عدد الابيات : 100
طباعةأَطَلَّتْ مَلَامِي فِي الْحِسَانِ الْكَوَاعِبِ
وَهَلْ كَانَ لَوْمُ الْحُبِّ غَيْرَ الْمَصَاعِبِ؟
رُوَيْدَكَ لَا تَعْجَلْ فَإِنِّي مُعَاهِدٌ
عَلَى أَنَّنِي لِلْحُبِّ خَيْرُ الْمَجَاذِبِ
سَلَوْتُ وَلَكِنَّ الذِّكْرَ يَبْقَى مُؤَرِّقًا
فَكَيْفَ أُرِيحُ الْقَلْبَ مِنْ طَيْفِ صَاحِبِ؟
أَيَا قَلْبُ، دَعْ مَا كُنْتَ فِيهِ فَإِنَّهُ
غُرُورٌ كَظِلٍّ زَائِلٍ غَيْرِ وَاثِبِ
نَظَرْتُ إِلَى عَيْنَيْ حَبِيبٍ فَخَالَنِي
غَرِيقًا بِبَحْرٍ مِنْ جَمَالِ الْعَوَاجِبِ
فَقُلْتُ أَفِقْ يَا قَلْبُ، مَا الْحُبُّ مَشْرَبٌ
يَلِيقُ بِعَقْلٍ أَوْ فُؤَادِ الْمُجَانِبِ
فَأَقْسَمْتُ أَنْ أَتْرُكَ هَوَاهَا وَلَكِنْ
بَقِيتُ رَهِينَ الذِّكْرِ بَيْنَ الْحَوَاجِبِ
فَلَا تَلُمِ الْعُشَّاقَ إِنْ ذَابَ قَلْبُهُمْ
فَإِنَّ الْهَوَى نَارٌ عَلَى الصَّبْرِ الْغَوَالِبِ
وَكَمْ قَدْ هَرَبْتُ مِنْ غَرَامٍ مُبَرِّحٍ
وَلَكِنَّنِي عُدْتُ إِلَى الْحُزْنِ رَاكِبِ
فَأَيْنَ الْمَفَرُّ مِنَ الْهَوَى حِينَ صَوْلَتِهِ
وَكَيْفَ أَعِيشُ الدَّهْرَ دُونَ الْوَاجِبِ؟
أَمَا إِنَّنِي لَوْلَا الْغَرَامُ لَمَا شَكَى
فُؤَادِي وَجَوْرَ الْهَجْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
وَلَمْ أَبْكِ إِلَّا حِينَ بَانَتْ عُهُودُهَا
وَعَادَتْ إِلَى وَعْدٍ كَطَيْفِ الْكَوَاعِبِ
أَمَا آنَ لِلْقَلْبِ الْكَسِيرِ تَسْلِيَةٌ
أَمَا آنَ لِلْحُبِّ الْجَرِيحِ بِشَاغِبِ؟
أُعَاتِبُهَا وَالْقَلْبُ يَزْفِرُ حَسْرَةً
كَطَيْرٍ جَرِيحٍ فَوْقَ جُرْحٍ مُرَاغِبِ
وَقُلْتُ أَيَا قَلْبُ اسْتَرِحْ مِنْ مَلَامِهَا
وَدَعْهَا عَلَى مَا تَخْتَفِي فِي الْعَوَاقِبِ
سَلَوْتُكَ يَا مَنْ كُنْتِ طَيْفًا مُعَطَّرًا
وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ غَيْرُ النَّوَائِبِ
فَإِنْ عُدْتِ يَوْمًا لِلْهَوَى فِي رِحَابِهِ
فَلَسْتُ الَّذِي يَبْقَى أَسِيرَ الْمَعَاتِبِ
كَفَى، قَدْ سَئِمْتُ الْبُعْدَ وَالْقَلْبَ مُرْهَقًا
فَمَنْ لِي بِرَاحَةٍ مِنَ الدَّهْرِ وَاجِبِ؟
وَإِنْ جَاءَنِي طَيْفٌ لَهَا فِي مَنَامَتِي
صَحَوْتُ وَقُلْتُ: الْوَهْمُ كَالرِّيحِ ذَاهِبِ
فَلَا تَلُمِ الْقَلْبَ الَّذِي بَاتَ تَائِبًا
