عدد الابيات : 31
يَا سَائِلِي عَنْ جَوْهَرِ الْعِلْمِ وَالْحِكَمِ
وَعَنْ ضَيَاعِ الْجُهَّالِ فِي ظُلْمِ اللَّجَمِ
الْعِلْمُ نُورٌ بِهِ الْأَرْوَاحُ مُزْهِرَةٌ
وَفِي سَنَاهُ تُنِيرُ الْأَرْضُ مِنْ قِدَمِ
كَالْبَدْرِ يَعْلُو عَلَى الْأَفْلَاكِ مُرْتَفِعًا
وَالْجَهْلُ بَحْرٌ بِلَا سَاحَاتِ مُغْتَنِمِ
إِنَّ الْجَهُولَ يَخُوضُ التِّيهِ مُنْدَفِعًا
كَأَنَّهُ فِي غَيَاهِبِ الْبُؤْسِ مُرْتَطِمِ
لَا يَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى
وَلَا يَرَى لِلْعُلُومِ قِيمَةَ اللُّمَمِ
لَوْ أَطْعَمُوهُ ذَهَبًا كَيْ يَسْتَقِيمَ بِهِ
لَبَاتَ حَيْرَانَ فِي أَهْوَالِ مُعْتَصِمِ
لَكِنَّ حُرَّ الْأَنَامِ ذُو بَصِيرَةِ هِمَمٍ
يَسْعَى لِأَعْلَى، كَطَيْرٍ حَطَّ فِي الْقِمَمِ
يَرَى الْحَيَاةَ دُرُوبًا نَحْوَ مَكْرُمَةٍ
تُفْضِي إِلَى الْعِزِّ أَوْ مَرْفَأِ السَّلَمِ
فَالْعِلْمُ تَاجٌ عَلَى الْجَبِينِ مُنْتَصِبٌ
أَبْقَى مِنَ الدُّرِّ فِي الْآفَاقِ وَالنُّظُمِ
يَا جَاهِلًا ظَنَّ أَنَّ السُّرْجَةَ زِينَةٌ
وَنَأَى عَنِ الْعِزِّ فِي عِلْمٍ بِلَا نَدَمِ
هَلْ يَبْلُغُ الْعُلَا مَنْ بَاتَ فِي دَنَسٍ
كَالْحِمَارِ يَنْبِحُ فِي الدُّنْيَا بِلَا كَلِمِ
لَوْ زُيِّنُوهُ بِحُلَّى الْفَخْرِ وَانْتَسَبَ
لَبَانَ خِسَّتُهُ فِي زَهْوِهِ مُلْتَحِمِ
الْعِلْمُ يَبْقَى أَسَاسَ الْعِزِّ مُشْتَرَفًا
وَالْجَاهِلُونَ تَوَارَوْا تَحْتَ جُحْرِهِمِ
لَا يَرْفَعُ الْجَهْلُ مِنْ ذُلٍّ بَنِي أُمَّةٍ
وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ ذِكْرًا عَلَى الْأُمَمِ
فَالسَّيْفُ سَيْفٌ، وَإِنْ جَارَتْ مَظَاهِرُهُ
وَالْعِزُّ مَوْرُوثُ أَعْرَاقٍ مِنَ الْقِيَمِ
يَا طَالِبَ الْعِلْمِ سِرْ فِي دَرْبِهِ نَهِمًا
فَالْعِلْمُ فِيكَ شُعَاعٌ طَافَ بِالْهِمَمِ
اصْبِرْ عَلَى دَرْبِهِ حَتَّى تَنَالَ بِهِ
مَا لَا تَرَاهُ سِوَى ذِي الْعَزْمِ فِي السُّحُمِ
قَدْ يُرْفَعُ الْمَجْدُ إِنْ صَاحَبْتَ خُلْقَتَهُ
وَكَانَ فِي خُلُقِكَ طُهْرٌ وَمُخْتَتَمِ
فَمَا تُسَاوِي دُنًا رَغْمَ الرَّخَاءِ إِذَا
عَصَتْ عَلَى النَّقْصِ أَفْلَاكُ السَّنَا وَظَلَمِ
يُبْدِي الْكَرِيمُ مَآثِرًا فِي عِزِّ مَنْزِلِهِ
وَتُخْفِيهِ نَارُ الدُّنَا رَغْمَ الْمُكْتَسَمِ
وَالْعِزُّ يُشْرِقُ مِنْ عَالٍ بِنَائِهِ
تَفْنَى السُّرُوجُ وَيَبْقَى الْعِزُّ لِلنِّعَمِ
يَا مَنْ تَرَى الْمَجْدَ فَخْرًا فِي مَظَاهِرِهِ
هَلْ تَبْلُغُ النَّجْمَ إِنْ أَضْحَى بِلَا عَزَمِ؟
فَهِمْتَ أَنَّ الْفَخَارَ الْعِلْمُ مُلْتَزَمٌ
بِالْخُلْقِ وَالْفَضْلِ لَا بِالزَّيْفِ وَالنَّغَمِ
تُخْفِي الْفُحُولُ نَسِيمًا لَا يُدْرِكُهُ
كَيْدُ الْحِمَارِ وَلَوْ أَغْرَتْهُ بِالْأَحْجُمِ
يَبْقَى الْكَرِيمُ بِأَفْعَالِ الرُّجُولَةِ فِي
دَرْبِ السَّمَاءِ كَرِيحٍ حَلَّ مُزْدَحِمِ
وَالْعِزُّ لِلْمُجِدِّ إِنْ لَاقَى مَصَاعِبَهُ
يَبْقَى رَفِيعًا وَلَا تُرْدِيهِ مِنْ نِقَمِ
فَمَنْ تَرَاهُ وَإِنْ طَالَتْ مَعَالِفُهُ
يَرْعَى الشُّمُوخَ كَذِي أَصْلٍ وَمُعْتَزِمِ
إِذَا تَفَاخَرَ ذُو وَضْعٍ بِمَرْتَبَةٍ
بَدَتْ حَقَائِقُهُ فِي زَهْوِهِ الْمُسْهَمِ
قَدْ يُظْهِرُ الْقَلْبُ عَنْ حُبٍّ مَشَاعِرَهُ
إِنْ كَانَ ذَا خُلُقٍ سَامٍ وَمُلْتَزِمِ
فَادْفَعْ بِنَفْسِكَ لِلْآفَاقِ فِي طَمَعٍ
فَالْعِزُّ يُسْكَبُ فِي عَزْمِ ذَوِي الْحِمَمِ
وَالْبَحْرُ بَحْرٌ، وَإِنْ طَالَتْ شَوَاطِئُهُ
يَبْقَى الْأَصِيلُ كَرِيمَ الْأَصْلِ وَالْقَدَمِ
1280
قصيدة