عدد الابيات : 50
أُمُّ فِي سَّلْقِينِ مَنْ بِالشَّمْسِ تَنْعَقِدُ
وَمِنْ ضِيَائِهَا تِيهُ الدَّهْرِ فِي الْأَبَدِ
مَهَابَةُ الطُّهْرِ فِي عَيْنَيْكِ مُتَّقِدٌ
وَفِي جَبِينِكِ سِرُّ اللَّهِ فِي الْجَسَدِ
كَأَنَّكِ السُّندُسُ الْمَنْشُورُ مِنْ نَدًى
يُمْلِي عَلَى الْوَرْدِ أَسْرَارًا مِنَ الْعَمَدِ
حَنَانُكِ النَّبْعُ، بَلْ أَغْلَى مِنَ الْجُمَانِ، إِذَا
أَصَابَنَا الْجَوْرُ جِئْنَا نَرْتَوِي الْجَلَدِ
وَفِي سُكُونِكِ أُنْسُ اللَّهْفَةِ اتَّقَدَتْ
وَفِي كَلَامِكِ دِفْءُ الْمُلْهِمِ الْأَبَدِ
هُنَاكَ، فِي حِضْنِكِ الشَّامِخْ، تُرَبَّى النُّهَى
وَيُسْقِطُ الْمَجْدُ أَوْرَاقًا عَلَى الْبَلَدِ
إِذَا نَشَرْتِ عَلَى الْأَيَّامِ أُغْنِيَةً
غَنَّى الْوَفَاءُ، وَسَالَتْ دَمْعَةُ السَّنَدِ
كَأَنَّ فِي لَمْسَةٍ مِنْ رَاحَتَيْكِ دُمًى
تُحِيلُ أَحْزَانَنَا وَرْدًا عَلَى الْجَلَدِ
وَإِنْ نَظَرْتِ إِلَى الدُّنْيَا بِلَحْظَةِ حُبٍّ
تَمَايَلَ الْفَجْرُ فِي أَوْصَالِهِ الْوَلَدِ
كَأَنَّكِ الْفَجْرُ، بَلْ أَنْتِ الَّتِي خُلِقَتْ
مِنْ جَفْنِ أَمْجَادِنَا، مِنْ نَفْسِهَا الْأَبَدِ
سَلْ عَنْ سُلُوكِكِ قَوْمًا فِيكِ مَا شَهِدُوا
إِلَّا بِصِدْقِ الْوَفَا وَالْعِفَّةِ الرَّغَدِ
تَصُوغُنَا مِنْ سُلُوكِ الطُّهْرِ أُمْنِيَةً
وَيَشْرَبُ الرُّوحُ مِنْ آدَابِكِ الْأَبَدِ
كَأَنَّ فِي طَيْفِكِ الرَّوْضَ الْمُعَلَّقَ فِي
سَمَاءِ حُبٍّ، عَلَى أَهْدَابِهِ الزَّبَدِ
تُعَانِقِينَ السَّمَاءَ الْآنَ مُبْتَهِجًا
كَأَنَّكِ الْحُورُ، بَلْ أَزْكَى مِنَ الزَّبَدِ
وَفِيكِ نَسَبٌ كَبَدْرِ النُّورِ مَنْزِلَةً
يُبَاهِيهِ فِي ضِيَاءِ الْمَجْدِ مُجْتَهِدِ
كَأَنَّكِ الْعَدْلُ، لَا تَرْضَيْنَ مَظْلَمَةً
وَلَا تُطِيقِينَ أَنْ يُمْسَى الْأَذَى سَنَدِي
تُغِيثُنَا، وَالدُّمُوعُ السُّودُ شَاهِدَةٌ
أَنَّ الْحَنَانَ إِذَا ضَاقَ الْمَدَى بَدِي
وَإِنْ جَفَتْنَا اللَّيَالِي، كُنْتِ سَاجِدَةً
تُنَاجِي رَبًّا، بِقَلْبٍ شَاقِهِ الْأَمَدِ
وَتَشْرَبِينَ مِنَ الْآهَاتِ مُنْحَنِيًا
رَجَاءَ أَنْ يَنْثَنِي لِلْهَمِّ مُفْتَقِدِ
لَكِ السَّنَاءُ الَّذِي لَوْ مَرَّ طَيْفُهُ فِي
لَيْلَةِ ظُلْمٍ، جَلَاهَا وَهُوَ فِي قَصَدِ
يَا زَهْرَةَ الطُّهْرِ، يَا تِيجَانَ مَكْرُمَةٍ
يَا مَنْ عَلَى جَبِينِ الْخَيْرِ مُسْتَنَدِ
كَأَنَّكِ الْآيُ فِي أَخْلَاقِكِ اخْتَصَرَتْ
كُلَّ الْجَلَالِ، وَمَا فِي الْوَحْيِ مِنْ مَدَدِ
أُحِبُّكِ الْأُمُّ فِي قُرْبَاكِ قُدْسُ دَمِي
وَفِي رُبَاكِ، جِنَانُ الطُّهْرِ وَالزَّرَدِ
إِنْ قِيلَ: مَنْ لِلْمَعَالِي الْيَوْمَ يَرْفَعُهَا؟
فَأَنْتِ سَلْقِينُ، أَنْتِ الْمَجْدُ فِي الْبَدَدِ
وَإِنْ تَأَمَّلَتِ الْأَيَّامُ صُورَتَكِ،
أَدْرَكَتِ الرُّوحُ أَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَبِدِ
