عدد الابيات : 144
طباعةأَلَا فَاسْمَعُوا قَوْلًا تُزَلْزِلُ رَعْدُهُ
رُبَى السَّمْعِ وَانْقَادَتْ لَهُ كُلُّ مَقْصَدِ
أَنَا الْمُبْعِدُ الْأَشْبَاحَ عَنْ دَارِ عِزَّتِي
إِذَا مَا دَهَى الدُّنْيَا خُطُوبٌ تُبَدِّدِ
بَنَيْتُ عَلَى هَامِ الْمُلُوكِ مَقَامَتِي
وَأَلْقَيْتُ فِي قَرْنِ الزَّمَانِ تَفَرُّدِي
إِذَا مَا اشْتَكَى الدَّهْرُ الْخُنُوعَ تَرَفَّعَتْ
جِرَاحُ الْمَعَالِي فِي يَمِينِي تُقَلَّدِ
كَأَنَّ الْهُدَى نَارٌ تَلُوحُ بِمُهْجَتِي
وَكَفِّيَ مِحْرَاثُ الْحَقِيقَةِ فِي الْغَدِ
أُجَرِّدُ مِنْ جَفْنِ الْكَرَى سَيْفَ عَزْمِهِ
وَأَزْرَعُ فِي سَهْلِ اللَّيَالِي تَوَقُّدِي
فَمَا السَّيْفُ إِنْ لَمْ تُشْعِلْهُ مَفَاصِلِي؟
وَمَا الْقَوْلُ إِنْ لَمْ يُفَجِّرْ مُبْرَدِي؟
سَلِيلُ الْمَعَالِي لَا يُجَارَى بِسُؤْدَدِي
إِذَا قِيلَ مَنْ؟ قُلْتُ اسْأَلُوا عَنْ مُؤَيَّدِ
أَنَا الطَّوْدُ إِنْ حَانَ الرَّزَايَا مَقَامُهَا
وَإِنْ ذَابَ غَيْرِي، كُنْتُ أَشْقَى مِنَ الْجَلَدِ
أَيَا قَارِئِي، هَاكَ شِعْرِي فَادْخُلُهُ
فَفِيهِ حَيَاةُ الْمَجْدِ وَالرَّأْيِ وَالرُّشْدِ
لِسَارَةَ خِيَامٌ فِي رُبُوعِ الْمَسَارِدِ
تَلُوحُ كَطَيْفِ الْحُلْمِ فِي مُقْلَةِ الرَّدِي
وَقَفْتُ بِهَا وَالدَّمْعُ يَنْسَابُ مُنْهَمِرًا
يَقُولُونَ: تَجَلَّدْ، لَا تَكُنْ مُتَزَنِّدِ
وَلِسَارَةِ طُلَالٌ فِي رُبَى الْمُتَصَيَّدِ
تَلُوحُ كَخَطِّ الْمُزْنِ فِي كَفِّ الْيَدِ
أَقَمْتُ عَلَيْهَا وَالضُّلُوعُ كَأَنَّهَا
قَصَبُ الرِّمَاحِ بِصَدْرِ جَأْشٍ مُوَحَّدِ
أَبِيتُ أُنَاجِيهَا بِدَمْعٍ مُفْزَعٍ
كَأَنِّي وَلِيدٌ فِي الرُّبُوعِ الْمُبَدَّدِ
تَهُوِّمُ آمَالِي كَظِلٍّ مَائِلٍ
بِأَوْدِيَةٍ مَحْضُورَةٍ مِنْ تَوَصُّدِ
كَأَنَّ رِحَالَ الْقَوْمِ فِي صُبْحِ رَحْلِهِمْ
سُفُنٌ تَهَادَى فِي الْبِحَارِ الْمُوَرَّدِ
تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ فِي كُلِّ وِجْهَةٍ
تُجَارِي نُجُومَ اللَّيْلِ فِي الْمُتَصَعِّدِ
تَشُقُّ عُبَابَ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرْحَلٍ
كَمَا يَشُقُّ السَّيْفُ صَفْحَةَ الْمُتَجَلِّدِ
وَفِي الْحَيِّ غُصْنٌ نَاضِرٌ مُتَأَلِّقٌ
يُزَيِّنُهُ اللُّؤْلُؤُ فِي عِقْدٍ مُفَنَّدِ
كَأَنَّ سَفِينَ الْحَيِّ فِي صُبْحِ رَحْلِهِمْ
