عدد الابيات : 93
طباعةوَاقْنَعْ بِقَسْمَتِكَ الَّتِي جُعِلَتْ لَكَ
فَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ وَلَنْ يَتَعَطَّبُ
وَاذْكُرْ دِمَشْقَ جَلَتْ بِمَجْدِ عَزِيمَةٍ
فَهِيَ الْحَضَارَةُ تَحْتَ نَجْمٍ يُشْهَبُ
مِنْ عَصْرِ أُمَوِيِّيهَا إِلَى قَادِمِ الدُّنَا
ظَلَّتْ تُشِعُّ كَمَا النُّجُومُ تُثَقِّبُ
يَا أُمَّ مَعْرِفَةٍ وَيَا مِحْوَرَ النُّهَى
وَسِتَارَةَ الْأَيَّامِ عِزًّا لَا تَتَجَلَّبُ
تَحْيَا دِمَشْقُ مَدِينَةُ الْعِزِّ الَّذِي
مِنْهُ الْقُلُوبُ بِعِطْرِهِ تَتَطَيَّبُ
يَا أُمَّنَا الْأُولَى وَمَهْدَ مَعَارِفٍ
يَبْقَى هَوَاكِ بِكُلِّ قَلْبٍ يُنْسَبُ
إِنِّي رَأَيْتُكِ كَالمَلَاكِ سَمَاؤُهُ
فَوْقَ الدُّنَا وَالْكَوْنُ بِكِ يَتَشَبَّبُ
لِلشَّامِ فِي كُلِّ القُلُوبِ مَحَبَّةٌ
وَالْحُبُّ فِي الأَرْوَاحِ لَا يَتَغَيَّبُ
تِلْكَ الدِّيَارُ الْعَالِيَاتُ مَنَارُهَا
مَاضٍ وَحَاضِرُهَا بِالْخُلْدِ يَرْكَبُ
بَحْرٌ مِنَ التَّارِيخِ يَجْرِي سِرُّهُ
فِي كُلِّ قَلْبٍ بِالهُدَى يَتَطَيَّبُ
هَذَا دَرْوِيشٌ فِي المَصَافِ مُقَدَّمٌ
يَسْقِي الثَّرَى بِدَمٍ شَرَافَتُهُ تَبُّ
وَابْنُ الشَّهِيدِ بِحَقِّهِ قَدْ أَحْيَا النَّدَى
وَالدَّمْعُ فِي أَعْيُنْ الوَفَاءِ يُثَقِّبُ
فِيها الخَلِيلُ وَقَدْ مَشَى فِي تُرْبِهَا
وَالدَّهْرُ مِنْ أَثَرِ النُّبُوَّةِ يَعْجَبُ
وَيَزُورُهَا عِيسَى كَمَا قَدْ قِيلَ فِي
كَتَبِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي لَا تُكْذَبُ
مِنْ أَرْضِنَا الشَّهْمَاءِ يَبْدَأُ مَوْطِنِي
فِي كُلِّ رَكْنٍ مِنْهُ حُبٌّ يُنْصَبُ
بَنَتِ الْمَسَاجِدَ وَالْمَنَارَةَ عَالِيَةً
فَالنُّورُ مِنْهَا لِلْبَرِيَّةِ يُوهَبُ
فَالمَسْجِدُ الأَمَوِيُّ فِيكِ جَلَالُهُ
وَالرُّوحُ فِيهِ لِكُلِّ قَلْبٍ تُطْلَبُ
وَعَلَى المَنَابِرِ كَانَ يُورِقُ نُطْقُهُمْ
أَهْلُ البَيَانِ لِرَوْعَةٍ لَا تُغْلَبُ
هَذِي مَقَامَاتُ النُّبُوءَةِ وَالهُدَى
مِنْ نُورِهَا نَزَلَ السَّنَا وَتَتَشَهَبُ
فِي الجَامِعِ الأَمَوِيِّ تُبْصِرُ سِرَّهَا
فَالضَّوْءُ فِيهِ بِالرُّسُومِ يُكْتَبُ
هَذَا يُحَنَّا قَدْ أَقَامَ بِقَلْبِهِ
نُورًا تَحَفُّ بِهِ النُّفُوسُ وَتَرْهَبُ
وَالسِّتُّ زَيْنَبُ فَوْقَ كُلِّ مَقَامِهَا
نُورٌ يُنِيرُ الدَّرْبَ لِمَنْ يَتَقَرَّبُ
وَفِي رُقَيَّةَ دَمْعُ سِجْنٍ فَاتِنٍ
فِي خَدِّهِ نَبَضُ العُرُوقِ يُلَهِّبُ
