عدد الابيات : 41
تَمَهَّلْ وَقِفْ فِي مَهَبِّ الْحُرُوفِ فَإِنَّنِي
نَثَرْتُ بِدَمْعِ الْعَاشِقِ الْمُتَوَقِّدِ
هُنَا نَبَضَاتٌ مِنْ حَنِينٍ مُحَرَّفٍ
تُغَنِّي وَتَبْكِي فَوْقَ جُرْحٍ مُفَنَّدِ
سَأَرْوِي حَكَايَا الْعِشْقِ فَوْقَ صَفَائِحٍ
مِنَ الصَّبْرِ وَالْأَوْهَامِ وَالْقَلْبُ مُجْهَدِ
فُؤَادٌ تَلَوَّى فِي جَحِيمِ تَجَلُّدِ
وَعَيْنٌ تَفَجَّرَتْ بِشَوْقٍ مُقَيَّدِ
عَصَيْتُ زَمَانًا فِي هَوَى الْغَادِيَاتِ
فَمَا بَرِحَتْ نَارُ اللَّوَاعِجِ تَسْعَدِ
أَبِيتُ عَلَى أَحْزَانِ قَلْبِي مُمَزَّقًا
وَمَا أَبْقَتِ الْأَيَّامُ بِالْعَيْشِ مَسْنَدِ
تَخَطَّفَنِي نَشْوَةٌ بَعْدَ تَمَنُّعٍ
فَغَابَ الصَّبْرُ فِي هَوَى الْمُقَيَّدِ
فَكُنْتُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُخْتَطَفًا
بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْمَوْتِ صِرَاعُ الْمُنْقَدِ
أَشْوَاقُهَا كَحَفِيفِ النَّسْمِ تَلْفَحُنِي
فَسَقَتْنِي عُيُونُهَا كَمَاءِ جَلَدِ
وَتَنَازَلَتْ نَفْسِي لِقُرْبٍ مُخَلَّدٍ
فَسَقَيْتُهَا مِنْ طَرْفِ فِكْرِي الْمُجَرَّدِ
خَلَوْتُ بِهَا لَيْلًا وَالنُّجُومُ شَوَاهِدٌ
فَصُرِعَتِ الْأَحْلَامُ بَيْنَ فُؤَادِيَ الْمُتَرَدِّدِ
فَمَا الْعِشْقُ إِلَّا حِكَايَةُ أَلَمٍ الَّتِي
تَرْوِي اللَّيْلَ طَرْفًا بِبُعْدِ الْمُتَعَبِّدِ
تَبَسَّمَتِ النَّفْسُ بَعْدَ صَحْوَةِ الْحَنِينِ
وَغَابَتْ رُوحُ الْعَيْشِ فِي صَبْرِ الْمُهْتَدِي
وَذَابَتْ خُطَايَ عَلَى دُرُوبِ تَوَهُّجٍ
وَجُرْحِيَ لَمْ يَبْرَحْ بِعُمْرٍ مُرْشِّدِ
أُسَافِرُ فِي صَوْتِ الْمَسَاءِ مُتَيَّمًا
لِأَلْقَى صَدَى نَفْسٍ بَدَتْ لَمْ تُرَدِّدِ
تُنَادِينِيَ الذِّكْرَى بِصَمْتِ مَلَامِحٍ
تُجَرِّحُ وِجْدَانِي بِخَيْطٍ مُحَدَّدِ
تَمُرُّ عَلَيَّ اللَّحْظَةُ الْمُرَّةُ الَّتِي
تُكَفِّنُ أَيَّامِي بِصَمْتٍ مُسَهَّدِ
أَذُوبُ كَمِسْكٍ فِي مَرَايَا سُكُوتِهَا
وَأَبْقَى كَظِلٍّ تَاهَ فِي لَيْلِ مُسْجَدِ
يَنَامُ الْأَسَى فِي جَفْنِ عَيْنِي وَيَنْتَهِي
لِيَبْدَأَ صَمْتٌ فِي فُؤَادِيَ مُرْصَدِ
وَأَشْتَاقُ صَوْتًا كَانَ أَحْلَى مِنَ النَّدَى
وَأَشْهَى مِنَ الذِّكْرَى بِوَعْدٍ مُنَشَّدِ