كَوَاكِبُ لَيْلٍ فِي عُيُونِ الْمُرَصَّدِ
يُدِيرُ بِهَا الْقَسَّامُ رَحًى مُتَلَبِّدٌ
وَتَهْوِي بِهَا الْأَنْوَاءُ هَوْجَاءَ تَفْتَدِي
وَفِي الْحَيِّ بَدْرٌ لَاحَ فِي ثَوْبِ شَادِنٍ
تَقَطَّرَ عِطْرًا مِنْ نَدَى الْمُتَوَقِّدِ
تُرَاوِغُ ظِبْيًا فِي ظِلَالِ خَمَائِلٍ
تَفَتَّقَ فَوْقَ الْوَرْدِ عِقْدٌ مُسْعِدِ
إِذَا ضَحِكَتْ سَكْرَى، تَبَدَّى ثَغْرُهَا
كَكَوْكَبِ سِحْرٍ فِي فُجَاجٍ مُرَدَّدِ
يُضِيءُ كَمَا الْبَدْرُ التَّمَامُ مَشَاعِلًا
بِهَا الشَّوْقُ يَخْبُو فِي ضُلُوعِ الْمُرَقَّدِ
وَوَجْهٌ كَأَنَّ الشَّمْسَ فِيهِ تَنَزَّلَتْ
تُبَدِّدُ ظِلًّا فِي صَبَاحٍ مُجَلِّدِ
وَإِنِّي لَمِمَّا أَسْتَعِيرُ جَلَادَتِي
إِذَا نَفَضَ الْمِقْدَامُ عَنِّي تَوَقُّدِي
بِعَوْجَاءَ يَكْسُوهَا الْعَجَاجُ تَكَفُّفًا
تَرُوحُ وَتَغْدُو كَالظِّلَالِ الْمُنَدَّدِ
أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الْغَرَانِيقِ نُصِّبَتْ
عَلَى جَبْهَةِ الرَّمْلِ الْغَلِيظِ الْمُعَقَّدِ
إِذَا مَسَّهَا الْحَادِي تَهَادَتْ كَأَنَّهَا
غَزَالَةُ وَادِي السِّدْرِ فِي الرَّوْضِ الْأَغْيَدِ
تُبَارِي رِكَابَ الْحَيِّ شَأْوًا وَتَلْحَقُ
بِمَرْحَى الْخِفَافِ، الْمُهْرِيَّاتِ الْمُعَدَّدِ
تُرَتِّعُ فِي جَنَّاتِ عَيْشٍ نَضِرَةٍ
وَتَخْتَالُ فِي ثَوْبِ الْخُيُولِ الْمُبَدَّدِ
خَفِيفَةُ مِشْيَةٍ، تَسِيرُ بِرِقَّةٍ
تُرَاعِي رُبَى الْبَانِ فِي رَوْضِ الْأَسَاعِدِ
تَبْسِمُ عَنْ ثَغْرٍ كَأَنَّ بُرُوقَهُ
تَخَالُ بِهَا الشَّمْسَ فِي أُفُقٍ مُتَوَجِّدِ
سَقَتْهُ نَدَى الْأَزْهَارِ فِي كُلِّ صُبْحَةٍ
فَأَضْحَى كَزَهْرِ الرَّوْضِ فِي الْمُتَجَدِّدِ
وَوَجْهٌ كَأَنَّ الْبَدْرَ فِيهِ تَجَلَّى
نَقِيُّ الْمُحَيَّا، صَافِي الْمُتَوَرِّدِ
وَإِنِّي لَأَسْعَى فِي طَرِيقِ الْمَكَارِمِ
بِجَمَلٍ سَرِيعٍ كَالصَّدَى الْمُتَرَدِّدِ
أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ السَّفِينِ نَصَأْتُهَا
عَلَى لَاحِبٍ كَالسَّيْفِ فِي الْمُتَجَلِّدِ
جَمَالِيَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدِي كَأَنَّهَا
سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لِأَزْعَرَ أَرْبَدِ
تُبَارِي عِتَاقًا نَاجِيَاتٍ وَأَتْبَعَتْ
وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ الْقُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الْأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَرِيعُ إِلَى صَوْتِ الْمُهِيبِ وَتَتَّقِي
بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَفَ مُلْبِدِ
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكًّا فِي الْعَسِيبِ بِمَسْرَدِ
فَطَوْرًا بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ وَتَارَةً
عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
إِذَا رَفَعَتْ خَصْرَيْنِ فِي مُتَكَاسِلٍ
تَخَالُ السُّرَى شُعَلًا بِأَرْضٍ مُوَرَّدِ
كَأَنَّ جُنَاحَيْ نَسْرِ بَيْدَاءَ دَنَوَا
يُظَلِّلانِهَا فِي الْجَوِّ وَقْعَ الْمُهَنَّدِ
لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيهِمَا
كَأَنَّهُمَا بَابَا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
وَلَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيهِمَا
كَبَابَيْ قَصْرٍ فِي ذُرَى الْمُتَسَيِّدِ
إِذَا أَقْبَلَتْ عَبَقَ النَّسِيمُ لِطَيْفِهَا
يَشُقُّ جَنَاحَ الرِّيحِ فِي الْجَوِّ مُرَصَّدِ
وَطَيُّ مَحَالٍ كَالْحَنِيِّ خُلُوفُهُ
وَأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِهَا
وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
تَرَاءَتْ سُهَى فِي الْحُلْمِ وَالْوَهْمِ تُرْتَجَى
كَأَنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا بَوَارِقَ مِرْصَدِ
وَقَفْتُ بِهَا وَالْقَلْبُ يُفْرِي حَشَا الرُّبَى
كَمَرْمَى سِهَامٍ فِي الْمُخَادِعِ تُقْتَدِي
فَسُلْتُ الدُّمُوعَ الْقُحْلَ مِنْ مُقْلَتِي دَمًا
وَسَيْفِي عَلَى جَنْبِي كَمُقْعَدِ مُقْعَدِ
أَلُوحُ كَأَنِّي مِنْ سُلَالَةِ فَارِسٍ
تَغَذَّى عَلَى ضَوْءِ السُّيُوفِ الْمُهَنَّدِ
أَبِيتُ إِذَا مَا الْغَيْثُ لَاذَ بِمَشْرَفٍ
أَبِيتُ عَلَى سَعْفِ السَّمَاوَةِ مُرْصَدِ
وَأَرْكَبُ جَوْزَاءَ الْجِيَادِ كَأَنَّهَا
صَوَاعِقُ رَعْدٍ فِي الدُّجَى الْمُتَوَقِّدِ
تُطَاوِلُ ظِلَّ الْبَيْدِ حِينَ تُجَاذِبُ الْهَوَاءَ
شِرَاعَ الصَّفْوِ فِي الْمُتَصَيِّدِ
وَتَعْلُو كَمَا السَّرْحَانُ فِي وَهْجِ الضُّحَى
يُفَاصِلُ أَطْرَافَ الْمَدَى الْمُتَبَدِّدِ
تُسَاقِي عِنَاقَ الرِّيحِ سَوْطًا مُفَجَّجًا
فَتَعْدُو كَأَنَّ الضَّوْءَ مِنْ خَيْلِ مَرْصَدِ
فَإِنْ مِتُّ لَمْ أُورِثْ خُمُولًا وَلَا خَنَا