إِذَا مَا رَأَى حُبًّا عَظِيمًا مُجَاذِبِ
فِدَاؤُكَ نَفْسِي يَا كَرِيمَ الْمَآرِبِ
وَيَا مَانِحَ الْمَعْرُوفِ فَوْقَ الْمَوَاكِبِ
تَجُودُ كَغَيْثٍ لَا يَمَلُّ سَخَاؤُهُ
كَأَنَّكَ نَجْمٌ فِي الْعَطَاءِ السَّحَائِبِ
وَإِنْ ذَكَرَتْ أَسْمَاؤُكَ الْخَيْرَ هَزَّهَا
شَذَاكَ كَعِطْرٍ فِي بَسَاتِينِ ثَاوِبِ
أَيَا مَنْبَعَ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ مَحْفَلٍ
يَهَابُكَ ذُو حِقْدٍ وَيَنْأَى الْكَوَاذِبِ
فَفِي كُلِّ جُودٍ أَنْتَ أَسْنَى مَظْهَرٍ
وَفِي كُلِّ عِزٍّ أَنْتَ أَرْفَعُ طَالِبِ
وَإِنْ قِيلَ: مَنْ يُرْجَى إِذَا حَلَّ مُعْضِلٌ؟
أُشِيرُ إِلَيْكَ دُونَ شَكٍّ وَصَاحِبِ
عَظِيمٌ تَهَابُ الْأَرْضُ ظِلَّكَ حِينَمَا
تَطُوفُ كَطَوْدٍ شَامِخٍ غَيْرِ خَائِبِ
تُضَاهِي الثُّرَيَّا فِي عُلَاهَا وَرِفْعَتِهَا
وَتَرْقَى بِعَزْمٍ فَوْقَ أُفُقِ الْمَذَاهِبِ
كَرِيمُ الْأَيَادِي، مَا رَأَيْتُ مَثِيلَهُ
وَلَا مِثْلَ عَزْمِهِ بَيْنَ كُلِّ الْأَصَاحِبِ
فَأَنْتَ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ ذِكْرُهُ
كَصَوْتٍ شَجِيٍّ فِي الصُّدُورِ الرَّاهِبِ
هَجَوْتُ حَسُودًا كَانَ يَسْعَى بِمَكْرِهِ
فَأَغْرَقْتُهُ فِي بَحْرِ شِعْرٍ مَتَاعِبِ
وَقُلْتُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَرْمَ عَاقِلًا
فَإِنَّ الرَّدَى فِي حِقْدِهِ غَيْرُ كَاسِبِ
أَتَانِي بِخُبْثٍ، وَاللِّسَانُ كَخِنْجَرٍ
فَوَاجَهْتُهُ حَتَّى اسْتَحَالَ كَالسَّلَاهِبِ
فَإِنْ كُنْتَ تَرْجُو لِي هَلَاكًا فَإِنَّنِي
قَوِيٌّ بِأَشْعَارِي كَحَرْبِ الضَّرَائِبِ
وَكَمْ مِنْ حَسُودٍ قَدْ أَرَادَ بُغْيَتِي
فَرُدَّ بِفَضْلٍ مِنْ عَزِيزِ الْمَطَالِبِ
تَرَدَّى ثِيَابَ الذُّلِّ وَالْحِقْدِ جَهْرَةً
وَظَنَّ بِأَنَّ الْغَدْرَ خَيْرُ الْمَكَاسِبِ
وَلَكِنَّنِي فَوْقَ السِّمَاكِ مَكَانَةً
فَلَا يَنْفَعُ الْحِقْدُ الْقُلُوبَ الْخَرَائِبِ
فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَهْجُوَ الْمَزِيدَ لَزُلْزِلَتْ
قُلُوبٌ تَخَافُ الْمَدْحَ عِنْدَ الْغَرَائِبِ
وَلَكِنِّي أَرْفَعْتُ عَنْهُمْ مَلَامَتِي
وَقُلْتُ: دَعِي الْأَيَّامَ تَكْشِفُ الْغَيَاهِبِ
فَإِنْ كَانَ لِلْحَقِّ النَّصِيبُ فَأَهْلُهُ
