عدد الابيات : 148
طباعةشَكَوْتُ لِمَحْبُوبَتِي ظُلْمَ هَجْرِهَا
فَقَالَتْ: بِغَيْرِ ذَنْبٍ أَنْتَ عَلِيلُ
فَدَعْنَا إِلَى حَكَمٍ مِنَ النَّاسِ عَادِلٍ
يَرَى الْحَقَّ، لَا يَحِيفُ وَلَا يَمِيلُ
رَضِينَا بِحُكْمٍ لَا يُحِقُّ مَوَدَّةً
فَمَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ سَبِيلُ
فَقُلْنَا لَهُ: احْكُمْ، نَرْضَ بِالْقَهْرِ مُكْرَهًا
وَلَكِنْ قَضَاؤُكَ لَيْسَ فِيهِ عَدِيلُ
وَقَالَتْ: بِدِينِ الْحُبِّ زَعَمُوا الْبُطْلَا
وَلَيْسَ لِمِثْلِي بِالْخُصُومَةِ حَيْلُ
فَكَيْفَ أُدِينُ الْقَلْبَ دَيْنًا بِغَيْرِهِ
وَأَقْتُلُ بِالْحُبِّ، وَسِلَاحٌ بِلَا دَلِيلُ
فَحَلَفْتُ بِاللَّهِ يَمِينًا قَاطِعَةً
وَأَنِّي عَلَى الزَّعْمِ الْمَوْهُومِ قَتِيلُ
فَقَالَ الْقَضَاءُ: بَرَاءَتُهَا وَاضِحَةٌ
وَأَيْقَنْتُ أَنَّ الْحُكْمَ دَوْمًا جَمِيلُ
فَقُلْتُ، وَقَدْ أَدْمَى الْفُؤَادَ قَضَاؤُهَا
أَمَا لِي فِي الْحُبِّ عَنْكِ خَلِيلُ؟ بَدِيلُ؟
فَقَالَتْ: كَفَاكَ الْحُزْنَ، لَا تُطِلْ بِهِ
فَمَا عَادَ وَصْلِي لِعَيْنَيْكَ سَبِيلُ
ذَبَحْتِ فُؤَادِي ثُمَّ قُلْتِ: أَبَابِلٌ؟
فَكَيْفَ لِعَيْنِي فِي الْجَفَاءِ مَقِيلُ؟
أَأَبْكِي وَتَبْسِمُ شَفَتَاكِ عِنَادَهُ؟
وَقَلْبِي عَلَى نَارِ الْغَرَامِ خَمِيلُ؟
ذَرِينِي، فَمَا فِي الْحُبِّ عَزْلٌ يُلِمُّنَا
وَلَا بَيْنَنَا إِلَّا الْفُرَاقُ كَفِيلُ
أُضَحِّي، وَفِي عَيْنِ الْعُذَارَى عِزَّةٌ
وَفِي قَلْبِهِنَّ الْمَجْدُ، وَهْنَ نَبِيلُ
إِذَا قِيلَ: مَنْ هِيَ؟ قُلْتُ: حُبِّي وَعِزَّتِي
وَمِنْ نَبْضِهَا يُسْتَلْهَمُ التَّنْزِيلُ
لَهَا دَمِي شَرْعٌ وَمِنْ شَعْرِيَ اللَّظَى
وَمِنْ نَفْسِهَا الْمَكْتُومِ يَشْتَدُّ الْقِيلُ
تَفَاخَرْتُ فِيهَا، لَيْتَنِي مَا تَفَاخَرْتُ
فَفِي الْعِزِّ حُبِّي لِلْكِرَامِ دَلِيلُ
وَكَمْ قُلْتُ فِيهَا مِنْ جَمَالٍ وَفِتْنَةٍ
فَمَا بَانَ مِنْهَا لِلْفُؤَادِ قَلِيلُ
تَنَاءَيْتِ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتِ: تَجَنَّبَتْ
وَمَا كَانَ قَلْبِي فِي الْهَوَى يَمِيلُ
وَإِنِّي لَفِي الْحُبِّ الَّذِي قَدْ قَتَلْتِنِي
عَفِيفٌ، وَمَا لِي لِلْخِيَانَةِ سَبِيلُ
وَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي عَلَى الْعَهْدِ مُوقِنٌ