وَلَكِنْ سَجَايَا الْعِزِّ فِي مُتَزَنِّدِ
سَقَانِي الزَّمَانُ الْمُرَّ صِرْفًا فَلَمْ أَشِبْ
وَلَا ذُلِّلَتْنِي هَضْبَةُ الْمُتَرَدِّدِ
وَمَا زِلْتُ أَسْعَى فِي الْمَعَالِي كَأَنَّنِي
لِمَجْدٍ جَدِيلٍ فِي الْعُلَى مُتَعَمِّدِ
أُقَارِعُ أَهْوَالَ النُّجُودِ بِسَاعِدِي
وَأَغْرِسُ أَنْيَابِي كَشَبْلٍ مُعْتَّدِي
وَلَا أَلْتَوِي لِلرَّيْبِ إِنْ نَازَلَتْنِي
الْخُطُوبُ وَلَا أَرْنُو لِحَظٍّ مُجَسَّدِ
فَإِنْ جِئْتَنِي بِالسَّيْفِ جِئْتُكَ بِالْفِدَى
وَإِنْ رُمْتَنِي بِالرُّمْحِ كُنْتُ الْمُصَعِّدِ
أَنَا ابْنُ الْمَعَالِي لَا أُطِيقُ دَنِيَّةً
وَلَا أَرْتَضِي ذُلًّا وَعَيْشَ مُبَلَّدِ
وَلِي فِي لُجَاجِ الْحَرْبِ صَوْلَةُ فَارِسٍ
تَهَادَى كَمَا الْغَيْثِ الْمُسَفْهَلِ الزِّنَدِ
تَرَى رُمْحَهُ نَصْلًا، وَسَيْفَهُ قُضُبًا
وَوَجْهُ الْمَنِيَّاتِ لَهُ غَيْرُ مُعْرِدِ
فَطَرَفَةُ إِنْ جَادَ الزَّمَانُ بِشِعْرِهِ
فَمِنَّا الْقَوَافِي وَالْفَصَاحَةُ مِنْ جَدِي
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْفَى الْمَدِيحَ بِلَفْظِهِ
فَنَحْنُ نُقَارِعُ بِالْمَعَانِي الْمُفْرَدِ
فَسِرْنَا وَسَارَ الْقَوْلُ فِينَا كَأَنَّمَا
تُكَلِّمُنَا الْأَرْوَاحُ مِنْ غَيْرِ مُنْشِدِ
أَرَانِي وَبِي هَوْجُ الْحَيَاةِ كَمُقْعَدِ
يُدَارِي جِرَاحَ الْوَقْتِ فِي نَفَسٍ رَدِي
أُكَابِدُ طَيْفَ الْحُلْمِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
كَأَنِّي بِهِ قُدِّيسُ وَجْدٍ مُقَيَّدِ
أَطُوفُ عَلَى الْآمَالِ طَوْرًا مُبَشَّرًا
وَطَوْرًا كَسَيْفِ الصَّمْتِ فِي حَلْقِ مُرْدِ
تَغَشَّيْتُ أَسْتَارَ اللَّيَالِي وَغَاصَ بِي
شِرَاعُ التَّمَنِّي فِي ظَلَامٍ مُسَوَّدِ
وَلَمْ أَرْتَضِ الذُّلَّ الْمُهَانَ وَلَا غَوَى
وَلَا مُطَّرَحَ الْفَضْلِ فِي وَجْهِ مُبْغَدِ
إِذَا مِتُّ فَاقْرَأْنِي السَّلَامَ عَلَى الْعُلَا
وَقُلْ لِلْمُنَى: هَذَا الْفَتَى لَمْ يُقَيَّدِ
أَنَا ابْنُ الْحُرُوبِ الْعَاتِيَاتِ وَمِنْجَلِي
إِذَا لَاحَ بَرْقُ الْبَأْسِ يُرْدِي وَيُهْتَدِي
أُرَوِّضُ صَمَّاءَ الْقُلُوبِ بِمُهْجَتِي
وَأَنْفُخُ فِيهَا الْوُدَّ نَفْخَ الْمُعَبَّدِ
وَقَدْ تُدْرِكُ الْأُسْدَ الضَّرَاغِمُ فِي الْوَغَى
وَتَخْفَى الدُّمَى خَلْفَ الْغُبَارِ الْمُسَرَّدِ
فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي طِبَاعَ حَفِيظَتِي
فَدَعْنِي عَلَى سَنَنِ الْخُطُوبِ وَأَقْتَدِ
وَأَدْنُو مِنَ الْآجَالِ ضَاحِكًا مُبْصِرًا
كَأَنَّ الرَّدَى شُرْبٌ عَلَى كَأْسِ مَوْطِدِ
وَلِي فِي لَيَالِي الْعُهْرِ شَوْقٌ مُوغَلٌ
إِذَا مَا جَرَى سُكْرِي بِهِ الْقَلْبُ شَرَّدِ
وَإِنِّي لَأَغْدُو وَالنَّدَامَى كَأَنَّهُمُ
نُجُومٌ بِسُمْرِ الْكَأْسِ تَطْفُو وَتَسْعَدِي
إِذَا قَالَ سَاقِيهِمْ: أَلَا جَرِّدُوا الْهَوَى
سَكَبْتُ دَمِي فِي كَأْسِهِ الْمُتَوَقِّدِ
وَلِي مِنْ بَنَاتِ الْخَمْرِ أَلْفُ مُعَزَّزٍ
إِذَا رَاقَصَتْنِي، طَارَ عَقْلُ الْمُقَيَّدِ
تُنَاجِينِي الْأَشْعَارُ مِنْ وِجْدَانِهَا
فَأَفْرِي بِهَا صَمْتَ اللَّيَالِي وَأُنْشِدِي
وَمَا بَالُ قَلْبٍ إِنْ دَهَاهُ تَجَلُّدٌ
وَلَمْ يُورِقِ الْجُرْحُ عَلَى عُودِ مُعْتَدِ؟
إِذَا مَا رَأَتْنِي الْقَوْمُ فِي سَاحِ وَقْعَةٍ
حَسِبْتَ الْحِمَامَ قَدِ اسْتَرَاحَ بِمَرْصَدِ
وَلَسْتُ بِذِي زُهْدٍ، وَلَكِنَّ هِمَّتِي
كَبَدْرٍ إِذَا اسْتَغْنَى عَنِ السُّحْبِ الْمُبَدِّدِ
فَدَعْنِي أُذَلِّلْ كُلَّ جَوْنٍ وَأَعْتَلِي
ذُرَا الْمَجْدِ، لَا أَسْعَى لِذُلٍّ مُفْرَدِ
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّهْرِ خِصْمًا مُجَاهِدًا
فَقَدْ ضَاعَ فِي لَيْلِ التَّرَدُّدِ مُفْقَدِ
أَلَا قِفْ بِرَبْعٍ كَانَ لِلْوُدِّ مَوْئِلًا
تُنَاجِيهِ وَالْأَيَّامُ تُوْلِي وَتَسْتَبِدِي
تُعَاوِرُهُ رِيحُ الصَّبَا بَعْدَ وَقْفَةٍ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْغَرَامُ الْمُعَبَّدِ
فَكَمْ نَزَّ كَأْسُ الْوَصْلِ فِيهِ وَمِئْزَرٌ
تَهَفْهَفَ فَوْقَ الْخَصْرِ وَرْدُ التَّمَرُّدِ
وَكَمْ ضَحِكَتْ عَيْنُ الْحَبِيبَةِ بَيْنَنَا
كَضَوْءِ الشِّهَابِ الْمُسْتَفِيضِ الْمُمَجَّدِ
فَلَا تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ يُبْقِي جَمِيلَهُ
فَحَسْبُ الزَّمَانِ النَّفْضُ وَالْعَوْدُ لِغَدِ
رَمَتْنِي اللَّيَالِي بِالْخُطُوبِ فَصُغْتُهَا
بِمِقْوَلَةٍ تُدْنِي الْمَهَاوِي وَتَبْتَدِي
أَنَا ابْنُ الْقَوَافِي حِينَ تَنْهَارُ رِفْعَةٌ
وَأَخْلُدُ فِي صَمْتِ الْهُدَى الْمُتَرَدِّدِ
أُطَاوِلُ بِالْأَلْفَاظِ هَامَاتِ قَوْمِهِمْ
وَأَسْبُرُ أَعْمَاقَ الْقَصِيدِ الْمُوَشَّدِ
وَإِنْ جَاشَ بَحْرُ اللَّفْظِ فِيَّ تَصَعَّدَتْ