سَيَبْقَوْنَ فَوْقَ الْجَاهِلِينَ الْأَقَارِبِ
أَلَسْتُمْ لَنَا الْأَصْلَ الْكَرِيمَ، وَمَنْبَعًا
كَرِيمًا بِأَفْعَالٍ تُزِيحُ الْكَوَارِبِ؟
وَمِنْكُمْ سَمَا الْمَجْدُ الْعَرِيقُ مَكَانَةً
كَطَوْدٍ يُطَاوِلُ فِي الْعُلَا كُلَّ شَاهِبِ
نُفَاخِرُ بِالْأَسْلَافِ مِنْ كُلِّ مَوْطِنٍ
وَنَرْقَى بِعِزٍّ فِي الْخُطُوبِ النَّوَاصِبِ
إِذَا مَا تَفَاخَرْنَا بِكُمْ فِي مَجَالِسٍ
فَإِنَّا عَلَى كُلِّ الْفَخَارِ مُغَالِبِ
وَهَلْ يُدْرِكُ الْحُسَّادُ مَا نَحْنُ أَهْلُهُ؟
فَلَا كَفُّهُمْ يَوْمًا سَتَبْلُغُ مَنَاصِبِي
سَلِيلُ الْمَعَالِي، وَالْمَكَارِمُ تَاجُنَا
نُجِلُّ بِهَا الْآبَاءَ مِنْ كُلِّ نَاسِبِ
فَنَحْنُ رُوَاةُ الْعِزِّ نَسْلًا وَمَجْدُنَا
كِتَابٌ بِأَفْعَالِ الْكِرَامِ الْمَنَاقِبِ
إِذَا مَا أَضَاءَ الْفَخْرُ فِينَا فَشُعْلَةٌ
تُضِيءُ مَدَى الْأَزْمَانِ كَالنَّجْمِ ثَاقِبِ
وَفِي كُلِّ أَرْضٍ نَسْتَقِيمُ أَسْيَادًا
يَهَابُ لِقَاءَ الْعِزِّ كُلُّ الْأَطَايِبِ
فَمَا نَحْنُ إِلَّا لِلْكِرَامِ أَمَانَةٌ
وَأَبْنَاءُ فَخْرٍ لَا يُضَاهِيهِ كَاسِبِ
أَيَا مَنْ جَفَانِي، هَلْ أَعُودُ بِرَحْمَةٍ
إِلَى ظِلِّكَ الْغَالِي كَعَوْدِ السَّحَائِبِ؟
أَخْطَأْتُ، فَهَلْ تَغْفِرُ ذُنُوبِي بِمَحْفَلٍ
وَأَلْقَى رِضَاكَ الْعَذْبَ بَعْدَ الْمَتَاعِبِ؟
أَمَا قَدْ رَأَيْتَ الْقَلْبَ يَشْكُو لَوْعَةً
كَطَيْرٍ أَضَاعَتْهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِبِ؟
إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ أَكُونَ مُعَذَّبًا
فَقَدْ نَالَنِي مَا كَانَ فَوْقَ الْمَصَائِبِ
أَيَا بَدْرَ حُسْنٍ فِي السَّمَاوَاتِ شَامِخًا
دَعِ اللَّيْلَ يَغْدُو بِالْوِصَالِ الْأَحَابِبِ
أَنَا الْعَاشِقُ الْمِسْكِينُ فِي الْحُبِّ تَائِهٌ
فَهَلْ لِي بِشَطٍّ مِنْ حَنَانِ الْمَرَاكِبِ؟
كَتَبْتُ إِلَيْكَ الشِّعْرَ دَمْعَةَ نَادِمٍ
أُرِيقُ بِهَا رُوحِي كَفَيْضِ الْمَشَارِبِ
فَإِنْ كُنْتَ حَقًّا ذَا صَفُوحٍ وَرَافَةٍ
فَاغْفِرْ، وَلَا تَتْرُكْنِي رَهِينَ الْمَعَاتِبِ
أُعَاهِدُكَ الْحُبَّ الَّذِي لَا يَنْتَهِي
كَنَبْعٍ تَظَلُّ الْأَرْضُ فِيهِ كَالسَّحَائِبِ
