنَاثَرَتْ
ذِكْرَاكَ بَيْنَ تَبَعْثُرٍ وَأَيَادِ
ثَلَاثُ أَعْوَامٍ مَضَيْنَ كَأَنَّهَا
ضَرَبَتْ فُؤَادِي مِنْ لَهِيبِ زِنَادِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَكَ مُوحِشٌ
كَالقَفْرِ لَا يُرْجَى بِهِ إِنْجَادِ
كَمْ لَيْلَةٍ سَكَنَتْ جُفُونِي رَعْشَةٌ
تُبْكِي الحَنِينَ وَتَسْتَفِزُّ رُقَادِي
كُنْتَ المُقَامَ، وَكَانَ طَرْفُكَ رَحْمَةً
وَالْآنَ مَا لِي مَوْطِنٌ وَسَنَادِ
مَنْ لِي إِذَا بَكَتِ الدُّرُوبُ وَلَمْ أَكُنْ
أَلْقَى سِوَاكَ يَضُمُّنِي بِمِدَادِ
آهٍ عَلَى عَيْنَيْكَ إِنْ ذَبُلَ البُكَا
يَبْكِي بِهَا وَجْدِي وَيُحْرِقُ زَادِي
مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَغِيبَ وَتَغْتَدِي
رُوحِي سُؤَالًا فِي مَهَبِّ بِعَادِ
كُلُّ المَوَاسِمِ بَعْدَ حُبِّكَ بَاهِتٌ
لَا يُزْهِرُ الأَمَلُ الجَمِيلُ بِوَادِ
قُلْ لِي، أَأَحْيَا بَعْدَ كُلِّ نَدَامَةٍ
مِنْ دُونِ صَوْتِكَ، يَا ضِيَاءَ رَشَادِي؟
آهٍ عَلَى وَجَعِي إِذَا طَافَتْ دُجَى
وَبَكَى الغِيَابُ كَأَنَّهُ جَلَّادِ
مَا بَيْنَ طَرْفِي وَالجِرَاحِ رِوَايَةٌ
وَالنَّوْمُ فِي عَيْنَيَّ صَارَ رَمَادِ
لَوْ أَنَّنِي نَسِيتُ طَيْفَكَ لَحْظَةً
مَا قُلْتُ شِعْرًا، مَا سَكَنْتُ مِدَادِ
لَكِنَّ حُبَّكَ فِي الضُّلُوعِ كَأَنَّهُ
نَارٌ تُخَبِّئُ حُزْنَهَا بِوِسَادِ
مَا لِلْفُؤَادِ إِذَا تَنَفَّسَ غُصَّةً
إِلَّا نِدَاءً فِي غَيَاهِبِ نَادِ
وَالذِّكْرَيَاتُ تَسِيرُ نَحْوِي، كُلَّمَا
نَأَى الزَّمَانُ، وَغَابَ عَنْهُ سُهَادِ
هَلْ تَذْكُرِينَ اللَّحْنَ؟ كَانَ دُمُوعَنَا
شَوْقًا، وَدِفْءَ حَدِيثِنَا أَعْيَادِ
لَا البُعْدُ أَطْفَأَ فِي دَمِي أَنْفَاسَنَا
وَلَا الغِيَابُ مَحَا جَمَالَ وِدَادِ
كُنْتِ الحَيَاةَ، وَكُنْتِ كُلَّ قَصَائِدِي
وَكَتَبْتُ حُبَّكَ فِي صُدُورِ أَوْتَادِ
لَوْ عُدْتِ لِي، لَنَسِيتُ كُلَّ مَوَاجِعِي
وَسَجَدْتُ فِي عَيْنَيْكِ دُونَ عِنَادِ
كَمْ لَيْلَةٍ كَانَتْ تُغَنِّي وَحْدَتِي
وَتَعْزِفُ البُعْدَ اللَّعِينَ بِعُوادِ
هَذَا السُّكُونُ، كَأَنَّهُ قَبْرُ الدُّجَى
يَمْحُو المَلَامِحَ فِي مَدَى الجِنِادِ
قَلْبِي تُطَارِدُهُ الظُّنُونُ كَأَنَّهُ
جُنْدٌ مِنَ الأَوْهَامِ فِي السُدَادِ
وَالشَّوْقُ يَمْشِي فِي دَمِي مُتَخَفِّيًا
يُبْكِي الطُّفُولَةَ فِي دُرُوبِ الإنّْشَادِ
مَا عُدْتُ أَرْجُو مِنْ غَدِي إِطْلَالَةً
مَا دَامَ مَوْتُ الوَصْلِ خَيْرَ وَقَادِ
اللَّيْلُ مِرْآتِي، وَفِيهِ غَرِقْتُ كَيْ
أَبْكِي عَلَى وَجْهِي بِلَا الآيَّادِ
أَحْكِي لِظِلِّي مَا تَبَقَّى مِنْ دَمِي
وَأَعُودُ أَجْمَعُهُ بِغَيْرِ جُهَادِ
مَا بَيْنَ أَطْيَافِ اللِّقَاءِ سَرَابُهُ
وَالوَقْتُ يَدْفِنُ نَبْضَتِي بِالجُمَادِ
مَنْ لِي إِذَا اشْتَدَّتْ نَيَازِكُ غُرْبَتِي؟
مَنْ ذَا يُعِيدُ القَلْبَ بَعْدَ صُدَادِ؟
وَحْدِي، أُقَاتِلُ رَعْشَةَ الذِّكْرَى
وَلَا سَيْفٌ يُنَقِّينِي، وَلَا السُدَّادِ
لَمَّا اخْتَنَقْتُ بِذِكْرِكَ المُتَبَاعِدِ
بَكَتِ اللَّيَالِي فِي جُحُورِ سَوَادِ
وَالنَّاسُ حَوْلِي لَا يَرَوْنَ تَوَجُّعِي
فَأَنَا الَّذِي أَخْفَيْتُ نَارَ وِقَادِي
أَبْكِيكَ سِرًّا فِي السُّكُوتِ، كَأَنَّنِي
طِفْلٌ يُخَبِّئُ جُرْحَهُ فِي زَادِ
مَا كُنْتُ أَمْلِكُ غَيْرَ دَمْعٍ خَافِقٍ
يَتْلُو الحَنِينَ عَلَى دُرُوبِ عِنَادِي
قَدْ كُنْتَ تَسْكُنُ فِي شُرُوخِ مَشَاعِرِي
وَالْيَوْمَ تَسْكُنُ فِي ضُلُوعِ حِدَادِي
لَا تَسْأَلُونِي: "هَلْ نَسِيتَ غَرَامَهُ؟"
مَا مَاتَ حُبٌّ قَدْ تَنَفَّسَ عَادِي
مَا زِلْتُ أُغْلِقُ كُلَّ نَافِذَةِ الرُّؤَى
إِنْ مَرَّ طَيْفُكَ فِي غِيَابِ مِدَادِي
