عدد الابيات : 50
هُنَّ الْأُصُولُ، وَمَجْدُ الْأَرْضِ وَالْأَمَلُ
وَطِيبُ أَصْلٍ، كَنَسْغِ التِّينِ وَالْعَسَلُ
مِنْ رَحِمِهِنَّ بَدَا ضَوْءُ النُّهَى عَلَنًا
وَفِي عُيُونِهِنَّ الْإِشْرَاقُ وَالْقَبَلُ
مِنْهُنَّ فَاضَ عَلَى الْأَجْيَالِ مَوْرِدُنَا
وَكَمْ جَرَى فِي دِمَانَا مَجْدُ مَنْ رَحَلُوا
إِذَا تَكَلَّمَتِ الْأُمَّهَاتُ فِي فَخْرٍ
سَكَتْ كُلُّ الْبَرَايَا، وَانْجَلَى الْجَدَلُ
وَفِي دُعَائِهِنَّ النَّصْرُ مُنْسَكِبٌ
كَأَنَّ فِي الْكَفِّ دَمْعًا مِنْهُ يُغْتَسَلُ
فِي سَلْقِينَ، يَسْرِي الْعِزُّ فِي نَسْجِهَا
كَمَا يَسِيلُ مِنَ الْآيَاتِ مَا نَزَلُوا
نِسَاءُ طُهْرٍ، إِذَا الْأَشْرَافُ ذُكِّرَتِ
فَهُنَّ فَخْرٌ عَلَى التَّارِيخِ يُشْتَمَلُ
وَكَمْ حَمَلْنَ مِنَ الْأَيَّامِ أَثْقَلَهَا
وَمَا تَزَعْزَعْنَ، بَلْ فَاقَتْ بِهِ الْجِبَلُ
وَمَا بَكَيْنَ، وَلَكِنْ فِي سَرَائِرِهِنْ
حُزْنُ الْجِرَاحِ، وَجَمْرُ الْحُلْمِ يَشْتَعِلُ
فِي كُلِّ أُمٍّ، تَرَى الْمَجْدَيْنِ مُجْتَمِعًا
شَرَفَ الْحَسَبِ، وَنُورَ الْعَقْلِ وَالْعَمَلُ
أُمَّهَاتُ سَلْقِينَ، يَا تَاجَ الْمَفَاخِرِ
يَا نَشِيدَ صِدْقٍ، بِهِ الْأَرْوَاحُ تَبْتَهِلُ
إِذَا سَأَلْنَا عَنِ الْمَعْرُوفِ مَنْبَعَهُ
قُلْنَا: بِأَيْدِيهِنَّ الْمَعْرُوفُ يَتكْلَلُ
يُرَبِّينَ أَحْفَادَ فَجْرٍ فِي ضَمَائِرِنَا
يَعْلُو بِهِمْ فِي رُبَى الْآفَاقِ مَا نَزَلُوا
كَأَنَّ فِي كَفِّهِنَّ الْخِصْبَ مُتَّكِئٌ
عَلَى الرَّيَاحِينِ، لَا فَقْرٌ وَلَا خَجَلُ
وَفِي الرِّضَا مِنْ جِبَاهِ الْأُمَّهَاتِ، لَنَا
سَكِينَةٌ، وَسِرَاجٌ لَيْسَ يَشْتَعِلُ
كَأَنَّ صَدْرَ الْأُمِّ مِينَاءُ مَنْ نَفَرُوا
وَفِي حَنِينِ هَوَاهَا يُرْكَنُ الْأَمَلُ
وَمَا نَظَرْنَا إِلَى جُوعٍ، وَلَا عَطَشٍ
إِلَّا وَأُمٌّ عَلَى أَبْوَابِنَا سَأَلُوا
كَمْ دَاوَتِ الْجُرْحَ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ
وَأَطْفَأَتْ فِينَا مِنَ الْآهَاتِ مَا شَعَلُوا
كَأَنَّهَا الْمُزْنُ، إِنْ مَرَّتْ عَلَى ظَمَأٍ
رَوَتِ الْقُلُوبَ، وَعَادَ الْوَرْدُ يَقْتَبِلُ
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ السِّرُّ مِنْ وَلَهٍ
تَهِيمُ فِيهِ قُلُوبٌ شَقَّهَا الْأَمَلُ
أُمَّهَاتُ سَلْقِينَ، يَا خَيْرَ مَنْ وُلِدُوا
مِنْ طِيبِ أَصْلٍ بِهِ الْأَحْرَارُ تَتَّصِلُ
يُضِئْنَ بَيْتَ الْعُلَا فِي اللَّيْلِ، مَا وَهَنُوا
وَلَوْ مَشَيْنَ عَلَى الْأَشْوَاكِ، مَا خَذَلُوا
لَهُمْ لِسَانٌ مِنَ الْأَخْلَاقِ مَسْكَنُهُ
وَفِي الْفِعَالِ، جَلَالُ الطُّهْرِ يَكْتَمِلُ
كَمْ رَبَّيْنَ مِنَ الْأَبْطَالِ قَافِلَةً
تَسْرِي، وَفِي كَفِّهَا التِّبْيَانُ وَالْجُمَلُ
مِنْ صَدْرِ أُمٍّ إِلَى مِيعَادِ عِزَّتِهِمْ
مَضَتْ خُطَاهُمْ، وَبِالْإِخْلَاصِ تَشْتَغِلُ