أَيَا غَائِبَ الْأَنْسَامِ، هَلْ لِي بِلَحْظَةٍ
تُعِيدُ بِهَا شَوْقَ الْقُلُوبِ الْعَذَائِبِ؟
أَيَا دَارَ دُنْيَا لَا يَفِيكَ سَرَابُهَا
أَأَنْتِ مَرَامُ الْعَقْلِ أَمْ وَهْمٌ خَائِبِ؟
غَرَّرْتِ أُلُوفًا بِالْحُطَامِ وَزِينَةٍ
وَمَا أَنْتِ إِلَّا حُلْمُ لَيْلٍ ذَاهِبِ
سَعَيْتُ إِلَى مَجْدٍ بَعِيدٍ كَأَنَّهُ
غَمَامٌ تَبَدَّى فِي السَّمَاءِ الْمَرَاتِبِ
إِذَا مَا رَجَوْتُ الْعُمْرَ زَادَ عَنَاؤُهُ
كَرَكْبٍ عَلَى دَرْبِ الْهَلَاكِ الْمَنَاكِبِ
أَيَا زَاهِدًا فِي عَيْشِهَا، هَلْ رَأَيْتَهَا
تُعِيدُ كِرَامًا أَوْ تُدِيمُ الْحَسَائِبِ؟
فَمَالِي بِهَا قَلْبٌ يَحِنُّ لِصَخَبِهَا
وَمَالِي بِهَا حُبٌّ كَصَوْتِ النَّوَادِبِ
أَعِيشُ كَطَيْرٍ فِي الْفَلَاةِ مُهَاجِرًا
أُلَاقِي حَيَاةً فَوْقَ نَهْرِ الْمَشَارِبِ
وَإِنْ نِلْتُ مِنْهَا لَحْظَةً زَادَ حُزْنُهَا
كَأَنَّ ابْتِسَامَاتِ الْجَمَالِ الْعَوَاقِبِ
دَعُونِي وَشَأْنِي فِي زَوَايَا مَعْبَدِي
أُرَتِّلُ ذِكْرَ اللَّهِ فَوْقَ الرَّغَائِبِ
فَمَا زَادَ حُبُّ الزُّهْدِ إِلَّا طُمَأْنَةً
وَمَا كَانَ لِلدُّنْيَا عَلَيَّ مَآرِبِ
دَعِ الْعَيْشَ يُمْضِي أَمْرَهُ دُونَ حَيْرَةٍ
فَإِنَّ الْقَدَرَ يَجْرِي بِسَيْفِ الْمَكَاتِبِ
وَلَا تَطْلُبِ الدُّنْيَا بِلَهْوٍ وَحِيلَةٍ
فَخَيْرُ الْعُقُولِ حَازِمٌ غَيْرُ رَاهِبِ
إِذَا كُنْتَ تَرْجُو الْمَجْدَ فَاصْبَرْ لِحِكْمَةٍ
فَإِنَّ الْمَدَى لَا يُدْرِكُ بِالْعَيْنِ خَائِبِ
وَلَا تَغْتَرِرْ يَوْمًا بِمَكْرِ عَدُوِّكُمْ
فَكَمْ قُطِعَتْ أَيْدِي الْخِيَانَةِ صَائِبِ
أَرَى النَّاسَ كَالْأَمْوَاجِ تَهْفُو لِجَمْعِهَا
وَمَالُ الْبَرَايَا فِي النِّهَايَةِ ذَاهِبِ
فَإِنْ كُنْتَ فِي بَحْرِ الْحَيَاةِ سَفِينَةً
فَخُذْ حِكْمَةَ الْمَوْجِ الْعَتِيدِ الْمُجَانِبِ
وَمَا نَالَ عِزَّ الْمَرْءِ إِلَّا بِتَقْوَى
وَمَا ذُلَّ إِلَّا مَنْ جَفَا خَيْرَ صَاحِبِ
أَقِمْ صَرْحَ عَدْلٍ بَيْنَ أَهْلِكَ دَائِمًا
تَكُنْ فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَالظِّلِّ كَاسِبِ
وَصَاحِبْ أُنَاسَ الْخَيْرِ وَاطْلُبْ مَوَدَّةً
فَإِنَّ الْكَرِيمَ فِي الْأَنَامِ مُصَاحِبِ
وَهَبْ كُلَّ مَنْ تَلْقَاهُ عَفْوًا وَصَفْحَةً