زَوَابِعُ فِكْرِي كَالْمُهَنَّدِ مُنْجَدِي
وَإِنْ شَاغَبَ الْأَيَّامُ فِي عُنْفِ غَدْرِهَا
لَقِيتُ الرَّدَى عَنْ حَزْمِ قَوْلٍ مُفَنَّدِ
فَمَنْ لِي سِوَى سَيْفِي وَفَصْلِي وَبَأْسِهِ
إِذَا خَانَنِي الْخِلُّ الْوَفِيُّ الْمُعَاهِدِ؟
وَإِنِّي لَأَمْضِي فِي الْمَعَالِي كَأَنَّنِي
عَلَى ظَهْرِ خَيْلٍ مِنْ نُجُومٍ مُشَقَّدِ
سِهَامِي مَقَالٌ فِي الْوَغَى حِينَ تُرْسَلُ
كَأَنَّ يَرَاعِي مِنْ جَحِيمٍ مُسَدَّدِ
وَلَا أَشْتَكِي ضَيْمًا إِذَا طَالَ مَسُّهُ
فَسَيْفُ الْحِجَى فِي كَفِّ قَوْلِي مُقَلَّدِ
أُجَالِدُ بِالْفِكْرِ الْمَدَى، مُتَعَالِيًا
كَأَنِّي سِنَامُ الْمَجْدِ فِي الذِّكْرِ مُوَّحْدِ
وَإِنْ طَغَتِ الْأَيَّامُ، فَالصَّبْرُ زَادِيَ
وَرُكْنِي، وَشِعْرِي مُشْتَكَى كُلِّ مُرْصَدِ
وَمَا جُبِلَتْ نَفْسِي عَلَى الذُّلِّ خُطْوَةً
وَلَا خَانَ طَرْفِي صَحْوُهُ فِي التَّهَجُّدِ
فَلَا تَنْحَنِي يَا قَلْبُ مَا دُمْتَ نَاهِضًا
وَلَا تَطْلُبَنَّ اللِّينَ فِي ظِلِّ مُهْتَدِي
فَإِمَّا مَقَامُ الْعِزِّ أَوْ مَوْقِفُ الرَّدَى
وَإِنِّي لِمَا تَخْتَارُ مِنْهُ لَمُبْتَدِي
أُبَاهِي بِطَرْفَةَ فِي شِعَابِي وَنَبْرَتِي
فَسَيْفِي يُوَازِي سَيْفَهُ الْمُتَجَرِّدِ
أُغَالِبُ دَهْرًا لَا يُفَارِقُ غَدْرُهُ
حَشَا الْقَلْبِ مَذْبُوحًا بِسَهْمٍ مُرْصَدِ
وَأُعْلِي لِوَائِي حِينَ تُطْفَأُ نَارُهُ
بِمِقْوَلَةٍ تَمْحُو ظَلَامَ الْمُنْكَدِ
أُكَابِدُ حَرَّ الْوَقْعِ لَا عَنْ مَهَابَةٍ
وَأَرْفَعُ رَأْسِي فَوْقَ صَهْوَةِ مُهَنَّدِ
فَإِنْ زَاغَ عَنِّي الصَّاحِبُونَ تَخَاذُلًا
فَلَا الْعُذْرُ يُرْضِينِي وَلَا قَوْلُ مُعْرّْبِدِ
وَإِنْ سَاءَنِي دَهْرٌ بِخُذْلَانِ أَهْلِهِ
فَأَحْمِلُ نَفْسِي فَوْقَ كَاهِلِ مُحْتَدِي
وَمَا كُنْتُ مِمَّنْ يَسْتَكِينُ لِذِلَّةٍ
وَلَا مَنْ يُهَادِنُ فِي الْقَبِيحِ الْمُفْتَدِ
وَلَسْتُ بِمِنْسَاقٍ إِلَى مَذَلَّةٍ
وَلَوْ رُمْتُهَا كَفِّي لَكَانَتْ بِمَسّْهَدِي
أَنَا ابْنُ اللَّيَالِي إِنْ دَجَاهَا تَسَلَّطَتْ
عَلَى النَّاسِ كُنْتُ النُّورَ فِي كُلِّ مَرْصَدِ
وَمَا خِلْتُ رُمْحًا كَانَ أَمْضَى مِنَ الرُّؤَى
إِذَا شَبَّ فِي قَلْبِي وَسَارَ بِمُسْنَدِ
أُجَالِدُ أَهْلَ الزَّيْفِ بِالْحَقِّ نَاصِعًا
كَأَنِّيَ فِي الْبُهْمَاءِ فَوَهُ مُغَرَّدِي
