عدد الابيات : 84
طباعةرَأَيْتُ الْخِيَانَةَ فِي الْعُيُونِ جَلِيَّةً
كَطَعْنِ الرِّمَاحِ الْخُرْسِ تَسْرِي خَفِيًّا
رَأَيْتُ الْوَفَاءَ فِي الْعُيُونِ سَرَابًا
وَكُنْتُ أَرَاهُ عَزَاءَ صِدْقٍ قَوِيًّا خَالِيَا
تَوَسَّمْتُ فِي عَهْدِ الْحَبِيبِ أَمَانَةً
فَصَارَ كَمَا الرِّيحِ الْعَتِيِّةِ عَادِيَا
أَتَيْتُ بِأَحْلَامِي إِلَيْهِمْ مُعَانِقًا
فَلَمْ أَرَ إِلَّا الْجُرْحَ يَبْكِي دَمًا عَلَيَّا
كَأَنَّ الْوِدَادَ صَارَ سَيْفًا بِخَائِنٍ
يُبَارِزُنِي، وَالْخِنْجَرُ الْمُرُّ يُغْرَزُ فِيَّا
إِذَا مَا الْتَفَتُّ لِلْعُهُودِ وَجَدْتُهُ
غُبَارًا تَهَاوَى فِي الدُّرُوبِ شَظِيًّا
فَلَا يَغْرُرَنَّكَ الْمَوَدَّةُ الْغَرَّاءُ إِنَّهَا
إِذَا مَا غَدَرْتَ تَنْقَلِبْ ثَعْلَبًا دَاهِيَا
خِيَانَةُ مَنْ كَانُوا أَحَبَّ قُلُوبِنَا
كَعُودٍ سَقَاهُ الْغَدْرُ حَتَّى بَاتَ جَفِيَّا
وَإِنِّي وَإِنْ جَرَّبْتُ كُلَّ مَرَارَةٍ
رَأَيْتُ الْخِيَانَةَ ذَنْبَ كُفْرٍ جَلِيًّا
فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أُبْصِرِ الْوُدَّ مَرَّةً
وَلَمْ أَرَ قَلْبًا كَانَ بِالْأَمْسِ حَيًّا
لَقَدْ خَانَ قَلْبِي مَنْ أَثِقْتُ بِعَهْدِهِ
وَبِالرُّوحِ قَدْ أَنْعَمْتُهُ فَيَا رَاضِيَا
فَيَا حَسْرَةً فِي الْقَلْبِ تَنْخُرُ عُمْقَهُ
إِذَا خَانَ مَنْ كَانَ لِي سَنَدًا جَلِيًّا
أَظَلُّ أَرَى الْخُدَعَ الَّتِي مَلَأَتْ الْهَوَى
وَأَبْكِي عَلَى عَهْدٍ تَهَاوَى شَقِيًّا
كَأَنِّي ظَنَنْتُ الْحُبَّ بَحْرًا مُقَدَّسًا
فَغَدَوْتُ فِيهِ مُغْرَقًا مِنْهُ دَامِيَا
وَأَمْسَيْتُ بَعْدَ الْخِدْعِ طَيْفًا مُعَذَّبًا
وَوَجْهِي إِلَى الرِّيحِ الَّتِي تَذْرُ الْبَقِيَّا
أُعَاتِبُ نَفْسِي حِينَ أَهْوَى سَرَابَهُ
وَصِرْتُ مِنْ أَفْعَالِهِ سَكْرَانَ حُفْيَا
فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَعْقِدِ الْحَبْلَ بَيْنَنَا
وَلَمْ أَبْنِ بَيْتَ الْوَصْلِ حُبًّا خَفِيًّا
فَقَدْ عِشْتُ أَهْوَى مَنْ خِيَانَتُهُ دَمِي
وَسَيْفَ الْوِصَالِ غَدَا قَاطِعًا عَلِيَّا
أَلَا لَيْتَ مَنْ خَانَ الْعُهُودَ تَرَيَّثَا
فَمَا الْخُلْدُ إِلَّا فِي وَفَاءِ الْمُدَامِيَا
جُحُودًا أَرَى، وَالنَّفْسُ تُمْسِي كَأَنَّهَا
سَحَابٌ خَلَا مِنْ مَاءِ صِدْقٍ جَرَامِيَّا
عِنَاقٌ بَدَا، ثُمَّ انْقَضَى طَيْفُ وَعْدِهِ