تُخَلَّدْ بِحُبٍّ فِي النُّفُوسِ الْأَرَاقِبِ
تَأَمَّلْ جَبِينَ الْأَرْضِ فِي الْفَجْرِ مُشْرِقًا
كَوَجْهِ مَلِيحٍ لَاحَ فِي خَمْرٍ جَاذِبِ
وَزَهْرُ الرَّوَابِي فِي الرَّبِيعِ كَأَنَّهُ
عَذَارَى تَخْطُو بَيْنَ نُورِ اللَّبَائِبِ
وَنَهْرٌ تَلَأْلَأَ كَاللُّجَيْنِ جَرَيَانُهُ
يَسُرُّ عُيُونَ الْعَاشِقِينَ الرَّغَائِبِ
وَشَمْسٌ إِذَا مَا غَابَتِ الْعَيْنُ خَلْفَهَا
تَبَسَّمَتِ الدُّنْيَا بِلَيْلٍ مُصَاحِبِ
وَأَطْيَارُ أَفْنَانٍ تُغَرِّدُ عَذْبَهَا
كَأَنَّ صَدَاهَا نَفْحَةٌ مِنْ مَذَاهِبِ
وَرِيحٌ تَمُرُّ الْأَرْضَ هَمْسًا كَأَنَّهَا
حِكَايَةُ حُبٍّ بَيْنَ جَفْنِ الْكَوَاعِبِ
وَمَوْجُ الْبِحَارِ حِينَ يَضْرِبُ سَاحِلًا
يُدَوِّي كَنَغْمِ النَّايِ بَيْنَ الْأَصَاحِبِ
وَلَيْلٌ إِذَا مَا أَرْخَى سِتْرَ غُمُوضِهِ
تُضِيءُ نُجُومٌ كَالشُّعَاعِ الْمُحَارِبِ
أَيَا سِحْرَ كَوْنٍ قَدْ أَتَيْتَ بِمُعْجِزَةٍ
تُحَيِّرُ عُقُولَ الْفِكْرِ بَيْنَ الْجَوَانِبِ
أُحِبُّكِ يَا دُنْيَا جَمَالٍ وَسِحْرِهِ
فَأَنْتِ لِأَحْلَامِي مَكَانُ الْمَنَاقِبِ
أَيَا نَفْسُ، هَلْ فَكَّرْتِ فِي الْمَوْتِ سَاعَةً
وَهَلْ قَدْ عَلِمْتِ الْعَيْشَ ظِلَّ الْكَوَاكِبِ؟
مَضَيْنَا كَمَا يَمْضِي السَّحَابُ سَرِيعَةً
وَمَا الْعُمْرُ إِلَّا رِحْلَةٌ غَيْرُ رَاكِبِ
نُعَانِقُ آمَالًا كَظِلٍّ نُطَارِدُهُ
وَنَسْعَى لِزَهْرٍ ذَابَ فَوْقَ الْمَنَاصِبِ
وَهَلْ فِي بَقَايَا الْأَرْضِ غَيْرُ نِهَايَةٍ
تَصُوغُ لَنَا الْأَكْفَانَ مِنْ كُلِّ دَابِبِ؟
أَيَا قَبْرُ، إِنَّا فِيكَ صِرْنَا تَسَاوِيَا
غَنِيُّ الْبَرَايَا وَالْفَقِيرُ الْمُقَارِبِ
فَلَا تَحْزَنُوا إِنَّ الْحَيَاةَ كَذُوبَةٌ
وَإِنَّ الرَّجَاءَ فِي الْخُلُودِ الْمَطَالِبِ
نُجَاهِدُ حَتَّى لَا نَمُوتَ بِحَسْرَةٍ
وَلَكِنَّنَا نَلْقَى الْحُتُوفَ الْمُجَانِبِ
فَدَعْ ذِكْرَيَاتِ الْعَيْشِ تُزْهِرُ بَيْنَنَا
كَأَنَّ السِّنِينَ زَهْرُ حُلْمٍ مُغَالِبِ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا سَلْوَةُ الْقَلْبِ سَاعَةً
تُضِيءُ لَنَا لَيْلًا وَتَفْنَى كَالْعَوَاقِبِ
فَأَكْرِمْ حَيَاتَكَ بِالْفَضَائِلِ وَارْتَقِ
فَذِكْرُ الْكَرِيمِ خَالِدٌ لَا يُوَارِبِ
401
قصيدة