وَصَبْرٍ كَمِثْلِ الصَّخْرِ لَا يُفْلِحُ الْأَسَى
وَلَا يُثْنِينِي فِيهِ الْمَلَامُ الْمُسَهَّدِ
أَنَا الضَّارِبُ الْمِرْقَالُ فِي سَاعَةِ الْوَغَى
وَإِنْ عَزَّ خِلِّي كَانَ خِلِّيَ مُؤَيَّدِ
أَخُوضُ الْمَجَارِيَ لَا أَهَابُ خُطْوَتِي
فَإِمَّا إِلَى عِزٍّ وَإِمَّا إِلَى سَعْدِ
فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي بِحَالِي فَإِنَّنِي
شَدِيدٌ إِذَا مَا خَافَ غَيْرِي وَوَجَدِ
وَإِنِّي وَإِنْ أُقْصِيتُ عَنْهُمْ بِنَزْوَةٍ
فَلَسْتُ بِعَبْدٍ فِي هَوَانِ الْمُعَبَّدِ
تَرَاهُمْ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ دِيَارُهُمْ
لَدَيَّ كَظِلٍّ فِي الزِّحَامِ الْمُفَنَّدِ
وَمَا كُلُّ مَنْ وُسِّدَتْ لَهُمْ حِكْمَةٌ
كَمَنْ ذَاقَ نَارَ الصَّبْرِ فِي كُلِّ مَوْقِدِ
فَدَعْنِي وَشَأْنِي مَا دُمْتُ مُتَمَكِّنًا
مِنَ الْحَزْمِ وَالْآرَاءِ وَالرَّأْيُ مُرْشَدِ
وَإِنْ تُبْغِ مَجْدًا، فَاسْتَعِرْ عِزَّ نَازِلٍ
تَخَطَّى الْعُلَا مِنْ دُونِ بَابٍ مُقَيَّدِ
سَأَبْنِي عَلَى هَدْمِ اللَّيَالِي شُمُوخَنَا
وَأَبْقَى إِذَا مَا مَاتَ كُلُّ مُعَاهِدِ
فَإِنِّي وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَصُدِّعَتْ
جِبَالُ الطُّمُوحَاتِ الْبَعِيدَاتِ مُخْلَدِ
سَأَبْقَى كَمَا كُنْتُ الْأَبِيَّ، وَإِنْ دَنَا
زَمَانُ انْحِدَارٍ، لَا أُبَاعُ وَلَا أُهْتَدِ
وَإِنْ هَتَفَ الْخُذْلَانُ حَوْلِي مُزْمَجِرًا
رَفَعْتُ لِوَاءَ الصَّبْرِ دُونَ تَرَدُّدِي
أَقُولُ لِمَنْ ضَلُّوا طَرِيقَ كَرَامَتِي:
دَعِي الشَّكَّ عَنْ قَلْبِي، فَقَلْبِيَ مُوَحَّدِ
فَلَا تَتَوَهَّمْ أَنَّنِي كُنْتُ غَافِلًا
عَنِ الدَّهْرِ إِذْ يَسْرِي بِعَزْمٍ مُلَبَّدِ
أَنَا ابْنُ الْحَوَادِثِ، لَا أَهَابُ صُرُوفَهَا
وَلَا أَرْهَبُ الْمَجْهُولَ إِنْ جَاءَ يُرْعِدِي
وَإِنْ طَالَ بِي شَوْقِي إِلَى الْمَجْدِ وَحْدَهُ
فَإِنِّيَ وَحْدِي فِي الْمَدَى كُنْتُ مُفْرَدِي
سَأَنْقُشُ فَوْقَ الصَّخْرِ مَا قَدْ كَتَبْتُهُ
وَيَقْرَؤُهُ الْقَاصِي إِذَا الْعَهْدُ جُدِّدِ
فَمَا كُلُّ شِعْرٍ يُقَالُ يُعَدُّ مُعَلَّقًا
وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ صَدْرِ سَيِّدِ
وَهَا قَدْ خَتَمْتُ الْقَوْلَ نَظْمًا مُوْثقًا
فَهَلْ فِي الْوَرَى مَنْ لِلْمَفَاخِرِ مُنْشِدِ؟
374
قصيدة