عدد الابيات : 35
سَقَى اللَّهُ أَيَّامَ اللِّقَاءِ بِوَابِلِ
وَأَسْبَلَ مِنْ عَيْنِ السَّحَابِ الْهَوَامِلِ
لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُطِيلَ وِصَالَنَا
وَلَكِنَّهَا الْأَقْدَارُ خُلْفُ الْعَوَاذِلِ
فَيَا دَهْرُ رُدَّ الْحُلْمَ إِنَّكَ قَادِرٌ
وَعُدْ بِنَا لِعُهُودِ اللِّقَاءِ الْأَوَّلِ
وَوَقَفْتُ بِالدَّارِ الْخَوَالِي فَأُضْرِمَتْ
جَوَانِحُ قَلْبِي بِالْوَجَعِ وَزَوَائِلِ
تَخَلَّتْ رِيَاحُ الشَّوْقِ عَنِّي، وَغُلِّقَتْ
دُرُوبُ الْمُنَى بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَنَازِلِ
فَلَا ظِلَّ بَعْدَ الْيَوْمِ يُؤْنِسُ وَحْشَتِي
وَلَا طَيْفُهَا يَسْرِي كَضَوْءِ الْقَنَادِلِ
أَحِنُّ إِلَى لَمْسِ الْيَدَيْنِ وَكَأَنَّنِي
صَرِيعُ جِرَاحٍ فِي ظَلَامِ السَّلَاسِلِ
تَذُوبُ الْحَنَايَا مِنْ أَنِينِ حَنِينِهَا
وَيَرْتَدُّ صَوْتِي فِي الْفَضَا هَزَاهِلِ
فَيَا لَيْتَ شَمْسَ الْحُبِّ تُشْرِقُ تَالِيًا
وَتَنْثُرُ نُورَ الْوَصْلِ قَمَرَ عِوَايِلِ
كَتَبْتُ بِالرَّسْمِ الْعَتِيقِ مَدَامِعِي
سُطُورًا مِنْ ذِكْرَى بِحَرْفِ مَقَاتِلِ
فَيَا سَارَةَ الْهَجْرِ الطَّوِيلِ، تَرَفَّقِي
فَإِنِّي أُقَاسِي بِاللَّوْعَةِ الْهَوَالِلِ
تَذُوبُ عُيُونِي بِلَظَى الشَّوْقِ وَالضَّنَى
كَمَاءِ الْغَمَامِ الْمُسْتَهَلِّ الْمُوَاطِلِ
أَيَا قَلْبُ حَسْبُ الْعَيْنِ دَمْعٌ يُبَدِّدُ
جِرَاحَكَ، لَا تَجْزَعْ، فَصَبْرُكَ عَادِلِ
فَسَارَةُ إِنْ طَالَ الْجَفَاءُ فَإِنَّنِي
سَأَكْتُبُهَا فِي الرُّوحِ لَحْنًا مُبَادِلِ
لَعَلَّ اللَّيَالِي تَسْتَجِيبُ لِحُزْنِنَا
وَتُقْسِمُ أَنْ نَلْقَى اللِّقَاءَ الْمُوَاصِلِ
فَيَا رَكْبَ أَيَّامِ الْوِصَالِ تَوَقَّفُوا
فَمَا عَادَ صَحْنِي سِوَى طَيْفِ رَاحِلِ
وَقُولُوا لَهَا: إِنَّ الْفُؤَادَ مُلَسَّعٌ
وَإِنَّ النَّوَى نَارٌ تَلَظَّى بِهَاطِلِ
فَيَا سَارَةَ الْأَحْلَامِ إِنِّي مُتَيَّمٌ
وَأَشْجَانِي النِّيرَانُ بَيْنَ الْجَوَاهِلِ
فَيَا دَهْرُ إِنْ كَانَ الْفِرَاقُ مُقَدَّرًا
فَإِنَّ بَقَائِي بَيْنَ هَذِي الْمَطَالِلِ
كَطَيْرٍ بِلَا جَنَاحٍ تَهَاوَى بِحَسْرَةٍ
يُنَادِي وَلَكِنْ لَا يَعُودُ الْهَدَاهِلِ
وَيَا دَهْرُ، مَهْلًا، إِنَّ بِالْقَلْبِ لَوْعَةً
تُنَازِعُهُ الْأَشْوَاقُ بَيْنَ الْجَنَادِلِ
كَالْعُودِ يُبْكِيهِ النَّشِيجُ إِذْ انْطَوَتْ
عَلَيْهِ اللَّيَالِي فَاسْتَبَاحَ التَّمَاثُلِ
أُنَاجِي الدُّجَى، فَهَلْ مِنْ مُؤَانِسٍ؟
أَمَا لِلرُّؤَى عَهْدٌ يُعِيدُ التَّسَاؤُلِ
تُرَانِي أُلَامُ الْيَوْمَ بِأَنِّي مُتَيَّمٌ
وَسِرْتُ وَرَاءَ الرُّوحِ فِي إِثْرِ رَاحِلِ؟
إِذَا كَانَ عُذْرًا أَنْ أَذُوبَ مِنَ النَّوَى
فَذَنْبِي جَلِيٌّ لَيْسَ فِيهِ تَسَاهُلِ
تَأَمَّلْ فُؤَادِي، كَيْفَ ضَجَّ بِلَوْعَةٍ
كَزَهْرٍ تَهَاوَى فَوْقَ شَعْرِ الْجَدَائِلِ
فَيَا دَارُ، أَيْنَ الْأَمْسُ؟ أَيْنَ سُكُونُهُ؟
وَأَيْنَ الْهُيَامُ الطَّاهِرُ الْمُتَوَاصِلُ
وَأَيْنَ يَدٌ كَانَتْ تُلَامِسُ رَاحَتِي
فَتُشْعِلُ فِي رُوحِي ضِيَاءَ الْأَوَانِلِ
هَلِ الْبُعْدُ كُتِبَ أَنْ يَكُونَ مُبْرَمًا
نُعَانِي مَصِيرًا لَيْسَ مِنْهُ تَحَاوُلِ
أُجَرِّدُ شَوْقِي مِنْ كَوَابِيسِ صَبْرِهِ
فَيَصْرُخُ: "هَلْ فِي الْهَجْرِ سِرٌّ لِعَاقِلِ؟"
أَجُوبُ الدُّجَى وَحْدِي، هَلْ لِمُجِيبِهِ؟
أَيَا لَيْلُ، حَسْبِي مِنْ أَسَاكَ تَسَاهُلِ
فَإِنْ كَانَ فِي الْأَقْدَارِ وَصْلٌ لِعَاشِقٍ
فَهَاتِ يَدَيْكَ الْآنَ لِلرُّوحِ نَوَائِلِ
فَيَا نَجْمُ، سَافِرْ مَدَاهَا هَلْ تُرَى
تَرُدُّ السَّنَا لِلْمُقْتَنِي لِزَلَازِلِ؟
وَيَا رِيحُ، هُبِّي، وَاحْمِلِي مِنْ شَذَاهَا
دُعَاءً قَدِيمًا فِي جُذُوعِ السَّوَامِلِ
وَيَا أَرْضُ، خُذِي مَا بَقِيَ مِنْ جُرُوحِنَا
وَانْثُرِيهِ رَمَادًا فِي جَبِينِ السَّوَاحِلِ
1280
قصيدة