عدد الابيات : 59
طباعةلَعَمْرُكَ مَا أَبْهَى لِقَاءَكِ يَا نَسَمْ
وَأَعْذَبَ عُمْرِي مِنْ دَقَائِقِكِ الْحُلُمْ
سَقَيْتِ فُؤَادِي، وَهُوَ يَظْمَأُ لِلْهَوَى
فَصَارَ رَبِيعًا بَعْدَ قَحْطٍ مِنَ الْأَلَمْ
نِصْفُ السَّاعَةِ اسْتَوْدَعَتْنِي جَنَائِنًا
فَفَاضَتْ بِقَلْبِي أَلْفَ نَهْرٍ مِنَ النِّعَمْ
رَأَيْتُكِ نُورًا يَسْتَبِيحُ عُيُونِيَ
وَيَمْحُو دُجَى عُمْرِي بِأَلْوَانِهِ الْقِدَمْ
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ فِي خَيَالِي، تَرَاقَصَتْ
شُجُونُ السَّمَاءِ فَوْقَ أَضْلَاعِهِ الظُّلَمْ
وَقُلْتُ: هَنِيئًا لِي بِهَذَا التَّجَلِّيَ الَّذِي
لَوْ غَفَرْتِيهِ، كُنْتُ سَيِّدَ الْأُمَمْ
أَيَا كَوْكَبًا زَارَ الدُّنَا ثُمَّ أَفَلْ
تُعِيدِينَنِي مِثْلَ السَّعِيدِ إِذَا يُقِمْ
وَأَيُّ لِقَاءٍ فِي الْحَيَاةِ يُعَادِلُهُ؟
وَأَيُّ ابْتِسَامٍ يَحْتَوِيكِ بِهِ الشَّجَمْ؟
تُرَفْرِفُ رُوحِي إِذْ تُنَادِينَ بِاسْمِيَ
فَأَحْيَا كَأَنَّ الْمَوْتَ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ
فَإِنْ قِيلَ: مَاذَا أَعْظَمُ الْيَوْمِ بَيْنَنَا؟
قُلْتُ: لُقْيَاكُمُ تَاجٌ عَلَى الْقِمَمْ
وَأَنْتِ الزَّهْرَاءُ، أَيُّ فَجْرٍ سَبَقَكِ؟
وَأَنْتِ الْعِطْرُ، هَلْ يُغْنِيكِ عَنِ السَّمَمْ؟
وَأَمَّا الْفُؤَادُ، فَهُوَ عَبْدٌ لِوَصْلِكُمُ
يَرَى الْبُعْدَ سِجْنًا، وَالْمَدَى حُكْمَ الْعَدَمْ
أَيَا مَنْ لِعَيْنَيْكِ انْحَنَتْ كُلُّ شَامِخٍ
وَفِي قُرْبِهَا الْجَنَّاتُ تَبْدُو بِلَا وَهَمْ
بِقُرْبِكِ كُلُّ الشِّعْرِ يَحْلُو لِذِكْرِكُم
وَفِي بُعْدِكِ الْأَبْيَاتُ يَلْفَحُهَا السَّقَمْ
تَكَلَّمَ حُبِّي حِينَ ضَاعَتْ حُرُوفُهُ
فَبَاتَتْ مَعَانِيهِ كَمَنْسَكِ فِي الْحَرَمْ
أَيَا قُدْسَ رُوحِي، كَيْفَ عِشْتُ لِحُبِّكُم؟
وَكَيْفَ النَّدَى يَهْمِي بِدُونِكِ فِي الْجَزَمْ؟
لَقَدْ كُنْتِ لِلدُّنْيَا سَبِيلًا كَأَنَّمَا
تُعِيدِينَ لِلْعُمْرِ ابْتِدَاءً مِنَ الْقِدَمْ
فَيَا شَمْسَ رُوحِي، لَمْ يَزَلْ حُبُّكُمُ مَعِي
وَإِنْ غِبْتِ، أَحْيَا فِي ظِلَالِكِ كَالْعَدَمْ
فَكَيْفَ أُلامُ، وَالنَّبْضُ صَارَ مُقَيَّدًا
بِذِكْرَاكِ يَا مَنْ تُشْعِلِينَ بِهِ الْحُمَمْ
لِقَاؤُكِ سِحْرٌ، لَوْ رَآهُ الْفَرَزْدَقُ