فَيَا مَنْ سَكَنْتُمْ فِي جُرُوحِ تَفَتُّنِي
أَفِي الْهَجْرِ سَعْدٌ؟ أَمْ أَنِينٌ تَجَدَّدِ؟
فَسَافَرْتُ فِي عَيْنَيْهَا الْمُتَوَقِّدَتَيْنِ
كَأَنِّي نَبِيٌّ فِي مَقَامٍ مُؤَيَّدِ
وَحَلَّتْ بِقَلْبِي لَحْظَةٌ مِنْ سُكُونِهَا
فَأَسْكَتَتِ الْأَيَّامَ وَالْوَجَعَ الْمُرَدَّدِ
تَخَيَّلْتُنِي فِي جَنَّةٍ مِنْ رُؤَاهُمَا
أُقَبِّلُ طَيْفَ الْحُسْنِ مِنْ جَفْنٍ مُرْصَدِ
فَلَمْ تَتْرُكِ الْأَشْوَاقُ فِي الْجَوْفِ مَسْرَحًا
وَلَا هَدَأَتْ نَارٌ بِدَمْعٍ مُسَرْمَّدِ
أُحَاوِرُ لَيْلَ الْبُعْدِ وَالصَّمْتُ شَاهِدٌ
عَلَى كَيْفَ أَمْضَيْتُ الْعُمْرَ الْمُبَعَّدِ
وَأَذْكُرُ صَوْتًا كَانَ يَنْسَابُ نَغْمَةً
فَأَبْكِي كَطِفْلٍ فِي خَيَالٍ مُفَنَّدِ
أُقَلِّبُ صُوَرَ الْوَصْلِ وَالْحُبُّ شَاهِقٌ
وَمَا بَيْنَ حَرْفِ الذِّكْرِ عِطْرٌ مُجَدَّدِ
فَيَا وَيْحَ قَلْبٍ ضَاعَ فِي سِحْرِ نَظْرَةٍ
وَبَاتَ بِلَا عَقْلٍ كَفَارِسٍ مُجَرَّدِ
أُعَانِقُ فَقْدًا لَا يُحَاكِيهِ مَفْزَعٌ
وَأَرْحَلُ كَالطَّيْفِ الضَّرِيرِ الْمُسَجَّدِ
وَأَخْتِمُ شِعْرِي بِالدُّمُوعِ مُبَتَّلًا
فَلَيْسَ لِقَلْبِي بَعْدُ صَبْرٌ يُسَكِّدِ
وَكُنْتُ إِذَا غَاضَ الْفُؤَادُ تَسَاؤُلًا
أُجِيبُ بِصَبْرِ الْعَاشِقِ الْمُتَجَلِّدِ
وَأُمْسِي عَلَى أَوْجَاعِهِ مُتَزَيِّنًا
كَمَنْ يَتَغَنَّى فَوْقَ جُرْحٍ مُجَلَّدِ
يُنَادِينِيَ الْأَمَلُ الْجَرِيحُ وَفِي يَدِي
رُفَاتُ رَجَاءٍ كَالْمَدَى الْمُتَبَدِّدِ
فَمَا عَادَ فِي عَيْنَيَّ وَهْمٌ يُسَكِّنُ الـ
رُّؤَى وَلَا سِحْرٌ يُدَاوِي تَوَجُّدِي
وَإِنْ جِئْتُ أَشْتَاقُ احْتِضَانَكِ لَحْظَةً
تَهَامَسَ صَوْتُ الْغَيْبِ: "لَسْتَ بِمُرْشِدِ"
فَيَا قَلْبُ هَلْ تَسْتَطِيعُ صَوْنَ حَنِينِنَا؟
أَمِ احْتَرَقَتْ آمَالُنَا دُونَ مَسْدَدِ؟
سَأَكْتُبُ عَنْكِ الشِّعْرَ فَوْقَ جُرُوحِيَ
وَأَحْفُرُهُ بِالذِّكْرِ نَصًّا مُؤَبَّدِ
وَهَا أَنَا قَدْ خَتَمْتُ بَيَانَ مُوَاجِعِي
كَمَنْ ضَاعَ فِي لَيْلِ السُّهَادِ الْمُوَقَّدِ
وَسِرْتُ عَلَى الْأَشْوَاقِ حَافِيَ مَسْرَبٍ
وَأَحْرَفُنِي صَمْتٌ كَظِلٍّ مُجَرَّدِ
فَإِنْ عَادَ مِنْ ذِكْرَى الْحَبِيبِ نَسِيمُهَا
فَقُلْ لَهَا: "قَلْبٌ هُنَا، لَمْ يُبَعَّدِ"
805
قصيدة