وَلَسْتُ لِغَيْرِ الْوَصْلِ فِيكِ مُقِيلُ
وَكَيْفَ أُبِيحُ السِّرَّ وَالدَّمْعُ شَاهِدٌ
وَأَنْتِ لِقَلْبِي فِي الْحَنَانِ سَبِيلُ؟
وَإِنِّي وَإِنْ أَخْفَيْتُ وَجْدِيَ خَشْيَةً
فَلَيْسَ لِصَبٍّ فِي الْجَوَى تَعْلِيلُ
أُحِبُّكِ، لَا أَخْشَى الْمَلَامَ، وَإِنَّهُ
لِمِثْلِ الْهَوَى فِي الْعَاشِقِينَ دَلِيلُ
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحُبُّ يُفْضِي لِذِلَّةٍ
فَعِزُّ الْهَوَى فَوْقَ الذُّلُولِ يَجُولُ
أُجَاهِدُ نَفْسِي فِي غَرَامِكِ صَامِتًا
وَبِالصَّمْتِ جَيْشُ شُجُونٍ ثَقِيلُ
أُسَائِلُ نَفْسِي: هَلْ تُرَاكِ تَذَكَّرْتِ
غَرَامِي؟ فَيَبْكِي فِي الضُّلُوعِ خَلِيلُ
وَإِنِّي لَعَفُّ الْحُبِّ، لَا زَيْغَ بِالرُّؤَى
وَلَا كَانَ لِي فِي غَيْرِ حُبِّكِ مِيلُ
أُجَاهِرُ فِيكِ الْعِزَّ، لَا حُبَّ خَائِنٍ
وَفِيكِ جُرُوحِي، وَالْفُؤَادُ نَبِيلُ
وَفِي كُلِّ نَفْسٍ مِنْ هَوَاكِ تَأَوُّهٌ
يُرَتِّلُهُ صَبُّ حِزْنٍ بِدَمْعٍ هَمِيلُ
أَرَى طَيْفَكِ الْمَحْفُورَ فِي كُلِّ زَفْرَةٍ
كَنَجْمٍ تَجَلَّى وَالظَّلَامُ طَوِيلُ
أُقَبِّلُ ذِكْرَاكِ الَّتِي لَا تَغِيبُ عَنِّي
فَفِي كُلِّ وَجْدٍ لِلْوِصَالِ دَلِيلُ
وَفِي كُلِّ لَحْنٍ مِنْ أَنِينِي صَرْخَةٌ
يُجَاوِبُهَا صَمْتٌ عَلَيْهِ خَتِيلُ
أَلَسْتِ الَّتِي قَالُوا بِهَا: مَا رَأَيْنَا
كَهَذَا الْهَوَى؟ إِنَّهُ مُسْتَحِيلُ
وَمَا الْعَيْنُ إِلَّا بَحْرُ شَوْقٍ إِذَا بَكَتْ
يَكُونُ لِكُلِّ الْعَاشِقِينَ جَزِيلُ
وَلِمُقْلَتِي شَمْسٌ وَصَدْرِيَ اللَّظَى
وَأَنْتِ هَوَايَ، الْقَاتِلُ الْقَبِيلُ
أُعَاتِبُ نَفْسِي كَيْفَ أَخْفَى تَحَمُّلِي
وَقَلْبِي عَلَى جَمْرِ الْفِرَاقِ يَصِيلُ
أَأُخْفِي غَرَامًا قَدْ بَنَيْتُ جُدُودَهُ
مِنَ الصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ؟ ذَاكَ خَلِيلُ
وَفِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ حَنِينِي نَبْضَةٌ
تُرَاوِغُهَا أَحْلَامُهَا لِلْحُبِّ وَتَمِيلُ
سَئِمْتُ وُعُودَ الْحُبِّ حِينَ تُنَكِّرِينَ
وَصَبْرِي عَلَى الْجُرْحِ الْعَمِيقِ نَبِيلُ
وَمَا طَأْطَأَتْ رَأْسِي لِعُذْرِكِ مَرَّةً
فَفِي الْعِزِّ وَجْهِي بَاسِمٌ وَجَلِيلُ
