ها قد حلّ ما بيننا رخّ الوداع الكبير
وترحلين يا صديقتي السندبادة
عن ضفدعٍ في مراياكِ كان الأمير
بلا قبلةٍ تعافي القلب المكبل الإرادة
من شعوذة القلق الوجودي الضرير
تهجرين قلاع الصمت المنداحِ بيننا
كبدويةٍ تاهت بحثًا عن غيمٍ مطير
ويظلُّ من ذكراكِ أصداء بقايا
تنكأ الحزن في ثكنات الضمير!
كمثلِ فراشةٍ ولدت من شرنقة السبايا
وسط الحرائق رجمًا من سوء التقدير
ما بأيدينا التقينا بمضمار الحكايا
خارج الأعمار من سحر الأساطير
وما العمرُ إلا زمن الشغف القصير
قدرُ الدنيا لنا والفراقُ كتاب المصير
ويظلُّ المرء في العمر مثل جندي أسير؛
بين المحطات والفلوات
عابرًا منتظرًا في أعاصير الزمهرير
تحت حراب البنادقِ والذكريات
مأسورًا ملزمًا باستمرارية المسير!
وترحلين يا صديقتي السندبادة على بساط الريح
مثل قاتلٍ سفاحٍ يكرهُ الأقنعة؛ أذاع شرّهُ المستطير!
تهجرين ساعة رملي الممسوسة بنداءات الضريح
بسابق إصرارٍ وترصدٍ ورزمةٍ من رُسل النذير!
وما باليدِ حيلةٌ تبقيكِ يا صغيرتي؛ يعوزني التفكير
فأنى للفؤاد الجريح، بعد مشنقة الجفا أن يستريح؟
أنا لن أبوح بالهوى كراهبٍ يخون صلبان المسيح
كم أَحْرَقتْ هوّةُ الوقت ما بيننا خرائطَ التعبير؟!
***
بلا تريثٍ أو حاجةٍ إلى التأخير
ومثل ضفدعٍ مسحورٍ بلا تفسير
أتمنى لكِ أنجمًا تنيرُ ليل المسير
ورغم شُحّ الظلال وحرّ الهجير
أتمنى لك باقةً من نسائم العبير
وبحيرةً من الزنابق
في أماسٍ من سكينة
تعزف العذوبةَ لحنًا من خرير
أتمنى لكِ يا فتاتيَّ الحزينة
سلالاً من الخير الكثير
أتمنى لك قصر السعادة
بلا حاجةٍ لحذاءٍ زجاجي صغير!
أيتها السندريلا
في قرىً تعشقُ الخذلان والتدمير
كم تمنيت لو كنت سيدك الشرير
أما الآن، أتمنى لك خيرًا كثير
أن تعثري على قرصان سواي
يخطفك من هذا الكوكب الحقير
مبحرًا بزوارقٍ مجنحةٍ بالحرير
لمجراتٍ لا تعرف ألمًا أو سعير!
عزيزتي السندبادة، إذن هو سمُّ الرحيل
وما من لقيا بعد لُقًى خلناها جِدّ قصيرة
وبعد اليوم المحتضرِ الزفرة
وصولاً فرادى إلى يومِ الآخرة
لن تتكحّل عيناي بسحركِ أيتها الأميرة
لن أراك مرةً أخرى؛ سوى سرابٍ جميل
سترحلين مثل خيتعور الفرحِ القليل،
كبطلةٍ خارقةٍ لا تمسّ،
إلى بُعدٍ موازٍ بعيد
على عصفورةٍ نفاثة الهمس،
أسقمها صدئ الحديد
وأحمل صلبان هجركِ جبالاً ثقال الجليد
وينطفئ القلب الذي كان أكذوبةً لأبريل!
في حنادس الليالي وعتمة الزمن العليل
وبالرغمِ من انشطار القلبِ الكليل
قطعًا من شظايًا حادة النبضِ والتفاصيل
مهشَّمةً بأقدامِ التخلي ورحى الرحيل
وبالرغم من عمرٍ عبثيٍّ كأوهامِ العبيد
أمسى بعد هجرانكِ ومكانس التشريد
تابوتًا فرعونيًّا لشبحِ طاغيةٍ قتيل
من قرارة الروح وبئر الشعر الضِلِّيل
أتمنى لك أكوانًا منيرة،
أيتها الأميرةُ الصغيرة
جدائل أشجارها من قلوبٍ وقناديل!
83
قصيدة