عدد الابيات : 34
إلَى المَجْدِ سِرْنا لَا نَرُومُ تَوَانِيَا
وَنَحْتَرِفُ الحُرْقَةَ وَالفَخْرَ الحَاجِبِ
بَنَيْنَا مَعَانِيَ الشِّعْرِ صَرْحًا مُمَرَّدًا
نُسَابِقُ فِيهِ الشُّمَّ والهُدُبِ
دَعِ اللَّوْمَ إِنَّهُ يُغْرِي الْمَصَائِبَا
وَيُوقِدُ نَارَ حُزْنٍ بَيْنَ الْجَوَانِبِ
فَمَا كُلُّ بَاغٍ مَجْدَهُ نَالَ غَايَةً
وَلَا كُلُّ سَاعٍ لِلْمَعَالِي بِصَائِبِ
وَفِي السَّعْيِ حَزْمٌ لَا يُبَاعُ بِرَغْبَةٍ
وَمَنْ ذَلَّ بِالْمَالِ اسْتُبِيحَ لِنَاهِبِ
إِذَا كُنْتَ ذَا حَزْمٍ فَدَعْ عَنْكَ حَيْرَةً
فَإِنَّ التَّوَانِي لِلرَّدَى خَيْرُ صَاحِبِ
حَضَضْتَ عَلَى نَارِي، فَدَعْهَا فَإِنَّهَا
تَلُفُّ بِسَاحِ اللُّؤْمِ كُلَّ الْمَنَاكِبِ
أَتَانِي الَّذِي لَمْ تُخْفِهِ كُلُّ غَايَةٍ
مِنْ دَهْرٍ بَاتَ يُبْدِي الْعَجَائِبِ
وَلَيْسَ مِنَ الْعَارِ التَّوَجُّسُ لِلرَّدَى
وَلَكِنَّ عَارَ الْمَرْءِ جَهْلُ الْعَوَاقِبِ
إِذَا جُبْتَ أَقْطَارَ الْفَلَاةِ بِعِزَّةٍ
أَتَتْكَ خُطُوبٌ كَالرَّزَايَا الْكَوَاسِبِ
لَقَدْ ذُقْتُ مِنْ بَرْدِ اللَّيَالِي وَحَرِّهَا
جَحِيمًا تَفُوقُ الْقَبْرَ فِي كُلِّ جَانِبِ
فَلَا الْبَرُّ لِي دَارٌ وَلَا الْبَحْرُ مَرْفَأٌ
وَضِقْتُ مِنْ تِيهِ خُطُوبِ النَّوَاكِبِ
تَحَمَّلْتُ وَجْدَ الدَّهْرِ حَتَّى كَأَنَّنِي
أُقَاوِمُ فِي كُلِّ الطُّرُوقِ الْعَقَارِبِ
وَخُضْتُ بِلَجًّا لَا يُرَى قَعْرُ مُوجِهِ
كَمِنْ غَاصَ فِي الجَمْرِ الْمُلَهَّبِ شَارِبِ
رَأَيْتُ ظُلُومَ الْحَظِّ تَرْكُلُ حِلْمَنَا
وَتَصْفَعُ فِي سَاحِ الْكِرَامِ الْمَغَارِبِ
وَمَا لَانَ فِيهِ الْحُرُّ إِلَّا لِرَحْمَةٍ
وَمَا سَالَ مِنْهُ الدَّمْعُ إِلَّا لِوَاجِبِ
يُجَرِّحُنِي دَهْرِي وَأَلْثِمُ جُرْحَهُ
كَرَجُلٍ يَرَى فِي النَّارِ وَجْهَ الْمَآرِبِ
وَإِنِّي إِذَا مَا الْحَقُّ أَبْدَى مَسَالِكًا
سَلَكْتُ بِهِ طَوْعًا وَقَفْزًا لِصَاعْب
فَمَا خُضْتُ دَرْبَ الْخَوْفِ إِلَّا لِفِكْرَةٍ
تُعِيدُ إِلَى الإِخْوَانِ نَبْضَ الْمَرَاحِبِ
أَبُو رَاكَانَ الْمَجْدُ مِنْ فَجْرِ صَوْتِهِ
يُغَنِّي بِهِ اللَّيْلُ الْحَكِيمُ النَّوَادِبِ
أَبُو رَاكَانَ الطَّهْرُ لَمَّا تَكَلَّمَتْ
صُبَاحَاتُهُ صَارَتْ سُيُوفَ الْمَغَانِبِ
وَفِي صَمْتِهِ مَعْنًى يُفَكِّكُ سُرَّنَا
كَمَنْ يُخْرِسُ الأَحْقَادَ وَالْعَيْبَ خَائِبِ
تَرَى فِيهِ وَجْهَ اللَّيْثِ وَهْوَ مُبَجَّلٌ
يُقِيمُ عَلَى الْعُلْيَا صَرَاحَ الْمَذَاهِبِ
وَمَا فَاحَ عِطْرٌ فِي الْبِلَادِ كَكَفِّهِ
إِذَا مَا جَرَتْ فِي الْبَرِّ غَيْرَةُ سَاحِبِ
وَيَرْكَبُ مِجْدَ الأَوَّلِينَ كَأَنَّهُ
سَمَاءٌ عَلَى الأَيَّامِ سَاحَتْ بِهَاطِبِ
فَفِيهِ أَرَى الشُّعْرَ الْعَظِيمَ كَأَنَّهُ
يُهَامِسُنِي فِي كُلِّ فَجْرٍ وَكَاتِبِ
وَكَمْ مِنْ أَخٍ لَمْ تَلِدْهُ لَكِ الأَرْحَامُ لَكْ
وَلَكِنَّهُ نُورُ الوَلَاءِ الْغَالِبِ
وَفِي كُلِّ مِحْنَةٍ تَرَاهُ كَفَارِسٍ
يُرَتِّبُ أَيَّامَ المَصَائِبِ نَاصِبِ
فَمَهْمَا تَقُولُ النَّفْسُ إِنْ جَاءَ ذِكْرُهُ
فَإِنِّي أَرَاهُ الْمَجْدَ فِي كُلِّ جَانِبِ
وَمِنْ نَفَسِ الأَسْدِ الشَّجَاعِ إِذَا سَطَا
يُفَسِّرُ مَعْنَى العَزْمِ فَوْقَ الْمَرَاتِبِ
فَدَعْ عَنْكَ لَوْمَ النَّاسِ فِي حُبِّ شِعْرِنَا
فَمَا الشِّعْرُ إِلَّا العِزُّ فِي نَبْضِ كَاتِبِ
فَمَا قَدْ قَصَدْنَا مَدْحَهُ لِتَكَسُّبٍ
وَلَكِنْ لِحَقٍّ صَاحَ فِيهِ الضَّرَائِبِ
وَإِنِّي بَنَيْتُ الشِّعْرَ حَتَّى كَأَنَّهُ
بُيُوتٌ مِنَ النُّورِ الْمُقَدَّسِ شَاعِبِ
فَإِنْ سَأَلُوا: مَنْ ذَا الَّذِي أَلْهَمَ الرُّؤَى؟
قُلْتُ: أَبُو رَاكَانٍ، زَهْرُ الْمَوَاهِبِ
374
قصيدة