أُسَافِرُ فِي ذِكْرَاكِ صَبْرًا مُوَقَّرًا
وَلَا أَنْثَنِي وَالْحُبُّ فِيكِ أَصِيلُ
أَقُولُ: وَإِنْ هَجَرَتْ، فَذَاكَ اخْتِيَارُهَا
وَأَنِّي لَهَا فِي الْقَدْرِ لَا بَدِيلُ
تَفَاخَرَ قَوْمِي أَنَّنِي كُنْتُ صَادِقًا
وَمَا لِيَ فِي نَبْضِ الْخِيَانَةِ سَبِيلُ
وَلَمْ أُرِكِ الدَّمْعَ الَّذِي قَدْ كَتَمْتُهُ
فَمَا كَانَ فِي الْبَوْحِ الْمُذِلِّ جَمِيلُ
وَصُنْتُ غَرَامِي كَيْفَ مَالَ وَذَابَ فِي
رُبَى الصَّمْتِ، وَالْوَجْدُ الْعَمِيقُ يَسِيلُ
تَجَنَّبْتُ شَكْوَاكِ، ابْتِهَالًا لِكِبْرِيَائِي
فَمَنْ ذَا الَّذِي فِي الْحُبِّ كَانَ بَدِيلُ؟
وَقُلْتُ لِصَدْرِي: رُبَّ مَنْ كَانَ ظِلُّهُ
ثَقِيلًا، يُصِيرُ الْهَجْرُ فِيهِ سَهِيلا
فَدَعْهَا، وَفِي الْأَيَّامِ لَيْلٌ سَيَنْجَلِي
وَمَنْ صَبَرَ الْعُشَّاقَ كَانَ جَمِيلُ
أُحِبُّكِ لَا ذُلًّا، وَلَكِنْ لِأَنَّنِي
رَأَيْتُ فِي عَيْنَيْكِ مَا لَا يُقِيلُ
رَأَيْتُ السَّمَاوَاتِ الْعُلَا مُتَفَتِّحَةً
وَحُلْمِي عَلَى أَفْنَانِهَا يَسْتَمِيلُ
فَمَا كُنْتُ أَهْوَاكِ انْكِسَارًا، وَإِنَّمَا
أُقَبِّلُ فِي جَبِينِكِ الْجَمَالَ النَّبِيلُ
وَلَوْ طَالَ هَجْرُكِ، فَإِنِّي كَرَائِحَةِ
قَصِيدٍ أَبِيٍّ لَا يُضَامُ خَمِيلُ
وَمَا عُدْتُ أَخْشَى فِي الْغَرَامِ مَذَلَّةً
فَحُبِّي سَنَاءٌ، وَالْغَرَامُ سَبِيلُ
تَعَالَيْ، فَقَلْبِي كَالْمَطَالِعِ فِي الدُّجَى
يُغَنِّي لِمَنْ يَهْوَاهُ، وَهْوَ أَصِيلُ
وَإِنْ خَذَلَتْنِي عَيْنُكِ الْيَوْمَ، فَالضِّيَا
سَيَبْزُغُ يَوْمًا، وَالدُّجَى سَيَزُولُ
وَإِنِّي وَإِنْ أَبْكَيْتِ قَلْبِي تَفَاخُرًا
أُرَتِّلُ فِي جُرْحِي نَشِيدًا جَمِيلُ
فَلَا تَحْسَبِي أَنَّ الْفُؤَادَ مُهَانَةٌ
وَمَا ذَلَّ مَنْ فِي الْحُبِّ كَانَ نَبِيلُ
وَإِنْ كُنْتِ تَنْسِينَ مَا كَانَ بَيْنَنَا
فَفِي كُلِّ نَبْضٍ لِلْوِصَالِ دَلِيلُ
سَأَبْقَى وَإِنْ أَعْرَضْتِ صَبْرًا مُوَقَّرًا
فَمِنْ شِيمَةِ الْعُشَّاقِ صَبْرٌ جَمِيلُ
وَلَا أَتَخَلَّى عَنْ كَرَامَتِيَ الَّتِي
بِهَا يَرْتَقِي فِي الْهَوَى كُلُّ ذَلِيلُ
فَإِنْ كَانَ حُبِّي فِي الْعُيُونِ تَغَافُلًا
فَعِنْدِي لِكُلِّ الصَّامِتِينَ مَقِيلُ
وَإِنْ صِرْتُ لَا أَلْقَى سِوَى الصَّدِّ مُرَّةً
فَعِزَّتِي عَذْبٌ وَجُرْحِي ظَلِيلُ