كَأَنَّ الصَّفَا لَمْ يُعْقَدِ الْيَوْمَ تَالِيَّا
فَيَا لَيْتَ عَيْنًا لَمْ تُشَاهِدْ خِدَاعَهَا
تَعُودُ إِلَى صِدْقِ الْمَوَدَّةِ غَافِيَا
فَإِنْ خَانَ أَقْوَامٌ فَمَنْ خَانَ عَهْدَهُ
يَمُرُّ كَأَمْوَاجِ لَيْلٍ تَزُولُ وَرَاوِيَا
وَإِنِّي وَإِنْ طَالَ الْفِرَاقُ بِمُهْجَتِي
لَأَعْلَمُ أَنَّ الْغَدْرَ جُرْحٌ سَرَابِيَّا
يُبَاغِتُ مَنْ لَمْ يَسْتَفِقْ مِنْ غَفْوَةٍ
وَيَتْرُكُ فِي قَلْبِ الْأَمِينِ خَوَابِيَا
فَيَا وَيْحَ قَلْبٍ كَانَ نَبْضُهُ وُدًّا
وَحُبًّا، وَفِي طَيَّاتِهِ كَانَ رَاعِيَا
فَمَا زَالَ مَنْ خَانَ الْعُهُودَ مُشَرَّدًا
وَمَا زَالَ مَنْ يَصْدُقْ بِأَمْرِهِ ثَوَابِيَا
فَدَعْ عَنْكَ غَدْرًا لَا يُقِيمُ بِظِلِّهِ
يَعُودُ إِلَى صِدْقِ الْقُلُوبِ تَبَالِيَّا
أَلَا يَا خِيَانَةَ الْغَدْرِ كَمْ أَنْتِ دَامِيَةٌ
تُشْقِينَ قَلْبَ الصِّدْقِ ضَرْبًا آلَامِيَا
تُوَارِينَ فِي اللَّيْلِ الظَّلَامَ بِمَكْرِكِ
وَتُخْفِينَ عَنْ عَيْنِ الْوَفَاءِ الظَّلَامِيَا
فَمَنْ ذَا يُدَاوِي فِي الْفُؤَادِ جِرَاحَهُ
إِذَا خَانَ خِلٌّ وَاسْتَبَاحَ النَّسَامِيَا
جَعَلْتِ الْعُهُودَ سَرَابَ وَهْمٍ مُضَلِّلٍ
وَوَضَعْتِ الضَّيَاعَ بِالْقُلُوبِ عِظَامِيَا
أُصُونُ لَكَ الْوُدَّ الَّذِي قَدْ حَمَلْتُهُ
فَتُكْسِيهِ بِالْخِيَانَةِ غَدْرًا مُرًّا عَالِيَا
تَمُرُّ اللَّيَالِي وَالْقُلُوبُ تَمُورُهَا
أَلَمٌ وَغَدْرٌ يَزْدَرِي الْمُسْتَهَامِيَا
وَيَا لَيْتَنِي قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّنِي
سَأَلْقَى الْخِيَانَةَ بِالطَّرِيقِ جُحَامِيَا
فَأَيْنَ الْأَمَانُ الَّذِي كُنْتُ أَرْتَجِي
وَأَيْنَ الْوَفَاءُ إِنْ أَتَيْتِ ظُلْمًا مُتَعَالِيَا
لَقَدْ كُنْتِ عَهْدًا كَاذِبًا فِي مَوَدَّتِي
وَغَابَ مِنْكِ الْحُبُّ حِينَ اسْتَقَامِيَا
فَيَا خَائِنَاتِ الْعَهْدِ مَا لِي وَمَا لَكُمْ
دَعُونِي لِأَشْكُو لِلدُّرُوبِ الْعَقِيمَا
فَقَلْبِي أَصِيلٌ لَا يُهَانُ بِغَدْرَةٍ
وَلَا يَنْحَنِي لِلْغَدْرِ إِنْ كَانَ عَظِيمَا
خِيَانَةُ قَلْبٍ قَدْ جُرِحْتُ بِسَهْمِهِ
وَلَمْ أَرَ غَيْرَ الصَّبْرِ دَرْبًا مُوَاتِيَا
أَفَضْتُ لَهُ مِنْ عَاطِفَتِي حُبًّا
فَمَضَى بِلَيْلِ الْغَدْرِ عَنِّي سَاعِيَا
رَأَيْتُ السِّنِينَ تُثْنِي ظَهْرَ إِخْلَاصِي
وَخَيْبَةَ قَلْبِي لَمْ تَزَلْ تَحْتَ مَاضِيَا
أَتَحْسَبُ يَوْمًا أَنَّ طَعْنَةَ خَائِنٍ
