عدد الابيات : 49
قِفْ خَاشِعًا فَالْأُمُّ تُرْوَى نُخْبَةً
مِنْ حُبِّهَا تَسْمُو الْحَيَاةُ وَتُعْجَبُ
هِيَ نَبْعُ طُهْرٍ لَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُ
وَبِفَيْضِهِ كُلُّ الْقُلُوبِ تُرَطَّبُ
مِنْ لُطْفِهَا غَطَّتْ فُؤَادِيَ رَحْمَةٌ
وَبِعَطْفِهَا كُلُّ الدُّنَا يَتَطَيَّبُ
هِيَ جَنَّةُ الْعُمْرِ الَّتِي لَوْلَاهَا
مَا كَانَ لِلنَّبْضِ الْعَذِيبِ تَرَنُّبُ
سُبْحَانَ مَنْ أَجْرَى بِهَا نَهْرَ الْهُدَى
وَبِفَضْلِهَا كُلُّ الْبَرِيَّةِ تُرْحَبُ
أُمِّي وَمَجْدُ الْحُبِّ أَعْظَمُ نِسْبَةٍ
هِيَ فِي الْجَلَالِ مَآثِرٌ لَا تُكْتَبُ
هِيَ مَنْ إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ مِحْنَتِي
كَانَتْ لِقَلْبِي دَارَ أَمْنٍ تُرَتَّبُ
هِيَ مَنْ زَرَعَتِ الْعَطْفَ فِي أَرْوَاحِنَا
فَإِذَا بِكَفِّهَا جَدْوَلٌ مُتَسَرِّبُ
كَمْ بَاتَ جَفْنُكِ سَاهِرًا فِي وَجْدِهِ
وَالنَّوْمُ عَنْ عَيْنَيْكِ لَيْسَ يُقَرَّبُ
كَمْ ذُقْتِ حُزْنًا كَيْ أَعِيشَ مُنَعَّمًا
وَتَحَمَّلَتْ رُوحِي لِكَيْ أَتَرَحَّبُ
أَنْتِ الرَّبِيعُ، وَفِي يَدَيْكِ عَطَاؤُهُ
بِكِ كُلُّ غُصْنٍ فِي الْحَيَاةِ مُهَذَّبُ
أَنْتِ الَّتِي لَوْ كَانَ يُهْدَى فَضْلُهَا
لَمَلَأْتُ هَذَا الْكَوْنَ وَرْدًا يُذْهِبُ
إِنْ قُلْتِ "لَا" فَهِيَ الْحَيَاةُ بِحُكْمِهَا
أَوْ قُلْتِ "نَعَمْ" فَالْكَوْنُ حُبٌّ مُعْشَبُ
أَنْتِ الَّتِي لَوْ كَانَ قَلْبُكِ مَوْطِنًا
لَسَكَنْتُهُ وَالْعُمْرُ فِيهِ مُهَذَّبُ
إِنْ نَادَتِ الْأَرْوَاحُ صَوْتَكِ نَغْمَةٌ
وَبِفَيْضِ عَطْفِكِ كُلُّ دَمْعٍ مُعَذَّبُ
يَا أَنْعَمَ الرُّوحِ الَّتِي هِبَتْ لَنَا
ضِيءَ السَّعَادَةِ، وَالزَّمَانُ مُهَوَّبُ
مَهْمَا كَتَبْنَا فِيكِ شِعْرًا عَاطِرًا
يَبْقَى الْعَبِيرُ عَلَى الْقُلُوبِ مُنَصَّبُ
يَا مَنْ حَمَلْتِ النُّورَ فِي أَحْشَائِهَا
وَسَقَيْتِ حَيَاتِي فَجْرَ حُبٍّ أَعْذَبُ
إِنْ كَانَ فِي الْخُلْدِ الْمَقَامُ لِمَنْ لَهُمْ
فَضْلٌ، فَأَنْتِ الْأَوْلَى فِيمَنْ يُعْتَبُ
يَا مَنْبَعَ الْأَخْلَاقِ، يَا نَبْعَ الْوَفَا
يَا قَلْبَ نَهْرٍ بِالْعَطَاءِ مُجَرْعَبُ
تَبْقَيْنَ فِينَا مَا بَقِينَا شُعْلَةً
نُورًا تَهَادَى فِي الدُّجَى مُتَلَهِّبُ
إِنْ مِتُّ يَوْمًا لَا أُرِيدُ سِوَى دُعَا
مِنْ قَلْبِ أُمِّي، فَهُوَ زَادٌ يُعْجَبُ
يَا رَبِّ فَاحْفَظْهَا لَنَا مِنْ كُلِّ ضُرٍّ
وَاجْعَلْ مَقَامَ الْأُمِّ فِيكَ مُقَرَّبُ
وَإِذَا افْتَرَقْنَا فَالْجِنَانُ مَعَادُنَا
حَيْثُ الْحَنَانُ يُعِيدُ شَمْلًا مُذْهِبُ
يَا أُمُّ، يَا سِرَّ الْوُجُودِ وَرَحْمَةً