تَخَيَّلْتُكِ الْمَلْجَأَ، وَالْحُبُّ قِبْلَتِي
وَمَا خَانَ فِي صَلَوَاتِهِ الْقَبِيلُ
وَكُنْتُ أُقَدِّسُ كُلَّ مَا فِيكِ بَاسِمًا
كَأَنَّكِ فِي أَحْلَامِنَا الْقُرْآنُ تَرْتِيلُ
وَكُنْتِ إِذَا مَا مَرَّ طَيْفُكِ فِي الدُّجَى
أُقِيمُ لَهُ فِي الْقَلْبِ لَيْلًا طَوِيلُ
فَلَا تَسْأَلِينِي: هَلْ جُرِحْتَ بِهَجْرِهَا؟
فَمَا ضَرَبَ الْوَجْدَ الْحَنِينَ قَلِيلُ
أَنَا فِي الْهَوَى مَا بَيْنَ شَوْقٍ وَغُصَّةٍ
وَفِي الصَّبْرِ إِعْصَارٌ، وَفِيَّ سَبِيلُ
أُقِيمُ لِحُبِّي فِي فُؤَادِي مَعْبَدًا
تُصَلِّي بِهِ الْأَحْلَامُ وَالْأَجْفَانُ تَئُولُ
وَأَجْعَلُ مِنْ فَخْرِي قِيثَارَةَ شَاعِرٍ
يُغَنِّي عَلَى أَوْتَارِهَا مَنْ يَقُولُ
وَأَرْفَعُ مِنْ وَجْدِي مَنَارَةَ حِكْمَةٍ
لِيَكْتُبَ فِيهَا الْعَاشِقُونَ الطُّلُولُ
فَإِنْ قِيلَ: مَنْ ذَا كَانَ فِي الْحُبِّ حَاكِمًا؟
قُلْتُ: قَلْبِي، وَهُوَ الْعَاشِقُ الْأَصِيلُ
وَإِنْ قِيلَ: مَا الزَّادُ الَّذِي كُنْتَ تَحْتَسِي؟
قُلْتُ: صَبْرِي، وَهُوَ الْخُبْزُ السَّبِيلُ
وَإِنْ قِيلَ: مَا ذَنْبُكَ لِلْوَجْدِ مُذْ بَكَتْ؟
قُلْتُ: عِزَّتِي، فَالْعِزُّ فِينَا نَبِيلُ
أُحِبُّ، وَمَا ذَلَّ الْكَرِيمُ بِعَاشِقٍ
وَمَا خَانَ مَنْ قَدْ عَاهَدَتْهُ السُّبُلُ
وَأَكْتُبُ دِيوَانَ الْغَرَامِ بِمُهْجَتِي
فَيَحْفَظُهُ فِي الصَّدْرِ قَوْمٌ قَلِيلُ
تَمُرُّ عَلَى حِبْرِي قُبُورُ الْمُتَيَّمِينَ
فَيُحْيِيهِمْ وَجْدٌ عَلَيْهِ جَلِيلُ
وَصَعِدْتُ فِي سُلَّمِ الْهَوَى مُتَجَلِّيًا
كَمَا يَرْقُصُ النُّورُ الْمُقَدَّسُ وَالْأُفُولُ
وَخُضْتُ سَحَابَ الْعِشْقِ أُسْرِجُ قَلْبَهُ
وَأَسْقِيهِ مِنْ شَوْقِ الْفُؤَادِ سَبِيلُ
وَقُلْتُ لِأَنْجُمِهِ: تَهَيَّأْ لِلْقُبَلِ
فَمَوْعِدُنَا هُنَا، وَالْهَوَى مَأْمُولُ
وَفِي سُرُجِ الْأَشْوَاقِ خَطَّيْتُ لَيْلَتِي
بِحَبْرِ جُنُونٍ كَانَ لِي مَقْتُولُ
فَكُلُّ سَمَاءٍ كُنْتُ فِيهَا طَائِرًا
تُنَادِينِي: ارْفَعْ لِلْوَلَهِ تَهْلِيلُ
وَكُلُّ رِيَاحٍ عَابِثَاتٍ بِنَارِنَا
تُغَنِّي: أَيَا عَاشِقًا، تَفَضَّلْ دَلِيلُ
فَكُنْتُ نَبِيَّ الْوَجْدِ، أَسْكُنُ وَحْدَتِي
وَأَمْشِي عَلَى جَمْرِ الْغَرَامِ نَبِيلُ
وَلَمْ أَنْحَنِ لِلدَّمْعِ، وَالدَّمْعُ هَاطِلٌ
