عدد الابيات : 71
طباعةيَا سَائِلِي عَنْ مَرَامِي الشِّعْرِ فِي بَلَدِي
هَذِي الْقَصَائِدُ نُورُ الرُّوحِ وَالْمُدَدِ
يَا دَارَ سَلْقِينَ ، هَلْ فِي الرَّمْلِ مِنْ أَثَرٍ
أَمْ جَفَّ عَهْدُ الْهَوَى فِي بَيْدِكَ الْبَيَدِ؟
قَدْ كُنْتُ أَنْقُشُ فِي الْآكَامِ صُورَتَهَا
وَالرِّيحُ تَمْحُو بِهَا آثَارَ مَنْ رَقَدِ
يَا لَيْتَ قَلْبَ الْهَوَى يَبْقَى عَلَى صِلَةٍ
وَلَا يُفَرِّقُنَا دَهْرٌ مِنَ الحُزنِ و الْكَمَدِ
سَارَتْ رَكَائِبُ شَوْقِي حَيْثُ مَنْزِلُهَا
تَغْشَى الْمَنَازِلَ فِي سِرٍّ وَفِي جَلَدِ
كَأَنَّهَا الطَّيْرُ مَا بَيْنَ الْفِجَاجِ جَرَتْ
تَقُصُّ أَثَرَ الَّتِي مَا خَطَّهَا أَحَدِ
فَكَمْ بَكَيْتُ دُمُوعًا دُونَ طَائِلِهَا
كَأَنَّمَا الْبَيْنُ صَارَ الْحَتْفَ لِلرُّشُدِ
إِنَّ الْمَكَارِمَ إِنْ لَمْ تُصِنْهَا هِمَمٌ
مَاتَتْ كَمَا يَمُوتُ السَّيْفُ فِي الْغِمْدِ
وَالْحَقُّ أَبْلَجُ، لَا يُخْفَى عَلَى بَصَرٍ
وَلَوْ تَلَبَّسَ الحَقَّ بِالزُّورِ الْمُزَوَّدِ
فَاسْمَعْ حَدِيثَ امْرِئٍ لَوْ شَاءَ أَرْهَقَكُمْ
رَكْبًا مِنَ الشِّعْرِ فِي سِرْبَالِهِ الْرَصَدِ
يَا دَارَ سَاْرٍ بِذِي الْأَقْصَى مِنَ الْغَمْدِ
أَقْوَتْ، وَخَلَّى صَبَاهَا وَحْشَةَ الْبِيدِ
وَقَفْتُ أَسْتَنْطِقُ الْأَطْلَالَ مِنْ شَغَفٍ
فَعَادَ صَمْتُ الدُّجَى أَنْدَى مِنَ الْوُرْدِ
مَا فِي الدِّيَارِ سِوَى رَسْمٍ بِهِ أَخْفَتْ
أَنْفَاسُ مَيَّةَ بَيْنَ الطِّينِ وَالْجَرْدِ
كَأَنَّهَا حُفْرَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ عَبَثَتْ
بِهَا الصَّبَايَا بِأَمْشَاطٍ مِنَ الْكَبِدِ
أَقْوَتْ عَلَى عَهْدِ هَتَّاكٍ يُقَيِّدُهَا
فَأَطْلَقَتْهُ يَدٌ مَجْهُولَةُ الْغُمَدِ
وَارْتَدَّ فِيهَا صَدَى الْآتِينَ يُرْهِقُهُمْ
وَهُمْ عَلَى خُطًى مِنْ حُزْنِهِمْ جُلُدِ
خَلَتْ وَجَاشَتْ رِيَاحُ الشَّوْقِ تَدْفَعُهُمْ
إِلَى الرَّحِيلِ كَمَنْ تُغْرِيهِ بِالْفَقْدِ
مَا عَادَ يُسْمَعُ فِي أَنْحَائِهَا رَغَبٌ
