عدد الابيات : 40
أَتَانَا هِلَالُ الطُّهْرِ يَخْتَالُ بَاسِمًا
فَسُبْحَانَ مَنْ أَهْدَى الْهِلالَ الْمُكَلَّلِ
تَنَفَّسَ نُورًا فِي الدُّجَى فَاسْتَبَانَتِ
بُشَارَاتُ خَيْرٍ فِي الْمَسَاعِي وَتَجَمَّلِ
فَسَاقَ لِقَلْبِ الْعَابِدِينَ بَشَائِرًا
تُعَطِّرُهَا أَنْفَاسُ لِذِكْرِ الرَّبِّ مُتَرَتَّلِ
وَفِي اللَّيْلِ أَصْوَاتُ الْمُنِيبِينَ رَتَّلَتْ
دُعَاءً كَسَحْبِ الطِّيبِ بِالْغَيْثِ مُرْسِلِ
فَيَا مَرْحَبًا شَهْرَ الصِّيَامِ وَنُورِهِ
وَيَا سَعْدَ مَنْ بِالطُّهْرِ بِالْحَقِّ أَقْبَلِ
أَتَتْنَا السَّنَا وَالْأَرْضُ تَزْهُو بِمَقْدَمِهِ
فَغَنَّتْ رِيَاحُ الطُّهْرِ لِلنَّجْمِ الْمُرْسَلِ
وَرَقَّتْ سَمَاءُ الْعَفْوِ حَتَّى كَأَنَّهَا
سَرَابِيلُ نُورٍ فِي الضَّمِيرِ الْمُتَبَتِّلِ
وَرَاحَتْ جِنَانُ الْفَضْلِ تَفْتَحُ بَابَهَا
فَيَعْبُرُهَا الطُّهْرُ الْمُؤَثَّلُ بِالْمُهَلِ
وَسَالَتْ دِمَاءُ الْإِثْمِ فِي ظِلِّ تُوبَةٍ
كَسَيْلِ وُدْقِ الْغَيْثِ بِالْكَفِّ الْمُخْمَلِ
وَرُحْتُ أُنَاجِي اللَّيْلَ وَالصَّمْتُ عَارِفٌ
بِأَنِّي أُنَاجِي الْمُلْكَ بِالْقَلْبِ الْمُقْبِلِ
وَأَطْرُقُ أَبْوَابَ السَّمَا بِلَهَافَةٍ
كَمُضْنَىً يُنَادِي الرَّحْمَ بِالْكَفِّ الْأَحْوَلِ
فَيَا رَمَضَانَ الْخَيْرِ حَلَّتْ سَحَائِبٌ
وَهَبَّتْ بِأَطْيَابِ السَّمَاحِ الْمُجلَّلِ
وَأَشْرَقَتِ الدُّنْيَا فَكَيْفَ يَضِيقُ بِي
وَفِيكَ جِنَانُ الْعَفْوِ بِالْفَضْلِ مُهْطِلِ
لَقَدْ آنَ لِلْقَلْبِ الْمُسَافِرِ مُتْعَبًا
أَنِ اخْتَالَ فِي أَفْيَاءِ الطُّهْرِ الْمُنَزَّلِ
فَيَا رَبِّ بَلِّغْنِي سَنَاكَ وَرِفْدَكُمْ
وَطَهِّرْ فُؤَادِي مِنْ جِرَاحِي وَالْمَقْتَلِ
وَفِي لَيْلِكَ الْعَطْشَانِ تَهْطُلُ رَحْمَةٌ
تَسِيرُ كَمَوْجِ النُّورِ بِاللَّيْلِ الْمُظَلِّلِ
فَتَسْجُدُ أَرْوَاحٌ بِذَنْبٍ تَنَفَّسَتْ
وَتَرْقَى دُمُوعُ التَّائِبِينَ بِالْمُنْصَلِ
وَيَا لَذَّةَ الْأَبْرَارِ فِي السَّحَرِ الَّذِي
يُحَلِّي جُفُونَ الصُّبْحِ بِاللُّطْفِ الْمُذهَلِ
إِذَا الْمُؤْمِنُ السَّارِي لِطَيْفِكَ رَكَّعَتْ
زَكَتْ فَوْقَ أَعْنَاقِ الْمَكَارِمِ فَضَائِلِي
وَفِي لَيْلِكَ الْوَضَّاءِ أَنْوَارُ مُحَمَّدٍ
يَسِيرُ كَضَوْءِ الْبَدْرِ بِالْمَاءِ الْمُنْهَلِ