عَلَى خَدِّيَ الْمَسْكُوبِ مِثْلُ سَبِيلُ
تَحَمَّلْتُ وَجْدِي كَمَا يَحْتَمِي فَتًى
بِظِلِّ الْوَقَارِ، وَعِزَّتِي تَأْوِيلُ
فَإِنِّي وَلَوْ طَالَ الْغُرُوبُ عَلَى الْمُنَى
سَأَبْقَى لِصَرْحِ الْحُبِّ أَوَّلَ الْقِبَلِ
نَزَلْتُ إِلَى سِرْدَابِ قَلْبِي مُبَاحِثًا
عَنِ السِّرِّ فِي الدَّمْعِ الْمُقَدَّسِ يَسِيلُ
فَوِجْدَانُ نَفْسِي لَيْسَ فِيهِ نِهَايَةٌ
كَنَهْرٍ إِلَى بَحْرِ التَّمَنِّي يَمِيلُ
وَفِي كَهْفِ أَحْزَانِي نَقَشْتُ مَتَاهَتِي
وَقُلْتُ: هُنَا صَوْتُ الْحَنِينِ نَبِيلُ
وَفَوْقَ مِحْرَابِ الصَّمْتِ طِرْتُ مُسَبِّحًا
وَخَلْفِي جُنُودٌ مِنْ هَوًى وَخُلُولُ
وَغَنَّيْتُ: يَا رُوحِي لَكِ الْحُبُّ مَنْهَجٌ
وَأَنْتِ لِمَجْدِي بِالْوَلَهِ إِكْلِيلُ
وَقَدْ كُنْتُ أَسْقِيكِ الْعِنَاقَ تَفَاخُرًا
فَصِرْتِ لِأَشْوَاقِي نَدًى وَمَقِيلُ
فَمَا ضَاعَ صَرْحُ الْحُبِّ مَا دُمْتُ
أُشَيِّدُهُ مِنْ صَبْرِنَا الْمَوْصُولِ
وَإِنِّي عَلَى دَرْبِ الْهَوَى رَاهِبٌ بَقِي
يُنَاجِي الْمَعَانِيَ وَالْقَوَافِيَ تَهَيْلُ
وَقُلْتُ: سَأَبْنِي فِي الْقَوَافِي مَقَامَنَا
وَأَجْعَلُ مِنْ صَوْتِ الْهَوَى إِكْلِيلُ
وَأَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَجَازِ لِمُعْتَقٍ
تَعَبَّدَ فِي صَرْحِ الْغَرَامِ طَوِيلُ
وَأَصْعَدُ فِي سُلَّمِ الْحَنِينِ مُرَاتِبًا
إِلَى قُبَّةٍ لِلْوَجْدِ فِيهَا مَقِيلُ
وَأَسْكُنُ فِي سِفْرِ الْفَخَارِ مُجَازَفِي
كَمَاجِنِ حُبٍّ نَبْضُهُ تَنْزِيلُ
وَأُشْعِلُ لَيْلَ الْعَاشِقِينَ سِرَاجَهُ
وَيَخْفُقُ فِي نَحْرِ الْقَصِيدِ خَلِيلُ
فَإِنْ نَادَتِ الْأَيَّامُ: هَذَا تَفَاخُرٌ
قُلْنَا: نَعَمْ، فِي الْعِزِّ نَحْنُ أُصُولُ
وَإِنْ قِيلَ: مَا دِينُ الْهَوَى؟ قُلْتُ: عِزَّةٌ
وَمَا دَرْبُهُ؟ قُلْتُ: الْفِدَاءُ سَبِيلُ
وَفِي نَفْسِ مَنْ يَهْوَى كَبِيرًا وَلَا يَبِي
تَرَاتِيلُ شَوْقٍ لِلْوِصَالِ تَهِيْلُ
صَبَرْتُ، وَفِي عَيْنِ الْمَصَائِبِ بَسْمَةٌ
تُجَاهِدُ فِي خَدِّي، وَهِيَ جَلِيلُ
وَمَا انْكَسَرَتْ نَفْسِي وَلَا انْحَنَتِ الرُّؤَى
وَلَا خَانَنِي فِي الْكِبْرِ حُلْمٌ نَبِيلُ
تَظُنُّ الْجِرَاحُ الْقَدْرَ يَطْفِئُ عِزَّتِي؟
وَكَيْفَ لِنَارِ الْمَجْدِ أَنْ تَذْبُلِ السُّبُلُ؟
