عدد الابيات : 44
أَيَا فَجرَ وَعدٍ فِي دُجَى اللَّيلِ يُشرِقُ
أَمَا آنَ أَن تُجلَى الظَّلَامَ المُحَرَّقُ؟
أَمَا آنَ أَن تَحنُوَ السِّنِينَ عَلَى فَتًى
يَذُوبُ اِشتِيَاقًا فِي الغَرَامِ المُعَلَّقُ؟
وَقَفتُ عَلَى الأَطلَالِ أَستَنطِقُ الدُّجَى
فَيَرْثِي صَدَى الأَشوَاقِ قَلبًا مُشَقَّقُ
أُنَاجِي الرِّيَاحَ السَّارِيَاتِ لَعَلَّهَا
تَرُدُّ جَوَابًا مِن حَبِيبٍ لَهُ تَشَوَّقُ
أَيَا وَعدُ أَينَ الوَصلُ؟ هَل لَكَ مَوعِدٌ؟
فَقَد طَالَ صَبرِي وَالمُحَالُ مُحَقَّقُ
أَبِيتُ أُنَاجِي الحُلمَ فِي كُلِّ لَيلَةٍ
فَيَأتِينِي طَيفٌ مِن جَمَالِكِ يَبرُقُ
إِذَا مَا سَرَتْ ذِكرَاكِ بَينَ جَوَانِحِي
تَرَاقَصَ فِي صَدرِي الجَوَى المُتَألِّقُ
فَأَحيَا بِرُوحِ الحُبِّ أَحيَا مُتَيَّمًا
كَأَنِّيَ فِي دُنيَا المَحَالِ أَصلَبُ أُعَلَّقُ
وَلَيتَ حِجَابَ البُعدِ يُكشَفُ عَن دُنَا
بِهَا أَرتَجِي لُقيَاكِ، دَمعِي يُحَدِّقُ
فَلَا طَيفُكِ المَيمُونُ يُطفِئُ لَوعَتِي
وَلَا وَعدُكِ المَأمُولُ بِالصِّدقِ يُنطَقُ
فَمِن لِي بِلَيلٍ لَا أُفَارِقُ فِيهِ مَن
أَرَاهُ كَضَوءِ الفَجرِ لِلعَينِ يَشرُقُ؟
فَمَن يُطفِئُ النِّيرَانَ فِي مُهَجِ الفَتَى
إِذَا غَابَ عَنهُ الوَصلُ وَالوَجدُ مُحرِقُ؟
وَقُلتُ أَيَا لَيتَ الزَّمَانَ يُعِيدُنِي
إِلَى عَهدِنَا الغَضِّ الهَنِيءِ المُوَثَّقُ
إِلَى مَوعِدٍ كَانَ الرَّبِيعُ زُهُورَهُ
تُنَادِي رَحِيقَ الوَصلِ وَالعَيشِ المُوَرَّقُ
إِلَى هَمسَةٍ مِنهَا كَأَنَّ نَسِيمَهَا
يُدَاوِي جِرَاحَ القَلبِ، يُنعِشُ مَوهَقُ
فَوَا وَيْحَ دَهرٍ لَا يُرَاعِي وِصَالَنَا
فَهَل مِن رُجُوعٍ أَم سَيَبقَى مُفَرَّقُ؟
وَهَل يَا تُرَى نَحيَا اللِّقَاءَ بِسَاعَةٍ
يُبَدِّدُ فِيهَا البُعدَ وَصلٌ مُحَقَّقُ؟
وَهَل يَبتَدِي لِلوَجدِ عَهدٌ جَدِيدُهُ
كَمَا كَانَ فِي المَاضِي، فَأَحيَا وَأَنطِقُ؟
أُرَاوِدُ أَحلَامِي، فَتَطرُقُ بَابَهَا
وَتُقسِمُ أَلَّا الدَّهرُ يَومًا يُمَزِّقُ
فَإِن كُنتِ تُخفِينَ الغَرَامَ تَجَمُّلًا
فَعَينَايَ فِي الأَشوَاقِ حُبًّا تُصَدِّقُ
فَوَا حَزَنِي، كَيفَ التَّمَنِّي يُذِيبُنِي؟
وَأَحلَامُ عُمرِي فِي غَدِيرِكِ تَغرَقُ
فَإِمَّا وِصَالٌ لَا يَزُولُ نَعِيمُهُ
وَإِمَّا جَفَاءٌ وَالوُعُودُ تُعَذِّبُ تُخَرِّقُ
