عدد الابيات : 30
قِفَا نَرْثِ مَجْداً ضَاعَ بَيْنَ التَّجَمُّلِ
وَبَيْنَ عُرَاءِ الصَّدْقِ فِي زَمَنِ الخَمْلِ
بِمَسْرَحِ حُلْمٍ كَانَ يَرْقُدُ فِي الدُّجَى
فَأَيْقَظَهُ سَعْيُ الرِّيَاحِ المُوَصَّلِ
تَمَشَّى بِهِ وَجْدٌ كَأَنَّ جَنُونَهُ
يُقَصْقِصُ مِنْ أَحْشَائِنَا كُلَّ مِقْتَلِ
فَيا لَيْتَ مَا ضَاعَتْ مَعَ الدَّهْرِ عِزَّةٌ
تَعُودُ بِفَجْرٍ لا يُمَارِي بِمَغْلَلِ
وَيا لَيْتَ دَهْرِي قَدْ رَأَيْتُ فُصُولَهُ
كَمِثْلِ لِقَاءِ الوَجْدِ فِي صَبْوَةِ المُقْبِلِ
فَيا دَارُ، لا رِكْزٌ بِكِ اليَوْمَ يُؤنِسُ
وَلا وَحْشُ صَحْرَاكِ يُلَبِّي التَّمَثُّلِ
كأنَّكِ طَيْفٌ قَدْ تَسَرْبَلَ بِالأسَى
وَنَامَ عَلَى حُلْمٍ تَحَلَّى بِمُزْمِلِ
وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو فِي رُبَاكِ بَقَاءَنَا
فَسَاقَتْنَا الأَيَّامُ نَحْوَ المُزَحْلَلِ
أُسَائِلُ أَطْلَالَ الزَّمَانِ بِعَبْرَةٍ
فَهَلْ فِي بَقَايَاهُ نَشِيدٌ لِمُرْسَلِ؟
تَنَازَعَنِي ذِكْرَاكِ نَفْسٌ هَوَامِدٌ
تَفِيضُ عَلَى أَيَّامِنَا كَالزَّنَازِلِ
تُطيفُ بِمَرْجِ الوَهمِ وَهْيًا خَافِقًا
فَـيَسِيلُ دَمْعِيَ فَوقَ وَجْنَةِ مُقْتَلِ
فَـكَـأنَّ رَكْبَ الدَّهْرِ حِينَ تَنَاءَتِ
أَشْلاؤُهُ خُطُبٌ بِوَجْهٍ مُقْبِلِ
سَقَتِ الرُّبَى ذِكْرَاكِ حَتَّى أَورَقَتْ
فِي كُلِّ جَانِحَةٍ حَنِينُ المُرْجَلِ
أُرِيدُ لِعُمْرِ الوَصْلِ جَذْوَةَ شَوقِهِ
فَـيَرُدُّهَا القَدَرُ العَنِيدُ المُهْمِلِ
وَآهٍ عَلى صَوْتِ المُروءَةِ إِنْ مَضَتْ
تَبْكِي عَلَيْهَا السَّمْرُ فِي اللَّيْلِ الخَجِلِ
أَنا ابنُ مَنْ شَيَّدُوا الذُّرَى بِسُيُوفِهِم
وَرَصَفُوا بِالأَخْلاقِ دَرْبَ الأَوَّلِ
مَا لِي وَمَا لِلدَّهْرِ إِنْ نَامَتْ يَدِي
وَالوَقْتُ يَسْرِقُ مِنْ جُنَاحِيَ مِظْلَلِي
قَدْ كَانَ صَبْرِي كَالجِبَالِ وَإِنَّنِي
لَمَّا تَفَجَّرَ حُزْنُهَا لَمْ أَعْدِلِ
يا طَيْفَ أُمِّي، هَلْ لِعَينِيَ مُهْجَةٌ
تَسْتَلْهِمُ الضَّوءَ الجَمِيلَ المُقْبِلِ؟
كُفِّي عَلَيَّ، فَإِنَّ قَلْبِيَ سَاهِرٌ
يَشْكُو السُّرَى، وَيُرِيدُ ظِلّاً أَفْضَلِ
وَكَأَنَّ نَفْسِيَ فِي الوُجودِ غَرِيبَةٌ
تَمْشِي وَخَلفَ خُطَاهَا المُتْعَبِ الذّاهِلِ
أَغْفُو عَلَى وَجَعِ السُّؤَالِ وَمَا لَهُ
فِي المَسْأَلَاتِ سِوَى الجَوَابِ المُقْفِلِ
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ فِي دَرْبِ النَّوَى
نُورًا، لَمَا خَفْتُ الظَّلامَ الأَجْدَلِ
لكِنَّنِي بَيْنَ الخَيَالِ وَوَاقِعِي
كَالطَّيْرِ ضَاعَ بِجُنْحِ لَيْلٍ مُقْتَلِ
وَأَقُولُ لِلأَيَّامِ: هَاتِي رَوْحَكِي
إِنْ كُنْتِ تَحْمِلُ فِي الحَنَانِ المُثْمِلِ
هِيَ لَيسَتِ الدُّنْيَا لِمَنْ سَكَنَ الثَّرَى
بَلْ لِلنُّفُوسِ السَّاخِطَاتِ الأَنْبَلِ
وَإِذَا سَكَتَّ فَسُكُوتُ حَكِيمِهِمْ
وَالصَّمْتُ فِيهِ دَمٌ وَوَعْدٌ مُقْتَلِي
لَا تُكْثِرُوا عَتَبَ النُّفُوسِ فَإِنَّهُ
جُرْحٌ يُزَخْرِفُ فِي القُلُوبِ الْمُقْتَلِ
مَنْ لَمْ يُرَبِّي فِي الشَّدَائِدِ عِزَّةً
فَسَيَسْقُطُ التَّارِيخُ مِنْهُ الأَوَّلِ
وَأَنَا الَّذِي صَفْحَاتُ قَلْبِيَ آيَةٌ
فِيهَا النُّبُوءَةُ وَالمَصِيرُ الأَجْمَلِ
374
قصيدة