عدد الابيات : 40
أَيَا "نِزَارُ"، قُلْ لِي، هَلْ كَتَبْتَ جَمَالَهَا؟
هَلْ أَمْسَكْتَ الْحُسْنَ فِي قَبْضَةِ الْقَلَمِ؟
هَلْ خَاضَتِ الْكَلِمَاتُ بَحْرَ ابْتِسَامَتِهَا؟
أَمْ غَرِقَتْ فِي ضِفَافِ الْوَجْهِ وَالْحُلُمِ؟
عُيُونُهَا... إِنْ نَظَرْتَ، تَرَى السَّمَاوَاتِ
تَسِيرُ فِي دَرْبِ الْهَوَى دُونَمَا نَدَمِ
وَشَعْرُهَا... لَا اللَّيْلُ يَحْكِي عَنْ سَوَادِهِ
وَلَا النُّجُومُ تُضَاهِي حُسْنَ مُلْتَزَمِ
أَنَا هُنَا، يَا نِزَارُ، أُحْيِي قِيثَارَتَكَ
لَكِنَّنِي الْيَوْمَ حَطَّمْتُهَا عَلَى عَلَمِ
حَبِيبَتِي تَاجُ الشِّعْرِ فَوْقَ مَنَابِرِنَا
تَعْلُو، وَتُبْهِرُنَا كَالشَّمْسِ فِي الْقِمَمِ
أَنَا الَّذِي كُسِرَتْ أَمَامَ شِعْرِي مَمَالِكٌ
وَأَعْلَنَتِ الْأَقْمَارُ حُبِّي عَلَى الْأُمَمِ
هِيَ كُلُّ أَسْرَارِ الْهَوَى فِي بَسْمَةٍ
كَأَنَّهَا صُبْحٌ تَنَفَّسَ هَوَى النَّسَمِ
يَا نِزَارُ، أَظَنَنْتَ بَحْرَ قَصِيدَتِي
كَبَحْرِكَ الْمُنْسَابِ فِي نَهْرِ الْعَدَمِ؟
قَصَائِدِي تَصْعَدُ كَالنَّارِ فِي لَهَبٍ
تُعِيدُ لِلْحُبِّ تَاجًا فَوْقَ مُعْتَصَمِ
أَمَا كَتَبْتَ عَنْ يَدَيْهَا؟ ذَاكَ مُعْجِزَةٌ
كَأَنَّهَا الْبَدْرُ يَسِيرُ فَوْقَ الْأَنْجُمِ
وَأَمَا وَصَفْتَ حَدِيثَ عَيْنَيْهَا؟ فَإِنَّهَا
لُغَةُ الْجَمَالِ الَّتِي تُحْيَا عَلَى الْقِيَمِ
هِيَ قُبْلَتِي، وَصَلَاتِي فِي سَمَاوَاتِي
وَهِيَ الْكِتَابُ الَّذِي آمَنْتُ مِنْ قِدَمِ
يَا نِزَارُ، اسْمَعْ: قَصِيدَتِي تَرْتَقِي
كَمَا النُّجُومُ، فَلَا تَرْجِعْ إِلَى النَّدَمِ
إِنْ كُنْتَ قَدْ سَطَرْتَ حُبًّا فِي شِعْرِكَ
فَأَنَا الَّذِي جَعَلْتُهُ تَاجًا عَلَى الْعَلَمِ
أَنَا الَّذِي حَمَلْتُ فِي كَفِّي مَجَرَّاتٍ
وَصُغْتُ مِنْهَا شُمُوسَ الْحُبِّ وَالْغَرَمِ
هِيَ فِي دَمِي نَبْضُ الْحَيَاةِ إِذَا خَفَتَ
وَهِيَ الْجَوَابُ إِذَا ضَاعَتْ يَدُ الْقَلَمِ
أَسْمَعُ حَدِيثَ هَوَاهَا بَيْنَ أَنْفَاسِي
كَأَنَّهَا وَحْيٌ يُمْلَى هَمْسًا عَلَى حُلُمِ
أَقْسَمْتُ بِالشَّعْرِ، لَا شَيْءٌ يُضَاهِينِي
إِذَا ذَكَرْتُ عُيُونَهَا أَوْ ذِكْرَ مُبْتَسِمِ
يَا نِزَارُ، شِعْرِي لَيْسَ كَلِمَاتٍ تُقَالُ
هُوَ لَهِيبٌ يَشْتَعِلُ فِي قَلْبِ وَكُلِّ فَمِ
