عدد الابيات : 33
أَبْلِغْ حَبِيبِيَ أَنَّ الشَّوْقَ يُحْرِقُنِي
وَالْقَلْبَ تُضْنِيهِ آلَامٌ وَتَذْكَارُ
قَدْ زَارَ طَيْفُكِ لَيْلًا حِينَمَا هَجَعَتْ
عَيْنِي، فَأَرَّقَنِي وَالدَّمْعُ مِنْهَارُ
مَا لِلْفُؤَادِ سِوَى ذِكْرَاكِ قُوتُهُ
يَحْيَا بِهَا وَلِأَوْجَاعِ الْفِرَاقِ نَارُ
إِنْ غِبْتِ عَنِّي فَكَيْفَ الْبُعْدُ يَحْمِلُنِي
وَالرُّوحُ تَسْأَلُ مَتَى يَجْلُو النَّوَارُ
قَدْ طَالَ نَوْحِي وَلَمْ أَمْلِكْ مَسَامِعَهُ
فِي غُرْبَتِي حَيْثُ لَا وَجْدٌ وَلَا جَارُ
تَمْضِي اللَّيَالِي وَلَا تَفْتَرُّ زَفْرَتُهُ
وَاللَّيْلُ فِي حَلَكَاتِ الْحُزْنِ سَيَّارُ
هَذِي الْعُيُونُ سَهِيرَاتٌ تُكَابِدُهُ
تَبْكِي وَتَسْهَرُ، وَالْفِكْرُ اسْتِغْفَارُ
حَتَّى إِذَا مَا بَدَتْ أَنْوَارُ رَاحِلَةٍ
عَادَ الْفُؤَادُ يُلَبِّي، وَالشَّجَى غَارُ
أَنْتِ الْحَبِيبَةُ إِنْ طَالَتْ مَسَافَتُنَا
قَلْبِي إِلَيْكِ وَإِنْ بَانَتْ بِنَا أَقْمَارُ
سَأَظَلُّ أَذْكُرُ حَتَّى إِنْ شُغِلْتُ بِنَا
دُنْيَايَ، فِيكِ حَنِينُ الْعُمْرِ إِصْرَارُ
أَنْتِ الْوَطَنُ، وَإِنْ غِبْتِ الْفُؤَادُ بَقَى
يَسْعَى إِلَيْكِ وَكُلُّ النَّبْضِ أَحْضَارُ
كَيْفَ الْعُيُونُ تَرَى بَعْدَ الْفِرَاقِ هُنَا
وَأَنْتِ مَنْ عَيْنِي وَالرُّوحُ أَقْدَارُ
مَا لِلْحَنِينِ سِوَى حُبٍّ يَحِلُّ لَهُ
فِي الْقَلْبِ أَبْوَابٌ وَالنَّارُ أَوْتَارُ
سُبْحَانَ مَنْ صَاغَ مِنْ دَمْعِي قَصَائِدَهُ
يَبْكِي الْقَرِيحَةَ وَالْأَشْوَاقُ أَسْرَارُ
لَا طَابَ لِلْقَلْبِ إِلَّا وَأَنْتِ مَوْطِنُهُ
وَفِيكِ أُغَنِّي وَأَحْيَا، أَنْتِ أَنْوَارُ
هَلْ تَذْكُرِينَ هَوَانَا كَيْفَ أَوَّلُهُ
قَسَمْتِهِ بَيْنَنَا، حُبًّا وَإِيثَارُ؟
كُنَّا نَسِيرُ بِدُنْيَا لَا يُكَدِّرُهَا
إِلَّا الْفِرَاقُ، فَصَارَ الْحُبُّ أَكْدَارُ
يَا مَنْ لِطَيْفِكِ عَيْنِي كُلَّمَا ظَهَرَتْ
أَغْضَتْ، وَفِي خَفَقَاتِ الْقَلْبِ أَزْهَارُ
إِنِّي أُحَدِّثُ نَجْمَ اللَّيْلِ عَنْ شَجَنِي
فَيَسْمَعُ الصَّمْتُ وَالْأَحْلَامُ أَسْفَارُ
هَلْ مِنْ لِقَاءٍ بِنَا يَحْكِي مَآثِرَهُ
كَالْأَغْصَانِ، إِذَا لَامَسْنَ أَشْجَارُ
مَا لِلْحَيَاةِ بِلَا رُؤْيَاكِ زَاهِرَةٌ
تُغْنِي الْوُجُودَ، وَفِي الْأُفْقِ أَشْعَارُ
هَلْ تُبْصِرِينَ جَرَاحَاتِي وَمَا حَمَلَتْ
قَلْبًا يُنَاجِيكِ، إِنَّ الْحُبَّ مِعْمَارُ
إِنْ طَالَ بُعْدُكِ، فَالصَّبْرُ الَّذِي بَقِيَ
كَالنَّجْمِ يَشْكُو وَفِي الْأَنْوَاءِ أَحْجَارُ
مَا زَالَ شَوْقِي كَنَارٍ لَيْسَ تُطْفِئُهَا
أَيَّامُ بُعْدٍ، وَفِي الْأَحْشَاءِ إِصْرَارُ
يَا زَاهِيَةَ الْوَجْهِ، هَلْ تَذْكُرِينَ لَنَا
عَهْدًا كَرِيمًا بِهِ الْأَحْلَامُ تَنْهَارُ؟
كَيْفَ الطُّرُوقُ إِلَى دَارٍ لَقَدْ هَجَرَتْ
نَجْمَ الْوِصَالِ، فَأَضْحَى الْبُعْدُ أَقْدَارُ
إِنِّي أُحَدِّثُ رُوحِي كُلَّمَا هَجَعَتْ
أَعْيُنُ النَّاسِ، وَالذِّكْرَى لَهَا أَشْعَارُ
هَلْ كَانَ حُبُّكِ فِي الْأَيَّامِ مُبْتَدَأً
أَمْ أَنَّهُ خَالِدٌ، فِي الْعُمْرِ مِسْتَارُ؟
لَوْ كَانَ قَلْبُكِ يَشْكُو مِثْلَ مَا شَكَتْ
عَيْنِي، لَبَانَ لَكِ الْأَشْوَاقُ أَخْطَارُ
كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى أَفْرَاحِنَا، وَقَدْ
صَارَتْ خُطَانَا بِذُلِّ الْبُعْدِ أَعْثَارُ؟
أَنْتِ الْوَطَنُ، وَإِنْ شَطَّتْ مَنَازِلُنَا
فِي كُلِّ نَبْضٍ لَكِ التَّكْرِيمُ أَكْبَارُ
لَا تَسْأَلِي الْعَيْنَ كَيْفَ الدَّمْعُ يُثْقِلُهَا
فَالْعَيْنُ لِلْحُبِّ مَجْرَى النَّهْرِ مِزْمَارُ
إِنْ عُدْتِ يَوْمًا سَيَحْلُو الْعَيْشُ أَمَلًا
وَيَفْرَحُ الْقَلْبُ إِذْ كَانَ الْوِصَالُ دَارُ
805
قصيدة