وَفِي السَّيِّدَةِ الزِّينَبِ ابْتِهَالُ دُمُوعِنَا
وَالرُّوحُ عِنْدَ قُبَابِهَا تَتَعَذَّبُ
وَرُقَيَّةُ النُّورِ الصَّغِيرَةُ فِي الدُّنَى
تَحْكِي مَآسِيَ آلِ بَيْتٍ يُغْلَبُ
وَالمَسْجِدُ الأُمَوِيُّ صَرْحٌ فَاخِرٌ
فِيهِ النُّبُوَّةُ وَالهُدَى يَتَقَلْقَبُ
فِي قَلْبِهِ يَحْنُو يُوحَنَّا مَرْقَدًا
وَالسُّورُ مِنْهُ لِلْخُلُودِ يُرَعَّبُ
يَا دِمْشَقُ يَا صَوْتَ السَّمَاءِ إِذَا
دَعَتْ حُرًّا إِلَى مِيثَاقِهَا لَا يَكْذِبُ
نَادَتْكَ مِنْ رُوحِ النَّبِيِّ مَقَامَةٌ
فَاخْفِضْ جَنَاحَكَ إِنْ دَنَوْتَ وَأَذْنِبُ
أَرْضُ النُّبُوءَةِ وَالمَلَائِكِ مَهْدُهَا
فَسَمَاؤُهَا وَالوَحْيُ فِيهَا يُرْتَبُ
وَبِكُلِّ ذِكْرٍ فِي الكُتُبْ مَوْضِعُهَا
وَالوَحْيُ مِنْهَا بِالهُدَى يَتَطَيَّبُ
أَزِقَّتُكِ الطِّينِيَّةُ الطُّهْرُ بَسْمَتُهَا
وَكُلُّ جِدَارٍ فِيكَ حُبٌّ يُكْتَبُ
وَبُيُوتُهَا العَتِيقَةُ انْبِسَاطُ نُفُوسِهَا
فِي كُلِّ شُرْفَةِ عِشْقِهَا نَتَقَرَّبُ
وَالسُّورُ يَحْكِي فِي الحِجَارَةِ عِزَّهُ
وَالقَلْعَةُ الغَرَّاءُ تَسْمُو وَتَرْهَبُ
وَسُوقُهَا العَتِيقُ، وَذَاكَ قَلْعَتُهَا
تَحْكِي الزَّمَانَ وَكُلُّ فَجٍّ يُضْرَبُ
وَبِسُوقِهَا العَتِيقِ تَسْرِي نَفْحَةٌ
مِنْ أَلْفِ عِطْرٍ فِي القُلُوبِ تُجَرَّبُ
فِيهَا البَيَادِقُ وَالخُيُولُ تَرَاسَلَتْ
وَالرُّمْحُ يَلْمَعُ وَالجُيُوشُ تُعْرَبُ
وَنَهْرُ بَرْدَى كَمْ غَسَلْتَ ضِفَافَهُ
مِنْ دَمْعِ أَحْرَارٍ عَلَى حُرٍّ يُعَذَّبُ
يَا جَبَلَ قَاسِيُونَ كَمْ شَهِدْتَ مِنْ
صَبْرِ الْكِرَامِ وَحُرِّ مَجْدٍ يَغْلِبُ
مِمَّا بَقِيَ مِنْ سِحْرِهَا، زَهْرُ الرُّبَى
وَالفُلُّ، وَاليَاسَمِينُ، وَاللَّيْمُونُ يُهَبُ
تَسْقِيكَ مِنْ نَفَحَاتِهَا وَتُظَلِّلُكْ
بِظِلِّ طِيبٍ لَا يُمَسُّ وَيُسْلَبُ
وَالْيَوْمَ تَحْمِلُ يَا دِمَشْقُ لِوَاءَكِ
رِجَالُكِ الْأَحْرَارُ إِذْ قَامُوا وَثَبُّوا
قَدْ كَانَ نِيرَ الظُّلْمِ أَثْقَلَ أُمَّتِي
حَتَّى دَحَرْنَا كُلَّ طَاغٍ مُكْذِبُ
فَاسْتَبْشِرِي يَا زَهْرَةَ الشَّامِ وَارْفَعِي
رَايَاتِكِ الْخَضْرَاءَ لِلْعُلَا تَتَشَهَّبُ
وَالنَّصْرُ آتٍ لَا تَخَافِي مِحْنَةً
فَالظُّلْمُ يَسْقُطُ وَالنُّفُوسُ تَصْلُبُ
وَالنَّصْرُ قَادِمٌ لِمَنْ سَارَتْ لَهُ
خُطَبُ المَعَالِي لَا تُطِيقُ وَتَكْذِبُ
وَالنَّارُ لَا تَحْرِقْ دِمَشْقَ، فَإِنَّهَا
