عدد الابيات : 30
سَكَنَ الْجَمَالُ بِصَوْتِ سَارَةَ فَانْجَذَبْ
مِنْهُ السُّكُونُ، وَمَالَ عَنْهُ الْمُضْطَرِبْ
هِيَ فِي الْحُضُورِ كَأَنَّ فَجْرًا قَدْ سَنَا
يَهْدِي النَّهَارَ وَيَسْتَثِيرُ بِهِ الشُّهُبْ
يَا مَنْ لَهَا مِنْ سِحْرِهَا مَا أَدْهَشَ
الْأَرْوَاحَ حَتَّى خَرَّ مِنْهَا مَنْ عَجِبْ
يَا طَيِّبَ الْأَنْفَاسِ، يَا بَوْحَ الرُّؤَى
يَا بَسْمَةً فِي الْحَرْفِ تُزْهِرُ إِنْ كَتَبْ
أَقْبَلْتِ وَالشُّعَرَاءُ صَمْتٌ خَلْفَهَا
وَلِسِحْرِ صَوْتِكِ لَمْ يَزَلْ صَوْتُ الرَّهَبْ
تَمَهَّلِي، يَا سَارَةُ بِسِحْرِ الْأَلْفَاظِ
لَا تُسْرِعِي، فَالشِّعْرُ يُؤْذِيهِ الْخَبَبْ
وَاسْكُنِي حَرْفَ الْجَمَالِ بِنُطْقِهِ
وَامْنَحِيهِ الْحُسْنَ مِنْ فَيْضِ الْأَدَبْ
فَصَوْتُكِ الْمَسْحُورُ إِنْ هَمَسَ الدُّجَى
أَصْغَى لَهُ الْوَرَقُ الْمُعَنَّى بِالذَّهَبْ
لَكِ نَبْرَةٌ، فِيهَا الرَّحِيقُ مُقَطَّرٌ
كَأَنِينِ نَايٍ فِي الرُّبَى حَلُمَ السُّحُبْ
فَارْفُقِي حُنُوًّا بِالْحَرْفِ، لَا تُلْقِيهِ
فِي عَجَلٍ، يُنْسِي الْقَوَافِيَ مَا وَهَبْ
وَاشْرَبِي الْآهَاتِ مِنْ نَصِّ الْهَوَى
وَاسْكُبِيهَا فَوْقَ أَرْوَاحِ الطَّرَبْ
صَوْتُكِ الْآتِي كَغَيْثِ الْمُشْتَهَى
يُرْوِي الْحَنِينَ إِذَا تَوَانَى وَاحْتَجَبْ
يَهْدِي إِلَى الْمَعْنَى سَنَاهُ، كَأَنَّهُ
قَمَرٌ تَهَادَى فِي الدُّجَى بِالْعَرَبْ
لَكِ فِي الْفَصَاحَةِ مَوْطِنٌ مَا بَلَغَتْ
فِيهِ الْبُلَغَاءُ وَلَا اسْتَوَى فِيهِ النَّجَبْ
وَفِي الْبَيَانِ، إِذَا نَطَقْتِ، جَلَالُهُ
يَهْدِي الْمَعَانِي رَوْنَقًا، يَسْمُو وَيَهَبْ
كُلُّ الْحُرُوفِ إِذَا مَرَرْتِ بِصَوْتِهَا
عَادَتْ كَوَرْدٍ فَوْقَ جَدْوَلِهَا انْسَكَبْ
فَاقْرَئِي مَا شِئْتِ لَكِنْ بِبُطْءِ مَنْ
يَهْدِي الدُّنَا لَحْنًا، وَيَهْمِسُ لِلْعُصُبْ
وَأَبْرِزِي لَحْنَ الْحَرْفِ كَأَنَّكِ مُبْدِعٌ
نَحَتَ الرُّؤَى فِي صَخْرِهَا حَتَّى غَلَبْ
وَأَنِيرِي الْحُسْنَ لِنُطْقِ الْحُرُوفِ، كَمَا
يُنْبِتُ رَوْضَ الْقَوْلِ جُودُكِ وَالْعَجَبْ
سَارَةُ، يَا سِحْرَ الْقَصَائِدِ إِنْ نَمَتْ
فِي رَاحَتَيْكِ، كَأَنَّهَا نَبْضٌ لِلْكُتُبْ
هُنَّ الْحُرُوفُ لَدَيْكِ طَوْعُ نُفُوسِنَا
فَإِذَا نَطَقْتِ، تَهَلَّلَتْ تِلْكَ الرُّتَبْ
كَأَنَّ لِصَوْتِكِ هَمْسَ الْمُلْهَمِينَ
وَلِعَيْنَيْكِ بَرْقٌ لَا يُرَى إِلَّا وَيَهَبْ
فَارْفُقِي، وَارْقِي، وَخَلِّي لِلْهُدَى
دَرْبًا يَسِيرُ بِهِ الْبَيَانُ إِذَا اقْتَرَبْ
وَاجْعَلِي مِنْ صَوْتِكِ الْجِسْرَ الَّذِي
يَجْرِي عَلَيْهِ جَمَالُ شِعْرِي بِالْهَدَبْ
أَنْتِ الَّتِي بِاللَّحْنِ تُحْيِينَ الدُّنَا
فَإِذَا سَكَتِّ، تَوَقَّفَ الزَّمَنُ وَغَضِبْ
سَارَةُ، وَخَتْمُ الْقَوْلِ لَحْنٌ صَاعِدٌ
فِي سُلَّمِ الْإِبْدَاعِ يَسْمُو وَيَغْتَرِبْ
كُونِي لِمِعْرَاجِ الْمَعَانِي سُلَّمًا
وَامْلَئِي بِالْأَمَلِ الْمُضِيءِ لَنَا الدَّرَبْ
اقْرَئِي، فَإِلْقَاؤُكِ لَحْنُ سِحْرٌ قَائِمٌ
تُنْسَى الْحُرُوفُ إِذِ تَرَجَّلْتِ، وَيُنْتَسَبْ
وَاجْعَلِي لِكُلِّ قَصِيدَةٍ مِنْكِ الْمَدَى
وَمَقَامَهَا الْأَسْمَى إِذَا عَزَّ الطَّلَبْ
فَالْكَوْنُ فِي نُطْقِ الْجَمِيلِ تَأَمُّلٌ
وَسَرِيرَةٌ بِالْعِطْرِ تَسْرِي فِي الْأَدَبْ
463
قصيدة