وَلَا يُرَى غَيْرُ أَطْيَافٍ مِنَ السَّهَدِ
دَعْ عَنْكَ ذِكْرَاهَا، فَالذِّكْرُ يَخْذُلُنَا
وَالدَّمْعُ يَجْرِي وَلَا يُرْجَى بِهِ غَمْدِ
وَسِرْ عَلَى هَدْيِ عِيسَاءٍ لَهَا هِمَمٌ
تَقْفُو الدُّجَى بِعِنَانِ الْعَزْمِ وَالْجِدِّ
هَبَّتْ سَوَافِي الشَّمَالِ الْبُرْدُ تُجْهِدُهُ
كَأَنَّهَا مِنْ نُجُومِ الْجَوْزِ فِي مَدَدِ
فَاهْتَزَّ مِنْ رَجْعِ أَصْوَاتٍ تُعَارِكُهُ
كُلُّ الْكِلَابِ وَعَصْفُ الْبَرْدِ وَالْبَرَدِ
فَانْسَابَ عَنْهَا سِهَامُ الصَّوْتِ مُنْتَشِرًا
كَالرَّعْدِ مِنْ بَيْنِ خَافٍ غَيْرِ مُنْتَقِدِ
وَكَانَ ضَمْرَانُ يَحْمِيهِ وَيَكْتُمُهُ
فِي قَبْضَةٍ مِنْ لَظَى الْهَيْجَاءِ مُتَّقِدِ
شَقَّ الْفَرِيصَةَ شَقًّا غَيْرَ مُنْدَفِعٍ
كَسَهْمِ بَيْطَرٍ فِي الْأَطْرَافِ مُرْتَصَدِ
فَانْدَاحَ مِنْ جَنْبِهِ سَهْمٌ لَهُ لَهَبٌ
كَأَنَّهُ نَصْلُ نُدْمٍ غَابَ فِي سَهَدِ
ظَلَّ يَلُوكُ حَدِيدَ الصَّدْرِ مُنْكَمِشًا
كَالنَّابِ فِي ضَبُعٍ ذِي سُحْنَةٍ نَكِدِ
فَلَمْ يَكَدْ وَاشِقٌ يَرْجُو خَلَاصَ فَتًى
وَلَا يُجَارُ وَلَا يُدْعَى إِلَى الْقَوَدِ
قَالَتْ لَهُ النَّفْسُ: لَا رَجْوَى وَلَا أَمَلٌ
وَالْحُرُّ إِنْ جَارَ لَا يُنْجِيكَ مِنْ أَحَدِ
فَامْضِ إِلَى النُّعْمَانِ فِي رَكْبٍ لَهُ هِمَمٌ
يَسْمُو عَلَى الْخَلْقِ فِي الْفَضْلِ الْمُتَّقِدِ
مَا فِي الْبَرِيَّةِ مِنْ شَخْصٍ يُضَاهِيهِمُ
وَلَا أُقِرُّ بِفَضْلٍ مِنْ بَنِي نَكِدِ
إِلَّا سُلَيْمَانُ قَدْ نَادَى الْإِلَهُ لَهُ: قُمْ
وَانْبِذِ الْجَهْلَ، وَاقْطَعْ نَسْلَ ذِي الْفَنَدِ
وَسَخِّرِ الْجِنَّ وَاصْرِفْهُمْ بِأَمْرِكَ فِي
بُنْيَانِ تَدْمُرَ بِالْأَحْجَارِ وَالْقَصْدِ
فَمَنْ أَطَاعَكَ فَامْنَحْهُ السَّلَامَ، كَمَا
أَوْلَيْتَهُ خَيْرَ دَهْرٍ غَيْرِ مُنْقَصِدِ
وَمَنْ عَصَاكَ، فَعَاقِبْهُ بِسَطْوَتِكَ
تُرْدِعْ بِهِ كُلُّ بَاغٍ طَائِشٍ رَدِدِ
مَا كَانَ يَبْلُغُ هَذَا الْفَخْرَ فِي أَحَدٍ