فَوْقَ المَصَائِبِ تَرْتَقِي وَتُغَلِّبُ
وَالآنَ قُلْ: هَذِي دِمَشْقُ، فَهَلْ تَرَى
فِي الحُسْنِ مِثْلَ فُتُونِهَا يَتَجَذَّبُ؟
إِنْ طَالَ لَيْلُ القَهْرِ فَجْرُكِ سَاطِعٌ
وَالْيَأْسُ عِنْدَكِ نَازِلٌ مُتَرَحِّبُ
وَالشَّامُ تُرْعِي فِي الجِهَادِ رِجَالَهَا
وَالمَجْدُ يَزْهُو فِيهِمُ وَيُخَصَّبُ
بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ نَبْنِي عِزَّهَا
فَالدَّهْرُ يَحْنُو لِلْعُقُولِ وَيَطْلُبُ
أَرْضُ الْمُرُوءَاتِ الَّتِي شَرَّفَتْنَا
فِي كُلِّ حِينٍ وَالنُّهَى بِهَا تُصْحَبُ
فِيهَا ابْنُ عَسَاكِرَ قَدْ بَنَى لِعُلُومِهِ
صَرْحًا مِنَ التَّأْرِيخِ لَا يَتَغَيَّبُ
وَالإِمَامُ أَوْزَاعِيُّهَا قَدْ شَرَّفَتْ
بِفُتًى لِمِثْلِ القَوْلِ لَا يَتَغَلْغَبُ
وَابْنُ القَيِّمِ كَمْ بَدَا فِي فِكْرِهِ
نُورُ الدُّهَى وَالحَقُّ فِيهِ يُطَلِّبُ
وَفِقْهُهَا الجَمُّ الَّذِي لَا يَنْقَضِي
يَسْقِي القُلُوبَ وَمِثْلُهُ لَا يُحْجَبُ
وَالمُجْتَهِدْ فِيهَا كَمِثْلِ مُجَاهِدٍ
لِلْحَقِّ يَرْفَعُ صَرْحَهُ وَيُغَلِّبُ
وَتَسِيرُ فِيهَا وَالمَجَالِسُ زَاخِرَاتٌ
بِالعِلْمِ حَتَّى يَسْتَفِيضَ المَكْتَبُ
وَارْفَعْ بِصَوْتِكَ يَا ابْنَ دِمْشَقَ الأُسْدِ
فَالْحَقُّ يَسْمُو وَالبَصَائِرُ تُثْقَبُ
فَهْيَ الَّتِي نَفَخَتْ رُبَى أَدَبِ الهَوَى
فَتَفَجَّرَتْ شِعْرًا يُحِبُّ وَيُصَلَّبُ
وَالشُّعَرَاءُ إِذَا ذَكَرْتَ دِمَشْقَهُمْ
سَبَقُوا الرُّدَى وَإِلَيْهَا يَتَغَرَّبُوا
فَهْيَ الَّتِي نَسَجُوا بِهَا أَثْوَابَهُمْ
وَعَلَى جَبِينِ القَافِيَاتِ تُخَصَّبُ
وَالعِلْمُ فِيهَا فِي الكُتُبِ مُنَظَّمٌ
وَالشِّعْرُ فَوْقَ جِبِينِهَا يَتَهَذَّبُ
وَنِسَاؤُهَا بَيْنَ الوَقَارِ وَرِفْعَةٍ
مِثْلُ الزُّهُورِ عَلَى الضِّفَافِ تُعَتَّبُ
فِي طِيبِهِنَّ عُيُونُ مَاءٍ زَلْزَلَتْ
صَخْرَ الهُمُومِ، فَكَمْ قُلُوبٍ تَذْهَبُ
وَالشُّهَدَاءُ عَلَى الثَّرَى أَسْرَاجُهُمْ
تَهْدِي الرُّؤَى، وَمَسِيرُهُمْ لَا يُخْلَبُ
سَيْفٌ لَهُمْ فِي كُلِّ سَاحٍ صَامِدٌ
وَقَلَمٌ عَلَى الزَّمَانِ أَمْجَادٌ يُنَصَّبُ
فَانْهَضْ بِنَفْسِكَ لَا تَكُنْ مُتَكَاسِلًا
فَالْحُرُّ لَا يَرْضَى الهَوَانَ وَيَغْضَبُ
وَاشْدُدْ عَلَى حَبْلِ الوَلَاءِ كَأَنَّهُ
دِينٌ تُقِيمُ عَلَيهِ مَا لَا يُقْلَبُ
إِنَّ الحَيَاةَ مَدَارُهَا دَوَّارَةٌ
مَا بَانَ نُورٌ فِيهِ إِلَّا يُحْجَبُ
