عدد الابيات : 30
وَجْهٌ كَبَدْرِ الدُّجَى يَزْهُو بِمَلْمَحِهِ
يُضِيءُ لَيْلًا غَدَا فِي حُسْنِهِ لَهَبَا
وَشَعْرُهَا مَوْجَةٌ شَقْرَاءُ حَالِمَةٌ
كَالشَّمْسِ تَسْرِي عَلَى الْأَكْوَانِ مُنْسَكِبَا
ضَحْكَتُهَا بَسْمَةُ الْأَفْلَاكِ، زَخْرَفَةٌ
تَشْدُو بِهَا الرُّوحُ حَتَّى تَشْرَبَ الطَّرَبَا
عِطْرُكِ السَّاحِرُ يَسْرِي فِي مَسَامِعِنَا
كَالطِّيبِ يَحْمِلُنِي حُبًّا وَمَا عَذَبَا
مَشْيَتُكِ الْغَيْدُ كَالْآهَاتِ تَسْبِقُنِي
وَتَرْسُمُ الْأَرْضَ أَنْغَامًا لِمَنْ حَبَبَا
أَتَيْتُ أَحْمِلُ أَشْوَاقِي لِرُؤْيَتِهَا
فَكَانَ وَجْهُكِ طِيبَ الْوَحْيِ قَدْ وُهِبَا
شِفَاهُكِ النَّارُ، فِي أَحْضَانِهَا أَحَدٌ
مِنَ الْغَرَامِ غَدَا فِي قُرْبِهَا سُلُبَا
وَثَغْرُكِ الشَّهْدُ، كُلُّ الْحُبِّ يَحْتَضِنُ
رَحِيقَهُ لِيُدَاوِيَ الْعُمْرَ وَالتَّعَبَا
وَخَدُّكِ الْوَرْدُ فِي أَفْنَانِهِ رَوْنَقٌ
تَخَالُهُ صُبْحَ أَيَّارٍ غَدَا رَهَبَا
وَصَوْتُكِ اللَّحْنُ فِي أَفْلَاكِهِ شَجَنٌ
يَسْقِي الْحَيَاةَ وَيُحْيِي قَلْبَ مَنْ كَسَبَا
وَعَيْنُكِ الشَّهْدُ، كُلُّ السِّرِّ مُسْتَتِرٌ
فِي لَحْظَةٍ تَكْشِفُ الْأَسْرَارَ وَالنُّسُبَا
قَدُّكِ الْغُصْنُ، لَا زَيْتُونٌ يُمَاثِلُهُ
وَلَا النَّخِيلُ بَدَا فِي حُسْنِهِ رُطَبَا
أَصَابِعُ الْيَاسَمِينِ الْحُلْوِ، مُبْتَسِمَةٌ
تُسَبِّحُ اللُّطْفَ، حَتَّى يُخْجِلَ الطُّنُبَا
رَقِيقَةٌ أَنْتِ، حَتَّى الشِّعْرُ فِي لُغَتِي
يَسْرِي خَجُولًا، وَيَشْكُو عَجْزَهُ طَلَبَا
وَجِسْمُكِ النُّورُ، لَا شَيْءٌ يُشَابِهُهُ
إِلَّا السَّمَاءُ إِذَا مَا أَشْرَقَتْ ذَهَبَا
رَفَّتْ عُيُونُكِ، يَا سِحْرَ الْمُنَى طَرَبًا
كَأَنَّهَا الْبَدْرُ يُغْوِي اللَّيْلَ مُغْتَرِبَا
يَا مَنْ بُحُورُ الْهَوَى فِي عَيْنِهَا وَسَعَتْ
كَالْبَحْرِ أَسَرَتْ، فَلَمْ أُبْصِرْ لَهَا سَبَبَا
عَيْنَاكِ تَنْسِجُ مِنْ أَسْرَارِهَا قَمَرًا
يَهْدِي الْغَرِيبَ إِذَا ضَاعَ الْهَوَى وَذَبَا
أَرَى الْمَحَبَّةَ تَغْفُو فِي مَآقِيكِ، لَا
زَهْرٌ كَحُسْنِكِ، لَا قَلْبٌ لَهُ حَسَبَا
مَنْ ذَا يُحَاوِرُ عَيْنَيْكِ الْبَدِيعَتَيْنِ؟
كُلُّ الْحُرُوفِ تَرَى فِي سِحْرِهَا نَصَبَا
تَهِيمُ عَيْنَايَ فِي عَيْنَيْكِ مُنْبَهِرًا
كَأَنَّهُ السِّحْرُ يَسْبِي الرُّوحَ مَا غَرَبَا
حَوَاجِبٌ كَالْهِلَالِ الْحُرِّ مُنْحَنِيًا
تَرْسُمُ اللَّيْلَ، مَدَىً فَاتِنًا عَجَبَا
أَجْفَانُكِ الْغِيدُ، تَسْتَارٌ مِنَ الذَّهَبِ
تُغْفِي وَتَصْحُو، فَتَجْلُو السِّرَّ مُقْتَرِبَا
عَيْنَاكِ أَشْهَى مِنَ النَّجْمِ الَّذِي وَقَعَتْ
فِيهِ الْأَمَانِي فَصَارَ الْحُلْمَ مُرْتَقَبَا
كُلُّ الْجَمَالِ اسْتَوَى فِي الْحَاجِبَيْنِ، فَمَا
لِلْحُسْنِ غَيْرُكِ يَا فَاتِنَةَ الْعَرَبَا
أَذْهَلْتِ كُلَّ النُّجُومِ الْحُسْنُ فِي طَرَبٍ
لَمَّا رَأَوْكِ، تَوَارَوْا خَلْفَ مَنْ سَكِبَا
أُحِبُّكِ حُبًّا يَفُوقُ تَفْسِيرَ الْحُبِّ، لَا
تَكْفِينِيَ الْحُرُوفُ لِلْأَشْوَاقِ إِنْ كَتَبَا
وَأَنْتِ دُنْيَايَ، أَرْضٌ طَيِّبَةٌ، هَدَرَتْ
فِيهَا الْمَحَبَّةُ، حَتَّى جَفَّ مَنْ سَرَبَا
وَأَنْتِ كَوْنِي، إِذَا مَا الْفَجْرُ يَبْتَسِمُ
وَإِنْ تَغِيبِينَ يَبْدُو الْحُبُّ مُحْتَرِبَا
فَهَلْ تُصَدِّقُ أَنِّي فِي غَرَامِكِ، لَا
أَطْلُبُ سِوَى قُرْبِ عَيْنَيْكِ مُحْتَسَبَا
628
قصيدة