إِلَّا كَمَنْ أَنْتَ فَوْقَ الْخَلْقِ فِي الْأَبَدِ
أَعْطَى الْفَوَارِسَ خَيْلًا زَانَهَا شَرَفٌ
تَجْرِي الْهُجَانُ بِهَا فِي سَاحَةِ الْكَبِدِ
مِئَةٌ مَعْكَاءُ أَلْبَانٌ تُزَيِّنُ بِهَا
سُعْدَانُ تُوَضِّحُ فِي أَوْبَارِهَا اللَّبَدِ
وَالْمُحْكَمَاتُ مِنَ الْأُدْمِ الَّتِي شُدِّدَتْ
فِي الْحِيرَةِ الْغُرِّ بِالْأَرْبَاطِ وَالْقَيَدِ
كَأَنَّهُنَّ غَزَالٌ فِي مَفَازَتِهَا
تَرْنُو لِظِلِّ الدُّجَى فِي فُسْحَةٍ جُرْدِ
وَالْخَيْلُ تَجْمَحُ فِي أَعْنَاتِهَا سُرَعًا
كَأَنَّهَا الطَّيْرُ تَخْشَى الرَّعْدَ وَالصَّفَدِ
وَاحْكُمْ كَمَا حَكَمَتْ عَذْرَاءُ حِينَ رَأَتْ
حَمَامَ شِرَاعٍ يَسْرِي نَحْوَ مُبْتَرِدِ
يَحُفُّهُ جَانِبَاهُ النُّوقُ حَالِيَةً
كَأَنَّهَا الْبَلُّورُ لَمْ تُكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ
قَالَتْ: "أَلَا لَيْتَهُ هَذَا الْحَمَامُ لَنَا
يَضُمُّ زَوْجِي وَنِصْفَ الْجَمْعِ فِي الْعَدَدِ"
فَأَحْصَوُا الْجَمْعَ، لَمْ يَخْطُوا وَ يُخْطِئُوا
تِسْعًا وَتِسْعِينَ فِي الضَّبْطِ الْمُسْتَنَدِ
فَتَمَّمَتْ مِئَةً فِيهَا حَمَامَتُهَا
فِي عِدَّةٍ لَمْ تَخُنْ عَدًّا وَلَمْ تَزِدِ
فَلَا، وَعَهْدِ الَّذِي طَافُوا بِبَيْتِهِمُ
وَسَالَ عِنْدَ الْمَنَاسِكِ دَمُ الْمُجَدِ
وَالْمُؤْمِنَاتِ اللَّوَاتِي الطَّيْرُ تَمْسَحُهَا
فِي السَّعْيِ بَيْنَ حَجِيجِ الْغِيلِ وَالسَّعَدِ
مَا قُلْتُ قَوْلَ سُوءٍ عَنْكَ إِنْ نَطَقَتْ
إِلَّا وَصَوْتِي عَنِ الْبُهْتَانِ لَمْ يَمْدِ
إِلَّا مَقَالَةَ قَوْمٍ قَدْ شَقِيتُ بِهَا
كَمِثْلِ سُمٍّ غَوَى فِي الْحَلْقِ وَالْكَبِدِ
يا من غَذيتَ فؤادَ الشعرِ من كَرمٍ
وأسكبتَ نبعَ البيانِ اللامُنَفَدِ
إِنْ كُنْتَ ظَلَمْتَنِي، فَالرَّبُّ مُنْتَقِمٌ
يَشْفِي الْقُلُوبَ وَيُدْنِي كُلَّ مَنْ جَحَدِ
أُنْبِئْتُ أَنَّ أَبَا قَابُوسَ قَدْ هَدَّدَا
وَلَيْسَ يَهْدَأُ قَلْبٌ فِي فَمِ الْأَسَدِ
تَمَهَّلِ الْيَوْمَ، فَالْأَقْوَامُ كُلُّهُمُ