تَحَدَّثْتُ عَنْ خَدِّهَا، فَاسْتَحْيَا الْوَرْدُ
وَسَكَتَ الْمِسْكُ، كَأَنَّ الْحُسْنَ لَمْ يُسَمِّ
هِيَ قَمَرٌ يَرْقُصُ النَّدَى تَحْتَ ظِلِّهِ
وَشَمْسُ ضَحَكَاتِهَا تُحْنِي سَمَا الْغَيْمِ
يَا أَنْتَ، كَيْفَ يَجْرُؤُ الْغَيْمُ أَنْ يُخْفِيهَا
وَهِيَ الْمَطَرُ الَّذِي يُعِيدُ لَوْنَ الدَّمِ
كُلُّ الْجَمَالِ الَّذِي قِيلَ قَدِ اخْتَصَرْتُهُ
فِيهَا، وَفِي دِفْءِ يَدَيْهَا إِذَا الْتَحَمِ
أَنَا الْهَوَاءُ الَّذِي يَغْزُو مَسَامَاتِكَ
حَتَّى تُذِيبَكَ أَنْفَاسِي بِلَا نَدَمِ
أَنَا الَّذِي سَكَبْتُ الْعِشْقَ مِنْ عَيْنَيْهَا
حَتَّى شَرِبْتَ جَمَالَ الْكَوْنِ مِنْ قِدَمِ
هِيَ أُسْطُورَةُ النِّسَاءِ الَّتِي خُلِقَتْ
مِنْ كُلِّ حُسْنٍ، وَمِنْ أَسْرَارِ كُلِّ يَمِ
يَا نِزَارُ، دَعْ قَلَمَكَ يَرْتَاحُ فِي دَهْشَةٍ
فَقَدْ خَطَوْتُ مَمَالِكَ السِّحْرِ بِالْحُلُمِ
أَقُولُ فِي وَصْفِهَا مَا لَمْ يَقُلْهُ بَشَرٌ
وَأَجْعَلُ الْحَرْفَ نَارًا دُونَ مَا أَلَمِ
ثَوْبُ الْحَيَاءِ عَلَى خَدِّهَا يَنْطِقُ عِشْقًا
كَأَنَّهُ الْمَطَرُ الْأَوَّلُ عَلَى شَجَرِ الْعَدَمِ
عَيْنَاهَا؟ لَا، هُمَا فِي أَصْلِهَا شِعْرَانِ
يَرْسِمَانِ مَجْدَ الْهَوَى فِي وِجْدَانِ الْأُمَمِ
شَعْرُهَا لَيْلٌ يُطِلُّ مِنْهُ السَّحَرُ
تَتْبَعُهُ أَرْوَاحُ الْعُشَّاقِ فِي نَغَمِ
لَا تَسْأَلُونِي عَنْ جَمَالِهَا، يَكْفِيكُمْ
أَنَّ فِي ابْتِسَامَتِهَا يُمْحَى كُلُّ أَلَمِ
يَا نِزَارُ، أَتَيْتُكَ بِقَصِيدَتِي كَمَا
يَأْتِي النَّسِيمُ إِلَى وَرْدِ الرَّبِيعِ حَمِ
أَكْتُبُ الْحُبَّ، لَكِنْ لَيْسَ مِثْلَكَ خَطْفًا
بَلْ أُنْقِذُ الْعَاشِقِينَ مِنْ وَجَعِ الظُّلْمِ
كَتَبْتَ "قَارِئَةَ الْفِنْجَانِ"، وَمَاذَا بِهَا؟
أَنَا قَارِئُ الْكَوْنِ مِنْ شَمْسِهَا وَالنَّجْمِ
كَتَبْتَ عَنِ الْأُنْثَى حِكَايَاتِ عَصْرِهَا
لَكِنْ حَبِيبَتِي قَصِيدَةٌ تَأْبَى الْخُطُمِ
هِيَ الْقَصِيدَةُ الَّتِي إِنْ بُثَّتْ عَبْرَ كَوْكَبٍ
صَارَ الْغَمَامُ عَلَى خَدِّ الْأَرْضِ مُرْتَمِ
صَوْتُهَا نَايٌ يَعْزِفُ بَيْنَ أَضْلَاعِي
وَأَنْفَاسُهَا عِطْرٌ يُحِيلُ اللَّيْلَ مُنْتَمِ
شَفَتَاهَا؟ تَقُولُ حُبًّا يَفُوقُ لُغَتَنَا
كَأَنَّ الشِّعْرَ فِي شَفَتَيْهَا وُلِدَ يَتِمِ
380
قصيدة