لَخَرَّ عَلَى الْأَبْيَاتِ يَبْكِي بِلَا نَدَمْ
وَقَالَ: أَمَا تَسْمَعُونَ بِأَنَّهَا
مَلِيكَةُ هَذَا الْقَلْبِ، وَالسِّرُّ فِي الْكَلِمْ
وَمَا أَنَا إِلَّا عَاشِقٌ يُتْقِنُ الْبُكَا
وَحُبُّكِ حُكْمٌ لَا يُخَالِفُهُ الْقَلَمْ
سَتَذْكُرِينَني إِنْ طَالَ عُمْرُكِ، أَنَّنِي
عَشِقْتُكِ عِشْقًا يُبْهِرُ الْعُرْبَ وَالْعَجَمْ
وَيَا زَوْجَهَا، قَدْ تَحْتَوِيهَا بِجَسَدِهَا
وَلَكِنَّ رُوحَ الْعَاشِقِينَ بِهَا تُلَمْ
أَيَا نِصْفَ سَاعَةٍ، صِرْتِ عُمْرًا بِعَيْنِنَا،
وَصِرْتِ سَحَابًا يَغْمُرُ الْأَرْضَ بِالدِّيَمْ
وَيَا دَهْرُ، إِنْ كَانَ الْحَنِينُ يُعَذِّبُنَا،
فَذِكْرَى لِقَائِهَا تُدَاوِي بِهِ السَّقَمْ
وَمَا نَظَمَ الشُّعَرَاءُ أَعْظَمَ مِنْهُ
وَلَوِ اجْتَمَعُوا، مَا قَدَرُوا لِلسَّطْرِ وَالْقَسَمْ
فَيَا سَائِلِي، كَيْفَ الْحَيَاةُ تَطِيبُ؟ قُلْ:
بِنِصْفِ لِقَاءٍ مَرَّ كَاللَّحْظِ فِي الْحُلُمْ
فَلَوْ كَانَ لِلْقُرْبَى طَرِيقٌ يُعِيدُنَا،
لَمَا سِرْتُ إِلَّا حَيْثُ أَلْقَاكِ يَا نِعَمْ!
أَنْتِ الْفَرَحُ، بَلْ أَنْتِ بَهْجَةُ الزَّمَانِ
تُضِيئِينَ فِي الدُّنْيَا الظَّلَامَ بِلَا وَهَمْ
أَنَا الْقَلْبُ الَّذِي أَضَأْتِهِ بِكَلِمَةٍ
فَصِرْتُ أَعِيشُ عَلَى أَمَلٍ مِنَ الْحُلْمِ
عَيْنَيْكِ، أَعْيُنٌ مِنْ نُورٍ بُثَّتْ
فِي الْوِجْدَانِ، فَحَلَّقَتْ فِي سُمُوِّ الشَّمَمْ
أَنْتِ الْحَيَاةُ الَّتِي أَعْشَقُهَا عُمْرًا
وَحُبُّكِ الْعِطْرُ الَّذِي شَفَّ عَنْ زَهَرَمْ
كَأَنَّكِ النَّسْمَةُ، فِي بَرْدِ الْهَوَى
تُدَاعِبِينَ الْقَلْبَ حِينَ يُحِسُّ بِالذُّلَمْ
صَوْتُكِ الْأَجْمَلُ، مِثْلَ الرِّيحِ فِي الْأُفُقِ
يُغَنِّي الْمَدَى وَيُحَرِّكُ الشَّوْقَ فِي الدَّمْ
أَنْتِ الرُّوحُ الَّتِي تَسْكُنُ فِي دَمِي
وَتَحْيَا مَعَ الْعُيُونِ، فِي اللَّيْلِ وَالشَّمَمْ
مَاذَا أَقُولُ عَنْكِ؟ وَالْحُرُوفُ تَعْجِزُ
عَنْ وَصْفِكِ، وَفِي الْقَلْبِ أَلْفُ نَغَمْ
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ، الْقَلْبُ يَنْفَطِرُ
وَتَعُودُ لَيَالِيَّ بَهْجَةً بَعْدَ الظُّلَمْ
لَكِ وَحْدَكِ الْحُبُّ الَّذِي أَعْلَنْتُهُ
وَأَنْتِ الْجَمَالُ الَّذِي صَافَى لَهُ الْعَدَمْ
