عدد الابيات : 47
رَحِيلُكِ يَا سَارَةُ أَضْنَى مَحَاجِرِي
وَأَضْرَمَ نَارَ الْوَجْدِ فِي كُلِّ مُوصِلِ
فَمَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ فَقْدَكِ مُوجِعٌ
وَأَنَّ رِيَاحَ الْبَيْنِ تَسْطُو بِمِعْوَلِ
لَعَمْرُكِ مَا صَرْمِي لِوُدِّكِ طَائِعٌ
وَلَكِنَّهُ الدَّهْرُ الْحَزُونُ بِمَخْذَلِ
تَرَكْتُكِ وَالْعَيْنَانِ تَحْمِلُ دَمْعَهَا
كَسَحْبٍ تُنَاجِي نَجْمَ اللَّيْلِ مُرْسِلِ
وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَدُومَ مَحَبَّةٌ
وَأَنَّ يَدَ النَّوْبَاتِ عَنَّا بِمَنَاجِلِ
وَلَكِنَّهَا الْأَقْدَارُ تَحْكِي سُبَابَةً
وَتَجْلُو لَنَا مِنْهَا مَكَامِنَ مُقْتَلِ
وَرَحْلٌ يَسِيرُ النَّاسُ مِنِّي بَعَثْتُهُ
عَلَى جَدَدٍ يَسْطُو بِهَا الْمُتَمَهِّلِ
وَقُمْتُ أُسَايِرُ الْوَجِيبَ كَأَنَّهُ
شَجَا طَارِدٍ فِي نَفْسِهِ مُتَزَلْزَلِ
إِذَا مَا سَقَيْتُ الصَّبْرَ مِنْ حَرِّ نَارِهِ
أَجَدْتُهُ وَافِيًا بِنَفْسِيَ مُجَادِلِ
وَمَاءٍ كَلَوْنِ الصُّبْحِ زَالَتْ صَفَاؤُهُ
فَصَارَ كَدَمْعِ الْمُسْتَهَامِ الْمُذَلَّلِ
لَقِيتُ عَلَيْهِ الذِّئْبَ يَعْوِي كَأَنَّهُ
صَدِيقٌ خَلَا مِنْ كُلِّ رِفْقٍ وَمُنْزِلِ
فَقُلْتُ لَهُ هَلْ لَكَ فِي وَصْلِ صَادِقٍ
يُقَاسِمُكَ الْأَحْزَانَ فِي كُلِّ مَحْفِلِ؟
فَقَالَ مَضَى مِنْ قَبْلِنَا كُلُّ مُحْسِنٍ
وَصَارَتْ دُمُوعُ الْعَارِفِينَ بِمَنْهَلِ
فَإِنَّكَ يَا صَاحِ اجْتَهِدْ فِي صَبَابَةٍ
وَلَا تَبْتَغِي وُدًّا بِقَلْبٍ مُخَلْخَلِ
فَلَسْتُ بِمُهْتَدٍّ لِوَصْلٍ وَصَادِقٍ
وَلَا أَسْتَطِيعُ الْعَوْدَ إِنْ جَاءَ مُقْبِلِ
فَقُلْتُ خُذِ الْمَاءَ الَّذِي عِشْتُ أَجْمَعَا
عَلَى ظَمَإٍ فَالْمَاءُ غَوْثٌ لِمُعْوِلِ
فَهَاجَ وَأَرْسَلَ فِي الْأَرْضِ عَوْلَهُ
يُنَادِي بِكُلٍّ مِنْ رِفَاقٍ وَمُقْتَلِ
فَمَا زِلْتُ فِي لَيْلِي أُجَاذِبُ أَحْزَانِي
وَأُسْلِمُ نَفْسِي لِلْأَسَى الْمُتَمَهِّلِ
إِلَى أَنْ رَأَيْتُ الصُّبْحَ يَجْلُو سَوَادَهُ
وَلَكِنَّ قَلْبِي مُظْلِمٌ لَمْ يَتَبَدَّلِ
وَمَا زِلْتُ أَرْعَى الذِّكْرَ بِمُهْجَتِي
وَأُخْفِي جَوَى قَلْبِ الْمُعَنَّى بِمِنْجَلِ
فَأَيْنَ اللَّيَالِي الْمُونِقَاتُ بِوَصْلِنَا؟
وَأَيْنَ نُجُومُ سَعْدِ الْأُفْقِ تُمْطِلِ؟
وَكَيْفَ أَرَانِي وَاللَّيَالِي كَسُحْبَةٍ
تَهَامَى بِهَا الدَّهْرُ الْعَنُودُ مُخَلْخَلِ؟
وَإِنِّي لَأَسْقِي الرُّوحَ صَبْرًا فَإِنَّهُ
كَحُلْمِ الْمُسَافِرِ بِالدُّجَى مُتَهَلِّلِ
فَيَا دَمْعُ خَلِّي مَا سَكَبْتُ لِعِلَّةٍ