فِدَاءُ مَنْ رَفَعُوا فِي النَّاسِ مُتَّقِدِ
وَلَا تُجَرِّبَنَّ مِنِّي جَانِبًا وَهَنًا
فَمَا يُطِيقُ الرَّدَى مَنْ ضَاقَ بِالْمَدَدِ
إِنَّ الْفُرَاتَ إِذَا مَا الرِّيحُ عَصَفَتْ
ثَارَ الزَّبَدُ، وَهَاجَ الْغَيْثُ فِي النَّكَدِ
تَمُدُّهُ سُحُبٌ سُودٌ، ذَاتُ عَارِمَةٍ
بالْحَصَى وَالْعُشْبُ وَالطِّينُ فِي جُدَدِ
وَالنُّوتِيُّ يَخْشَى مِنْهُ مَوْجَ سَوْرَتِهِ
فَيَعْتَصِمْ بِالْعَصَا مِنْ شِدَّةِ الرُّعَدِ
يَوْمًا يَكُونُ جَوَادًا فِي نَوَافِلِهِ
وَلَا يُعِيقُ عَطَايَاهُ عَلَى أَحَدِ
هَذَا الثَّنَاءُ الَّذِي أُبْدِيهِ مُعْتَصِمٌ
بِالصِّدْقِ، لَيْسَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى حَسَدِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرِيَ الْمَقْبُولُ نَافِعَهُ
فَصَاحِبِي فِي عَذَابِي ضَارِبُ الْوَتَدِ
يَا مَنْ بِبَيْتِ الْقَوَافِي شَادَ مَمْلَكَتِي
وَصَاغَهَا بِسُيُوفِ الْحَرْفِ وَالْعَمَدِ
إِنِّي حَلَفْتُ، وَحَقُّ الْحَقِّ يَشْهَدُ لِي
لَا أَرْتَضِي بَعْدَ هَذَا الشِّعْرِ مِنْ أَحَدِ
هَذِي مُعَلَّقَتِي فِي الْحُسْنِ مُنْفَرِدَةٌ
كَالْبَدْرِ حِينَ يُضِيءُ اللَّيْلَ فِي كَمَدِ
قَدْ كُنْتُ أُرْسِلُهَا لِلدَّهْرِ مُذْ سَكَتَتْ
عَنِّي الرُّوَاةُ، وَعَنْ إِنْشَادِيَ النُّدَدِ
مَنْ لَامَنِي فِي هَوَى الْقُصَّادِ قَدْ جَهِلُوا
أَنَّ الْقَصَائِدَ دُرٌّ دُونَمَا قَيَدِ
مَا الشِّعْرُ إِلَّا شَهِيقُ الْقَلْبِ فِي عَطَشٍ
يُرْوَى بِسَكْبِ الْبَيَانِ الصَّافِي الْمُنْشَدِ
وَكَمْ رَجَوْتُ بِأَنْ أُبْقِيَ لَكُمْ أَثَرًا
يُحْيِي الْقُلُوبَ، وَيُجْرِي الدَّمْعَ فِي الْخُدَدِ
هَذِي وَصِيَّتِي، وَالدَّهْرُ مُرْتَحِلٌ
فَاسْقُوا الْحُرُوفَ إِذَا مَا جَفَّهَا الْمَدَدِ
وَاذْكُرُوا شَاعِرَكُمْ فِي سِفْرِهِ أَبَدًا
إِنْ غَابَ صَوْتِي، فَفِي آيَاتِيَ مُقْتَدِي
هَذَا وَدَاعِي، وَفِي قَلْبِي لَكُمْ وَلَهٌ
مَا قَالَهُ قَبْلَنَا قُسٌّ وَلَا ثَمُودِ
303
قصيدة