فَلَا أَنتِ وَافَيتِ العُهُودَ كَمَا اِدَّعَتْ
وَلَا القَلبُ عَن حُبٍّ قَدِيمٍ يُفَرِّقُ
وَمَا زَالَ يُرجَى أَن يَلِينَ فُؤَادُهَا
فَمَا الحُبُّ إِلَّا مَا يَزِيدُ وَيَخلُقُ
أَمَا وَالَّذِي أَجرَى النُّجُومَ بِقُدرَتِهِ
وَسَوَّى المَدَى وَاللَّيلَ وَالبَحرَ وَالأُفُقُ
لَقَد ذَابَ قَلبِي فِي اِنتِظَارِكِ حُسرَةً
وَلَيلُ الجَوَى فِي مُهجَتِي لَيسَ يَنفَقُ
إِذَا مَا ذَكَرتُ الوَصلَ عَادَت جِرَاحُهُ
كَأَنِّيَ فِي نَارِ الحَنِينِ أَذُوبُ وَأُحَرَّقُ
أَأُطفِئُ نِيرَانَ الأَسَى بِتَصَبُّرِي؟
فَكَيفَ التَّصَبُّرُ وَالجِرَاحُ تُمَزِّقُ؟
كَأَنَّكِ لَم تُقسِمِي يَا مَلِيحَةُ
وَلَم تُعلِنِي حُبًّا صَرِيحًا مُحَقَّقُ
فَأَينَ العُهُودُ البِيضُ قَد كُنتِ تَرسُمِي
بِهَا الأَمَلَ العَذبَ الَّذِي لَيسَ يُسرَقُ؟
تَلَاشَى كَأَن لَم يُخطَ بِالقَلبِ مَرَّةً
وَأَضحَى سَرَابًا كَالخَيَالِ المُعَلَّقُ
فَلَا غَيثَ بَعدَ اليَومِ يَروِي صَبَابَتِي
وَلَا قَلبُكِ الظَّمآنُ لِلوَصلِ يَشتَفِقُ
أَأَبكِيكِ يَا ذِكرَى الهَوَى أَم أُوَدِّعُ
لَيَالٍ تَوَلَّت وَالعَنَاقِيدُ تُورِقُ؟
إِذَا مَا دَنَا مِنِّي طُيُوفُكِ مُقبِلًا
رَأَيتُ الأَسَى فِي مُقلَتَيكِ يُحَدِّقُ
فَهَل أَنتِ تَرضِينَ الفِرَاقَ وَإِنَّنِي
قَضَيتُ شَبَابِي بِالوُعُودِ أُحَقِّقُ؟
وَهَل لِي بِعَفوٍ عَن زَمَانٍ مَضَى لَنَا
أَمِ القَلبُ بِالإِعرَاضِ عَنِّي يُطَوَّقُ؟
فَلَا البُعدُ يُنسِينِي هَوَاكِ وَلَا الجَفَا
وَلَا العَاذِلُونَ المُغرِضُونَ يُصَدَّقُ
إِذَا ذُكِرَ العُشَّاقُ كُنتُ أَمِيرَهُم
وَكَيفَ لِعُشَّاقِ الهَوَى أَن يُزَوِّقُوا؟
لَقَد عِشتُ فِي حُبِّكِ عُمرًا مُبَدَّدًا
وَأَمسَى الرَّجَاءُ فِي الوِصَالِ يُمَزَّقُ
فَإِن كُنتِ لَم تُحيِي المَوَدَّةَ سَاعَةً
فَلَا عَيشَ لِي، بَل لِلرَّدَى أَتَسَوَّقُ
أَفِيكِ غَرَامٌ مِثلَ شَوقِي، فَقُولِي
فَإِنَّ الهَوَى يَا قَلبُ لَيسَ يُقلِقُ
وَهَل فِي عُيُونِ الغِيدِ سِحرٌ كَمِثلِ مَا
سَحَرتِ فُؤَادِي، وَالهَوَى لَيسَ يُسرَقُ؟
إِذَا مَا اِلتَقَينَا ذَاتَ يَومٍ، فَهَل تُرَى
تُعِيدِينَ لِي مَاضِي المُنَى، أَم تُفَرِّقُ؟
أَمَا وَالَّذِي يَحيِي العِظَامَ بِفَضلِهِ
لَقَد صِرتُ مِن وَجدِي لِعَهدِكِ أَعتَقُ
178
قصيدة