وَالأَرْضُ تَشْهَدُ مَنْ أَبَى أَنْ يُهْزَمَا
فِي الشَّدِّ يَصْلُبُ وَالمِحَنْ لَا تَرْهَبُ
وَالسَّيْفُ لَا يَعْلُو إِذَا لَمْ يُشْهَرِ
وَالعَزُّ فِي كَفِّ الشُّجَاعِ مُجَرَّبُ
فَاعْمَلْ لِمَجْدِكَ وَانْسُجَنْ أَيَّامَهُ
فَالمَجْدُ لَا يُهْدَى وَإِنْ تَتَطَلَّبُ
وَازْرَعْ بِذِكْرِ اللهِ نُورَ طَرِيقِكَ
إِنَّ المُنِيبَ هُدَاهُ لَا يَتَغَيَّبُ
وَاسْقِ الكَرَامَةَ بِالصَّدِيقِ وَنَخْوَةٍ
فَالعُرْفُ يُذْكَرُ مَا بَقِينَا وَيُكْتَبُ
يَا شَامُ يَا بَيْتَ الكِرَامِ وَمَأْتَمِي
فِي كُلِّ حَزْنٍ صَوْتُكِ المُتَعَذِّبُ
أَنْتِ المُقَدَّسَةُ الَّتِي لَا تَنْثَنِي
وَالهَمُّ عِنْدَكِ سُرْعَةٌ يَتَذَهَّبُ
وَالنَّاسُ فِي سَاحَاتِكِ الْعُظْمَى دَمُوا
وَلَكِنْ المَجْدَ الحَقِيقِيَّ يُكْتَبُ
هَذِي دِمَشْقُ… فَكَيْفَ تَصْمُتُ أَنْجُمٌ؟
وَالمَجْدُ فِيهَا كَالكَوَاكِبِ يُسْكَبُ
هِيَ بَابُ رُوحِ الكَوْنِ إِنْ ضَاقَ المَدَى
فِي ضِيقِهَا سَعَةُ القُلُوبِ تُجَرَّبُ
فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَالعُيُونُ مُشَدَّهَةٌ
لِجَمَالِهَا وَالذِّكْرُ فِيهَا أَعْذَبُ
قُومِي بِنُورِ العِلْمِ حَتَّى تُرْفَعِي
فَالنُّهَى بِكِ يَسْمُو وَالفُؤَادُ يُطَرِّبُ
هَذِي قَصِيدَتُنَا لِعَيْنِكِ فَاسْمَعِي
وَانْظُرِي إِلَى مَجْدٍ عَظِيمٍ يُكْتَبُ
هَذَا الِابْتِهَالُ إِلَيْكِ يَا مَدِينَتِي
فَخُذِي الكَلَامَ وَفِي الفُؤَادِ تَغْطَبُ
فَالشَّامُ عَصْرُ الحُسْنِ يَسْكُنُ أَرْضَهَا
وَالوَقْتُ مِنْ طِيبِ الزَّمَانِ يُكْتَبُ
فِي كُلِّ دَرْبٍ مِئْذَنَاتٌ خَاشِعَاتٌ
تَسْقِي الدُّنَا نُورَ الهُدَى وَتُخَصِّبُ
نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا رَأَيْنَا مَأْسَدًا
صِرْنَا لَهُ أَهْلَ الشَّرَافَةِ نُغْلَبُ
وَالشَّامُ تُرْعِي فِي الجِهَادِ رِجَالَهَا
وَالمَجْدُ يَزْهُو فِيهِمُ وَيُخَصَّبُ
وَالمُسْتَهَامُ بِهَوَاهُ يَسْكُنُ شَوْقَهُ
إِنْ قِيلَ “يَا دِمَشْقُ”، فَالقَلْبُ يَذْهَبُ
فَاخْتِمْ بِهَا، وَاجْعَلْ لَهَا مِنْ فَخْرِنَا
تَعْلِيقَ مِسْكٍ فِي الحُدُودِ يُشَهَّبُ
مَا الشِّعْرُ إِلَّا وَالضَّمِيرُ لَدَيْهِمُ
فِي مَقْعَدِ الأَخْلَاقِ حِينَ يُخَطَّبُ
فِيهَا البَيَادِقُ وَالخُيُولُ تَرَاسَلَتْ
وَالرُّمْحُ يَلْمَعُ وَالجُيُوشُ تُثْوَبُ
وَالعِلْمُ فِيهَا فِي الكُتُبِ مُنَظَّمٌ
وَالشِّعْرُ فَوْقَ جِبِينِهَا يَتَهَذَّبُ
485
قصيدة