بِكِ يُورِقُ الْأَمَلُ الْجَمِيلُ وَيُطْرَبُ
أَنْتِ الَّتِي إِنْ فَاضَ دَمْعُكِ لَحْظَةً
أَبْكَى السَّمَاءَ الْوَجْدُ، وَالْكَوْنُ يَغْتَرِبُ
أَنْتِ السِّرَاجُ إِذَا تَهَاوَتْ خُطْوَتِي
وَبِنُورِ وَجْهِكِ كُلُّ دَرْبٍ يُرَتَّبُ
أَنْتِ الَّتِي فِي صَمْتِهَا أَلْفُ الدُّعَا
تَسْمُو بِهِ الْأَرْوَاحُ، وَاللَّهُ يَسْتَجِبُ
مَنْ ذَا يُقَارِنُ فِي الْعَطَاءِ مَقَامَهَا
هِيَ جَنَّةٌ سَكَنَ الْفُؤَادُ، وَيَعْذُبُ
يَا أُمُّ، لَوْ سَطَّرْتُ فَخْرَكِ أَبَدًا
لَمْ تَكْفِهِ الصُّحُفُ الْكِرَامُ وَتُكْتَبُ
أَنْتِ الَّتِي بِجَمِيلِ صَبْرِكِ أَنْجَبَتْ
رَجُلًا كَرِيمًا بِالْعُلَا يَسْمُو يَتَنَسَّبُ
يَا أُمُّ، أَنْتِ الطُّهْرُ فِي أَنْفَاسِنَا
وَالنَّبْضُ يَبْقَى بِاسْمِكِ يَتَرَطَّبُ
لَوْلَاكِ مَا سَمَتِ الْبَرَايَا خُطْوَةً
وَبِحُبِّكِ الْأَيَّامُ تُزْهَى، وَتَعْذُبُ
تَبْقَيْنَ فِي الْقَلْبِ الْكَبِيرِ مَكَانَةً
حُبًّا تَوَارَثَهُ الزَّمَانُ، وَيَرْهَبُ
يَا فَرْحَةَ الْأَعْوَامِ عِيدُكِ أَطْيَبُ
وَبِحُبِّكِ الْعُمْرُ الزَّكِيُّ مُطَيَّبُ
فِي كُلِّ عَامٍ أَنْتِ أَنْوَارُ الدُّنَا
وَبِوَجْهِكِ الزَّمَنُ الْبَهِيُّ مُهَذَّبُ
يَا زَهْرَةً عَطَّرَتْ حَيَاتِي كُلَّهَا
وَبِنُورِهَا الدُّجْنُ الْعَمِيقُ مُغَيَّبُ
كَمْ مِنْ عَطَاءِ كَفِّكِ انْهَالَ الرِّضَا
وَبِفَيْضِهِ الْقَلْبُ السَّعِيدُ يُهَذَّبُ
يَا أُمُّ كُلُّ الْعُمْرِ دُونَكِ مُظْلِمٌ
وَبِحُبِّكِ الْعُمْرُ الْجَمِيلُ يُحَبَّبُ
عِشْتِ الْحَيَاةَ بِطُهْرِ قَلْبٍ نَيِّرٍ
وَبِحُسْنِهِ الدُّنْيَا تُبَارَكُ تَرْحَبُ
يَا بَسْمَةَ الدُّنْيَا وَيَا أَجْمَلَ الرُّؤَى
بِمَوْلِدِكِ الْعُمْرُ الْهَنِيُّ يُعَطَّبُ
يَا رُوحَ طُهْرٍ فِي الْوُجُودِ تَأَلَّقَتْ
وَبِرِقَّتِهَا كُلُّ السَّمَاءِ تَتَهَدَّبُ
كَمْ كَانَ دَعْوَاكِ السَّنِيُّ مَلَاذَنَا
وَبِصَوْتِكِ الْمَلْهُوفُ يَحْيَا وَيُرْطَبُ
يَا رَبُّ فَاحْفَظْهَا وَطِلْ فِي عُمْرِهَا
وَبِرِضَاهَا كُلُّ حُزْنٍ يُتَجَنَّبُ
يَا أُمُّ دُمْتِ لَنَا ضِيَاءً سَاطِعًا
وَبِحُبِّكِ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ مُسَبَّبُ
يَا مَنْبَعَ الْإِحْسَانِ دُومِي رَحْمَةً
وَبِدُعَائِكِ كُلُّ دَرْبٍ يُرَحَّبُ
إِنْ غِبْتُ يَوْمًا فَالْجِنَانُ مَزَارُنَا
حَيْثُ الْحَنَانُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ يُصْحَبُ
وَتَظَلُّ فِي الْقَلْبِ الْكَبِيرِ مَكَانَةٌ
وَبِفَضْلِهَا دَرْبُ الْمُحِبِّ يُعْجَبُ
يَا رَبِّ فَاحْفَظْهَا وَطِلْ فِي عُمْرِهَا
فَبِرِضَاهَا كُلُّ الذُّنُوبِ تَذْهَبُ
1280
قصيدة