إنّي بحماقةِ مجنونٍ أهوجَ
أوقظُ وحشًا مفترسًا شرسًا من غفوتِهِ
وأشاكسُهُ
وأصارعُهُ من غيرِ عصًا أو سكّينٍ
فيمزّقُني تمزيقًا
وتغيِّبُ ما يبقى من أشلائي حُفَرُ
وأظلُّ أردِّدُ :
هيّا اعطوني إكليلًا من ذهبٍ
وثيابًا من أزهارٍ
وقوالبَ حلوًى
قد ماتَ الوحشُ
تلاشى وتهاوى
وأنا منتصرُ
يهوي فوقي سقفي
وقنابلُ تهدمُ أسواريْ
وأعاصيرُ تعرّيني من أرديتي
وسيولٌ تجرفُ بستانيْ
تنهارُ قلاعي
ويُداسُ زبيبي
ويلوَّثُ ليْ نهري
لا شيءٌ يبقى
لا ساقيةٌ
لا رابيةٌ
لا قمحٌ
لا شجرُ
وأنا كالسّكرانِ أهلِّلُ في تصفيقٍ :
إنّي أنا منتصرُ
تاريخي تُمحى أسطرُهُ
وعلى أرصفةٍ تبلى كتبي
وتكسَّرُ أقلامي
وتمزَّقُ جغرافيا وطني
لا غنمٌ لي ترعى فوق تلالٍ خضراءَ
ويهربُ مذعورًا من ليلي قمرٌ أعشقُهُ
لا نايَ على شفتيْ أنفخُ فيهِ
لا موّالٌ يطربُني
لا همساتُ سواقٍ
لا سمَرُ
وأنا منتشيًا أشدو :
إنّي منتصرُ
أرغفتي تُسلَبُ ساخنةً من يدِ أطفاليْ الجوعى
ومياهي أشحذُها من آبارِ سوايَ
أُشرَّدُ
أُلطَمُ
مأوايَ تخومُ الغيرِ
وسِلْمي مفقودٌ
وعقاربُ تطلبُ لسعيْ
في الصّيفِ تحرّقُني الشّمسُ
ووقتَ شتائي يرهقُ رأسيْ المطرُ
وأردِّدُ كالسّابقِ في بَلَهٍ :
إنّي منتصرُ
لا أعشقُ زنبقةً تبسمُ لي
أو قافيةً يُنشدُها الشّعراءُ
ولا أهوى لونَ فراشاتٍ
أو لحنَ بلابلَ في بستاني
وتضايقُني رقصةُ عشّاقٍ قربَ البحرِ
ووثبةُ ظبيٍ في غابةِ غيري
وأنا غاباتي بيديْ أتلفُها
وحياتي أكسرُ جرّتَها
وأدمّرُ ضحكتَها
ثمّ بخنجرِ وهمي هذا أنتحرُ
وأظلُّ أردّدُ كالبَبْغاءِ :
أنا منتصرُ