مَتَى أَلْقَاكِ؟ وَأَنْتِ سَيِّدَةُ الْغَرَامِ
هَلْ يُعِيدُ الزَّمَنُ حُبَّنَا؟ أَمْ سَيَبْقَى الْهَمَمْ؟
أَنْتِ النَّدَى فِي صَبَاحٍ لَا يُغَادِرُ
وَجَمَالُ وَجْهِكِ فِي النُّورِ سَابِغٌ عَذْبَمْ
أَنْتِ الْفَتَاةُ الَّتِي، بِحُبِّهَا، تَحْيَا
وَفِي قَلْبِهَا لِلْغَرَامِ أَلْفُ كَرَمْ
أَيُّ لِقَاءٍ هَذَا؟ مِنْكِ لُطْفٌ وَحُبٌّ
وَكَيْفَ لِي أَنْ أُسْكِتَ قَلْبِي مِنَ الْأَلَمْ؟
إِذَا مَا شَفَّ حُبُّكِ، قَدْ رَجَّعَنِي
وَكُنْتُ، فِي حُبِّكِ، سَيِّدَ الْأُمَمْ
إِذَا غَابَ عَنِّي طَيْفُكِ يَا نُورَ عَيْنِي
تَرَكْتُ الْحَيَاةَ، وَلَمْ أَعُدْ أَذُوقُ النِّعَمْ
فَأَنْتِ السُّمُوُّ، وَأَنْتِ الْحَيَاةُ،
وَأَنْتِ الْحُلْمُ الَّذِي بَقِيتُ لِأَمَلٍ بِهِ دُمَمْ
أَرَاكِ سَرَابًا فِي فُؤَادِي، وَمَرَّةً
تَكُونِينَ مَاءً، يَسْكُبُ الشَّوْقَ فِي الدِّيَمْ
فَهَلْ لِي بِلُقْيَاكِ يَوْمًا يُعِيدُنِي
إِلَى جَنَّةِ الْوَصْلِ، حَيْثُ الْعُمْرُ يَبْتَسِمْ
وَإِنِّي لَأَهْوَى وَجْهَكِ الْغَضَّ فِي الْمَدَى
كَأَنَّهُ قَمَرٌ أَطَلَّ عَلَى الْقِمَمْ
أُحِبُّكِ حُبًّا لَوْ قَسَمْتُ جُزْءَهُ
عَلَى الْكَائِنَاتِ، لَانْشَطَرَتْ بِالنِّعَمْ
فَأَنْتِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ فِي دَمِي
رَبِيعُكِ نُورٌ، صَيْفُكِ فَرْحُ الْأُمَمْ
خَرِيفُكِ لَوْنُ الْحُبِّ يُذْكِي مَشَاعِرِي
وَشِتَاؤُكِ دِفْءٌ حِينَ تُهْطِلُنِي الْهِمَمْ
إِذَا مَا ضَحِكْتِ، غَنَّتِ الْأَرْضُ فَرْحَةً
وَإِنْ بَكَيْتِ، ذَرَفَتْ الْأَرْضُ بِالدِّيَمْ
أَيَا مَنْ تُغَنِّي لِلطُّيُورِ بِحُبِّهَا
وَتُرْسِلُ فِي الْأُفُقِ الْجَمَالَ بِلَا سَأَمْ
وَمَا كُنْتُ أُخْفِي فِي ضَمِيرِي مَحَبَّتِي
وَلَكِنَّنِي يَا مَنْ أُحِبُّكِ مُغْتَنِمْ
فَلَوْ كَانَ حُبِّي يَمْلِكُ السَّيْفَ وَالْهَوَى
لَمَا ضَاعَ يَوْمًا فِي الْعِرَاكِ وَلَا انْهَزَمْ
فَيَا طَائِرَ الشَّوْقِ، انْطَلِقْ فِي دُعَائِي
وَقُلْ: لِحَبِيبِي إِنَّ قَلْبِي قَدْ تَكَلَّمْ
وَإِنْ كَانَ لِلْعُشَّاقِ نَجْمٌ يُضِيئُهُمْ
فَأَنْتِ النُّجُومُ فِي الْفَضَاءِ وَفِي الظُّلَمْ
أُحِبُّكِ حُبًّا مَا أَطَاقَتْهُ مُهْجَتِي
فَصَارَ فُؤَادِي فِي الْهَوَى نَارًا وَضَرَمْ
805
قصيدة