وَدَمْعَتُهَا، فِي جَوْفِ صَدْرِي مُقَيَّدٌ
تُرَاوِغُهَا عَيْنِي وَهِيَ تَسْتَحْقِيلُ
أُخَبِّئُهَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَشَدُّ
عَلَى الرُّوحِ مِنَ السَّيْفِ الْقَتِيلُ
وَأَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ الْحَزِينِ كَأَنَّنِي
أُقَاتِلُ وَجْدِي وَالْمَدَامِعُ سِيلُ
وَأَكْتُبُ فِي الظُّلْمَاءِ نَفْسِي قَصِيدَةً
تُقَبِّلُهَا الْكَلِمَاتُ وَهْيَ خَجُولُ
فَإِنْ قِيلَ: مَا الصَّبْرُ؟ قُلْتُ: إِبَاؤُنَا
وَمَا الدَّمْعُ؟ قُلْتُ: الْمَجْدُ يَخِيلُ
لَيَالِيَّ فِي جَبْهَةِ الزَّمَانِ مَغَانِمٌ
وَفِي صَدْرِهَا صَبْرٌ، وَفِيهَا قَدِيلُ
بَنَيْتُ عَلَى وَجْدِ الْمُرُوءَةِ مَعْبَدًا
تُصَلِّي بِهِ الْأَحْلَامُ وَهْيَ طُلُولُ
وَسِرْتُ، وَفِي كُلِّ الْجِرَاحِ فَرَاسَةٌ
وَفِي كُلِّ نَزْفٍ فَخْرُهُ مَسْئُولُ
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الدَّمْعَ يُخْفِي رُجُولَتِي؟
أَمَا فِي دُمُوعِ الْعِزِّ مَا يُقِيلُ؟
أُطِلُّ عَلَى فَجْرِ الْمَسَاءِ كَأَنَّنِي
أُشَعْشِعُ فِي سُهْدِ السُّنَى وَأُطِيلُ
وَأَغْرِسُ فِي أَيَّامِ بَعْدِي قَنَادِيلًا
لِتَهْتَدِيَ الْأَجْيَالُ وَهْيَ ذُلُولُ
فَمَا كَانَ حُلْمِي غَيْرَ نَارٍ مُقَدَّسٍ
يُبَارِكُهُ التَّارِيخُ وَهْوَ نَبِيلُ
وَإِنْ سِرْتُ فِي صَمْتِ الْحَيَاةِ وَهَيْبَةٍ
فَإِنِّي وَإِنْ طَالَ السُّكُوتُ أَصِيلُ
قُلْ لِي، أَيُّهَا الْمُتَوَسِّدُ الْعَلْيَاءَ، هَلْ
أُرَتِّلُ فِي نَفْحِ الْحَنِينِ قَبِيلُ؟
أَأَكْتُبُ عَنْ صَبْرٍ تَوَضَّأَ فِي الْأَسَى
وَمِنْ وَجْدِهِ يُسْقَى الْفُؤَادُ سَلِيلُ؟
تَمَهَّلْ، فَفِي الْأَحْشَاءِ نَخْوَتُكَ الَّتِي
تَلَبَّسَهَا لَيْلٌ عَتِيقٌ جَلِيلُ
تُسَافِرُ فِي جَبْهَاتِ عِزٍّ وَفَخْرِهَا
وَيَحْرُسُهَا فِي الدَّرْبِ مَجْدٌ بَهِيلُ
فَإِنِّي إِذَا مَا فَتَّحَ اللَّيْلُ بَابَهُ
خَرَجْتُ لَهُ بِالشِّعْرِ وَهْوَ يَخِيلُ
فَأَطْلِقْ نَوَافِذَكَ الْقَدِيمَةَ كُلَّهَا
لِتَصْعَدَ فِي أَجْنَاحِنَا التَّرْتِيلُ
فَفِي كُلِّ شُرْفَةِ وَجْدِكَ الشِّعْرُ مُوقَدٌ
وَفِي كُلِّ سَهْوٍ نَافِذٌ مَقْبُولُ
أَيَا قَلْبَ مَنْ لَمْ يَنْثَنِ لِلْوَجْدِ سَاجِدًا