سَتُخَلِّدُكَ بَيْنَ الْوَرَى مُتَسَامِيَا؟
كَلَّا، فَكُلُّ الْغَادِرِينَ مَصِيرُهُم
إِلَى ظُلْمَةٍ تُفْنِي الْقُلُوبَ وَرَاضِيَا
فَيَا مَنْ بَذَلْتُ الرُّوحَ فِيكَ وَلَمْ تَرَ
سِوَى وَجْهِ مَنْ لَمْ يَبْتَغِكَ مُنَادِيَا
دَعِ الْبُعْدَ عَنِّي، لَسْتَ أَهْلًا لِصُحْبَتِي
وَلَمْ تَكُ فِي الدُّنْيَا خَلِيلًا وَافِيًّا
أَلَا يَا لِخَطْبِ الْخَائِنِينَ وَمَا جَرَوْا
بِهَا الْحِقْدُ فِي لَيْلِ الْخِدَاعِ تَدَانِيَا
غَدَرْتَ، فَمَا عَادَتْ تُفِيدُكَ حِيلَةٌ
وَلَا مَكْرُكَ الْمَنْسُوجُ صَارَ عَلَانِيَا
تُجَارِي اللَّيَالِي فِي غِيَابِكَ ظُلْمَةً
وَلَكِنَّ ضَوْءَ الْحَقِّ يَبْقَى قَوِيًّا بَاهِيَا
فَإِنَّ الْخِيَانَةَ تَزْرَعُ الْحُزْنَ بَيْنَنَا
وَتُطْفِئُ لَهِيبَ نَارَ الْوُدِّ فِينَا خَابِيَّا
كَذَبْتَ، وَكَانَ الْحِبُّ يَرْفُلُ فِي صِفَا
فَأَضْحَيْتَ لِلْحِقْدِ الظَّلُومِ مَوَالِيَا
أَخِلْتَ أَنَّ الدَّهْرَ يَنْصُرُ غَادِرًا؟
وَهَلْ يَنْعَمُ الْمَخْذُولُ عَيْشًا هَانِيَا؟
تُبَاحُ لَكَ الْأَيَّامُ إِذْ كُنْتَ صَادِقًا
وَتَسْتَظِلُّ الْهَجْرَ إِذَا مَا صَارَ جَافِيَا
إِذَا قِيلَ إِنَّ الْحُبَّ يُسْكِنُ قَلْبَهُ
فَفِي صَدْرِ خَائِنٍ غَدَا بِالذِّبِّ دَاعِيَا
سَتَلْقَى بَعِيدًا عَنْ دِفَافِ مَوَدَّتِي
فَإِنِّي غَدَا قَلْبِي يَرَى الْخُطَّ عَاصِيَا
أَيَا خَائِنًا، مَا بَالُ عَهْدِكَ خَافِيَا
وَقَدْ كُنْتَ فِي الْوَعْدِ الرَّفِيعِ سَاجِيَّا
بَنَيْتَ لَنَا مِنْ صَرْحِ حُبٍّ وَأُلْفَةٍ
وَلَمَّا اسْتَوَى بُنْيَانُهُ، كُنْتَ جَافِيَا
أَتَذْكُرُ أَيَّامَ الْوَفَاءِ وَقَدْ بَدَتْ
وُجُوهُ الْوُعُودِ فِي الضَّمِيرِ نَاقِيَّا
فَمَا كَانَ إِلَّا غَدْرَةً تَحْتَ خَافِقٍ
يَرَى الْحُبَّ بُؤْسًا، وَالْوَفَاءَ طَاوِيَّا
إِذَا الْمَرْءُ خَانَ الْعَهْدَ مَا عَادَ يُرْتَجَى
مِنْهُ النُّهَى، وَلَا عَادَ مِنْهُ خِلًّا وَالِيَّا
أَلَمْ تَسْقِ رُوحًا قَدْ سَقَيْتَهَا مَرَارَةً
فَأَصْبَحْتَ فِي نَظَرِ الْعُيُونِ شَاقِيًّا؟
قَضَيْتَ عَلَى عَهْدٍ رَفِيعٍ وَسِيرَةٍ
وَبِتَّ تُخْفِي بِالصُّدُورِ سِرًّا خَافِيًّا
فَيَا خَائِنَ الْأَزْمَانِ، هَلْ كَانَ سَهْلًا
تَبِيعُ الَّذِي كَانَ الْكَرِيمَ عَالِيَّا؟
وَإِنْ كَانَ لِلْعَهْدِ الطَّهَارَةُ قُوَّةً
فَأَنْتَ عَلَيْهَا قَدْ لَبِسْتَ بُرْدًا رَّادِيَّا