وَلَكِنَّهُ وَجْدُ شَوْقٍ يُذَابُ بِمِرْجَلِ
وَيَا نَفْسُ صَبْرًا إِنَّ بُعْدَكِ زَافِرٌ
وَأَنْتِ كَطَيْرٍ فِي الْهَوَى الْمُتَنَقِّلِ
وَأَطْوِي بِيَ الشَّوْقَ الْعَتِيَّ بِحَسْرَةٍ
وَأَذْرِي الدُّمُوعَ الْعَابِرَاتِ بِمِقْوَلِ
أُحَدِّثُ نَفْسِي أَنْ تَعُودَ لَعَلَّنَا
نُعِيدُ هَوَانَا فِي الْجَنَانِ الْمُسَجَّلِ
وَلَكِنَّهَا الْأَحْلَامُ تَجْرِي كَأَنَّهَا
سَرَابٌ تَرَاءَى لِلسَّرَاةِ الْمُوَكَّلِ
فَيَا دَهْرُ هَلْ تُعْطِي لِقَاءً مُؤَخَّرًا
يُرِيحُ فُؤَادِي مِنْ عَذَابٍ مُفَصَّلِ؟
وَيَا نَجْمُ بَشِّرْنِي بِرَدِّ مُحِبَّتِي
وَلَا تَتْرُكَنِّي بِالضِّيَاعِ الْمُحَوَّلِ
فَإِنِّي وَرَبِّي لَوْ تَكُونُ مُجَاوِرًا
لَسِرْتُ إِلَيْكِ بِالدُّجَى الْمُتَذَلِّلِ
وَلَكِنَّهَا الْأَقْدَارُ تَرْسُمُ دَرْبَهَا
وَتَسْقِي الْهَوَى مِنْ كُلِّ دَمْعٍ مُسْبِلِ
وَمَا زِلْتُ فِي سُهْدٍ وَنَارُكِ فِي دَمِي
وَأَحْيَا بِهَذَا الْحُبِّ عَيْشَ الْمُنَاضِلِ
فَإِنْ جَاءَنِي يَوْمٌ بِوَصْلِكِ مُبَشِّرًا
سَأَسْكُنُ هَذَا الدَّهْرَ فِي خُلْدِ مَنْزِلِ
وَإِنْ يَبْقَ بُعْدٌ بَيْنَ جِسْمِي وَوَجْهِكِ
فَقَلْبِي بِهِ وُدٌّ لِحُبِّكِ وَثِقٌ مُوكَلِ
سَأَصْبِرُ حَتَّى يَنْجَلِي لَيْلُ حُزْنِنَا
وَيُطْلِعَ فَجْرُ الْوَصْلِ بَدْرًا مُكَمَّلِ
وَقَفْتُ بِأَطْلَالِ الْهَوَى مُتَوَسِّمًا
وَأَسْأَلُهَا: هَلْ يَرْجِعُ الْعَهْدُ أَوْ يَلِي؟
فَمَا بَانَ مِنْهَا غَيْرُ رَوْحٍ مُبَعْثَرٍ
وَظِلٍّ تَلَاشَى فِي الْمَدَى الْمُتَهَلِّلِ
وَهَلْ كَانَ هَذَا الرَّبْعُ يَضُمُّكِ غَافِيًا؟
وَهَلْ كَانَ يَسْمَعُ هَمْسَنَا الْمُتَغَازِلِ؟
أَتَذْكُرُ خَطْوًا قَدْ مَشَيْنَاهُ مَعًا
وَأَثَرَ رِجْلٍ فِي التُّرَابِ الْمُسَهَّلِ؟
وَكَيْفَ تَبَدَّلْنَا رَمَادًا وَبَعْدَنَا
وَكُنَّا كَشَلَالٍ يَفِيضُ دَمْعًا بِمُنْهَلِ؟
فَيَا دَارُ هَلْ تَبْقَى رُبُوعٌ بِالْمُنَى؟
وَيَرْجِعُ طَيْفُ وَصْلٍ بِالْحُلْمِ مُنْجَلِي؟
وَيَا نَجْمُ هَلْ تَحْظَى الْعُيُونُ بِنَظْرَةٍ
وَيَسْكُنُ دَاءُ الْحُبِّ بِقَلْبِي مُكْمِلِ؟
وَهَلْ تَحْمِلُ رِيحُ الْعَلِيلَةِ وَصْلَهَا
وَتَأْتِي بِهَا شَوْقًا عَلَى غَيْرِ مَوْهِلِ؟
فَإِنْ يَسَّرَ الْأَيَّامُ لُقْيَاكِ مُؤْمِنًا
سَأَسْكُنُ الدَّهْرَ فِي النُّورِ مُبْتَهِلِ
وَإِنْ غَابَ وَجْهُ الْحُبِّ عَنْ نَظَرِي وَنَا
فَفِي الرُّوحِ أَحْيَاهُ كَنُورٍ مُكَلَّلِ
سَأَبْقَى عَلَى عَهْدِ الْهَوَى مَا حَيِيتُهُ
وَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنِي فَذِكْرَاهُ أَوَّلِي
663
قصيدة