كَمْ مَرَّةٍ نَادَيْتُ وَجْهَكَ صَامِتًا
فَأَتَى الجَوَابُ نَحِيبَ وَهْمِ رُقَادِ
فِي دَاخِلِي بُكَاءُ أَلْفِ غَمَامَةٍ
لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغِيثُ بِنَادِي
للهِ هَذَا القَلْبُ، كَمْ أَخْفَى الأَسَى
وَصَفَ الضِّيَاءَ عَلَى جِدَارِ حِدَادِ
فِي البُعْدِ أَسْكَنَنِي الحَنِينُ وَأَوْقَدَا
فِي مُهْجَتِي نَارَ الأَسَى وَانْفِرَادِ
كَمْ مَرَّةً نَادَيْتُ وَجْهَكَ عَلَنًا
فَأَتَى الجَوَابُ بِصَمْتِ كُلِّ بِلَادِ
يَا مَنْ تَلُوذُ بِرُوحِيَ المُشْتَاقَةِ،
أَيْنَ الغِيَابُ مِنَ الوَفَاءِ الشِّدَادِ؟
أَنْتَ المَدَى، وَالحُلْمُ أَنْتَ، وَمِنْكَ لِي
نَبْضُ القَصِيدَةِ فِي خُفُوقِ مِدَادِ
رُوحِي إِلَيْكَ تُهَاجِرُ بِتَوَهُّجٍ
وَتَرَى المَدَى رَغْمَ الجِرَاحِ سُهَادِ
مَا مَاتَ حُبُّكَ، لَا، وَمَا خَمَدَ الهَوَى
مَا دَامَ شَوْقِي لَمْ يَزَلْ فِي ازْدِيَادِ
أَنْتَ البِدَايَةُ وَالخِتَامُ، وَكُلَّمَا
أُهْدِيتُ وَجْدِي عَادَ مِنْكَ نِشَادِ
كُلُّ الجَمَالِ تَبَسُّمًا أَوْ دَمْعَةً
مَا زَالَ يَسْكُنُ فِيكَ دُونَ حِيَادِ
وَإِذَا اشْتَدَّتْ عَوَاصِفُ غُرْبَتِي
أَتْلُو حَنِينَكَ فِي مَدَى الأَوْرَادِ
وَحْدَكَ رَجَائِي فِي الحَيَاةِ، فَإِنَّنِي
أَمْشِي إِلَيْكَ عَلَى دُرُوبِ رُشَادِ
لَمْ يَنْطَفِئْ فِي القَلْبِ وَهْجُ تَمَسُّكِي
مَا دَامَ فِي صَدْرِي رَجَاءُ ازْدَادِ
كُلُّ السِّنِينَ تَمُرُّ بِي عَطْشَى، وَلَا
يَرْوِي ظَمَأِي إِلَّا خَيَالُ وِدَادِ
أَمْشِي إِلَى فَجْرِ التَّمَنِّي، سَائِرًا
وَالشَّوْقُ يَحْضُنُنِي كَنُورِ جِهَادِ
أَرْجُو لِقَاءَكِ، وَالظُّنُونُ بِمُهْجَتِي
تَهْدِي انْتِظَارِي حِكْمَةَ الإِمْدَادِ
كَمْ قُلْتُ: يَا رَبَّاهُ، جَمِّلْ عَوْدَتِي
وَاجْمَعْ فُؤَادِي مِنْ شَتَاتِ بِعَادِ
فَإِذَا بِذِكْرِكِ فِي المَسَاءِ يُزْهِرُ
وَيَفِيضُ فِي وَجَعِي كَبُشْرَى وِدَادِ
سَارَةُ، أَشْتَاقُ الغَدَ الآتِي لَنَا
وَأُعَلِّقُ الأَيَّامَ فِي مِيعَادِ
لَمْ تُطْفِئِ الأَحْزَانُ وَهْجَ مَحَبَّتِي
لَكِنْ تَآكَلَنِي ظُنُونُ رُقَادِ
للهِ صَوْتُكِ فِي خَيَالِي، دَائِمًا
كَالحُلْمِ يَنْمُو فَوْقَ نَارِ رَمَادِ
مَا ضَرَّنِي عُمْرُ الفِرَاقِ، فَإِنَّنِي
أَحْيَا لِأَجْمَعَ فِي اللِّقَا أَعْيَادِ
وَأَتَى اللِّقَاءُ، فَكُلُّ نَارٍ أُطْفِئَتْ
وَغَفَتْ دُمُوعُ العُمْرِ فِي إِنْشَادِ
وَرَأَيْتُ فِي عَيْنَيْكِ عُمْقَ طُفُولَتِي
وَنَدَى شَبَابِي فِي رُؤَى الإِمْدَادِ
مَدَّدْتِ كَفَّكِ، فَالْتَقَتْ أَنْفَاسِيَ الـ
مُشْتَاقَةَ الأَنْفَاسِ بِالمِيعَادِ
كَمْ مَرَّةٍ بِتْنَا نُخَبِّئُ لَهْفَنَا
وَاليَوْمَ نَبْكِي فَرْحَةَ الإِرْشَادِ
كُونِي كَمَا كُنْتِ الحَنِينَ بِجُنْحِهِ
كُونِي كِتَابَ العُمْرِ وَالِاجْتِهَادِ
سَارَةُ، وَيَا وَهْجَ اللَّيَالِي كُلِّهَا
يَا خَمْرَةَ الأَشْوَاقِ فِي الأَوْرَادِ
هَذَا اللِّقَاءُ كَأَنَّهُ يَوْمُ النَّدَى
شَمْسٌ، تُعَانِقُ فِي الغَمَامِ وِهَادِ
مَا عَادَ شَيْءٌ غَيْرُ حُبِّكِ مُبْهَمًا
كُلُّ اليَقِينِ تَنَاثَرَ فِي الأَبْعَادِ
حَتَّى السُّكُوتُ عَلَى يَدَيْكِ تَرَنَّمَتْ
مِنْهُ الحُرُوفُ بِرَعْشَةِ الإِنْشَادِ
وَاحْتَارَ فِيكِ الشِّعْرُ، كَيْفَ يَصِفُ الَّذِي
ذَابَتْ لَهُ الأَيَّامُ فِي اسْتِشْهَادِ
هَا قَدْ تَوَحَّدْنَا كَأَنَّكَ مُهْجَتِي
وَغَدَوْتُ أَنْتَ النَّبْضَ فِي مِيعَادِ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّوحِ فِي أَسْرَارِهَا
فَكِلَاهُمَا فِي الآخَرِ المُنْقَادِ
وَالعَيْنُ إِنْ نَظَرَتْ إِلَيْكَ تَنَاثَرَتْ
أَنْوَارُهَا فِي جَفْنِكَ الوَقَّادِ
كَمْ عَانَقَتْ أَوْجَاعُنَا أَرْوَاحَنَا