أُمَّاهُ، إِنْ طَافَتِ الذِّكْرَى بِأَيَّامِنَا
رَأَيْتُ ظِلَّكِ، كَالْأَشْجَارِ فِي الرُّفَدِ
وَفِي خَيَالِي سِرَاجٌ كُنْتِ تُشْعِلُهُ
إِذَا انْطَفَى الدَّرْبُ وَانْسَابَ الْأَسَى الْكَمَدِ
وَفِي دُعَائِكِ أَرْوَاحُ الْمَدَى نَبَضَتْ
فَكُلُّ بَابٍ مِنَ الرَّحْمَنِ لَمْ يُصْدَدِ
مَتَى بَكَيْتُ، أَتَى طَيْفُكِ يُقَبِّلُنِي
كَأَنَّ فِي نَفَسِكِ الْبَلْسَمُ الْمُعْتَدِ
وَفِي سُكُوتِكِ آيَاتٌ مَهِيَبَةُ مَا
تَرَكَتْ فُؤَادًا مِنَ التَّحْنَانِ لَمْ يَرِدِ
فَمِنْكِ عَلِمْتُ مَعْنَى الْمَجْدِ مُذْ وُلِدَتْ
خُطَا رِجَالِي عَلَى نَهْجِ الْوَفَا أَبَدِي
وَسِرْتُ فَخُورًا بِحُلْمٍ كُنْتِ تَغْرِسُهُ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَّضِحَ الدَّرْبُ الْمُمْتَدِ
كَأَنَّ صَبْرَكِ نَهْرٌ مِنْ كَرَامَتِنَا
يُسْقِي الْحُقُولَ، إِذَا مَا الضِّيقُ لَمْ يُجْدِ
وَفِي رَجَائِكِ أَلْطَافٌ مُقَدَّسَةٌ
تُزِيلُ مَا قَدْ يَرَاهُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدِ
أَرَاكِ أُمِّي وَفِيكِ الْأَرْضُ مُجْتَمِعَةٌ
وَفِيكِ أَمْجَادُ قَوْمِي وَالْمُنَى الْغُرَدِ
كَأَنَّكِ الْفَجْرُ يُهْدِي النُّورَ مِنْ كَرَمٍ
وَفِيكِ لِلدَّهْرِ تَارِيخٌ بِلَا عَدَدِ
تُرَبِّينَ النُّبْلَ فِي أَبْنَاءِ سَلْقِينَ، لَا
يَزِيغُ مَجْدٌ عَنِ الْأَخْلَاقِ وَالْمَهْدِ
وَفِي دُعَائِكِ أَسْرَارٌ، بِهَا اتَّحَدَتْ
سَمَاءُ خَيْرٍ، وَأُفُقٌ طَاهِرٌ جَدِدِ
أَرَاهُمُ النُّجَبَاءَ الْيَوْمَ فِي قِمَمٍ
كَأَنَّهُمْ مِنْ كَيَانِ الْعِزِّ وَالرَّشَدِ
أَحْفَادُ طُهْرِكِ، فِي أَعْطَافِهِمْ خُلُقٌ
كَأَنَّهُ السَّيْفُ لَا يَخْشَى مِنَ الْغَمَدِ
سَلْ عَنْكِ أَبْنَاءَكِ الْأَحْرَارَ، مَا سَجَدُوا
إِلَّا لِرَبٍّ عَلَى التَّقْوَى لَهُمْ سَنَدِ
وَمِنْ سَجَايَاكِ نَبْضُ الْعَدْلِ فِي دَمِهِمْ
وَفِي دُرُوبِ الْمَعَالِي أَلْفُ مُعْتَمَدِ
بِتِّ النَّسِيمَ إِذَا مَرُّوا، وَكُنْتِ لَهُمْ
رَبِيعَ قَلْبٍ، يُدَاوِي الْجُرْحَ بِالنَّشَدِ
إِذَا ادَّعَتْ أُمَمُ التَّارِيخِ فَخْرَهُمْ
قُلْنَا: أُمَّهَاتُ سَلْقِينَ بِلَا مَدَدِ
هُنَّ اللَّوَاتِي، إِذَا غَابَ الزَّمَانُ، دَنَا
مِنْ خَفْقِهِنَّ عُلَا الْمَجْدِ الْمُسْتَنَدِ
خِتَامُ شِعْرِي دُعَاءٌ فِيكِ أَكْتُبُهُ
بِحِبْرِ وَجْدٍ، وَخَفْقِ الْقَلْبِ، وَالزَّرَدِ
أُمَّاهُ، يَا نَغْمَةً تُحْيِي الْكَوَاكِبَ إِنْ
صَمَتَتْ نُجُومُ السَّمَاوَاتِ عَنِ الرَّصَدِ
لَكِ السَّلَامُ، فَمَا فِي الْكَوْنِ مِنْ لُغَةٍ
تُجِيدُ وَصْفَكِ يَا سَيِّدَةَ الْمَدَدِ
وَمَا اسْتَطَاعَتْ جُيُوشُ الْحُبِّ تُبْلِغُنِي
حَدَّ الْجَمَالِ الَّذِي فِي طَيْفِكِ الْمُتَّقِدِ
فَإِنْ سَأَلُونِي عَنِ الْأُمَّهَاتِ قُلْتُ لَهُمْ:
أُمَّهَاتُ سَلْقِينَ فَخْرُ الْأَبَدِ لِلْأَبَدِ
385
قصيدة