هُنَّ السَّلَامُ، وَإِنْ ضَاقَ الزَّمَانُ بِنَا
صَارَتْ قُلُوبُهُنَّ لِلْأَرْوَاحِ مُرْتَحَلُ
إِذَا دَعَا طِفْلُهَا، كَانَتْ مُلَبِّيَةً
كَأَنَّ فِي سَمْعِهَا لِلْهُدَى سُبُلُ
وَكَمْ تَرَكْنَ مِنَ الْأَحْلَامِ فِي أَمَلٍ
أَنْ يُزْهِرَ الْعَيْشُ فِي أَبْنَائِهَا الْأُوَلُ
هُنَّ التُّقَى، وَبِهِنَّ السِّرُّ مُنْقَلِبٌ
وَفِي خُطَاهُنَّ، نُورُ الْعَرْشِ مُعْتَدِلُ
وَإِنْ مَشَيْنَ، فَكَالْآيَاتِ قَدْ نَزَلَتْ
مِنَ الْمَدَى، وَاصْطَفَاهَا الْخَالِقُ الْأَجَلُ
كَأَنَّ فِي لَمْسَةِ الْأُمِّ الْبَهَاءُ، وَكَمْ
شَفَتْ يَدَاهَا وَجِيبَ الْقَلْبِ وَالْعِلَلُ
وَفِي ابْتِسَامَتِهَا بُشْرَى مُقَدَّسَةٌ
تَهُزُّ بِالْحُبِّ أَرْكَانًا وَتَشْتَعِلُ
إِذَا بَكَتْ، فَدُمُوعُ الْحُزْنِ أُغْنِيَةٌ
فِيهَا الْحَنِينُ، وَفِيهَا الْعِشْقُ وَالْمُقَلُ
يَا مَنْبَعَ النُّورِ، لَا جُرْحٌ يُعَكِّرُهَا
وَلَا الزَّمَانُ، إِذَا جَارَتْ بِهِ الْحِيَلُ
تَظَلُّ فِينَا، وَلَوْ غَابَتْ عَنِ الْأَنْظَارِ
بِالْمَجْدِ حَاضِرَةً، كَالنَّجْمِ يَبْتَهِلُ
يَا أُمَّ سَلْقِينَ، لَوْ نَادَيْتِ مُغْتَرِبًا
عَادَ الْحَنِينُ، وَمِنْ أَهْدَابِهِ الْأَمَلُ
صَوْتُكِ ذِكْرَى، بِهَا الْأَرْوَاحُ مُنْجَذِبَةٌ
كَأَنَّهَا مِنْ مَقَامِ الْعَرْشِ تَنْدَهِلُ
إِذَا حَضَنْتِ الْفَتَى، زَالَتْ مَتَاعِبُهُ
كَأَنَّمَا صَدْرُكِ الْوِرْدُ الْمُنْعَزِلُ
وَفِي يَدَيْكِ، خَلَاصُ الْأَرْضِ مِنْ كَدَرٍ
كَأَنَّ فِي رَاحَتَيْكِ النُّورُ مُشْتَعِلُ
يَا أُمَّ قَوْمِي، وَيَا تَاجَ الْمَكَارِمِ، يَا
شَرَفَ الْعُصُورِ، وَنُورًا لَيْسَ يَرْحَلُ
إِذَا ذَكَرْتُ اسْمَ أُمِّي، سَالَ مِنْ قَلَمِي
عِطْرُ السِّنِينَ، وَدَمْعُ الْعَيْنِ يُنْهَمِلُ
وَكُلُّ أُمٍّ لَهَا فِي الْقَلْبِ مَنْزِلَةٌ
مَا فَوْقَهَا عِزُّ أَهْلٍ، أَوْ جَلَالُ وَلُ
هِيَ الْحَيَاةُ، وَإِنْ قَالَتْ "رَضِيتُ"، فَذَا
عَهْدُ السَّكِينَةِ، لَا حَرْبٌ وَلَا جَدَلُ
وَإِنْ دَعَتْ، فَتَحَتْ أَبْوَابُهَا قُدُرٌ
كَأَنَّهَا مِنْ دُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ سُبُلُ
وَفِي ابْتِسَامَتِهَا لِلْعُمْرِ بُشْرِيَةٌ
وَفِي سُكُوتِ حَنَانِ الْأُمِّ يَنْتَقِلُ
يَا أُمَّهَاتِي، لَكُنَّ الشِّعْرُ مَا وُجِدَتْ
قَوَافِيَ الْعِزِّ، وَالْأَوْزَانُ، وَالْمُقَلُ
فِيكُنَّ مَجْدِي، وَفِي سِيرَتِكُنَّ مَفْخَرَةٌ
تَجْرِي بِهَا رِكَبُ الْأَمْجَادِ، تَشْتَعِلُ
أَنْتُنَّ تَاجُ الْمَعَالِي فِي سَلْقِينَ، لَا
يُجَارِكُنَّ زَمَانٌ، أَوْ بِهِ خَلَلُ
فَسِرْنَ يَا مَنْ بِأَيْدِيكُنَّ أُمَّتُنَا
عَلَى خُطَى النُّورِ، حَتَّى يُشْرِقَ الْأَمَلُ
وَلِيَكُنْ دُعَاؤُكُنَّ لَنَا سَحَابَةَ حُبٍّ
تُظِلُّنَا، وَعَلَى الْجَنَّاتِ تَشْتَمِلُ
374
قصيدة