حَتَّى غَدَوْنَا فَوْقَ كُلِّ سَوَادِ
يَا سَارَةُ، يَا زَهْرَ عُمْرِي، هَلْ تَرَى
فِيكِ الدُّمُوعُ تَحَوَّلَتْ لِأَوْتَادِ؟
مَا عُدْتُ أَذْكُرُ كَيْفَ كُنْتُ مُفَارِقًا
فَالْآنَ حُبُّكَ سُورُ كُلِّ بِلَادِ
قَدْ عَادَ لِي صَوْتُ الحَيَاةِ بِجَرَسِهِ
وَغَدَا صَبَاحِي مِثْلَ بَرْقِ جَوَادِ
بِالأَمْسِ كُنْتُ غَرِيبَ ظِلٍّ ذَابِلٍ
وَاليَوْمَ أَمْشِي فِي ضِيَاءِ رَشَادِ
كُنْتِ الجَوَابَ لِسُؤْلِ قَلْبِي كُلِّهِ
وَأَنَا بِوَجْهِكِ قَدْ وَجَدْتُ مُرَادِي
مَا بَيْنَنَا عُمْرٌ مِنَ الضَّوْءِ الَّذِي
يَمْحُو المَسَافَاتِ، القُرَى، وَالأَبْعَادِ
عَاهَدْتُ قَلْبَكِ أَنْ نَكُونَ رِوَايَةً
لِلْحُبِّ فِي زَمَنٍ يَتِيهُ بِعَادِ
لَا حُلْمَ بَعْدَكِ يَنْتَهِي أَوْ يَنْثَنِي
مَا دَامَ وَعْدُكِ فِي دَمِي وَقَّادِ
نَمْشِي عَلَى دَرْبِ التَّوَافُقِ سَاهِرَيْنْ
وَالعَزْمُ زَادُ الرُّوحِ فِي الإِمْدَادِ
سَارَةُ، سَنَكْتُبُ بِالغَرَامِ مَلَاحِمًا
تُنْسَى الحُرُوبُ بِحَضْرَةِ الإِنْشَادِ
لَا رِيحَ تُخْضِعُنَا، وَلَا صَخْرُ الأَسَى
يَمْنَعْ خُطَا الحُبِّ العَظِيمِ الرَّادِ
سَنَكُونُ نَبْعًا لِلْحَنَانِ، وَمَاؤُنَا
شَوْقٌ يَفِيضُ عَلَى مَدَى الأَمْجَادِ
هَذَا العِنَاقُ هُوَ الحَيَاةُ بِعَيْنِهَا
فِيهِ ارْتِقَاءُ الرُّوحِ وَالِاجْتِهَادِ
لَا تَنْكَسِرِي، فَالْكَوْنُ مَعَنَا وَاقِفٌ
يَحْنِي الجَمَالَ لِحُبِّنَا المُنْقَادِ
كُونِي مَعِي دَرْبًا، وَكُونِي مَنْهَلًا
نَصْحُو عَلَيْهِ بِنَشْوَةِ الأَبْعَادِ
وَبِكُلِّ آهَةِ أَمْسِنَا، سَنُشَيِّدُ الـ
غَدَ مِنْ حَنِينِ الحَرْفِ وَالإِمْدَادِ
كَمْ مَرَّةٍ مَرَّتْ عَلَى ذَاكِرَتِي
لَحَظَاتُنَا كَنَسِيمِ وَجْدٍ بَادِ
أَسْتَرْجِعُ الصُّوَرَ الَّتِي قَدْ خَالَطَتْ
أَمْسِي، كَأَنَّ الحُلْمَ صَارَ رُقَادِ
كَانَتْ ضَحْكَتُكِ المُضِيئَةُ مَلْجَئِي
مِنْ كُلِّ دَمْعٍ فِي ظَلَامِ سُهَادِ
مَا زِلْتُ أَسْمَعُ هَمْسَكِ المُتَسَلِّلَ الـ
مَخْبُوءَ فِي أَعْمَاقِ صَوْتِ وِدَادِ
وَتَخَالُنِي الأَيَّامُ أَنْسَى فَجْأَةً،
لَكِنَّنِي فِي الحُبِّ دُونَ حِيَادِ
مَا مِنْ غِيَابٍ يَسْتَطِيعُ تَبَخُّرِي
مَا دَامَ ذِكْرُكِ فِي رَبِيعِ فُؤَادِي
مَرَّتْ عَلَى كَفِّ الزَّمَانِ قَصَائِدٌ
مَا زَالَ حَرْفُكِ فِي دَمِي سَيَّادِ
أُلْقِي ظِلَالَكِ فِي الجِدَارِ كَأَنَّهُ
مِرْآةُ مَاضٍ فِي غُبَارِ رَمَادِ
وَكَأَنَّنِي طِفْلٌ تَمُرُّ طُفُولَتُهُ
بَيْنَ الدُّمَى وَأَرِيجِ خَفْقٍ شَادِ
يَا مَنْ سَكَبْتِ النُّورَ فِي أَيَّامِنَا،
تَبْقِينَ فِي قَلْبِي كَنُورِ عِمَادِ
فِي دَاخِلِي نَارٌ تُقَاوِمُ خِنْجَرًا
مِنْ يَأْسِ يَوْمٍ لَا يَعِي الإِنْشَادِ
أَصْرُخْ: أُحِبُّكِ! هَلْ أُعِيدُ مَعَارِكِي
أَمْ أَسْتَسْلِمْ لِلْجُرْحِ وَالِانْهِدَادِ؟
قَلْبِي إِذَا مَا رَاوَدَهُ ظِلُّ الأَسَى
عَادَ اشْتِعَالًا فِي طَرِيقِ رُشَادِ
لَا، لَنْ أُسَلِّمَ لِلظَّلَامِ مَقَادَتِي
مَا دَامَ فِي صَدْرِي هُدًى وَجِهَادِ
إِنِّي تَعَلَّمْتُ الحَيَاةَ بِحُبِّنَا
فَالحُبُّ دَرْسِي، وَاللِّقَاءُ مِدَادِي
وَاليَأْسُ يَخْدَعُنِي بِأَشْبَاحِ المَدَى
فَأَرُدُّهُ بِالشَّوْقِ وَالِانْبِعَادِ
قَدْ قِيلَ إِنَّ الصَّبْرَ مَوْتٌ صَامِتٌ
لَكِنَّهُ فِي الحُبِّ عَيْنُ جِهَادِ
مَا زِلْتُ أَخْتَارُ الصَّبَاحَ، وَإِنْ غَفَا
وَجْهُ السَّمَاءِ بِلَحْظَةِ الإِبْعَادِ
أَنَا مَنْ تَعَوَّدْتُ التَّحَدِّي وَالضَّنَى
وَالعِشْقُ عَزْمِي، وَالرَّجَاءُ قِيَادِي
فَامْضِ مَعِي يَا حُبُّ، لَا تَتَرَاجَعَنْ
فَأَنَا المُقَاتِلُ فِي حُمَى الأَمْجَادِ
فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ تَرَكْتِ بَصْمَتَكِ
