عدد الابيات : 22
في رثاءِ شَاهِرٍ، حَرفي لهُ قَسَمُ
وَقَلبي لهُ لَوْعَةٌ، والصّبرُ مُبْتَسَمُ
بِاسمِ الوفاءِ، وَوَجهِ الدّمعِ أَكتُبُهُ
مِن صَدرِ وجديَ، لا مِن حِبرِ ما كُتِمُوا
سَكَنَ المَدى مِسكًا بِذِكرِكَ يا عَلَمْ
وَخَرَّتْ رُبى الفِكرِ إجلالًا وَحُرَمُ
فَيا مَوطِنَ العُليا وَيا تاجَ ذُرْوَتِي
هَوَيتَ وَبَقيتَ سِرًّا كَمَا النُّجُمُ
أَبُوكَ الَّذي أَحيَا المَعانِي مَآثِرًا
كَأَنَّهُ الغَيثُ الَّذي كُحِّلَت بِهِ الظُّلَمُ
فَما خَلَّفَ الدَّهرُ بِالعَدلِ شَاهرًا
وَلَا سَاسَ أَحفادًا كَمَا قَدْ سَاسَهُمُ
هَلَكتَ وَلَكِنْ بَينَ ضِلعي مَقَامُكُمْ
يُنادِي عَلَى الأَحياءِ: قُومُوا وَكَرِمُوا
كَأَنَّكَ بَاقٍ، لا تُزِيلُكَ صُروفُهُمْ
وَإِن غَابَتِ الأَيَّامُ وَاشتَدَّتِ النِّقَمُ
رَسَختَ بِقَلبِي كَمَا الجَذْرُ فِي الثَّرى
فَلَا رِيحَ تُنسيكَ، وَلَا الوَقتُ يَقْتَحِمُ
أَرَى ظِلَّكَ المَمدُودَ نُورًا وَإِنْ خَبَتْ
مَصَابِيحُهُمْ، يَا سَيدِي، أَنتَ مُلْهَمُ
يَا شَاهرَ الأَجْيَالِ، مِيرَاثُكَ العُلَى
تَرَكَتْنَا، وَلَكِنْ أَنتَ فِي الوَجْدِ مُقْتَسَمُ
يَظُنُّ البَعضُ أَنَّ المَوتَ غايَتُهُ
وَلَكِنَّكَ خَالِدٌ، يَا كَوكَبَ الأُمَمُْ
تَوارى الجَلالُ، وَأبقى الفَقدُ لَوعَتَنَا
فَصِبرُنا أَلَمٌ وَالدّمعُ مُنْسَجِمُ
وَكَيْفَ أَنْسَاكَ؟ أَنتَ الجُودُ مُتَّقِدًا
وَفيكَ مَعنى النَّدى، والعدلُ مُلْتَزِمُ
تَغيبُ شَكلًا، وَتبقى في ضَمائرِنا
كأنّكَ الوَحيُ، والإحساسُ مُلْهَمُ
عَشِقْتُ طِيفَكَ، لا زَالَتْ مَلامِحُهُ
فِي كلِّ شُبّاكِنا، وَالنّجمُ مُنْقَسِمُ
يُنادِي الضّوءُ: هذا الشَّاهِرُ ابْتِسَمَا
فَفي وُجُودِكَ، صَوتُ المَجدِ مُغْتَنِمُ
مَن مثلُكَ الآنَ؟ بل مَن كانَ قَبلَكَ؟ قُلْ
فَمِثلُكَ المجدُ، بل في الجَودِ مُنْعَدِمُ
كَأَنَّ كَفَّكَ ما زالتْ تُطَاوِلُنِي
فَأَمسِحُ الهمَّ، يا طُهرَ الندى العَطِمُ
وَكلَّما غِبتَ، جَاءَ النُّورُ يَسْكُنُني
فأنتَ سِرٌّ مِنَ الأنوارِ يَلتَحِمُ
أَيَا شَاهِرَ الحُبِّ، مَهما قِيلَ فِي رَثَاكْ
فَإنَّ جُرحَ المدى مِن فَقْدِكَ يَلْتَهِمُ
وَأَنتَ فينا، وَسِيرَتكَ المُعطَّرَةُ
بَقيَتْ، وَكُلُّ الزَّمَانِ الحُرُّ يَحتَكِمُ
805
قصيدة