فَهَذَا كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مُبَارَكٌ
بِهِ الْأَرْضُ تُهْدَى نُورَهَا غَيْرَ مُبَدَّلِ
وَفِيكَ الْمَعَانِي تَسْتَفِيضُ وَتَرْتَقِي
وَتَرْتَدُّ أَحْزَانُ الْفُؤَادِ إِلَى الْوَابِلِ
وَفِيكَ قُيُودُ الذَّنْبِ تَنْفَكُّ رَحْمَةً
كَمَا انْفَكَّ قَيْدُ الطَّيْرِ مِنْ قَيْدِ مُثْقَلِ
فَيَا رَبِّ فِي هَذَا الشُّهُورِ مُنَايَنَا
عَفُوَكَ، فَارْحَمْنَا بِجُودِكَ وَابْذُلِ
وَإِنْ كُنْتُ عَبْدًا مُذْنِبًا فَلَرَحْمَةٌ
تَسِيرُ إِلَى الْعُصَّاةِ بِفَضْلٍ مُفَضَّلِ
وَفِيكَ تَسَامَى النَّاسُ طُهْرًا وَرَحْمَةً
فَجُدْتَ بِمَا لَا يُسْتَزَادُ مِنَ الْمُهَلِ
فَأَبْوَابُ جَنَّاتِ نَّعِيمٍ لِلتُّقَى تَفَتَّحَتْ
لِكُلِّ قُلُوبٍ بِالصَّفَاءِ وَالذِّكْرِ مُجَلَّلِ
وَفِيكَ الْمَسَاكِينُ اسْتَرَاحُوا بِرَحْمَةٍ
تُهَوِّنُ مِنْ ضِيقِ الْجُدُوبِ الْمُعَلَّلِ
فَلَا الْجُوعُ يُبْكِي الطِّفْلَ بِلَيْلِ أُمِّهِ
وَلَا الْأَيْتَامُ بَاكُونَ فِي صَمْتٍ مُهْمَلِ
وَفِيكَ جَنَاحُ الْمَكْرُمَاتِ يُظِلُّنَا
كَأَنَّ الْمَعَالِي فِي جَنَاحِكَ مُتَنَزِّلِ
فَيَا مَرْحَبًا شَهْرَ الْعَطَايَا وَنُورِهِ
فَأَنْتَ لِقَلْبِ الْعَالَمِينَ الْمُؤَمَّلِ
وَفِي لَيْلِكَ الْقُدْسِيِّ تَسْمُو مَنَازِلٌ
لِمَنْ قَامَ لَيْلًا فِي الْجَنَانِ الْمُهَلَّلِ
وَفِي قَدْرِكَ الْعُلْيَا تُضَاعَفُ حَسَنَةٌ
فَيَا سَعْدَ مَنْ صَلَّى وَفِي الْجُودِ أَقْبَلِ
وَفِي سُحُرِ الصِّدِّيقِ يَغْسِلُ دَمْعَهُ
بِمَاءِ تَجَلَّى فِي الْقُرْآنِ الْمُنْزَلِ
فَيَا رَبِّ سُبْحَانَكَ اغْفِرْ ذُنُوبَنَا
فَإِنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ يُجِيبُ وَيُفْضِلِ
وَهَذَا رَمَضَانُ الْخَيْرِ يَرْحَلُ فَاغْتَنِمْ
كَرَامَتَهُ، فَالْعُمْرُ مِثْلُ السَّرَابِ مُؤَجَّلِ
وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ أَضَاعُوا نَفَاحَهُ
فَمَا رَبِحُوا إِلَّا نَدَامَةَ تَائِهٍ مُغْفَلِ
فَطُوبَى لِمَنْ قَدْ صَامَهُ مُتَعَبِّدًا
وَقَامَ لَهُ لَيْلًا بِوَجْدٍ صَادِقٍ مُوَصَّلِ
وَسَالَتْ دُمُوعُ الْعَابِدِينَ خُشُوعَهَا
كَأَنَّهُمُ الْغَرْسُ النَّدِيُّ الْمُظَلَّلِ
فَيَا رَبِّ فَاغْفِرْ ذَنْبَنَا وَتَجَاوَزَ
فَإِنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ يُجِيبُ وَيُعَلَّلِ
385
قصيدة