كَالعِطْرِ يَسْكُنُ شُرْفَةَ الإِمْدَادِ
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ ضَحْكَةً مَرَّتْ بِنَا
فَأَعَادَتِ الكَوْنَ إِلَى مِيلَادِ
حَتَّى السُّكُوتُ، وَكَانَ يُخْفِي وَجَعَهُ،
قَدْ صَارَ نَشْوَةَ شَاعِرٍ وَعَتَادِ
كَمْ مَرَّةٍ هَمَسَتْ يَدَاكِ، فَحَاصَرَتْ
قَلْبِي كَجَيْشِ الحُسْنِ فِي الأَسْنَادِ
وَكَأَنَّنِي فِي ظِلِّ صَوْتِكِ نَائِمٌ
أَحْيَا عَلَى وَتَرِ الهَوَى المِمْدَادِ
أَنْسَى الزَّمَانَ إِذَا ذَكَرْتُكِ لَحْظَةً
وَيَعُودُ عُمْرِي فِي رُؤَى الإِسْنَادِ
يَا مَنْ زَرَعْتِ الحُبَّ فِي أَوْرِدَتِي
فَأَزْهَرَ النَّبْضُ السَّخِيُّ بِرَادِ
كُلُّ التَّفَاصِيلِ الصَّغِيرَةِ أَصْبَحَتْ
وَعْدًا يُضِيءُ العُمْرَ فِي الأَبْعَادِ
حَتَّى كُؤُوسُ الشَّايِ، صَوْتُ فِنْجَنِي
صَارَ السَّلَامَ وَجُرْعَةَ الإِمْدَادِ
سَارَةُ، حُبُّكِ مَا انْتَهَى، بَلْ أَصْبَحَ الـ
دَرْبَ الَّذِي لَا يَنْتَهِي بِإِلْحَادِ
تَحْتَ الغُصُونِ تَهَادَتِ الأَرْوَاحُ
فِي صَمْتٍ، يُرَاوِغُ خَفْقَةَ الأَوْتَادِ
وَالمَاءُ يَعْزِفُ لَحْنَهُ فِي ضِفَّتَيْنْ
كَأَنَّهُ وَتْرُ اللِّقَاءِ الشَّادِي
ضَوْءُ النُّجُومِ يُرَاقِبُ الأَنْفَاسَ إِذْ
تَتَنَفَّسُ الأَشْوَاقُ فِي الأَضْدَادِ
وَالْوَرْدُ يَلْمَحُ دِفْءَ كَفَّيْكِ الَّتِي
أَيْقَظَتِ فِي أَغْصَانِهِ الإِنْشَادِ
سَارَتْ خُطَاكِ عَلَى التُّرَابِ كَأَنَّهَا
هَمْسُ الخُلُودِ عَلَى فَمِ المِيلَادِ
وَبَكَيْتُ، لَمْ أَبْكِ انْكِسَارًا إِنَّمَا
فَرْحُ التَّلَاقِي فَاضَ فِي الأَوْرَادِ
لَا شَيْءَ حَوْلِي غَيْرَ قَلْبٍ خَاشِعٍ
يَرْنُو إِلَيْكِ كَعَابِدٍ فِي الزَّادِ
هَذَا المَكَانُ، وَهَذَا الزَّهْرُ شَاهِدَا
أَنِّي الْتَقَيْتُكِ بَعْدَ طُولِ بِعَادِ
أَنْفَاسُنَا الْتَحَمَتْ كَأَنَّكِ رَوْضَتِي
وَأَنَا النَّسِيمُ المُبْتَلَى بِالوِدَادِ
سَارَةُ، وَمَنْ غَيْرُكِ يُعِيدُ زَمَانَنَا
وَيُقِيمُ عَرْشَ الحُبِّ فِي الأَوْتَادِ؟
عَيْنَاكِ لَيْسَتْ مُقْلَةً بَلْ مَعْبَدٌ
فِيهِ الصَّلَاةُ، وَسَجْدَةُ الإِمْدَادِ
حِينَ الْتَقَيْنَا، عَادَ نُورُ مَشَاعِرِي
وَتَفَتَّحَتْ أَبْوَابُ كُلِّ جِهَادِ
نَبْضِي تَرَاقَصَ مِثْلَ طِفْلٍ عَائِدٍ
مِنْ حُزْنِهِ لِحُقُولِ أَمْجَادِ
كُنْتِ الحَيَاةَ، وَكَانَ وَجْهِي عَابِسًا
فَأَضَاءَ وَجْهُ الحُبِّ كُلَّ سَوَادِ
قَالَتْ لِي الدُّنْيَا: "أَرَاكَ كَمَا انْتَشَتْ
أَشْجَارُنَا بِالعِطْرِ بَعْدَ كَسَادِ"
سَارَةُ، أُحِبُّكِ مِنْ ضُلُوعِي أَدْمُعِي،
مَا كُنْتُ إِلَّا ظِلَّكِ المُنْقَادِ
رَجَعَ الغِنَاءُ إِلَى شِفَاهِي بَعْدَمَا
صَمَتَتْ سِنِينَ البُعْدِ عَنْ إِنْشَادِ
وَتَنَفَّسَتْ كُلُّ الجِرَاحِ شِفَاهَهَا
وَغَفَتْ هُمُومِي فِي خَرِيفِ حِدَادِ
بِالأَمْسِ كُنْتُ وَحِيدَ دَرْبٍ مُظْلِمٍ،
وَاليَوْمَ أَنْتِ الشَّمْسُ فِي المِيعَادِ
لَا تَسْأَلِي كَيْفَ انْقَلَبْتُ فَرَاشَةً،
كُنْتُ الرَّمَادَ، وَصِرْتُ مِنْ أَبْعَادِ
مَا كُنْتُ أَبْكِي وَالجِرَاحُ تُمَزِّقُ الـ
أَعْمَاقَ، بَلْ صَبْرِي مِنَ الأَسْيَادِ
وَالنَّاسُ حَوْلِي، وَالجِرَاحُ بِصَدْرِي
تَغْلِي، كَصَمْتِ البَرْقِ فِي الإِرْشَادِ
كَمْ مَرَّةٍ ضَحِكَتْ مَلَامِحُ وَجْنَتِي
لَكِنَّ خَلْفَ البَسْمَةِ الانْكَادِ
أَخْفَيْتُ آهَاتٍ تَسِيرُ بِدَفْتَرِي
وَتُدَوِّنُ الأَوْجَاعَ بِالأَوْتَادِ
وَحْدِي أَنَا، وَاللَّيْلُ يَفْضَحُ صَمْتِي
وَيَبُوحُ بِالأَسْرَارِ لِلْأَنْجَادِ
وَالصَّوْتُ مَذْبُوحٌ، وَدَمْعِي حَائِرٌ
كَالحَرْفِ بَيْنَ المَرْءِ وَالِانْقِيَادِ
كَتَمْتُ نَارَ الشَّوْقِ خَوْفَ شَمَاتَةٍ