وَفِي اللَّيْلِ نَاجَى النَّجْمَ وَهْوَ جَلِيلُ
تُسَافِرُ فِي أَفْلَاكِ شَوْقٍ وَهَيْبَةٍ
وَلَا يَنْثَنِي فِي النَّارِ مِنْكَ أُصُولُ
تُنَاجِي النُّجُومَ الْبَاكِيَاتِ بِعِزَّةٍ
فَيَسْمَعُهَا مِنْ وَجْدِكَ الْقَنْدِيلُ
وَتَخْشَعُ لِلْأَحْرُفِ السُّهْدِ عَيْنُهَا
وَيَرْتَجِفُ الْأُفُقُ الْبَعِيدُ نَبِيلُ
وَإِنْ بَكَتِ الْأَكْوَانُ دَمْعَ كَرَامَةٍ
فَبِدَمْعِكَ الْمَسْكُوبِ يَحْيَا السُّهُولُ
تَنَحَّتْ كَوَاكِبُهَا الْعُيُونُ تَوَاضُعًا
وَجَلَّتْ جَبِينَكَ، وَهْوَ فِيكَ يَئُولُ
تَعَالَ لِقَلْبِي إِنَّ شَوْقِي مُزَلْزِلُ
يُنَادِيكَ نَبْضِي، وَالْحَنَايَا تُرَتِّلُ
وَمَا كَانَ لِي غَيْرَ الْوِصَالِ مَآرِبٌ
فَفِي غَيْبَةِ الْأَحْبَابِ جُرْحِي مُثَقَّلُ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ يَرَاهُ الْمَدَى زَعَمَا
وَكُلُّ الدُّنَا دُونَ غَرَامِكِ زَائِلُ
حَبِيبَتِي دَاؤُكِ فِي الْقَلْبِ مُضْمَرٌ
وَلَيْسَ بِذِي ذَنْبٍ هَوَايَ يُقَالُ
أَيَا مَنْ تَمَلَّصْتِ عُذْرًا بِعِلَّةٍ
فَمَا كُلُّ أَعْذَارِ الْغَرَامِ مِثَالُ
رَأَيْتُ هَوَاهَا فِي الْقَضَاءِ مُوَافِيَا
لِرَأْيٍ تَخْشَاهُ، وَاسْتَهْدَيْتُ جِيلَا
فَقَالَتْ دَعِ الْحُكْمَ لِأَهْلِي وَحْدَهُمْ
وَلَا تَجْعَلِ الْوَاشِي عَلَيْنَا دَخِيلُ
فَمَا لِي مِنْكِ سِوَى الْوَعْدِ نَادِرًا
وَيَا لَيْتَهُ وَعْدٌ يَفِيهِ الْمَقَابِيلُ
وَيَا حُبَّ قَلْبِي قَدْ تَرَكْتَ مَوَاجِعِي
وَعَادَ الْأَسَى بَعْدَ الْغَرَامِ جَزِيلُ
سَأَبْقَى وَفِيًّا لِعَهْدٍ مَهْمَا تَغَيَّرَتْ
دُرُوبُ الْهَوَى، وَالْحُبُّ دَوْمًا دَلِيلُ
حَكِيمٌ مِنَ الْأَحْبَابِ وَخُلْقٌ جَمِيلُ
يَرَى الْعَدْلَ بَيْنَنَا وَلَا يُطِيلُ
قَضَى بِالسَّوِيَّةِ حُكْمًا جَلِيلًا
فَطُوبَى لِحُكْمٍ لِقَلْبِنَا مَقْبُولُ
ظُلِمْتُ وَأَنْتِ فِي الْحُكْمِ الْجَلِيلُ
فَكَيْفَ يُجَافِي الْحُبَّ الْمُسْتَحِيلُ
أَيَا ظُلْمًا أَتَى حُكْمًا دُونَ دَلِيلٍ
مَا جَاءَ لِلْغَرَامِ بِبَرَاءَتِي كَفِيلُ
سَأَبْقَى وَفِيًّا لِلْحُبِّ، مُلْتَزِمًا
وَإِنْ جَارَ حُكْمُ قَلْبِي أَوْ كَانَ تَعْضِيلُ
أَيَا حُبَّ قَلْبِي، كَيْفَ أَنْسَى مَآثِرًا
وَذِكْرَاكِ فِي عُمْقِ الْفُؤَادِ نَزِيلُ
1280
قصيدة