فَلَا حُبَّ بَعْدَ الْغَدْرِ يُرْجَى، وَلَا وَفَا
وَلَا عَيْنُ عَاشِقٍ تَرَى الْعَهْدَ زَاكِيَّا
رَأَيْتُ الْخِيَانَةَ مِثْلَ السَّيْفِ جَارِحَةً
تَغُوصُ بِقَلْبِ الصَّادِقِينَ جَفَاوِيَا
أَيَا غَادِرًا، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّكَ صَاحِبًا
فَإِذَا بِكَ طَيْفٌ فِي الْوَرَاءِ مُتَوَارِيَا
وَمَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ خَلْفَ ابْتِسَامَةٍ
تُخْفِي وَرَاءَ الْوَجْهِ مَكْرَ قَلْبًا خَافِيًّا
تَرَكْتَ الْوِدَادَ، وَمَضَيْتَ فِي غَدْرَةٍ
كَمَنْ يَغْدِرُ اللَّيْثُ الصَّغِيرَ غَافِيَا
أَلَمَّا تَذُقْ طَعْمَ الْوَفَاءِ وَحُبَّهُ؟
فَكَيْفَ سَقَيْتَ الْقَلْبَ سُمًّا آذِيَّا؟
غَدَرْتَ بِعَهْدِي، فَاسْتَحَالَتْ مَوَدَّتِي
صُخُورًا، وَأَمْسَتْ نِيرَانِي جَمْرًا لَاظِيًّا
كَأَنَّ الْوَفَاءَ فِيكَ لَمْ يُبْنَ مِنْ حَجَرٍ
بَلْ صَارَ هَبَاءً، يَتْبَعُ الرِّيحَ سَارِيَا
تَرَكْتَ الْفُؤَادَ بَيْنَ جُرْحٍ وَمِحْنَةٍ
وَكُنْتَ بِقَلْبِي مَجْدَ حُبِّ عَهْدٍ وَاصِيًّا
فَيَا لَيْتَنِي مَا كُنْتُ يَوْمًا مُصَدِّقًا
وَيَا لَيْتَ حُبَّ الصَّادِقِينَ كَانَ جَفَائِيَا
رَأَيْتُ الْخِيَانَةَ حِينَ يَمْشِي صَاحِبٌ
يَطْعَنُ الظَّهْرَ، يَسْقِي الْغَدْرَ مُتَسَاغِيَا
فَمَا عَادَ فِي الدُّنْيَا وَفَاءٌ لِأَهْلِهِ
إِذَا خَانَ مَنْ كَانَ مَعَ الْعُهُودِ رِعَائِيَا
خِيَانَةُ صَدِيقٍ مَا لَهَا الْعُذْرُ يُرْتَجَى
كَسَرْتَ بِهَا عَهْدًا عَزِيزًا صَادِقًا نَقِيًّا
رَأَيْتَ الْوِدَادَ خَافِقًا فِي قُلُوبِنَا
فَمَزَّقْتَهُ نَكْثًا، وَأَلْقَيْتَهُ وَرَاءَكَ خَفِيًّا
وَكُنْتُ أَظُنُّ الْوِدَّ يَبْقَى صَرِيحَهُ
إِذَا مَا الزَّمَانُ قَدْ أَتَى جَرِيئًا قَوِيًّا
وَلَكِنَّ غَدْرًا جَاءَ مِنْكَ مَصَائِبًا
فَأَمْسَى صُرَاخُ الْقَلْبِ صَوْتًا شَاجِيًّا
فَيَا خَائِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كُنْتَ حَافِظًا
أَتَنْسَى وِدَادًا كَانَ عُمْرًا رَاضِيًّا؟
خُذِلْتَ وَخَانَتْكَ الْأَمَانَاتُ مِثْلَمَا
تَخُونُ النُّفُوسَ بَعْدَ وُدٍّ جَالِيًّا
فَهَلْ فِي الْخِيَانَةِ يُرْتَجَى لَكَ غَافِرٌ؟
وَأَنْتَ بِمَا خُنْتَ أَصْبَحْتَ شَاقِيًّا
مَضَيْتَ عَلَى الدَّرْبِ الَّذِي فِيهِ غَفْلَةٌ
وَخَلَّفْتَ فِينَا الْأَذَى جَمْرَ نَارًا غَيَّا
374
قصيدة