وَالقَلْبُ يَصْرُخُ صَرْخَةَ الإِمْدَادِ
فِي دَاخِلِي وَادٍ مِنَ الحُزْنِ الَّذِي
يَرْنُو إِلَيَّ كَسَاحِرٍ مُعْتَادِ
لَوْ قُلْتُ مَا فِيَّ، لَانْهَارَتْ قَرْيَتِي
وَأَفَاقَ مِنْ سُهْدِ الشَّقَاءِ بِلَادِي
لَكِنَّنِي أَقْوَى عَلَى خَنْقِ الأَسَى
وَأُعِيدُ لِلْوِجْدَانِ بَعْضَ رُشَادِ
مَا زِلْتُ أَسْمَعُ صَوْتَ هَمْسِكِ نَاعِسًا
يَتْلُو عَلَيَّ تَرَاتِيلَ الإِمْدَادِ
كَأَنَّهُ نَبْضُ العَبِيرِ إِذَا سَرَى
فِي قَلْبِ زَهْرَةِ مُهْجَةٍ مُنْضَادِ
يَمْضِي الزَّمَانُ، وَصَوْتُكِ المُتَمَايِلُ الـ
مَحْمُولُ فِي أَهْدَابِ كُلِّ سَوَادِ
فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ حَيَاتِي لَوْحَةٌ
مُذْ كُنْتِ فِيهَا نَجْمَةَ الإِرْشَادِ
حَتَّى السُّكُوتُ إِذَا دَنَا يُذَكِّرُ الـ
قَلْبَ الَّذِي لَمْ يُنْسِهِ إِنْشَادِ
ظِلُّكِ يَسِيرُ مَعِي، يُحَاوِرُ خُطْوَتِي
وَيُدَاعِبُ الأَفْكَارَ بِالإِمْدَادِ
إِنِّي أَرَاكِ، وَلَوْ غِبْتِ، دَائِمًا
فِي كُلِّ ظِلٍّ، فِي زَفِيرِ سُهَادِ
مَاضِيكِ فِي حَاضِرِي يُؤَثِّثُ مُقْلَتِي
وَيُعِيدُ لِلأَنْفَاسِ وَهْجَ اجْتِهَادِ
لَمْ نَفْتَرِقْ، بَلْ كَانَ بَيْنَ قُلُوبِنَا
وَهْمُ الفُصُولِ، وَوَحْشَةُ الإِبْعَادِ
وَاليَوْمَ رَغْمَ لِقَائِنَا، لَا يَنْتَهِي
صَوْتُ الذِّكَاءِ النَّابِضِ المُتَهَادِ
فِي لَيْلِ غُرْبَتِيَ الطَّوِيلِ جَلَسْتُ فِي
صَمْتٍ يُكَحِّلُ مُقْلَتِي بِاضْطِهَادِ
وَالمِرْآةُ تَحْكِي لِي وُجُوهَ مَوَاجِعِي
وَتَبُوحُ لِلسِّرِّ العَمِيقِ السَّادِ
أَسْأَلْ: أَحَقًّا قَدْ نَعُودُ كَأَنَّنَا
مَا ذُقْنَا حُزْنَ الفُرْقَةِ وَالأَنْكَادِ؟
أَمْ أَنَّ أَحْلَامِي سَتَنْطَفِئُ كَمَا
تَنْأَى الخُطَى فِي ظُلْمَةِ الأَبْعَادِ؟
لَكِنَّ قَلْبِي، وَهُوَ أَصْدَقُ نَاطِقٍ،
يَصْرُخُ: "تُوقِظُكِ اللَّيَالِي الرَّادِ!"
"سَارَةُ" تُنِيرُ الرُّوحَ إِنْ تَاهَ الدُّجَى،
وَتَهُبُّ فِي الأَعْمَاقِ كَالْإِمْدَادِ
كَمْ شَدَّنِي وَعْدُ الحَنِينِ بِأَنَّنَا
يَوْمًا سَنَلْتَقِي بِلَا اسْتِبْعَادِ
فَاغْمُرْ يَدَيَّ بِنُورِ حُبِّكَ، إِنَّهُ
مَنْقُوشُ حُلْمِي فِي جِدَارِ رَشَادِ
وَتُعَانِقُ الأَرْوَاحُ صَمْتَ تَأَمُّلٍ
فِي حَضْرَةِ الأَشْوَاقِ وَالأَوْتَادِ
فَتَفِيضُ فِيَّ دُمُوعُ وَجْدٍ صَامِتٍ
وَتَغِيبُ نَفْسِي فِي سَمَا الإِمْدَادِ
أَشْرَقْتِ فِي قَلْبِي كَشَمْسِ تَبَسُّمٍ
تَمْحُو عَذَابَ الدَّهْرِ وَالِاجْهَادِ
وَمَضَيْتُ أَرْقُبُ فِي اللَّيَالِي قَبَسَهَا
حَتَّى أَتَى وَعْدُ الرَّجَاءِ العَادِ
كَانَتْ خُطَاكِ رَنِينَ فَجْرٍ صَادِقٍ
يَهْدِي دُرُوبِي مِنْ لَظَى الإِبْعَادِ
وَالنُّورُ مِنْ عَيْنَيْكِ سَطْرُ مَلْحَمَةٍ
نَسَجَتْ لَنَا حُلْمَ الغَدِ المُنْقَادِ
مَا عَادَ قَلْبِي مَسْكَنًا لِلْغُرْبَةِ
مِنْ بَعْدِ طَيْفِكِ وَانْكِشَافِ سَدَادِ
إِنِّي أَرَاكِ بِعَيْنِ حُبٍّ نَاصِعٍ
كَالْآيَةِ الغَرَّاءِ فِي الإِسْنَادِ
فَالرُّوحُ مُنْذُ رَحِيلِ سِحْرِكِ ظَمْأَى
وَاليَوْمَ أَنْتِ الغَيْمُ لِلْإِرْوَادِ
رَجَعَ النَّسِيمُ يَحْمِلُ اسْمَكِ سَاجِدًا
فِي حَضْرَةِ الأَشْوَاقِ وَالإِمْدَادِ
هَا قَدْ تَفَتَّحَ مِنْ فُؤَادِي وَرْدُهُ
وَغَدَا عَبِيرُكِ صَادِقَ الإِمْدَادِ
إِنِّي وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِحَسْرَتِي
أَمْضِي إِلَيْكِ بِعِزَّةِ الإِعْقَادِ
يَا مَنْ سَكَبْتَ الحُبَّ فِي أَنْفَاسِي
وَرَسَمْتَ فِي أُفُقِ الهَوَى مِيعَادِ
مَا زِلْتَ تُحْيِينِي، وَإِنْ طَالَ النَّوَى
كَأَنَّكَ الوَتْرُ الرَّقِيقُ الشَّادِ
فِي كُلِّ لَحْظَةِ صَمْتِ قَلْبِي وَجْدُهُ
يَنْسَابُ فِي نَفَسِ النَّسِيمِ الرَّادِ
إِنِّي أُحِبُّكَ فِي انْكِسَارِ تَأَمُّلِي
وَفِي صُعُودِ الرُّوحِ لِلْإِسْعَادِ
مَا مَرَّ بِي وَقْتٌ بِلَا ذِكْرَاكَ فِي
خَلْدِي، وَلَا فِكْرٍ بِلَا إِمْدَادِ
شَوْقِي إِلَيْكَ يَزِيدُ مَهْمَا أَغْلَقَتْ
أَبْوَابُ قَلْبِي عَنْ هُبُوبِ مِدَادِ
كَمْ قُلْتُ فِي وَحْدِي: أَلَا يَكْفِي النَّوَى؟
فَتَعُودُ صُورَتُكِ عَلَى الإِيقَادِ
وَتُضِيءُ ظُلْمَتَهُ البَعِيدَةَ نَجْمَةٌ
تُهْدِي الضَّمِيرَ إِلَى سُكُونِ رُقَادِ
مَنْ ذَا يُزِيلُكِ مِنْ حَشَايَ وَقَدْ غَدَتْ
كُلُّ الحَوَاسِّ أَسِيرَةَ الإِمْدَادِ؟
لَا تَنْتَهِي الأَشْوَاقُ مَا دَامَتْ لَنَا
ذِكْرَى، وَلَا يَفْنَى صَدَى الإِنْشَادِ
مَا زَالَ دِفْءُ حَدِيثِكِ المُتَوَشِّحُ
بِالوَجْدِ يَسْكُنُ مَوْطِنِي المِيعَادِ
قَدْ كُنْتُ أَلْقَاكِ الزَّمَانَ بِكَامِلِهِ
فِي لَمْحَةٍ مِنْ هَمْسِكِ المُعْتَادِ
فَالعَيْنُ تُبْصِرُ فِي السَّرَابِ طُيُوفَهَا
وَالرُّوحُ تَمْشِي نَحْوَكِ الِانْقِيَادِ
لَا شَيْءَ يُنْسِي طَلْعَةً سَكَنَتْ دَمِي
وَلَا تُغَيِّبُهَا يَدُ الإِلْحَادِ
إِنِّي أَرَاكِ بِمُقْلَتَيَّ كَأَنَّنِي
مَا غِبْتُ عَنْكِ، وَلَا غَفَى إِمْدَادِ
فِي كُلِّ مَا حَوْلِي أَرَاكِ، وَفِي دَمِي
تَنْثَالُ ذِكْرَاكِ عَلَى الإِمْدَادِ
حَتَّى الجِدَارُ إِذَا سَمِعْتُ صَدَى الهَوَى
أَنْصَتُّ فِيهِ لِنَبْضِكِ المُتْقَادِ
وَالنُّورُ إِنْ مَرَّ النَّهَارُ بِجَانِبِي
يُلْقِي عَلَيَّ شُعَاعَكِ الوَقَّادِ
مَا بَيْنَ أَحْرُفِكِ القَدِيمَةِ قَدْ سَرَتْ
أَيَّامُ عُمْرِي وَالهَوَى الجَلَّادِ
ذِكْرَاكِ عِطْرٌ لَا يُغَيِّرُهُ الدُّجَى
تَبْقَى عَلَى صَدْرِي، مَدَى الآبَادِ
صَبرِي عَلَيكَ كَأنَّهُ وَعدُ السُّنا
يَبقَى، وَلَو دَارَتْ عَلَيهِ بِلادِي
فِي كُلِّ فَجرٍ تَستَفِيقُ حَشَاشَتِي
كَأنَّ شَمسَكِ قَد بَدَتْ فِي زَادِي
مَا أَخلَفَ الوَعدَ الَّذِي وَعَدَتْ بِهِ
أَنفَاسِيَ البِكرُ، وَصِدقُ وِدَادِ
سُهدُ اللَّيَالِي مَا شَكَاكَ بِوَجدِهِ
لَكِنَّهُ اِستَبقَى لِقَاكَ سَدَادِ
وَالصَّبرُ مُرٌّ فِي العُرُوقِ، وَلَكِنَّهُ
مِنكِ الحَلَا يَزهُو بِكُلِّ اِزدَادِ
كَم مَرَّ عَامٌ وَانقَضَى مُتَثَاقِلًا
لَكِنْ بِذِكرَاكَ اِزدَهَى مِيعَادِ
لَا اليَأسُ أَبكَى فِي اِنتِظَارِي لَحظَةً
وَلَا الفُؤَادُ تَهاوَنَ الإِنشَادِ
إِنِّي صَبَرتُ عَلَى النَّوَى حَتَّى غَدَا
صَبرِي دَلِيلَ الحُبِّ وَالإِمدَادِ
وَكُلُّ نَبضٍ فِي وَرِيدِي قَالَ لِي:
إِنَّ اللِّقَاءَ يَعُودُ بَعدُ جِهَادِ
فَاسكُبْ حَنَانَكَ فِي يَدَيَّ، فَإِنَّمَا
صَبرِي إِلَيكَ عِبَادَةٌ وَزُهَادِ
فِي الأُفُقِ نُورُكِ قَد تَجَلَّى سَاحِرًا
يَشدُو لِوَعدٍ مُزهِرٍ بِاِمتِدَادِ
قَد طَالَ لَيلِي وَاِنتِظَارِي سَاهِمًا
لَكِنَّهُ لَم يُطفِئِ الإِرشَادِ
وَعدُ اللِّقَاءِ أَتَى كَنَهرٍ دَافِقٍ
يَمحُو ظَمَأَ الرُّوحِ بَعدَ جِهَادِ
لَا شَيءَ يَمنَعُنَا إِذَا العِشقُ اعتَلَى
عَرشَ القُلُوبِ، وَصَانَ كُلَّ وِدَادِ
أَنتِ البِدَايَةُ وَالخِتَامُ، وَكُلُّ مَا
مَرَّ الزَّمَانُ وَسَاقَ مِن أَمدَادِ
إِنِّي أَرَاكِ بِبِسمَةٍ وَبِنَظرَةٍ
تُحيِينَ فِي رُوحِي لَهِيبَ سُهَادِ
وَعَدِي عَلَيكِ بِأَن نَكُونَ كَأَنَّنَا
مَا ذُقنَا وَجَعَ البُعدِ أَوِ الإِبعَادِ
مَا بَينَنَا أَقوَى مِنَ التَّيَّارِ إِنْ
هَزَّت سَفِينَ العَاشِقِينَ رُقَادِ
سَنَلتَقِي، وَسَنَبتَهِج، وَسَنَرتَقِي
دَرَجَ الغَرَامِ كَأنَّهُ إِنشَادِ
مَا ظَلَّ فِي العُمرِ الكَثِيرُ، وَلَكِنِ
يَكفِي اللِّقَاءُ لِيُزهِرَ الأَورَادِ
لَمسُكِ أَدفَأُ مِن ضِيَاءِ مَشَاعِرِي
وَأَرَقُّ مِن فَجرٍ سَرَى فِي وِسَادِ
يَدُكِ اِمتِدَادُ الشَّوقِ فِي أَنفَاسِي
وَمَلَامِسُ الأَنغَامِ فِي مِيعَادِ
حِينَ اِلتَقَتْ كَفَّاكِ بِالأَحلَامِ لِي
أَزهَى النَّدَى وَانحَلَّ قَيدُ سُهَادِ
نَبضِي تَحَدَّثَ قَبلَ صَوتِي وَاِرتَقَى
حَتَّى سَكَنتِكِ ضِلَّعِي وَفُؤَادِي
مَا كُنتُ أَحسَبُ أَن تُعِيدِي نَبضَتِي
مِن صَمتِ حُزنٍ طَافِحٍ بِفُؤَادِ
يَا لَمسَةً حَيَّت يَبَابَ حَيَاتِنَا
كَالشَّمسِ تُبعَثُ فِي رَمَادِ رَمَادِ
مَا أَروَعَ الأَوقَاتَ حِينَ تَضُمُّنَا
لَحظَةُ صَفَاءِ العِشقِ بَعدَ بِعَادِ
كُلُّ الزَّمَانِ تَلَاشَى فِي لَحظَتِكِ الـ
ـخَضرَاءِ، وَانكَشَفَ الغِيَابُ الضَّادِ
هَذَا أَنَا، وَالكَونُ حَولَكِ خَاشِعٌ
أَسمُو إِلَيكِ، وَرُوحُنَا فِي اِعتِدَادِ
فَلتَسكُنِي فِي كَفِّ قَلبِي مَوطِنِي
فَأَنتِ وَحدَكِ قِبلَةُ الأَعيَادِ
يَا مَن سَكَنتِ الرُّوحَ بَعدَ غِيَابِهَا
وَرَوَيتِ صَحرَاءَ السِّنِينَ الجَادِ
كُنَّا اِشتِعَالَ الحُزنِ فِي أَيَّامِنَا
وَاليَومَ صِرنَا سِلمَ كُلِّ جِهَادِ
مَا عُدتُ أَعرِفُ مَا القَطِيعَةُ بَعدَمَا
صَافَيتِ وِجدَانِي بِفَيضِ وِدَادِ
قَد كُنتُ فِي دَربِ الأَسَى مُتَوَحِّدًا
وَالآنَ قَلبِي لِلوِصَالِ شِدَادِ
مَنَحتَنِي يَومَ اللِّقَاءِ مَلَاذَنَا
وَاِحتَلَّ حُبُّكِ كُلَّ بَيتِ رُشَادِ
يَا لَيتَ عُمرِي كُلَّهُ مِن دُونِكِ
قَد ضَاعَ، لَا تَسأَلْ عَنِ الإِمدَادِ
كُنتِ البِدَايَةَ وَالخِتَامَ لِنَاظِرِي
وَمَلَاكُ سِرِّي فِي طَرِيقِ رَشَادِ
يَا صَوتَ سَارَةَ حِينَ مَسَّ مَسَامِعِي
غَابَ الوُجُومُ، وَسَكَنَ الاِضطِهَادِ
أَنتِ السُّكُونُ، وَأَنتِ ضَوءُ قَصَائِدِي
يَا نَغمَةً مِن مُلتَقَى الإِيقَادِ
مَا أَروَعَ الدُّنيَا إِذَا مَا جَمَّعَتْ
رُوحَينِ بَعدَ تَكَسُّرِ الأَوتَادِ
فِي هَدأَةِ اللَّيلِ الحَزِينِ سَمِعتُهُ
يَرتَدُّ صَوتُهُ مِن لَهِيبِ سُهَادِ
وَكَأنَّهُ بَينَ الضُّلُوعِ تَمَوَّجَتْ
أَنفَاسُ وَجدٍ صَامِتِ الإِمدَادِ
كَم قُلتُ: هَذَا الحُبُّ حَيٌّ، لَم يَمُتْ
بَل خَافِقٌ فِي القَلبِ دُونَ نَفَادِ
فَاللَّيلُ يَعرِفُ أَنَّنِي مُتَشَوِّقٌ
وَسَرَائِرِي مَلأَى بِصَوتِ وِدَادِ
قَد كُنتُ أَسمَعُهُ يُنَادِي بِاِسمِي
فِي كُلِّ رَمشَةِ جَفنِهِ المُجهَادِ
مَا بَينَ نَبضِي وَالحَنِينِ رِوَايَةٌ
عَجَزَتْ عَنِ التِّبيَانِ كُلُّ مِدَادِ
لَا شَيءَ يُطفِئُ جَمرَةَ الأَشوَاقِ
إِلَّا اللِّقَاءُ عَلَى ذُرَى الأَمجَادِ
قَد كَانَ شَوقِي فِي الظَّلَامِ نِدَاءَهُ
يَا صَوتَهُ، يَا نَجمَةَ الإِرشَادِ
إِن غَابَ عَنِّي وَجهُهُ، فَحَنِينُهُ
يَبقَى يُؤَرِّقُ صَحوَتِي وَرُقَادِي
يَا مَن زَرَعَتَ القَلبَ نُورًا صَامِتًا
كَيفَ اِنطَفَى غَيرَ اِشتِيَاقٍ بَادِ؟
حِينَ اِلتَقَتْ عَيْنَاكَ قَلبِي ذَاهِلٌ
عَن كُلِّ شَيءٍ غَيرَ بَرقِ وِدَادِ
هَل كُنتَ قُدَّامِي، أَمِ الأَحلَامُ قَد
صَبَّتْ خَيَالَكَ مِن شُعُورِ فُؤَادِ؟
كُنتُ أَرتَجِفْ كَطِفلِ شَوقٍ عَائِدٍ
مِن دَمعِ أُمٍّ أَو حَنِينِ بِلَادِ
مَا بَينَنَا صَمتٌ يُخَبِّرُ عَن لَظَى
قَد كَانَ مِن نَارِ الحَنِينِ وَقَادِ
وَيَدِي بِيَدِكَ يَا سَلَامَ قَصَائِدِي
هَذِي النِّهَايَةُ لِلغَرِيبِ الشَّارِدِ
لَا تَسأَلِ الأَيَّامَ كَيفَ تَكَسَّرَتْ
مِنِّي السُّنُونُ، كَأنَّهَا مِيعَادِ
عَيْنَاكَ تَسأَلُنِي: أَأَنتَ كَمَا أَنَا؟
هَل ظَلَّ نَبضُكَ حَيَّةً بِبِلَادِ؟
قُلتُ: الهَوَى مَا مَاتَ، بَل إِنِّي لَهُ
سَجَدتُ فِي صَمتِي بِغَيرِ حِدَادِ
قَد عُدتَ لِي، وَالحُبُّ عَادَ نَقِيًّا
كَالبَدرِ يَنثُرُ نُورَهُ المُنقَادِ
كَم حَلِمَتْ رُوحِي بِأَن تَلقَاكَ لِي
يَومًا، وَتَكتُبَ بِاللِّقَاءِ جِهَادِي
عِطرُ اللِّقَاءِ يُدَاعِبُ الأَروَاحَ فِي
أَنفَاسِ صُبحٍ نَاعِمِ الإِمدَادِ
كَأنَّهُ مِن جَنَّةٍ قَد أَزهَرَتْ
بَينَ الجَبِينِ وَمُهجَةِ الإِنشَادِ
وَالمَاءُ فِي عَينَيكَ يَسرِي نَاعِمًا
كَالنُّورِ فِي أَروِقَةِ المِيلَادِ
يَا أَيُّهَا الآتِي عَلَى عَتبَاتِنَا
كَالشَّمسِ تَمحُو ظُلمَةَ الأَحقَادِ
قُربُكَ يُنسِينِي فُصُولَ مَرَارَةٍ
وَيُعِيدُ لِلآهَاتِ طِيبَ مِدَادِ
صَوتُكَ مِن وَردِ الزَّمَانِ عَبِيرُهُ
يَسرِي لِقَلبِي مِثلَ طَيفِ وِدَادِ
ضَحِكَتْ خُطَايَ عَلَى طَرِيقِ مَحَبَّةٍ
رَغمَ الصَّقِيعِ وَجَفوَةِ الأَندَادِ
لَا تَسأَلِ الرِّيحَ الَّتِي مَرَّتْ هُنَا،
فَالشَّوقُ أَعلَى مِن مَدَى الأَبعَادِ
قَبَّلتُ كَفَّكَ وَالنَّشِيدُ بِدَاخِلِي
يَنسَابُ مِثلَ تَرَاتِيلِ الجِهَادِ
فِي لَحظَةٍ، فَاضَ السُّرُورُ بِمُهجَتِي
وَغَدَتْ حَيَاتِي جَنَّةَ الإِمدَادِ
نَعِدُكِ يَا دَربَ الهَوَى لَن نَرتَدِي
ثَوبَ الجَفَاءِ وَلَا ثِيَابَ حِدَادِ
سَنَسِيرُ فِي دَربِ الوَفَاءِ مَعًا يَدًا
تَمحُو خُطَانَا كُلَّ جُرحٍ بَادِ
لَا لِلرَّحِيلِ وَلَا دُمُوعَ مُفَارِقٍ
مِن بَعدِ عَودَتِكِ وَلَا إِنشَادِ
عَهدُ القُلُوبِ عَلَى الصَّدَى مُتَجَذِّرٌ
كَالرَّملِ يَحمِلُ قِصَّةَ الأَمجَادِ
كُونِي مَعِي وَالكَوْنُ سَهلٌ ضَاحِكٌ
نَبنِي غَدًا مِن لَحنِنَا المُنْشَادِ
مَا عُدتُ أَخشَى مِن عَوَاصِفِ دَهرِنَا
أَنتِ المَسَافَةُ فِي دُرُوبِ رَشَادِ
سَنَرسُمُ الأَحلَامَ فَوقَ وِسَائِدٍ
مِن طِيبِ وَردِ الحَقلِ وَالأَعيَادِ
كُونِي القَصِيدَةَ فِي دَمِي وَنَبضِهِ
لَا تَنتَهِي مَهمَا تَطُولُ بِلَادِي
نَمضِي مَعًا، وَالحُبُّ زَادُ مَسِيرِنَا
وَالشَّوقُ مَركَبُنَا بِلَا إِيعَادِ
لَا تَسأَلِي عَن حُزنِنَا فِي غَيهَبٍ
فَالمُستَحِيلُ غَدَا لَنَا مِيعَادِ
بَعدَ اللِّقَاءِ تَنَفَّسَ الوِجدَانُ مَا
قَد ضَاقَ مِن دَهرٍ وَطُولِ بِعَادِ
عَادَتْ لَنَا الأَنفَاسُ خَضرَاءَ الهَوَى
تَزهُو كَزَهرٍ ضَاحِكٍ مَيَّادِ
لَا الحُزنُ يَبقَى فِي المَدَى مُتَمَلِّكًا
وَلَا الدُّمُوعُ عَلَى الجُفُونِ جَمَادِ
بَل أَصبَحَ الحُبُّ الخُلُودَ بِصَوتِهِ
نَشدًا يُرَدَّدُ فِي صَدَى الأَوتَادِ
نَمضِي وَتَكتُبُ خَطوَتَانَا سِفرَنَا
وَتَمُدُّ أَعمَارَ الوَفَا الأَيَّادِ
فِي حَضرَتِكِ... كُلُّ المَوَاسِمِ أَنجَبَتْ
مِن زَهرِ شَوقِي قَافِيَةً وَوِدَادِ
كُونِي الخُلُودَ، فَأَنتِ أَوَّلُ نَبضَتِي
وَأَنتِ آخِرُ نَشأَتِي وَمَعَادِي
مَا عُدتُ أَرهَبُ مَوتَ عِشقٍ بَينَنَا
فَالحُبُّ فِينَا سَاطِعٌ وَقَادِ
نُنهِي القَصِيدَةَ لَا بِأَن تُختَمْ بِهَا
لَكِنْ لِكَي تَبقَى بِلَا إِخمَادِ
يَا مَن وَهَبتِ العُمرَ مَغنًى دَائِمًا
هَذَا اللِّقَاءُ قَصِيدَتِي وَبِلَادِي
هَا قَد رَسَمنَا فِي اللِّقَاءِ مَلحَمَةً
نُسِجَتْ بِنُورِ العِشقِ وَالإِمدَادِ
صِرنَا كَحُلمٍ لَا يَزُولُ بِمَوتِهِ
حَيَّينِ فِي الأُسطُورَةِ الأَجوَادِ
مَن ذَا الَّذِي قَد يَحتَسِي نَارَ الهَوَى
وَيَظَلُّ حَيًّا دُونَ أَن يُنقَادِ؟
نَحنُ الَّذِينَ تَخَطَّنَا أَنفَاسُنَا
فِي الكُتُبِ خَالِدَةً بِلَا مِيعَادِ
ضَوءَانِ فِي عَتمِ اللَّيَالِي أَشرَقَا
لِلعَاشِقِينَ نِدَاءَ كُلِّ وِدَادِ
لَا تَنطَفِي يَا عِشقُ فِينَا، إِنَّمَا
كُنْ مِثلَ نَجمٍ صَاعِدٍ وَجَدَادِ
فِي لَحظَةٍ كُنَّا سَمَاءً وَاضِحَةً
تُهدَى لِمَن فِي العِشقِ قَد أَورَادِ
لَا شَيءَ يَعدِلُ لَحظَةً فِي قُربِهَا
هِيَ قُدسُ نَبضِي، وَالهَوَى أَمجَادِ
مَن ذَا سَيَكتُبُ بَعدَنَا مَلحَمَةً؟
نَحنُ البِدَايَةُ، وَالخِتَامُ تُنَادِي
يَا حُبُّ، خُذْنِي فِيكَ مُذ خُلِقَ الهَوَى
فَأَنَا القَصِيدَةُ وَالهَوَى مِيعَادِ
186
قصيدة